array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

النفوذ الخليجي في إفريقيا يوفر شركاء جدد وحارسة بوابات الاقتصادات الصاعدة

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

تُمثِلُ ذكرى مرور أربعين عاماً على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية مناسبة تستحق التوقف عندها؛ لا لأن عدد الأعوام، التي انقضت، يُشير إلى سن الرشد للتجربة، ولكن لتقدير أن قرار التوافق على هذا التأسيس هو قمة الرشد السياسي، وجدوى المنطق الاقتصادي، وحصافة الرؤية المستقبلية. ولما كانت عرى الانتماء الاجتماعي قد تكاملت إلى حد بعيد، وتوثق التنسيق في مجالات حيوية عديدة؛ دبلوماسية وأمنية واستراتيجية، بقيت فرص للعلاقات الجماعية، خاصة مع القارة الإفريقية، تنتظر زرع بذورها وقطف ثمارها. وهذا لا يعني أن الجهود الفردية للدول الأعضاء الست، تقاعست، أو تباطأت في إنفاذ واجباتها الثنائية تجاه علاقاتها بدول القارة، وإنما هو أمل ورجاء أن تتسق المساعي الخليجية الجماعية مع قارة تتكامل وتتخذ قرارات وخطوات متسارعة ونشطة نحو وحدتها السياسية والاقتصادية. ويبدو أن المرحلة الحالية من استثمار دول مجلس التعاون الخليجي في إفريقيا مصممة لمعالجة العديد من نقاط الضعف الهيكلية السابقة، وفي هذه العملية، ينبغي أن تساعد السياسات الجماعية في تطوير بيئة استثمار طويلة الأجل وأكثر قابلية للاستمرار في أجزاء كثيرة من القارة. وهذا يشمل مطلوبات من كلا الجانبين: المستثمر الخليجي، والإفريقي، على مستوى الحكومات وأصحاب المصلحة الرئيسيين. على أن تواصل دول مجلس التعاون الخليجي التعاون مع إفريقيا كقارة، والمساعدة في بناء منهج تعامل شفاف من خلال الاستثمار في الفرص المتاحة، وضمان القضاء على المخاطر والتغلب على التحديات.

بيد أن التجارب الماضية تبين أن دول الخليج غالباً ما تفضل اتباع نهج أحادي الجانب في تعاملاتها مع إفريقيا، رغم أنها قد تستفيد أكثر من العمل الجماعي، وعقد شراكات استراتيجية مع منظومات القارة الإفريقية السياسية والاقتصادية الفاعلة، وفي الوقت ذاته التعاون مع قوى دولية متشابهة التفكير لها نفس الاهتمامات بإفريقيا. وهذا يتسق مع توسع دول مجلس التعاون الخليجي وتوسعة واجدها العالمي، الذي سيرتب المزيد من التداعيات على صناع القرار في هذه الدول، التي ستحتاج إلى تخصيص موارد كبيرة لمعالجتها وحمايتها. وعلى الرغم من أنهم بحاجة إلى أن يكونوا مستعدين للتدخل معاً عندما يشكل عدم الاستقرار مخاطر على مصالحهم، فإن زيادة التعاون متعدد الأطراف في مجال الأمن سيكون وسيلة فعالة لحماية المصالح الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي، مع بناء قدرات أجهزتهم الأمنية الخاصة، ومشاركة العبء الأمني بينهم، ومع شركائهم الأفارقة والدوليين. ومع زيادة دورها في الوساطة في إفريقيا، يمكن لدول الخليج أيضاً الاستفادة من خبرة الدول، التي كانت لها تاريخياً علاقات أعمق مع إفريقيا شمال وجنوب الصحراء ومشاركة أكثر شمولاً في المفاوضات الدبلوماسية، مثل الولايات المتحدة، والقوى الأوروبية، وحتى الصين والهند. إذ إنه عند السعي وراء التعاون الاقتصادي، سيحتاج صانعو السياسات في الخليج إلى أن يكونوا أكثر دقة في الانتباه للأولويات المختلفة للقوى الأخرى. فالمانحون الغربيون حساسون بشكل خاص لقضايا الفساد، على سبيل المثال، ومن المرجح أن يفرضوا شروطاً صارمة على أنشطة الاستثمار الاقتصادي المشترك.

وفي هذا المقال، نسعى لتقديم لمحة عامة عن أوجه التشابه والاختلاف الرئيسة بين دول مجلس التعاون الخليجي وإفريقيا، خاصة وأن نصف تجارة بعض الدول الإفريقية مع الخليج العربي، وذلك من خلال دراسة السلع الرئيسة المتداولة في أسواق الطرفين. وعلى الرغم من أن دول الخليج العربية تشترك في روابط دينية واقتصادية ولغوية تاريخية مع أجزاء واسعة من إفريقيا، إلا أن العقد الماضي قد شهِدَ سرعة تعميق العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الطرفين، وتعاظم الدور الدبلوماسي لدول الخليج في القارة الإفريقية. إذ تسعى دول الخليج إلى إظهار مكانتها على المسرح العالمي من خلال العمل كقوى في النزاعات الإفريقية، كما حاولت تأمين دعم الدول الإفريقية في نزاعاتها. وأصبحت دول مجلس التعاون الخليجي تنظر إلى إفريقيا جنوب الصحراء كمختبر يمكنهم من خلاله اختبار تدخلات أكثر حزماً في الشؤون الدولية. ومن ثم نُناقش المجالات التجارية، التي تبدو واعدة أكثر في العلاقات التجارية لإفريقيا مع دول مجلس التعاون الخليجي الست. أخيراً، نُوجز التطورات المستقبلية المحتملة. بينما نُناقش هذه القضايا بشكل أساس من منظور دول مجلس التعاون الخليجي، فإننا نُشير أيضاً إلى الفرص التجارية المتمكنة إفريقيا. فنحن نعلم أن دول مجلس التعاون تواجه اليوم تحدياً معروفاً لجميع إفريقيا، وهو تحدي الغذاء والأمن وفرص الاستثمار، بينما تسعى دول إفريقيا إلى خلق فرص عمل لمجموعة كبيرة من الشباب، الذين يصلون إلى سن العمل. على مدى العقد المقبل، أو نحو ذلك، قد يشهد الخليج نمواً سكانياً يتجاوز كثيراً ما عليه الحال الآن، وأن المهمة مماثلة لتلك، التي تواجه إفريقيا، ولكنها فقط أكبر، والمهمة بالنسبة للطرفين هائلة والمخاطر عالية، لكن الفرص واعدة.

 

ميزة الجوار:

يرجع الفضل في عمق الروابط الثقافية والتجارية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع إفريقيا، إلى حد كبير، إلى قربها الجغرافي وتداخلها الديمغرافي، وكثير من عناصر التاريخ المشترك. إذ تقع شبه الجزيرة العربية بجوار القارة الإفريقية، ولا يفصلهما إلا البحر الأحمر فقط، وللتواصل بينهما تأثير قوي، وبشكل خاص حركة التجارة، التي تأمل العديد من دول المنطقة التوسع فيها. وقد زادت الدول الغنية، التي يتألف منها مجلس التعاون الخليجي، من علاقاتها الاقتصادية والسياسية عبر القارة الإفريقية على مدى العقد الماضي، وخاصة الدول الثلاث الأكثر ثراءً في مجلس التعاون الخليجي، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، والتي تعتبر إفريقيا مكوناً رئيساً في مبادراتها لتبني سياسة خارجية أكثر وضوحاً. من هنا كان السؤال: لماذا تعتقد دول مجلس التعاون الخليجي أن إفريقيا تستحق كل هذا الاهتمام الخاص؟ وبعض الإجابة تقول إن هذه الدول تُدرك أن زيادة نفوذها في القارة سيمكن دول الخليج مجتمعة من تحقيق مكانة بارزة على الساحة الدولية، واكتساب شركاء تجاريين جدد، مع ترسيخها لحقيقة أنها يمكن أن تكون حارسة لبوابات اقتصادات إفريقيا الصاعدة بتحدياتها وفرصها الواعدة. فقد جلبت علاقات دول مجلس التعاون الخليجي مع إفريقيا فرصاً مهمة للجانبين, إذ اغتنمت العديد من الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى الفرصة لتوسيع علاقاتها الاقتصادية على نطاق أوسع. ومن المرجح أن تواصل دول الخليج جهودها لتوسيع تجارتها واستثماراتها مع إفريقيا، بينما تسعى وراء خطط التنويع الاقتصادي الخاصة بها. 

يشرح الموقع الجغرافي الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي سبب كون إفريقيا محوراً لنشاطها الاقتصادي. ومن خلال التركيز على تطوير البنية التحتية والتجارة، تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من تدفقات التجارة والاستثمار الآسيوية إلى إفريقيا. فقد تعهدت الصين بتقديم تمويل بقيمة 60 مليار دولار لإفريقيا في عام 2018م، وحده، وزادت إجمالي تجارتها مع إفريقيا بنسبة 180 في المائة من عام 2010 إلى عام 2017م. وقد أفادت الإمارات العربية المتحدة من البنية التحتية الفائقة للشحن والموانئ للاستفادة من هذه الإمكانات، لتصبح أكبر مستثمر في دول مجلس التعاون الخليجي مع إفريقيا. وتتضح أهمية إفريقيا المتزايدة للتجارة الإماراتية من فحص واردات إفريقيا. وكحصة من إجمالي واردات الإمارات، تضاعفت واردات إفريقيا أربع مرات في السنوات الست الماضية. ونظراً لهذا القرب الجغرافي، حدد مجلس التعاون الخليجي الاستثمار في إفريقيا كوسيلة لتحقيق الأمن الغذائي، وذلك بعد تجربة الاستثمارات الزراعية في آسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية. لكن دول المجلس قررت أن الأراضي الزراعية الغنية والبِكْر في إفريقيا تحمل وعداً أكبر، وكان القرب الجغرافي لإفريقيا من الخليج ميزة حاسمة، فهي تحتوي على 60 في المائة من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة غير المزروعة في العالم، نقص المياه فيها يمكن التغلب عليه بالاستثمارات المناسبة.

مع نمو مصالحها الاقتصادية في إفريقيا، وسَعت دول الخليج أيضاً وجودها الأمني. بالإضافة إلى دعم جهود مكافحة القرصنة في المياه قبالة الصومال، عززت دول الخليج قدراتها في الإسقاط العسكري من خلال بناء قواعدها الخارجية الأولى في القرن الإفريقي. كما زادوا من تعاونهم العسكري مع الدول الإفريقية ولعبوا دوراً أكثر بروزاً في عمليات مكافحة الإرهاب الدولية في جميع أنحاء إفريقيا. كان توسع النفوذ الأمني ​​لدول الخليج في إفريقيا ممكناً بفضل قدرتها على ممارسة قوتها الاقتصادية المتنامية. وعندما انحدر النزاع الحدودي بين إريتريا وإثيوبيا إلى صراع دموي في عام 1998م، لم يكن بوسع قلة أن يتوقعوا مكان توقيع اتفاقية السلام بعد حوالي 20 عاماً. ففي 16 سبتمبر 2018م، جلس الزعيمان الإريتري والإثيوبي على مكاتب متقابلة في وسط قاعة فخمة في قصر السلام في جدة، وتوصلا إلى سلام.  إن الوساطة الناجحة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الصراع الإثيوبي – الإريتري، ومن قبلهما وساطة دولة قطر في صراع إقليم دارفور، والنزاع السوداني – التشادي، وفي الصراع الحدودي الإريتري – الجيبوتي، قد تشجع أيضاً دول الخليج على استخدام نفوذها المتزايد لتوسيع دورها كوسطاء نفوذ في إفريقيا، أو خارجها. على سبيل المثال، تقترح الحقائق الواقعية قدرة دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية أن تكونا في وضع جيد للإسهام في التفاوض بشأن النزاع بين السودان وإثيوبيا، والدفع باتجاه إيجاد حل لأزمة سد النهضة بين إثيوبيا ومصر والسودان، لأن افتقار دول الخليج للانخراط في إفريقيا قد خلق فرصاً للدول الأخرى "لإحداث مشاكل"، وعليها أن تكون "على المسار الصحيح" لتوطيد وتوسيع العلاقات مع كل دولة إفريقية على حدة. وفي الوقت نفسه، فإن دول الخليج بحاجة إلى تغيير نهجها، والعمل على مواصلة تعميق هذه العلاقات مع كل إفريقيا.

علاقات متجددة:

على الرغم من أن الخليجيين يُتاجرون مع إفريقيا منذ قرون، إلا أن الأزمة المالية العالمية، بين عامي 2007 إلى 2008م، حفزت دول مجلس التعاون الخليجي على تعميق العلاقات الاقتصادية مع القارة. ومع تباطؤ الاقتصادات في الغرب، أصبحت الاقتصادات الإفريقية سريعة النمو، وأوجد توسع الطبقات الوسطى فرصة جذابة بشكل متزايد للمستثمرين في جميع أنحاء العالم. وساعد بناء العلاقات الاقتصادية في إفريقيا دول الخليج على الاستفادة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي، وزيادة الأمن الغذائي، وتعزيز الإصلاحات السياسية. لقد أتاح توسيع النفوذ الاقتصادي في إفريقيا لدول مجلس التعاون الخليجي أهم مصدر للضغط لتعزيز الأهداف الأمنية والدبلوماسية. فهل يكون ممر دول مجلس التعاون الخليجي إلى إفريقيا سالكاً؟ وما هي كيفية الوصول بنجاح إلى عائدات أعلى وفرص استثمارية جديدة في القارة الإفريقية؟ وأين، وما هي الفرص المتاحة أمام الشركات الخليجية في القارة الإفريقية؟ وما هي القطاعات، التي تجذب دوافع الاستثمار؟ وكيف يمكن للمقرضين والشركات الاستفادة من الفرص في هذه الأسواق؟ وكيف يعمل اللاعبون الخاصون مع الدول الإفريقية للوصول إلى أسواق وفرص جديدة؟ وللاستفادة القصوى من التدفقات التجارية: كيف يمكن للبنوك والشركات العمل مع مؤسسات التنمية المالية الإفريقية في دعم النشاط التجاري بين إفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي؟ ولتقييم تدفقات رأس المال بين دول مجلس التعاون الخليجي وإفريقيا: كيف يمكن للبنوك الإفريقية العمل مع المقرضين في الشرق الأوسط والدوليين لتسهيل دخول السوق وزيادة نشاط الإقراض بين الأقاليم؟ وللتخفيف من المخاطر في سياق عدم الاستقرار السياسي: ما هي منتجات تأمين الائتمان المتاحة للبنوك والشركات، التي تتطلع إلى الاستثمار في إفريقيا؟

ويبين طرح مثل هذه الأسئلة، ومحاولات الإجابة العملية عليها، أن طريق دول مجلس التعاون الخليجي إلى إفريقيا أفضل مما كانت تتقصده التقارير المتشائمة ، خاصة بعد أن عززت دول مجلس التعاون الخليجي علاقات المساعدة مع مختلف الدول الإفريقية. وكذلك تبرعات دول مجلس التعاون الخليجي السخية للنداءات الإنسانية في إفريقيا، إذ تعمل العديد من الجمعيات الخيرية في دول مجلس التعاون الخليجي في جميع أنحاء إفريقيا منذ الثمانينيات. فكانت الهيئة السعودية العالمية للإغاثة الإسلامية (IIRO) ووكالة المسلمين الأفارقة الكويتية (AMA) من أوائل الجمعيات الخيرية الإسلامية، التي ترعاها الدولة، والتي تعمل في إفريقيا. وقامت دول مجلس التعاون الخليجي بتطوير استراتيجيات للتنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط من خلال الاستثمار في الأسواق الإفريقية. وتخلق خبرة الشركات الخليجية في قطاع الطاقة جاذبية للدول الإفريقية، التي تسعى إلى تطوير صناعات الطاقة لديها. وفي الوقت نفسه، فإن قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على تنفيذ مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق جذابة أيضاً للدول الإفريقية سريعة النمو.

ومع توسع دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة في وجدها العالمي، وزيادة دور الوساطة في إفريقيا، فإنها ستستمر في توسيع وتعميق العلاقات مع الدول الإفريقية، لتأمين المصالح الاقتصادية في ساحة المنافسة الدولية الأكبر. وهذا يبني طريقاً أفضل لإفريقيا ويسهم في تلبية الاحتياجات الإنسانية ويساعد في تعزيز الاقتصاد الإفريقي لقيادة وتأمين إفريقيا أكثر استقراراً لشعوبها. إذ لا يزال الملايين من الناس يعيشون في فقر وجوع، ويهددهم الصراع وعدم الاستقرار والمرض. كما أن عدم المساواة آخذ في الاتساع واتساع الفجوة بين الأغنى والأفقر، لأن الافتقار إلى الانضباط والشفافية والحوكمة الشاملة يقوض حقوق المواطنين وثقة المستثمرين. دور الحكومات حيوي في تنفيذ تلك الالتزامات. 

 

إفريقيا تتكامل:

تبشر اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية المُصاغة حديثاً ببزوغ فجر جديد لدول القارة. تشمل اتفاقية التجارة الحرة 54 دولة يبلغ عدد سكانها مجتمعة أكثر من مليار شخص، ويتجاوز الناتج المحلي الإجمالي 3.4 تريليون دولار، مما يجعلها رابع أكبر اقتصاد بين دول مجموعة العشرين. فالاتفاقية الموقعة في كيغالا، رواندا، في عام 2018م، تقطع شوطاً طويلاً في تحقيق رؤية الاتحاد الإفريقي وأجندة 2063م، الخاصة به لإنشاء "إفريقيا متكاملة ومزدهرة وسلمية، يقودها مواطنوها، وتمثل قوة ديناميكية في الساحة العالمية". لكن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية هي بداية رحلة وليس ذروتها. إذ لا يزال إنشاء سوق قاري واحد للسلع والخدمات، مع حرية حركة رجال الأعمال والاستثمارات، عبر أكثر من 50 دولة متنوعة ذات ضرورات تنظيمية وسياسية واقتصادية مختلفة، عملاً قيد التقدم. ووفقاً للاتحاد الإفريقي، فإنه "بإطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وإنجاحها، تتغلب إفريقيا على الانقسام التاريخي والعزلة لاقتصاداتها من خلال فتح فرص تجارية ضخمة بالإضافة إلى تحسين روابط النقل والاتصالات بين بلداننا". ويعمل الاتحاد الإفريقي على تسريع إنشاء الاتحاد الجمركي القاري. وتعمل الدول الأعضاء أيضاً على إنشاء سوق النقل الجوي الإفريقي الموحد، بالإضافة إلى بروتوكول المعاهدة المؤسسة للجماعة الاقتصادية الإفريقية المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص وحق الإقامة وحق تأسيس الأعمال.

ولطالما قيمت دول الخليج الوعد الهائل للقارة الإفريقية؛ من مهارات وإمكانيات شعبها، إلى مواردها الطبيعية وحاجتها إلى الاستثمار في البنية التحتية والشركات، اعتبرت إفريقيا وجهة استثمار ديناميكية، خاصة لدى كبار المستثمرين الاستراتيجيين، الذين خَبِرُوا العمل في القارة لعقود. وتتمتع دول الخليج وإفريقيا بشراكة تجارية ثنائية بمليارات الدولارات، وفقاً لمركز التجارة الدولية ومقره سويسرا. وظلت التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست وإفريقيا تهيمن على التدفق، حيث بلغ إجمالي التجارة الثنائية حوالي 71 مليار دولار عام 2018م، وفي السنوات الأخيرة، استثمرت دول الخليج أيضاً بكثافة في الشركات والأصول الإفريقية. ومن الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي تنجذب إلى وعود الدول الإفريقية، خاصة وأن الصفقة التجارية الجديدة لعموم القارة ستسهل الفرص وتفتح الباب للنمو في أجزاء من إفريقيا كان من الصعب الوصول إليها سابقاً. وبإنشاء نقطة الوصول الموحد، ستخلق منصة تداول فريدة، على غرار الاتحاد الأوروبي، وستقوي موقف إفريقيا عند التفاوض مع الشركاء التجاريين. ويعتقد الاتحاد الإفريقي أنه سيعمل على بناء النفوذ الاقتصادي للقارة في المفاوضات التجارية على المستوى العالمي، مثل منظمة التجارة العالمية. ومع رفع القيود عن الاستثمارات الأجنبية، سيتدفق المستثمرون، وستنجذب الصناديق السيادية الخليجية إلى الكتلة الحرجة لاقتصاد القارة. وهذا يضيف رأس المال لتوسيع الصناعات المحلية وتعزيز الأعمال التجارية المحلية، وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي. ويمكن أن يؤدي تدفق رأس المال الأجنبي إلى تحفيز الأنظمة المصرفية، مما يؤدي إلى مزيد من الاستثمار وإقراض المستهلكين. ويعزز رأس المال الجديد دورة الإنتاجية الصاعدة، التي تحفز الاقتصاد بأكمله.

استنتاجات:

لا تزال قابلية إفريقيا للاستثمار الأجنبي المباشر قوية، إذ يُعْتَرَفُ بالاستثمار الأجنبي المباشر على نطاق واسع في القارة باعتباره وسيلة للمساعدة في توفير فرص العمل وكذلك تطوير تقنيات الخبرة ورأس المال لتحسين البنية التحتية مثل الطرق والتعليم والمرافق الصحية. إن العلاقة الجماعية لدول الخليج مع إفريقيا ككل ستحقق ضمان درجة أكبر من الثقة بين المجتمعات المحلية، وستوفر استثمارات أكثر استدامة في الزراعة، وستكون لها آثار إيجابية غير مباشرة على القطاعات الأخرى أيضاً. 

من ناحية أخرى، قد يكون قطاع التصنيع هو المستفيد الأكبر من اتفاقية التجارة الحرة القارية، حيث لا يزال تمثيله ناقصاً في الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا، وهو أحد القطاعات الأكثر أهمية، التي تحتاج إلى تطوير البنية التحتية للاقتصادات الإفريقية، والتي يمكن أن تستوعب استثمارات خليجية كبيرة، وتساهم في توفير الوظائف للمجتمعات الإفريقية. فقد سبق للمنتدى الاقتصادي العالمي أن قال: "إن قطاع التصنيع الأكبر سيقود الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى خلق المزيد من الوظائف ذات الأجور الجيدة، خاصة للشباب، وبالتالي التخفيف من حدة الفقر".

ووفقاً للتقديرات، ستتطلب احتياجات البنية التحتية لإفريقيا استثماراً بقيمة 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030م. ونظراً للمخاطر المتصورة المرتبطة بالمشاريع الضخمة في العديد من الأسواق الإفريقية، أصبحت المشاريع الصغيرة أكثر جاذبية بشكل متزايد، لا سيما في صناعة الطاقة. وتُظهر إمكانات الاتصالات في دول مجلس التعاون الخليجي في إفريقيا أيضاً علامات على النمو، على الرغم من وجود بعض الانتكاسات. وبالنسبة للمستثمرين الخليجيين، من المرجح أن يكون الدعم الفريد للقطاع الخاص من داعمي الدولة عاملاً رئيساً في مساعدة المستثمرين على مواجهة المزيد من العواصف، فالحل ينبغي أن يأتي أيضاً من الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مع تشجيع الحكومة للمخاطر، من خلال تقديم قروض بدون فوائد وضمانات للاستثمار الخارجي.

 لا يزال الأمن الغذائي مصدر قلق كبير لدول مجلس التعاون الخليجي حيث من المتوقع أن ينمو الطلب بنسبة 3.3٪ سنوياً على مدى السنوات المقبلة. وبينما تعمل دول المجلس على زيادة إنتاجها الغذائي المحلي، فإنها لا تزال تستورد معظم احتياجاتها الغذائية نظراً لندرة الأراضي الصالحة للزراعة وقلة موارد المياه. ويجب على دول المجلس، وهي تضاعف من استثماراتها في إفريقيا، الاستمرار في توسيع وتعميق علاقاتها الجماعية مع الدول الإفريقية؛ لتأمين مصالحهم الاقتصادية في ساحة منافسة دولية أكبر، ولضمان أن استثماراتهم هذه تلبي احتياجات الحكومات الإفريقية وأولوياتها. إذ إن هذه المشاركة ستساعد على ضمان استمرار الحكومات الإفريقية في النظر إليهم كشركاء ملتزمين، وتجعل شراكتهم أكثر أماناً واستدامة. ويجب أن يتضمن جزء من هذا النهج بناء العلاقات بين الناس، وذلك بتوسيع فرص التبادل التعليمي، والتعاون في مجال التدريب، وروابط السياحة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء.

ومما لا شك فيه أن العديد من التحديات الأساسية، التي واجهتها تجارب دول الخليج السابقة مع الزراعة في إفريقيا واستثمار الأراضي، ستواجههم في قطاعات أخرى في المستقبل، لكن الفرص أكبر. وربما يكون على رأس قائمة المخاطر، التي تواجه المستثمرين الخليجيين في القارة، التحديات التشغيلية، واحترام العقود، وتقلب العملات، والمخاطر السياسية، وتغيير السياسات الحكومية، لا سيما في خضم المشاريع طويلة الأجل. بينما يشكل الافتقار إلى العمالة الماهرة والتكنولوجيا عوائق أخرى أمام المستثمرين، وكذلك الافتقار إلى الشفافية في تطبيق قوانين الاستثمار، والقضايا المتعلقة بالضرائب، وغيرها من التحديات، التي ترتبط دائماً مع كل استثمار تتسع فيه دائرة الفرص.

ولكن، ورغم كل ما ذُكِر، تبدو رؤية الأوضاع، على المدى الطويل، مشجعة للمستثمرين الخليجيين والحكومات الإفريقية على حد سواء، خاصة إذا اهتموا معاً بالدروس المستفادة من كل تجارب الماضي المشتركة. ويجب عليهم أن يظهروا التزاماً متزايداً بتعزيز الآليات الهيكلية، التي ينبغي أن تؤدي إلى تحسين بيئة الاستثمار. وهذا ينطبق على الزراعة، ولكن أيضاً على قطاعات أخرى؛ مثل، الصناعة والطاقة والبنية التحتية. علاوة على ذلك، فإن التحول نحو إشراك ملاك الأراضي وأصحاب المصلحة المحليين، بالإضافة إلى ضمان فوائد أكبر وأكثر واقعية للمجتمعات المحلية، يوفر فرصة لتطوير وجهة أكثر قابلية للتطبيق واستدامة للاستثمارات الاستراتيجية طويلة الأجل لدول مجلس التعاون الخليجي في القارة الإفريقية.

مقالات لنفس الكاتب