array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الثورات العربية ومقتل ابن لادن ونهاية (القاعدة)

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

أظهر مقتل أسامة بن لادن، الذي جاء غداة الربيع العربي، ضعف وعدم جدوى مبدأ (القاعدة) في عين الكثير من العرب والمسلمين. وسيسرع موت بن لادن عملية تقهقر القاعدة في السنوات المقبلة.

في الواقع، قضت الثورات العربية التي حققت مرادها في تونس ومصر والتي لا تزال مستمرة في دول عربية أخرى على أنظمة سياسية وعلى التفكير التقليدي والصورة التي التصقت بالعرب حول عجزهم عن القيام بأي تغيير في المنطقة. وأثبتت هذه الثورات أن الأغلبية الصامتة التي لم يكن يُحسب لها أي حساب بسبب لامبالاتها وانعدام فاعليتها قفزت إلى الصف الأول في الساحة السياسية. ويتولى قيادتها (الأغلبيات الصامتة) التي باتت لاعباً أساسياً الآن، شباب مندفع على قدر من التعليم ويعتمد بشكل أساسي على التواصل. أما فيما مضى، فكان أي تحليل لحجم اللاعبين الأساسيين في الدول العربية يدور حول الأنظمة وعصاباتها والقوى الغربية وحلفائها والحركات الإسلامية والمعتدلة والمتطرفة بالإضافة إلى الأحزاب الليبرالية واليسارية التي كانت تعتبر ضعيفة ومهمشة وحول منظمات المجتمع الأهلي التي لا تزال هشة جداً لتحقيق أي تغيير سياسي واجتماعي. ومن مفاجآت الربيع العربي اكتشاف حقيقة مناقضة للأفكار السائدة تعكس شباباً عربيّاً مدركاً للواقع السياسي وغير خاضع للأيديولوجيات، والأهم من ذلك هو أنه فعال جداً ويتقن فن التواصل. ويتوق هذا الشباب العربي إلى الحرية والكرامة والتحكم في مستقبله. ولم يتمكن بالتالي أي ممن كان يعتبر من اللاعبين الأساسيين من مواجهة الانتفاضة الشبابية، ولم يفلحوا في قمع ثوراتهم. وبقيت بالتالي الثورتان النموذجيتان التونسية والمصرية حقيقية وشعبية ومستقلة.

وتُعد (القاعدة) وغيرها من المنظمات الجهادية العنيفة من اللاعبين الأساسيين الذين تهددت أدوارهم ومساراتهم وتأثيراتهم وأساليبهم. وقد أطاحت الثورات العربية على وجه الخصوص بأربع أفكار أساسية ترتكز إليها استراتيجية القاعدة منذ أكثر من عقد. أولى هذه الأفكار هي أن العنف أو الجهاد هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الأنظمة الفاسدة الداعمة للغرب في الدول العربية والإسلامية. وفي الواقع لم تفشل استراتيجية العنف فحسب بل جلبت للعرب كوارث عدة بما في ذلك الاحتلال العسكري للعراق وأفغانستان. وقد ضربت الثورات العربية الأخيرة التي اعتمدت على التظاهرات السلمية الحاشدة نظرية القاعدة بعرض الحائط. فقد نجحت استراتيجية الحشد الشعبي غير العنيف في إسقاط نظامي الحكم في تونس ومصر على الرغم من القوة الهائلة التي لجأ إليها النظامان لقمع الشعب. بتعبير آخر، إن الفاعلية هي العنصر الأساسي في الإطاحة باستراتيجية العنف والإرهاب التي تعتمدها القاعدة. وعلى خلاف الثورات العربية، أخفقت القاعدة في تشكيل تهديد حقيقي للحكم في أية دولة عربية أو إسلامية، كما أنها لم تنجح في تحقيق طموحات الشعوب في تلك الدول.

أما الفكرة الثانية التي أطاحت بها هذه الثورات العربية فهي استخدام الإعلام العالمي؛ فهوس القاعدة بالإعلام لا شك فيه، وهجماتها الإرهابية صُممت لتشكل مادة إعلامية دسمة تستقطب تغطية إعلامية مكثفة. وأمل قادة (القاعدة) أن يسلّط الإعلام الضوء على المنظمة وأيديولوجيتها ومنطقها وتبريراتها لقتل المدنيين. وكان من المفترض أن تسهل هذه التغطية الإعلامية جذب الشباب المسلم الغاضب لضمه إلى صفوفها. ومن خلال جلبة خطابات قادة القاعدة ورسائلهم التي تتربص بها وسائل الإعلام، توقعت المنظمة أو تتوسع وتنتشر، إلا أن الثورات العربية أحبطت هذه الفكرة أيضاً مثبتةً أن التحركات الاحتجاجية السلمية تستطيع جذب الإعلام العالمي أيضاً. فالبث الحي من الشوارع الرئيسية في تونس ومن ميدان التحرير في مصر لعب دوراً أساسياً في الحد من قوة قوى الأمن. وتتبع العالم تطورات التظاهرات السلمية في كل دقيقة. وعلى عكس الصورة الدموية البشعة التي عكستها (القاعدة) عن العرب والمسلمين قدم الشباب العربي صورة مختلفة إيجابية جذبت تعاطف الغرب والشرق في آن ودعمهما.

وسقطت في الأشهر الأخيرة أيضاً ادعاءات القاعدة بأنها تتحدث باسم العرب والمسلمين وعن مأساتهم ومطالبهم. وسقطت هذه الادعاءات على صعيدين: أولاً مطالب العرب تتمحور حول الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ولا تردد شعارات القاعدة أي من هذه الطموحات، بل تركز على الحرب ضد الغرب وتطبيق أحكام الشريعة والمطالبة بدولة إسلامية. وثانياً، على خلاف الأيديولوجية الانعزالية الخاصة بالقاعدة، أسهمت المشاركة الواسعة في هذه الثورات بتخطي حواجز سياسية واجتماعية ودينية، واجتمع الناس من خلفيات ثقافية مختلفة أو حتى متناقضة: مسلمون ومسيحيون، غربيو الميل أو تقليديون، علمانيون وغير علمانيين، يساريون ولا أيديولوجيون، ونساء محجبات وأخريات ببنطال الجينز. وتفوقت هذه الشمولية على مقاربة القاعدة حيث يشمل المسلمون الصالحون بحسب معتقداتها السلفية شريحة صغيرة فقط من العالم الإسلامي.

والفكرة الرابعة التي حطمتها الثورات العربية هي هذا الانقسام الذي أحدثته القاعدة بين (الصالحين/المسلمين) و(السيئيين/غير المسلمين)، وهي فكرة شبيهة جداً بإعلان جورج بوش (إما أن تكونوا معنا وإما أن تكونوا مع الإرهابيين). وتعتمد نظرة القاعدة الانقسامية هذه على الحرب، إلا أن هذه النظرة الضيقة باتت مهددةً مع نشوء الثورات الشعبية العربية، فالإعلام ومعظم الرأي العام دعم هذه الثورات العفوية. وحتى الغرب شعر بحاجة إلى تغيير سياساته الممقوتة في المنطقة والمرتكزة على مصالحه فقط بالوقوف إلى جانب الدكتاتوريين العرب. أما المواقف الغربية فأتت مختلفة ومتنوعة، لكن خير مثال على هذه المواقف كان تغير الموقف بشأن هذا الشرخ الذي حاولت القاعدة ترسيخه والذي انتفى بشكل واضح مع الثورة الليبية. فتدخل القوات حلف شمالي الأطلسي لم يكن مرحباً به من قبل الشعب الليبي فحسب، بل حتى من قبل الإسلاميين الليبيين. وفي مسألة إسقاط نظام القذافي ونظامه القمعي، أتت ضربات قوات الحلف لتكمل ما بدأه على الأرض أعضاء الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا التي كانت فيما مضى مقربة جداً من القاعدة.

مع انتفاء هذه الذرائع الأربع للقاعدة بات من البديهي أن علة وجودها انتفت، وأن نهايتها بدأت، وستتسارع وتيرتها مع مقتل ابن لادن. وفي السنوات الأخيرة كانت قد تحولت القاعدة إلى فكرة غير مجدية وإلى هوس بالعنف والإرهاب من دون أي سبب سياسي واقعي أو أجندة تستحق القتال من أجلها. وهكذا باتت لعبة التخفي التي لعبها ابن لادن هي القضية، وتحول إلى أسطورة بفضل الكاريزما التي تمتع بها والتي أثرت في أتباعه. وبالتالي، مع غياب الشخصية الأسطورية وتوفر البديل الذي قدمته الثورات العربية للشباب العربي المستاء وعلى الرغم من الهجمات الإرهابية المحتملة، باتت القاعدة من التاريخ لا محال.

 

مقالات لنفس الكاتب