array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

جيرة إيران في ميزان الأمن الخليجي.. خيارات ما بعد الصداقة والعداوة

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

تطرح قضية علاقة إيران بأمن الخليج العربي على بساط البحث بين حين وآخر، كلما استحضرت قضية سياسية أو أمنية مهمة في منطقة الخليج العربي. وتعيش المنطقة مأزق هذه العلاقة مع تصاعد طموحات إيران للسيطرة على الإقليم. ولم يغفل الخليجيون مسببات هذه القضية، كما بيّن لنا ما نشر من أوراق دبلوماسية وأمنية أمريكية عن نظرة الخليجيين لسياسات إيران الإقليمية.

تعد علاقة إيران بأمن الخليج العربي واحدة من القضايا الخليجية، وكلما استحضر ملف أمن الخليج عامة استحضر معه ثلاثة تيارات، أحدهما محلي يرى أن المنطقة مهمة عالمياً وأن قدرات أبنائها غير كافية لحمايتها؛ وهذه الرؤى موجودة في ثنايا تفكير كافة دول مجلس التعاون الخليجي. وآخر عالمي يرى أن المنطقة مهمة له، وأنه لن يترك قوى محلية أو عابرة للحدود الإقليمية متشددة وغير منضبطة تسيطر عليها، ومن ثم تتحكم في المصالح العالمية؛ وهذه هي رؤى الولايات المتحدة. وهناك تيار ثالث رأى أنه لا أمن للخليج إلا بـ (تفاعل) الأطراف الخليجية ذاتها؛ وهذه هي رؤى كل من العراق قبل عام 2003 وإيران، مع اختلاف منهجي في رؤيتهما بشأن مضمون التفاعل الواجب اعتماده لتحقيق الأمن الخليجي.

في هذه المقالة لن نسأل عن صداقة أو عداوة إيران للخليجيين العرب، فالتاريخ يخبرنا بأنها عدو تاريخي دائم، إلا أن السؤال الذي يـُطرح هو: هل تشكل إيران عنصر استقرار في المعادلات التي تحكم أمن الخليج؟ أم أنها عنصر عدم استقرار فيه؟ وهل بإمكان الأطراف الخليجية الاتفاق على أساسيات أمن إقليمهم؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل مهمة سياسياً وأكاديمياً.

أولاً: مرتكزات الأمن الخليجي

إذا ما أخذنا أياً من الرؤى الثلاث أعلاه، سنجد خطأها، من خلال تماسها مع أهم مرتكزات الأمن الخليجي، كالآتي:

1- عوامل داخلية: وهي محصلة لتفاعلات تعيشها دول الإقليم، متعلقة بمديات التنمية البشرية والاقتصادية التي حققتها، والحريات، وشرعية واستقرار الحكم فيها، وعوامل التوتر اللغوي والديني داخلها، ومبعث قولنا بهذه العوامل أنه لن تعف منها منطقة الخليج العربي، فهذه المنطقة تعيش أزمة العوامل الداخلية، فإذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد حققت نسبياً وفرة مادية، إلا أنها تبقى تعاني في التعامل مع بقية العوامل الداخلية، وهي يمكن أن تنفجر في أية لحظة. أما العراق فإنه يعيش فوضى عدم الانتظام الداخلي، في حين أن قوة السلطة الحاكمة في إيران وممارستها للقسر جعلتا غليان العوامل الداخلية فيها تحت السيطرة، ومع ذلك لا يمكن التعويل عليها عربياً في الأمد القصير.

2- العوامل الإقليمية: وهي محصلة فرعية للصراعات الإقليمية، ولعدم وجود الاستقرار، وغياب منظومات للحوار الإقليمي. هذه العوامل الثلاثة خلقت بيئة إقليمية معيقة للأمن الإقليمي. والملاحظ أن منطقة الخليج العربي تعيش صراعاً دائماً منذ نحو ثلاثة عقود، فمن جهة هناك تقاطع واختلاف في الاتجاهات السياسية التي تعتمدها كل من دول مجلس التعاون الخليجي، وإيران (والعراق)، قابلتها تدخلات إيرانية بالشأن الخليجي واستعلائها ثقافياً تجاه العرب، ومما يسمح بتصاعد حدة تلك الصراعات هو وجود أكثر من منطقة وقضية للاختلاف والنزاع، بدءاً من العراق بعد عام 2003، ومروراً بالجزر الإماراتية الثلاث، وانتهاء بتلغيم المنطقة ببؤر تجسس وخلايا نائمة ومناطق توتر يمكن إثارتها كما يدعي المسؤولون الإيرانيون. والذي يساعد على عدم حسم هذه الصراعات هو افتقاد الإقليم أي منظومة لحوار سياسي وأمني جاد، سوى على مبادرات خجولة، منها منتدى (حوار المنامة) الذي يشكل دعوة سنوية متواضعة للقاء وليس للبحث عن حلول جدية رغم سعة المشاركة فيه، بالإضافة إلى مبادرات منفردة، يسعى أطرافها في كل منها إلى إيجاد حلول لقضية محددة، مثلاً المبادرات المعدلة لجعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية، أما ما يتعلق باستقرار الإقليم، فيلحظ أنه يعاني تبايناً حاداً في القدرات، إذ تكاد تكون إيران هي الدولة الوحيدة ذات عناصر القوة الإقليمية الشاملة، وزاد من الخلل في معادلات الاستقرار الإقليمي ما آل إليه وضع العراق بعد عام 2003 من تغير في السلوك الإيراني ونحو إظهار عامل الاستعلاء كون توازن القوى الإقليمي يعطيها مكانة ودوراً مسيطراً في الإقليم، وباتت دول مجلس التعاون الخليجي واقعة بين خيارين إما أن تتلقى تبعات ما تريده إيران، أو أن تتحمل فاتورة الدفع بهذا التوازن نحو التعادل النسبي عبر توطيد مسارات التعاون مع الولايات المتحدة، حتى صارت الولايات المتحدة قوة محلية في منطقة الخليج العربي، وبدخولها باتت للولايات المتحدة مصالح ورؤى في كيفية ضمان استقرار وأمن المنطقة ومن ثم تعقدت عوامل اللااستقرار بدلاً من أن تجد طريقها إلى الحل.

3- العوامل العالمية: وفي عالم اليوم يصعب إنكار التأثير العالمي في النظم الإقليمية، وهذا العامل يتعلق بدوره بتأثير عاملين فرعيين، وهما: مدى وجود رغبة عالمية بالحضور في منطقة الخليج، وكم من الأطراف الخليجية الراغبة في استحضار وجود عالمي في الإقليم، فكلاهما يسهل على القوى الكبرى الحضور إلى الخليج، حتى بات من بين أكثر النظم الإقليمية التي تعيش تبعية في علاقاتها بالنظام الدولي وقواه الفاعلة، وأهم تلك القوى الموجودة هي الولايات المتحدة. وقابل ذلك، عدم وجود تنسيق في مسألة إحضار الوجود الأجنبي، فبعض الدول قبلت بالوجود الأجنبي على أراضيها أو مياهها على نحو منفرد، مما تسبب كنتيجة بمزيد من علاقات التبعية في العلاقات مع هرمية النظام الدولي.

والعوامل في أعلاه، تجعل المنطق الأحادي في التفسير وتحقيق أمن خليجي غير ممكن، لأنه يستثير الشركاء الآخرين في الإطلالة على مياه الخليج ضده، لكن المشكلة في الأمن الخليجي لا تكمن هنا، إنما تكمن في رغبات الإقصاء الإيرانية لوجهات النظر العربية في تحقيق أمن خليجي مقبول من الأطراف كافة.

ثانياً: التحدي الإيراني

طرحت قضية الأمن الخليجي خلال السنوات الأخيرة معضلتين، هما ما استقر عليه وضع العراق وإيران، وإذا ما استثنينا قضية العراق كونها أضحت من الناحية العملية مجرد ورقة مساومة إيرانية في التأثير الإقليمي، فإن وضع إيران يـُطرح عبر ثلاث قضايا، وهي: توسع أدوار إيران الإقليمية، ومخاطر برنامج إيران النووي كون مخرجاته العسكرية ستنتهي بالتوازن الإقليمي إلى نقطة اختلال لصالح إيران غير قابلة للمراجعة، وما نشر من ملفات مخاطبات دبلوماسية وعسكرية أمريكية على موقع (ويكيليكس)، والتي بينت خشية خليجية من طموحات وسياسات إيران، كما أن تلك الملفات أفادت بأن بعض سياسات إيران الإقليمية تتجه نحو فرض الهيمنة، وإنها ترتبط بتنظيمات إرهابية وشبكات المخدرات.

إن هذه القضايا لم تأت من فراغ، فأيديولوجية النظام السياسي الإيراني تقوم على فكرة أن منطقة الخليج هي منطقة فارسية استناداً إلى أطروحات تاريخية لما قبل انتشار الإسلام، حيث كانت الدولة الساسانية الفارسية مسيطرة على أجزاء من الخليج العربي، وروايات تتحدث عن كون بعض المؤرخين أفاد بأن اسم الخليج هو (فارسي)، وخرائط لبريطانيا (في فترة احتلالها للمنطقة) سمته في حينه وتحدثت عن كون الخليج فارسياً، أن الرد على هذه الأطروحات هو في استيطان العرب على أغلب شواطئ الخليج من جانبيه العربي والإيراني، وأن عدم احترام إيران واستعلاءها على العرب ظاهران في استحقار العرب الأحوازيين وعرب خراسان وغيرهما، وأن كل المكونات الإيرانية لديها احترامها وأقاليمها (بلوشستان، لورستان، كوردستان..) إلا عرب إيران الذين انخرطوا باستقتال غير مبرر عن النظام السياسي الإيراني وفلسفته.

وقابل ذلك سياسة إيرانية تتضمن تشكيكاً دائماً باستقلال بعض دول الخليج العربية، ويتحدث بعض الساسة والمسؤولين الإيرانيين بخطاب استعلائي عن كون البحرين محافظة إيرانية تتوجب استعادتها، بالإضافة إلى احتلال جزر إماراتية، وهي ترفض حتى مناقشة الموضوع، في حين أن العرب مازالوا بعيدين عن أي سياسة تتعرض إلى وحدة إيران الراهنة لغوياً وقومياً وحتى مذهبياً.

إن كلاً من الفكر والسلوك الإيرانيين اقترن بتحديات باتت تقود نحو اللا أمن الخليجي، وهي تقع في أربعة تحديات:

أ- تحدي القدرات، من قبيل اختلال التوازن عبر السير بخطوات في إنماء القدرات النووية والصاروخية، ورافقها سلوك التخويف الإيراني عبر إقامة أكثر من استعراض عسكري، وإطلاق التهديدات بأن دول المنطقة ستكون هدفاً لإيران في حال مهاجمتها من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، تحت عنوان أن كل شيء جائز في أوقات الحرب. ولم تبد إيران رغبات في تعزيز عامل الثقة، ولم تفلح محاولات دول الخليج وخطابها كونها لن تسمح بقيام ضربة أمريكية ضد إيران من أراضيها، في كسب ثقة الإيرانيين، إنما قابلت ذلك بمزيد من الاستعلاء، وعدم التعامل مع أطروحات الخليجيين وأفكارهم بشأن الأمن الخليجي، كون هذا الأمن شاغلاً لكافة الأطراف الخليجية وليس حكراً على إيران أو الولايات المتحدة.

ب- تحدي احتواء العراق، فالأخير صار في وضع لا يتناسب وطبيعة خيارات الأمن الخليجي التي يطمح إليها مجلس التعاون الخليجي رغم أن من بين الخليجيين العرب من سهل حدوث الاحتلال، ويرجع ذلك إما إلى أخطاء في السياسة الأمريكية (كونها أرادت سيطرة يسيرة على العراق بعد عام 2003) أو إلى حسابات أمريكية أخرى (كونها أرادت إيجاد نظام قائم على توازنات طائفية مقصودة في الشرق الأوسط في إطار مرضاة المصالح والسياسات الأمريكية).

ج- تحدي المواجهة الغربية-الإيرانية، حيث تصرح إيران بأن مياه وأراضي دول الخليج العربية (التي تنتشر فوقها المصالح والقواعد الأمريكية) سيكون لها نصيب وافر من عملياتها في حال اندلعت مواجهة غربية-إيرانية.

د- تحدي اختراق دول الخليج العربية، عبر منظومات وخلايا تابعة ومنسقة، وبعضها إيرانية وبعضها الآخر عربية أو خليجية، وإن كانت لا تزال نائمة إلى اليوم. وخلال عام 2010 كشفت تفاصيل عن بعضها إلا أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين تبين أن الأراضي الخليجية مكشوفة أمام قدرات إيران، مما يعني أن ما زرعته إيران أو حصلت عليه من ولاءات أكبر مما اكتشفته الدول الخليجية من تلك المنظومات.

إن ما تقدم، يجعلنا نتساءل: ما الحل لمعضلة التحدي الإيراني ولأدوار إيران السلبية في قضية الأمن الخليجي؟

ثالثاً: خيارات ضمان الأمن الخليجي

لقد أثار الأمن الخليجي ويثير معضلة فكرية متعلقة بالأولويات والخيارات التي يمكن للخليجيين في مجلس التعاون الخليجي والعراقيين والإيرانيين اعتمادها في سبيل ضمانه، جراء تداخل المصالح والمتغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية.

وظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة أطروحات عدة لضمان أمن منطقة الخليج العربي تعلقت بالتيارات الثلاثة التي أشرنا إليها. واختلاف الأطروحات مرجعه هو اختلاف أولويات الدول المطلة، فالخليجيون العرب معنيون برفاهيتهم الاقتصادية من دون اكتراث للمخاطر التي تستهدفهم، والإيرانيون باحثون وراء أمجاد إقليمية، أما العراق فقد صار مغيب الهوية والاتجاه. ولا ننسى، أن تقدير الأولويات لا يتأثر بدوافع داخلية فحسب، إنما بات العامل الدولي حاضراً فيها بقوة منذ عام 1990، بفعل إرادات خليجية وليس بصيغة القسر والفرض، وبات يوازي اللاعب المحلي بعد احتلال العراق عام 2003. والعامل الدولي له حساباته في تقدير استراتيجيات الأمن الخليجي، طالما أنه استحضر قوات ومعدات ووجوداً سياسياً والتزامات، التحلل منها يصيبه بضرر لن يقبل به.

ومما ضاعف من حجم المعضلة، أن الأمن الخليجي يعاني فضلاً عن وجود تحديات تقليدية عدة، كما بينا بعضها أعلاه، من وجود أنواع جديدة من المخاطر، تتمثل في بروز تهديدات غير تقليدية، ما يجمعها أن إمكانية تقدير مخاطرها لا تزال غير متبلورة، وهو ما يسبب حرجاً في قياس تأثيرها، ومثالها:

أ- إمكانية التحكم إقليمياً وعالمياً في عوامل الاستقرار الداخلي لدول خليجية بفعل العامل الطائفي. وقد أذكي هذا التحدي بفعل عوامل عدة، أهمها ضعف العامل الوطني لدى البعض، واستطاعة إيران إيجاد جيوب من التأثير الإقليمي يمكنها استخدامها متى ما أرادت.

ب- الحركة الناشطة لجماعات متشددة عابرة للحدود، تدعو إلى إعادة تشكل علاقات السلطة والشرعية، وهذه الجماعات لها منظور متشدد تجاه نظم الحكم القائمة وتجاه الوجود الأجنبي، ولا ننسى أن إيران كما تفيد المعلومات المتوافرة تستثمر هذه الجماعات أو بعضها وكما تستثمر نشاطها بقصد التأثير في أوضاع إقليمية خدمة لمصالحها.

ج- نشاط تجارة المخدرات، التي باتت تستنزف مقدرات خليجية مهمة، وتوجد مؤشرات أن إيران متورطة في هذه التجارة.

د- احتمالات تفكك العراق وتوسع مجالات نفوذ إيران، وقد حققت إيران امتداداً زائداً في النفوذ في هذا البلد، الذي توجد فيه كافة عوامل التصدع واحتمالات التفكك.

وتوجد متغيرات وتحديات عدة يتباين تأثيرها في دول الإقليم، غير ما ذكرنا. والمهم، أن كافة المبادرات التي حاولت أن تتعامل مع معضلة الأمن الخليجي لم تستطع أن تتوصل إلى شيء، فحجم التناقضات كبير بين الأطراف التي باتت داخل لعبة الأمن الخليجي، وحجم الثقة فيما بينها في أقل مستوياته، وتسبب ذلك بزيادة التوتر الخليجي. وبوصفنا أكاديميين، نقدم حزمة خيارات قابلة للتداول والنقاش لكيفية ضمان الأمن الخليجي، مع اعترافنا المسبق بأن هناك أطرافاً متناقضة في مصالحها وسياساتها ستنظر بدرجات متباينة من حيث الرفض أو القبول لكل خيار من هذه الخيارات. والخيارات القابلة للطرح والتوسع في المناقشة هي:

الخيار الأول: إيجاد صيغة لحوار أمني وسياسي لبلورة نظام أمني إقليمي خليجي، وقد بدأ هكذا حوار بالفعل بشكل أو آخر في سبعينات القرن الماضي بشكل غير رسمي عبر تقديم بعض الأطراف الخليجية (السعودية وإيران والعراق وعُمان) لأطروحات بشأن كيفية ضمان هذا الأمن. كما ظهر في منتدى المنامة الأمني خلال السنوات الأخيرة، إلا أن أسس الحوار لم تكن صريحة وجادة بقصد الوصول إلى آليات لضمان الأمن الخليجي. وتفعيل هكذا حوار كما نراه، يفترض به أن يقترن بآليات محددة، ومعايير تحكمه، وغايات يفترض أن ينتهي عندها. ولعل أهم تلك الغايات هي بيان سبل دائمة لضمان الأمن الخليجي، ومنها مثلاً تشكيل منتدى إقليمي للحوار تحت أحد المسميات: مثلاً المجلس الخليجي، أو منتدى الحوار، تضم مجلس التعاون الخليجي والعراق وإيران، أو تجمع يضم اليمن لما سبق. وربما ينتهي الحوار إلى تشكيل مؤسسة إقليمية دائمة تضم كافة الدول المتشاطئة، على غرار المجلس الأوروبي، أو مجلس روسيا-الناتو، تسهم بتعزيز الثقة وتحدد كيفية حل المشكلات والأزمات، بيد أنه يفترض قبل تشكيل هكذا حوار أن تكون الأطراف الخليجية جادة في الدخول إليه، مثلاً تسوية الخلافات بطرق عادلة، وتقليل نزعة التجاهل لمصالح الآخرين في السياسات التي تتبعها بعض الدول الخليجية، ومنها مثلاً تجاهل إيران لمصالح الخليجيين العرب في تنفيذ برنامجها النووي.

الخيار الثاني: طلب حماية نووية دولية، لا تزال دول الخليج العربية مرهقة بالإنفاق العسكري التقليدي بقصد ضمان توازن للقوى مع إيران، لكن تفيد المؤشرات بأن سلاماً قائماً على توازن القوى لا يدوم، فأخطاء سوء التقدير موجودة، وعوامل عدم الثقة موجودة، كما أن التقنيات الحديثة تجعل ضبط التوازن صعباً. يضاف إلى ذلك أن عامل التحالفات قادر على جعل معادلات توازن القوى مختلة، زد على ذلك أن إيران أدخلت العامل النووي في حساباتها، وإن كان خطابها ينصب على كون أن بناء القدرات موجه نحو التهديدات الغربية، إلا أن أي اتفاق بين الغرب وإيران سيجعل إيران تستأسد على منطقة الخليج العربي. وهنا يمكن طرح علاج مرحلي وهو استعانة دول مجلس التعاون الخليجي بمظلة نووية على غرار أوروبا الغربية خلال الحرب الباردة، تكفل الأمن الخليجي ضد أي تهديد تمارسه إيران. بيد أن هكذا طرح له حساباته، فتكاليف إدخال طرف نووي لسلاحه ستكون لها نتائج، في حالة أي مواجهة بين الأطراف الخليجية، تنهي المنطقة برمتها أو تجعل فرص إعادة بنائها مستحيلة، فالحرب ستكون عندئذ شاملة. وفي أفضل الأحوال، سيلجأ الطرف المتحدي إلى إثارة مشكلات غير مباشرة ضد الأطراف العربية في الخليج، مثلاً زعزعة الاستقرار بوساطة مجالات النفوذ التابعة، على نحو يحمل دول مجلس التعاون الخليجي تكاليف لن تستطيع السيطرة عليها أو تحملها.

الخيار الثالث: التحكم في جيوسياسية المنطقة، بمعنى فصل الإقليم إلى مجال إقليمي عربي، ومجال إقليمي فارسي، وتقليل نقاط التصادم، وإحاطة المتبقي منها بحزام آمن مكفول دولياً، ويمكن تحقيق هكذا فصل عبر إنشاء قناة أو ممر مائي يربط الخليج العربي ببحر عمان، عبر دولة الإمارات وحدها أو عبر دولتي الإمارات وعُمان، وبذلك تقل أهمية مضيق هرمز نتيجة للتحول صوب استخدام القناة المائية العربية الجديدة، فتفقد إيران عنصر مساومة وابتزاز تجاه الخليجيين العرب وتجاه اقتصاد العالم بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز، حيث ستكون القناة الجديدة تحت سيادة العرب كلياً وضمن مياههم الإقليمية، وأي تورط بتعريض الملاحة في هذه القناة الجديدة للخطر سيؤدي إلى التعرض لسيادة دول عربية، وليس إغلاقها لمياه تسيطر عليها إيران كونها واقعة ضمن مياهها الإقليمية.

الخيار الرابع: حيادية الإقليم، ويتطلب ذلك أن يتفق القادة الخليجيون في مجلس التعاون الخليجي وحدهم على إعلان حيادية مجالاتهم السيادية، والطلب من القوى الدولية والمنظمات الدولية كفالة ذلك الحياد. وبهذا لن يسمح بأن تستغل علاقات الدول المحايدة لغرض إجبارها على خيارات سياسية ضد الإرادة الإقليمية أو ضد إرادة أية دولة أخرى، إنما ستعمل وفقاً لمنطق محدد ألا وهو الحياد، بقصد ضمان المكتسبات التي تحققت خلال السنوات السابقة. أو ربما تتفق الدول المتشاطئة كافة على الخليج على حيادية مياه الخليج في أقل تقدير تحت ضمانات دولية، تتعهد بموجبها الأطراف ذات العلاقة بعدم الإخلال بهذا الحياد.

الخيار الخامس: الاتحاد الخليجي العربي، بمعنى الابتعاد عن التنافس على الأدوار خليجياً، وعن التعاون الشكلي، وطالما أن حقائق الجغرافيا غير قابلة للتغيير، وأن حيادية الإقليم غير ممكنة، فالأجدى أن تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على تقديم مصالح المجلس على مصالحها، ولا سبيل لذلك سوى بمزيد من الاندماج وربما وصولاً إلى خيار الدولة الخليجية الواحدة أولاً، ثم التوسع المحسوب باتجاه ضم دول عربية أخرى لها ميزة القدرة السكانية، بمعنى توسيع قدرات مجلس التعاون، مثل التخطيط الجدي لضم اليمن ومصر وسوريا، وربما تدعو الحاجة إلى عدم إسقاط مناقشة خيار توطين ما أمكن من العرب في دول (دولة) مجلس التعاون.

إن أياً من هذه الخيارات قابل للمناقشة والتوسع فيها، ويبقى على المسؤولين النظر بإيجابية إلى كل ما من شأنه أن يسهم في ضمان الأمن الخليجي عامة، وأمن الخليجيين العرب خاصة.

 

مجلة آراء حول الخليج