array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 162

النمو وفرص العمل مرتبط باقتصاد المعرفة لقارة ثلاثة أرباع سكانها شباب

الأحد، 30 أيار 2021

تتناول هذه الدراسة واقع وآفاق التكنولوجية الرقمية في القارة الإفريقية وآثارها على الفعالية الإنتاجية والعمالة من خلال تحليل وصفي يعتمد على إحصائيات رقمية ومخرجات عدد من التقارير الحديثة الصادرة عن المؤسسات الدولية المتخصصة على غرار البنك الدولي، المكتب الدولي للعمل، برنامج الأمم المتحدة للإنماء، كما تخلص إلى جملة من التوصيات التي تهدف إلى خلق مناخ مناسب للأعمال من أجل احتضان واستقطاب التكنلوجيا الرقمية بهدف تحسين أداء المؤسسات ورفع مستوى الإنتاجية وخلق فرص عمل.

واقع الاقتصاد الإفريقي

      بلغ عدد سكان القارة الإفريقية سنة 2020م، حسب التقرير الإحصائي للبنك الدولي 1,106 مليار60% منهم شباب لا يتجاوز سنهم 25 سنة ، مما يجعلها أصغر قارة في العالم ، غير أنها تضم حوالي 420 مليون نسمة يعيشون تحت عتبة الفقر أي أقل من 1,90 دولار يوميًا، و هو  ما يعادل تقريبا 37 % من سكان القارة علمًا أن معدل الفقر هذا قد تراجع مقارنة بسنة 2010م، عندما كان نسبة السكان تحت عتبة الفقر إلى إجمالي عدد السكان 46,56 % ، وتعتمد معظم الدول الإفريقية بشكل كبيرعلى نموذج نمو اقتصادي يرتكز على الإنفاق الحكومي الممول بعوائد صادرات المواد الخام سواء من المحروقات أو المواد المعدنية او المنتجات الزراعية، لذلك فهو معرض لخطر الصدمات  الخارجية و لتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي وذلك بالنظر إلى الترابط بين الطلب العالمي على السلع الأولية خاصة الموارد الطبيعية وأسعارها في الأسواق الدولية مع معدلات النمو الاقتصادي، بالرغم من ذلك تبقى حصتها من حجم الصادرات العلمية ضعيفة حيث لم يتجاوز سنة 2020م، إلى إجمالي الصادرات العالمية 2,53 % فمن 18,708 ترليون دولار لم تصدر الدول الإفريقية سوى 472 مليار دولار ، تتقدمها الدول المصدرة للبترول ( نيجيريا ، الجزائر، أنجولا ، ليبيا ) بإجمالي صادرات في حدود 154,72 مليار دولار ثم جنوب إفريقيا ب90,42 مليار دولار وهو ما يعادل تقريبًا  51,70% إلى إجمالي الصادرات الإفريقية، علمًا أن حتى جنوب إفريقيا تعتمد بشكل رئيسي على عوائد مبيعات المواد الخام خاصة المعادن الثمينة، على الرغم من ذلك تظل أفضل دولة إفريقية من حيث تصدر المنتجات المصنعة في حدود 20% إلى إجمالي صادرتها بما فيها السيارات التي تمثل حوالي11 % من مبلغ الصادرات الإجمالي.

      في السياق ذاته لا تساهم  الدول الإفريقية في الإنتاج العالمي المعملي و الصناعي سوى بمستويات ضعيفة حيث تقتصر على بعض الدول على غرار جنوب إفريقيا، إثيوبيا، وليسوتو، ومصر وهي محدودة في منتجات من أهمها  النسيج والملابس، و كنتيجة حتمية تبقى مساهمتها في التجارة العالمية المرتبطة بالمنتجات المعملية و الصناعية ضعيفة جدًا، نذكر منها الملابس بــ 2,5 % كمنتجات نهائية و 0,5% كمنتجات وسيطة تدخل في صناعة الأحذية وذلك بالنسبة إلى الأنشطة المعملية، أما فيما يخص المنتجات الصناعية على غرار صناعة السيارات فتساهم بنسبة 1,3% كمنتجات نهائية و 1%  كمنتجات وسيطة. في مقابل ذلك تستورد البلدان الإفريقية بصورة رئيسية الآلات والتجهيزات ومعدات النقل وأنواع عديدة من السلع المصنَّعة النهائية والوسيطة.

        من جهتها تتميز الاستثمارات المباشرة نحو إفريقيا بمستوى متواضع وتقتصر على الصناعة الاستخراجية حسب تقرير للأمم المتحدة للتجارة والتنمية، مع معدلات منخفضة فيما يخص التوظيف و التحول التكنلوجي، حيث لم يتجاوز المعدل السنوي للتدفقات المباشرة نحو الداخل في شمال القارة 12 مليار دولار خلال الفترة 2011-2015م، مقابل 16 مليار دولار بالنسبة إلى غرب إفريقيا خلال ذات الفترة ، و استقطب عدد من دول شرق إفريقيا الاستثمارات الأجنبية بمناسبة اكتشافات احتياطات الغاز الطبيعي والنفط على غرار تنزانيا و أوغندا، حيث ساهم ذلك في تدفق النقد الأجنبي نحو الداخل بالمنطقة  في حدود 6,4 مليار دولار.

  واقع المؤسسة المصغرة والتوظيف في إفريقيا

 

   لا يستجيب النمو الكمي للمؤسسات الإنتاجية إلى معدلات نمو العمالة في معظم دول القارة ، في مقابل ذلك يسيطر الاقتصاد الموازي على المشاريع المصغرة ويعتبر المصدر الأساسي لدخل عدد كبير من العائلات  كما أنه يساهم في خلق مناصب عمل،  ينتشر هذا الأخير في  مجالات متعددة من أهمها  تجارة التجزئة و النقل، و خدمات الصيانة، و يعتمد أغلبية أصحاب هذه المشاريع على التمويل الذاتي من أجل إطلاق مشاريعهم بنسبة 83% ، بينما يحصل 11% على تمويل عائلي، ليقتصر أولئك  الذين يعتمدون على القروض التي تمنحها المؤسسات المالية على نسبة 2% ، كما أنه يوفر فرصة كبيرة للعمالة النسوية خاصة في غرب إفريقيا حيث  بلغت نسبة المشاريع المصغرة المملوكة أو المسيرة من قبل  المرأة حسب تقرير البنك الدولي 54% بالمنطقة ليقارب 60% في كل من نيجيريا وغانا .

     وتتميز إفريقيا على أنها المنطقة الأسرع من حيث نمو العمالة نتيجة لارتفاع معدل النمو الديمغرافي السنوي المقدر ب 2,7 %، بالمقابل تبقى الأضعف من حيث المؤهلات ورأس المال البشري خاصة لدى فئة المراهقين، وتختلف معدلات البطالة حسب الأرقام الرسمية من دولة إلى أخرى فهي مرتفعة في عدد من الدول الكبرى حيث تتجاوز 30% في كل من جنوب إفريقيا و نيجيريا و أنغولا، في حين تبقى متوسطة في شمال القارة مسجلة  11,4 %  بالجزائر و 12,5 % بالمغرب و 7,2% بمصر ،  بينما تشير الإحصائيات إلى انخفاض معدل البطالة في عدد من دول غرب القارة ( بإدراج القطاع الموازي) نذكر منها ساحل العاج 2,4 % و الكمرون حوالي 3 % و سيراليون 4.3%، غير أن عددًا كبيرًا من الوظائف خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء غير مستقر حيث بلغ معدل هذه الأخير إلى إجمالي العمالة  حسب إحصائيات البنك الدولي  لسنة 2020 معدل 34% . 

 

واقع الإنترنت ومدى استخدام التكنلوجيا الرقمية في قطاع الأعمال

 

    تشير أرقام البنك الدولي إلى أن نسبة الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت في إفريقيا إلى إجمالي السكان بلغ 51% سنة 2020م، مسجلة ارتفاعًا مقارنة بسنة 2010م، عندما كانت ذات النسبة في حدود 29 %، في مقابل ذلك يمتلك معظم سكان القارة هواتف ذكية تتجاوز نسبة 80 % إلى إجمالي السكان في عدد من المناطق على غرار شمال القارة، جنوب إفريقيا، وكذا في كل من كينيا والسينغال.

 

   ويستخدم حوالي 65% من المؤسسات بما فيها تلك التي تنشط في الاقتصاد الموازي الانترنت للتزود بمعلومات حول أنشطتهم، وهو ما ساهم عمليًا في رفع أداء أنشطتهم ، كما إن استخدام المنصات الرقمية للبيع و الشراء مباشرة، أو من خلال إنشاء مواقع للوساطة و تقريب وجهات النظر بين البائع والمشتري يبقى عند مستويات مقبولة، غير استخدام الإنترنت لأغراض إدارة الأعمال على غرار ربط اتصال مباشر بين أطراف المعاملات والصفقات الكبيرة أو البحث عن موردين أو رفع حجم محفظة الزبائن وكذا الاهتمام بمسالة الظهور على الانترنت يبقى دون المستوى المطلوب،  ويعود ذلك إلى أسباب من أهمها عدم توفر أجهزة الكمبيوتر ومعدات الإنترنت بالقدر الكافي في معظم المؤسسات، في حين يشتكي أصحاب المشاريع في عدد من الدول كرواندا، وكينيا، والسينغال من ارتفاع تكاليف خدمة الإنترنت دون إغفال سبب رئيسي آخر يتمثل في عدم اكتراث  عدد كبير من مسيرو الأعمال لأهمية الإنترنت في إدارة قطاع الأعمال والتجارة، و رغبتهم في تجنب الإفصاح و الشفافية التي تضمنها المعاملات الرقمية للتقليل من المتابعات الإدارية و الضريبية.

 

     في مقابل ذلك تعتبر الهواتف محمولة الذكية في إفريقيا الوسيلة الرئيسية للوصول إلى الإنترنت مقارنة بمختلف الأجهزة الإلكترونية الأخرى، بالرغم من ذلك يبقى استخدامها لأغراض مهنية وتجارية دون المستوى المطلوب حيث لا يتجاوز 35 % كأعلى نسبة مسجلة في السينغال. غير أنها عرفت انتشارًا واسعًا فيما يخص التحويلات المالية خاصة في شرق القارة كما أنها امتدت إلى مناطق نائية بالمنطقة، حيث بلغت المدفوعات النقدية بواسطة المحمول الذكي 16 مليون معاملة يوميًا على مستوى شرق القارة خاصة مع ارتفاع عدد المنصات الرقمية المختصة في التحويلات المالية والتي من أبرزها M-Pesa وتتصدر دولة كينيا المشهد حيث يستخدم 93 ٪ من السكان البالغين مدفوعات الهاتف المحمول.  كل ذلك سمح لإفريقيا أن تتحول إلى أكبر سوق لصناعة الهواتف المحمولة الآسيوية ومن ثمة استقطاب الاستثمارات الآسيوية خاصة الصينية.

 

مساهمة التكنلوجيا الرقمية في رفع مستوى الإنتاجية والتوظيف

   ساهمت التكنلوجيا الرقمية في تحسين ظروف العمل نسيبًا في عدد من القطاعات من أهمها تلك المرتبط بتجارة التجزئة البسيطة وكذا في المجال الزراعي، في حين استخدمت التطبيقات الرقمية في خلق مناصب عمل مؤقتة خاصة في مجال الوساطة المالية والتجارية والنقل.

   في هذا الصدد وفي المجال الزراعي أصبح من المهم للمزارع الحصول على مختلف المعلومات بفضل المنصة الرقمية Farmerline التي تديرها شركة برمجيات والتي تتيح تبادل معلومات مفيدة متعلقة بمدخلات الإنتاج، تطور الأسعار في مختلف الأسواق، أحوال الطقس، وكذا أفضل طرق الزراعة عن طريق رسائل نصية قصيرة أو رسائل صوتية يتم تبادلها -باستخدام اللغة الأم-حوالي 200000مزارع في 11 بلد.

   من جهتها ساهمت المنصات الرقمية و الخدمات الإلكترونية التجارية و المالية ، في دعم فرص العمل خاصة في الاقتصاد الموازي، واستخدمت عوائدها في التمويل الأولي للمشاريع الخاصة، في هذا الصدد و بفضل المنصات الرقمية لشركتي Uber, Airbnb تم توظيف ملايين من سائقي السيارات الذين ما عليهم سوى اتباع تعليمات تظهر على الشاشة الذكية، حيث توفر هتان المنصتان الرقميتان من خلال دور الوساطة لطالبي التنقل بالسيارات فرص إيجاد عروض متعددة للتنقل، من جهتها وظفت شركة جوميا Jumia الرائدة في التجارة الإلكترونية حوالي 3000 عامل في منطقة غرب إفريقيا وكذا 100000 عامل إضافي للقيام بمساعدة الزبائن على تقديم الطلبيات، كما استثمر عدد كبير من المستفيدين من خدمة التحويلات النقدية MTN Mobile Money  بدولة غانا أموالهم التي يحصلون عليها عن طريق تحويلات دولية في  شراء بطاقات شحن الهاتف و إعادة بيعها بأجزاء مصغرة، كل هذه الأنشطة ساهمت بشكل مباشر في إيجاد حلول لكسب قوت عدد كبير من الفئة العمالية بالرغم من أنها فرص عمل ظرفية لكنها ساهمت بالمقابل في تكوين مدخرات استخدمت في إطلاق مشاريع خاصة.

  إلى جانب ذلك ساهمت ظروف كوفيد-19 في دعم الابتكارات التكنلوجية في هذا الصدد تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن 120 اختراع تكنلوجي تم تجريبه أو اعتماده في إفريقيا، وهوما يعادل حسب ذات المنظمة 12,8 % من الابتكارات المجربة والمعتمدة على مستوى العالم، 50 % منها عبارة عن تطبيقات في مجال الاتصال الرقمي و10 % في مجال الآلي (الروبوتيك)، دون إغفال مجالات أخرى على غرار، المراقبة، الحماية، المعالجة، وأنظمة تسيير المخابر بينما يبقى أبرزها الفحص الذاتي.

الدور الحكومي واقتصاد المعرفة في دعم التكنلوجيا الرقمية

   تشير دراسات المنظمات الدولية على غرار البنك الدولي إلى أن المؤسسات الإنتاجية التي تستخدم التكنلوجيا الرقمية خاصة في مجال الإدارة وتسيير المخزون وكذا تلك التي تمتك مواقع على الإنترنت للتعريف بالمنتوج تساهم في رفع مستوى الإنتاج وخلق فرص عمل مباشرة و غير مباشرة ، في هذا الصدد و حسب بيانات البنك الدولي تستقطب عروض العمل التي تعتمد على الاتصال الرقمي 2,3 مرة العمالة  مقارنة بطرق التوظيف التقليدي ، كما أن الأجور الموزعة في المؤسسة التي تستخدم الرقمنة يفوق في عدد من الدول الإفريقية  2,4 مرة الأجور الموزعة في المؤسسة التي تسيّر وفق نمط التسيير التقليدي.

    لذلك وضعت حكومات الدول الإفريقية خاصة جنوب الصحراء برامج لتأهيل مختلف القطاعات في مجال التكنلوجيا الرقمية سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق استخدام اقتصاد المعرفة ، في هذا الصدد تم اعتماد أنماط تكوينية لتجاوز الأمية الرقمية في الأوساط العمالية الأقل تأهيلاً أين يحتاج عدد من العمال لتكوين تكميلي خاصة في مجال التكنلوجيا الرقمية ، سواء من خلال دورات قصيرة، أو باستخدام أحيانا فيديوهات تشرح عمليًا بالصورة أو بالصوت وبلغة بسيطة محلية طريق استخدام المنتج الرقمي، كما عملت ذات الحكومات على تحرير المبادرات الابتكارية وشجعت على تجسيدها وساهمت في غرس ثقافة إنشاء المؤسسة الخاصة.  

     في السياق ذاته أشرك عدد من الحكومات في إفريقيا المؤسسات الخاصة في تقديم خدمات رقمية كان من أبرزها التعاقد مع عدد منها لتقديم حملات دعائية ومعلومات حول التطورات الصحية المرتبطة بجائحة كورونا.

    كذلك وبهدف تحسين الفعالية الانتاجية بالنسبة إلى إصحاب المشاريع من حاملي الشهادات والمقاولين والعمال تم استحداث أقطاب الامتياز من أجل تعزيز الشراكة بين الجامعة وقطاع الأعمال، من أبرزها مبادرة مركز الامتياز الإفريقي  centre d’excellence africain (CEA)  الذي تم إطلاقه بالشراكة بين الدول غرب ووسط إفريقيا والبنك  الدولي سنة 2014م، واستثمر المركز في الجامعات الرائدة من خلال إنشاء مراكز ذات جودة عالية متخصصة و مهيأة بتجهيزات كافية من أجل تكوين الفئات المذكورة أعلاه في تخصصات العلوم و التكنلوجيا و الرياضيات و الهندسة و كذا في المجال الزراعي و الصحي من أهم تلك المراكز نذكر : الرياضيات التطبيقية بدولة البنين، تكنلوجيا الإعلام و الاتصال بالكمرون، الإحصاء بدولة الكوت فوار، و الرياضيات والإعلام الآلي بالسينغال، وذلك بهدف الحصول على متخرجين ممتازين يساهمون في التأسيس للإنتاج المعرفي و تحويله إلى ميزة تنافسية في المؤسسة الاقتصادية. 

   استخراجية وآفاق التوسع في استخدام التكنلوجيا الرقمية في إفريقيا بالشراكة مع البنك الدولي.

   اعتبر البنك الدولي في تقريره لسنة2021م، أن استخدام التكنولوجيا الرقمية يساعد الدول الإفريقية على تطوير الإنتاج وخلق مناصب عمل واستقطاب المعاملات الموازية خاصة منها التحويلات المالية نحو الاقتصاد الرسمي، كما يحفز على جذب الاستثمارات المباشرة الأجنبية، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل للفرص المتاحة بفضل عولمة قطاع تكنلوجيا الإعلام والاتصال، والانتشار الواسع للمنصات الرقمية، خاصة اذا تم كذلك الاهتمام بتنمية الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي والحوسبة السحابية، مع ضرورة تلبية الاحتياجات في مجالات الأمن الإلكتروني وحماية البيانات، والاستعداد لشبكات الجيل الخامس، و حتى يتجسد ذلك لابد من تضافر جهود كل من الحكومات والمؤسسات التنموية المرافقة على غرار البنك الإفريقي للتنمية والبنك الدولي وكذا المتعاملين الخواص، من خلال ترتيب الأولوية المرتبطة بالاستثمار والتكوين و تحسين مناخ الأعمال  وفقًا للمخطط التالي: 

أولاً: تغطية العجز في مجال البنى التحتية المرتبطة بالرقمنة وتوفير خدمات ميسّرة وجيدة وكذا وضع منظومة تشريعية محفزة للمنافسة والابتكار خاصة في مجال تكنلوجيا الاتصال.

 ثانيًا: تحسين أداء رأس المال البشري بهدف توسيع مساهمته في تنمية الاقتصاد الرقمي من خلال تكوين المستثمرين والمقاولين الذين لديهم إمكانيات تطوير أو احتضان التكنولوجيا الرقمية التي تهدف إلى تحسين إنتاجية العامل والمؤسسة.

ثالثًا: توفير مناخ مناسب للأعمال مع خلال المرونة في ولوج مختلف الأسواق وتشجيع الانفتاح التجاري والعمل على التقليل من المخاطر والحرص على محاربة الفساد وإرساء الشفافية في النظام الضريبي، وكذا تسهيل سبل الحصول على تمويلات والاهتمام بعوامل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

     على صعيد التحديات يستمر شح الموارد المخصصة لتمويل وتجسيد المشاريع التكنلوجية خاصة في مجال الرقمنة والمالية وكذا الابتكار بما فيها تلك المرتبطة بتنمية البنى التحتية، حيث لا تتجاوز الاستثمارات في المجالات المذكورة 1% إلى الاستثمارات العالمية.  خاصة مع انعدام شبه كلي للآلية الحديثة الموجهة لتمويل المشاريع الابتكارية والبحث، وكذا النقص الكبير في عدد الصناديق الحكومية والاستثمارية الداعمة لمشاريع التكنولوجيا الرقمية.  

يضاف اليها انعدام شبه كلي للوعي المرتبط بضرورة حماية حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع حيث أظهرت دراسة حديثة أجرتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية الويبو WIPO   شملت 19 بلدًا إفريقيًا تشكل المنظمة الإقليمية الإفريقية للملكية الفكرية، إن الوعي بالملكية الفكرية في القارة منخفض جدًا، دون إغفال كذلك غياب الأطر المؤسساتية الداعمة لآليات التحول التكنلوجي وسبل الاستفادة منه.

   الخلاصة والتوصيات

   يعتقد الجميع، حكومات ومتعاملين ومؤسسات تنموية أن دعم النمو وتطور الأداء الإنتاجي وخلق مناصب العمل في إفريقيا أصبح مربوطًا باقتصاد المعرفة والتكنلوجيا الرقمية وتحفيز تجسيد الابتكار خاصة في ظل توفر القارة على المقومات الأساسية لتنمية المشاريع التكنولوجية الابتكارية والتي من أهمها العنصر البشري، حيث تتميز  إفريقيا عن باقي القارات كونها قارة للشباب ذلك ان ¾ من السكان لا يتجاوز سنهم 30 سنة، وقد ساهمت التكنلوجيا الرقمية نسبيًا في معظم دول القارة في تحسين أداء المؤسسات ورفع مستوى الإنتاجية وخلق فرص عمل، غير أن ذلك يبقى غير كافي في ظل استمرار سيطرة الأنشطة الموازية على المناخ الاقتصادي خاصة بالنسبة للمشاريع الصغيرة، و استمرار معدلات البطالة مرتفعة في عدد من الدول الكبرى بالرغم من استفادة عدد كبير من الفئة العمالية من وظائف مؤقتة بفضل استخدام المنصات الرقمية.

    من هذا المنطلق سيساهم كثيرًا  تسريع وتيرة خلق مناخ مناسب للأعمال و تجاوز العجز المسجل في البنى التحتية والاهتمام بإعداد منظومة تشريعية محفزة للأنشطة المرتبطة بالرقمنة والابتكار في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وفي استقطاب التكنلوجيا الرقمية المتاحة، وكذا في رفع مؤهلات المؤسسات الإنتاجية واستحداث مناصب عمل وتأطير الأنشطة الموازية، خاصة اذا تزامن ذلك مع تأهيل العنصر البشري عن طريق التكوين و العمل على  التقليل من المخاطر ومن مظاهر الفساد الإداري و المالي مقابل إرساء الشفافية خاصة في القطاع المالي. 

  كذلك من أجل رسم خطة واضحة المعالم والأهداف لتطوير اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا الرقمية يجب تثمين خبرة ومخرجات أعمال الاتفاقات والجماعات التجارية الإقليمية الموجودة، مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وجماعة شرق إفريقيا ومجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية، دون إغفال الاتحاد الإفريقي للشباب.

  في السياق ذاته يمكن لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي تأسست سنة 2018م، بعد أربعة عقود من الجهد المبذول أن تكون محفزًا لخلق جو من المنافسة في مجال التكنلوجيا الرقمية وتجاوز عقبات التمويل، خاصة أن التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ديسمبر/كانون الأول 2020م، يشير إلى أن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية ليست مجرد اتفاقية تجارية، بل هي أداة للتنمية المستدامة قادرة على انتشال 100 مليون إفريقي من براثن الفقر بحلول عام2035م.

مقالات لنفس الكاتب