array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 164

أربع فئات لمصادر انعدام الأمن و3 متغيرات تؤثر في استقرار المنطقة

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

كان الغزو العراقي للكويت كارثة فورية للكويت، وتضرر منه الأمن والاستقرار في كل المنطقة، وكان كارثة محققة على العراق، الذي وجد نفسه أمام نيران تحالف دولي عريض؛ سعى لتحرير الكويت والعراق معاً، مما كان يُظَنُّ أنه السبب في ذلك الغزو، وما صَحِبَهُ من دمار وخراب. فقد اعتقد العديد من الأمريكيين، بمن فيهم الرئيس جورج بوش، أن الخير "التحرير" سيأتي من هذا الشر "الغزو". وسيكون هناك "نظامًا عالميًا جديدًا" يتعذر فيه العدوان على بلد بالطريقة، التي فعلها العراق مع الكويت. علاوة على ذلك، تقافزت رؤىً وأحلام كثيرة، وراودت صُناع القرار، بأن الوطن العربي بأكمله سوف يتغير؛ زاعمين أنه من الواضح أن التباين بين العرب الأغنياء والفقراء كان شكلاً من التفاوت الاجتماعي، الذي يجعل الأنظمة غير مستقرة، وعازمين على أنه سيتغير عبر تطبيق أشراط هذا النظام الجديد. وأشاروا إلى أنه، بعد الانتصار النهائي، سيتحرك الأغنياء بذكاء لتحسين أحوال 90٪ من المُكَوِّن الأفقر من العالم العربي. وستكون الاستثمارات المستقبلية للدول العربية الغنية بالنفط في شمال إفريقيا والسودان وسوريا والأردن واليمن، وليس في أوروبا واليابان وأمريكا. واقترح بعض الأكاديميين أنه يمكن للعرب الأغنياء أن يضعوا جزءاً كبيراً من دخلهم النفطي في حساب خاص لتنمية العالم الإسلامي بأسره.

لقد قيل الكثير من التوقعات، وبدا كل شيء معقولاً، وعاقلاً وعادلاً، لكن لسوء الحظ، فإن الأمر كله مجرد خيال شاطح. وما كان للتداعيات الأمنية، التي لحقت بالمنطقة العربية؛ جراء الغزو العراقي لدولة الكويت، في 2 أغسطس 1990م، أن تمضي من دون تأثيرات عميقة على بنية الاستقرار السياسي والاجتماعي في الوطن العربي. الأمر، الذي أوجد الحاجة لتفكير جديد، يستلهم العِبَرَ من حادثة الغزو، ويستخلص دروس تجربة التحرير، ويستوجب إعداد العرب لما يستطيعوا من قوة الإجماع. وذلك يستدعي إمعان النظر في مدى استفادة الدول العربية من مسارات التعبئة الدبلوماسية والعسكرية، التي نشطت المساعي فيها والمساومة بين مطلوباتها، لتحقيق ما جرى التوافق عليه من ضرورات إعداد القوة، وحَفَزَّت فكرة العمل الجماعي بلوغاً لهدف التحرير. وكان ينبغي أن يتجه القادة العرب مباشرة نحو وضع استراتيجية عسكرية وأمنية إقليمية شاملة كضامن لعالم عربي مستقر، على أن يكون هدف هذه الاستراتيجية الأسمى هو حماية الأمن القومي العربي، ومنع الصراعات العسكرية بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وتشجيع الحلول العربية للمشكلات العربية، وبالقدر، الذي يمنع أي شكل من أشكال التدخلات الخارجية. وما علينا في هذا المقال إلا النظر في التحديات، التي تحول دون وضع هذه الاستراتيجية، وإمكانية تنفيذها في إطار عربي جماعي.

لهذا، تحاول المقالة تقديم رؤية مقتضبة حول مسألة إمكانية تطوير العمل العربي المشترك في المدى القصير، أو ما يمكن أن يُغطي أعوام العقد القادم، إذ تُعَدُّ التنبؤات الاستراتيجية المفصلة طويلة المدى، مهمة غير مجدية بقراءة واقعنا الحاضر، وغالباً ما يكون مصيرها الفشل بسبب طوارئ ومفاجآت المنافسات العارضة. وللتأكيد من هذه الحقيقة غير السارة فما على المرء إلا أن ينظر إلى الخلاف الخليجي- الخليجي الأخير، أو على المستوى العام مطالعة تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول المخاطر العالمية، الذي نشر في يناير 2020م، وفشله في تقييم احتمال تفشي الأمراض المعدية؛ مثل كوفيد-19، أو عدم الاستقرار في سوق الطاقة العالمية، التي قال عنها إنه من غير المرجح حدوثها، على الرغم من أن كلا الأمرين حدثا في أقل من شهرين بعد نشر التقرير. لذلك، نتعامل بحذر كبير مع محاولات التنبؤ، وإن لم نشأ أن نُغلق الباب، بدلاً من ذلك، عن التفكير في المستقبل، بأبعاده ومدياته المختلفة، الذي يجري التمهيد له بإطار تحليلي يساعد في تطوير أي سيناريو يستكمل بـ"تأثير الاتجاهات" و"مسح الحالة" و"التطلع إلى الأفق". وهذا يمكننا مما قد نتعلمه عن عيوب التوقعات المستقبلية وبناء السيناريوهات مثل تلك، التي تحدد توقعاتنا المحتملة في العقود القادمة.

تحدي الأزمة:

يُنْسَبُ إلى الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري أرويه، المعروف باسم فولتير، أنه قال ذات مرة "لا يمكن لأية مشكلة أن تصمد أمام هجوم التفكير المستمر". ويعلق روس هاريسون، من مركز الشرق الأوسط، بواشنطن، ربما لم يكن من الممكن إطلاق هذا الادعاء الجريء لو أنه؛ أي فولتير، واجه تحديات الشرق الأوسط الحديث، حيث أعاقت حلول المشكلات بعضاً من أفضل العقول الاستراتيجية. وينبه هاريسون، في ورقة سياسة، نشرها  MEIفي 6 مايو 2015م، تحت عنوان: "تحدي الجاذبية: العمل نحو استراتيجية إقليمية لشرق أوسط مستقر"، إلا أن إيجاد فرص لحل مشاكل الشرق الأوسط، والانتقال في نهاية المطاف من الفوضى إلى الاستقرار، يتطلب البحث في الأماكن الصحيحة. المكان المناسب حالياً للعثور على فرص قوية ليس على المستوى الوطني، حيث تشتعل الحروب الأهلية في العراق وسوريا وليبيا واليمن، بل على المستوى الإقليمي، حيث ينشأ نظام جديد من هذه الصراعات. أركان هذا النظام الإقليمي هي المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران ومصر. ورغم أنه يغفل متعمداً إسرائيل ودورها في تحريك الفوضى وإشعال بؤر التوتر والدمار، وما إذا كان مستقبل الشرق الأوسط سيكون استمراراً للفوضى والدمار الحاليين، أو انتقالاً أكثر إيجابية نحو الاستقرار والازدهار، إلا أنه يؤكد أن هذا الاستقرار، وما يمكن تحقيقه من ازدهار، سيعتمد بشكل كبير على العلاقات بين هؤلاء العمالقة الإقليميين الأربعة.

يؤكد هاريسون أن نظاماً إقليمياً جديداً ينبثق من صراعات الشرق الأوسط، وأن العلاقات بين أركان هذا النظام الأربعة هي علاقات حاسمة، لأنها ستحدد إلى قدر كبير مستقبل المنطقة برمتها. ويقول إن تعزيز تعاونهم ضروري، ليس فقط لمساعدة هذه المنطقة المضطربة، ولكن أيضاً لحماية النظام العالمي من الآثار المزعزعة للاستقرار الناجمة عن استمرار التدهور المستمر في الشرق الأوسط. فهناك المصلحة المشتركة الرئيسية في الحاجة إلى سياق إقليمي أكثر استقراراً وتعاوناً، والذي بدونه لن تتمكن أيٍ من هذه البلدان من تحقيق كامل إمكاناتها في العقود القادمة. إذ تعتمد الحيوية الاقتصادية لكل بلد على زيادة مستويات التجارة البينية وعائد السلام، الذي يمكن أن يتراكم إذا استقرت المنطقة. وهناك مصلحة سياسية وأمنية مشتركة أخرى وهي هزيمة مجموعات مثل داعش والقاعدة والجماعات التابعة لهما، والتي ما لم يتم التحقق منها يمكن أن تتحدى سيادة المزيد من الدول في المنطقة. إن السعي وراء هذه المصالح المشتركة ليس له مردود طويل الأجل فحسب، بل ينتج عنه أيضاً فوائد أمنية واقتصادية فورية لجميع البلدان الأربعة.

لقد وصلت الأزمات المتعددة، التي يعاني منها الشرق الأوسط الآن إلى نقطة انعطاف حرجة، في عام 2011م، وما بعده، حيث شهدت المنطقة عاصفة مثالية يضرب بها المثل، مع انزلاق المزيد من الدول إلى الحرب الأهلية وانتشار الدول الفاشلة، التي جرى استغلالها لاحقاً من قبل داعش. ويمثل التعاون الإقليمي أفضل السبل لحل هذه المشاكل وتجنب السيناريوهات الكارثية للشرق الأوسط في العقود المقبلة، لأن الخطر المتمثل في أن القوى الأربع سوف تتعثر فقط ولا تتعاون هو خطر كبير نظراً لتأثيرات "القطار السريع" للاتجاهات الكبرى وزخم الصراعات الحالية.

ويطلب هاريسون من الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى؛ مثل، روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، وجوب أن يركزوا جهودهم الاستراتيجية على تهيئة الظروف المواتية للتعاون بين هذه القوى الإقليمية. بافتراض أن هذه القوى يمكنها الارتقاء إلى مستوى المناسبة، ويمكن أن تُساعد في إدارة بعض هذه المخاطر. لكن هذا يتطلب وجود رؤية استراتيجية على مستوى المنطقة وتجنب شد الجاذبية في سياسات الأزمات. لن يكون هذا سهلاً للقوى الدولية، أو الإقليمية، لكنه ليس عملاً مستحيلاً. إذ تمثل الأزمات الحالية فرصة محتملة لتشكيل مستقبل أفضل للمنطقة وتجنب عدم الاستقرار العالمي، الذي قد ينجم عن استمرار الوضع الراهن. وتخلق إمكانية إبرام صفقة نووية جديدة مع إيران فرصة إضافية للتعاون الإقليمي في نهاية المطاف. وإذا كان لا بد من اغتنام هذه اللحظة، فإن المجتمع الدولي، إلى جانب مصر وإيران والمملكة العربية السعودية وتركيا، يحتاج إلى البدء في وضع الأساس لمستقبل أفضل. إذ إنه مع تكاثر الأزمات في الشرق الأوسط، فإن الوقت يعمل ضد المنطقة. وبالتالي، فمن الأهمية بمكان أن تبدأ الجهود نحو استراتيجية إقليمية الآن، إن لم تكن قد بدأت بالفعل يوم أمس.

انعدام الأمن:

باتفاق الكثيرين، يمكن تقسيم مصادر انعدام الأمن هذا إلى أربع فئات واسعة ومتداخلة. أولاً، الهيكل الأمني ​​الذي ظهر في المنطقة هو في حد ذاته مصدر لانعدام الأمن. حتى الآن، استندت إلى حد كبير على استبعاد إيران، والجهود المستمرة والمكثفة من قبل الموازن الخارجي وآثارها، أي الولايات المتحدة. ولطالما كان التفكير الأمني ​​والاستراتيجي للولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي مبنياً على افتراض أن إيران ليس لديها أي مخاوف أمنية مشروعة خاصة بها، دفعت الطبيعة الخاطئة لهذا الافتراض إدارة أوباما إلى إعادة التفكير ومراجعة تفكيره بشأن إيران، إلى حد كبير من خلال ضمان أن المفاوضات النووية طويلة الأمد مع الجمهورية الإسلامية قد أتت ثمارها بنجاح في عام 2015م، على الرغم من الذعر الكبير بين بعض القادة العرب، حافظت إدارة أوباما على مسارها. لكن إدارة ترامب، التي خلفتها عكست هذا المسار، وزادت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران مرة أخرى.

السبب الثاني لتفشي انعدام الأمن في الشرق الأوسط و الإهمال الواسع النطاق للتهديدات الأمنية، التي ليست ذات طبيعة عسكرية بحتة. وبشكل أكثر تحديداً، أدى ظهور سياسات الهوية بشكل عام، والطائفية على وجه الخصوص، إلى توتر كبير داخل المجتمعات؛ وفيما بينها، في جميع أنحاء المنطقة. وأضافت الطائفية القوة والفعالية إلى خطاب الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية، الذين سعوا إلى تعزيز أجنداتهم الخاصة، والتعويض عن أوجه القصور الخاصة بهم، من خلال الادعاء بأنهم مدافعون عن الهويات والمجتمعات، التي يُفترض أنها مهددة. وقد غذي هذا الأمر وعززه سبب ثالث لانعدام الأمن، ألا وهو عدوانية الفاعلين المعنيين، أو من يناصرونهم بالوكالة. إذ أن مسائل السياسة والعلاقات الدولية في جوهرها هي نتاج أفعال صانعي السياسات الأفراد، وتعكس تفضيلاتهم. علاوة على ذلك، دفعت تطلعات الهيمنة الإقليمية، وطموحات إسقاط القوة، وتحقيق مركز القوة الوسطى، الجهات الفاعلة الحكومية الإقليمية إلى التنافس مع بعضها البعض، وتقويض عناصر الفعالية لدى بعضها البعض. هذه الطموحات، إلى جانب قوة الطائفية من ناحية، وانتشار الأنظمة السياسية الضعيفة والهشة من ناحية أخرى، جعلت المنطقة متقلبة بشكل كبير.

لقد كان لقتال السياسة الخارجية والأمنية نتيجة إضافية، وهي إعادة الإنتاج الساخرة لانعدام الأمن بحد ذاته، والمعروف باسم معضلة الأمن. ويحدث هذا عندما تزيد تدابير تعزيز الأمن من قبل دولة خوفاً من انعدام الأمن لدى خصمها، الذي تؤدي إجراءاته المضادة إلى جعل الأولى غير آمنة. وبناءً على هذا، لا تزال الحلقة المفرغة لانعدام الأمن في الدول المستقرة، التي تمثلها المعضلة الأمنية في غيرها تقوض آفاق السلام والاستقرار الإقليميين في الوطن العربي. ويبدو أن النتيجة هي ظهور ظواهر أمنية إقليمية شديدة التقلب والتغير، وتتميز بالتوترات المزمنة، والخلافات الدبلوماسية، والمشاعر المشحونة والمضطربة للغاية، والقلق والعداوات العميقة الجذور، ومؤخراً الصراع العسكري المفتوح والحرب، كما نشهد في اليمن وسوريا وليبيا والصومال، وربما يقترب من حالها العراق ولبنان والسودان. وفي السياق العام، لا يحدث عدم الاستقرار في هذه الدول منعزلاً، بل يتغذى على، وهو بدوره يغذي، عدم الاستقرار في أماكن أخرى، قريبة وبعيدة؛ مجاورة وغير مجاورة. 

وجهة نظر:

يقول المحلل الاستراتيجي الأمريكي المعروف أنتوني كوردسمان، في محاضرة له بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية بواشنطن، نُشِرَت في 14 مايو 2018م، إنه لا يوجد طريق واحد بسيط للاستقرار في أي جزء من العالم، وأي تعليقات واقتراحات من خارج منطقة، أو ثقافة معينة يمكن أن تعكس بسهولة الأحكام المسبقة لثقافة مختلفة، أو تبدو متعالية وغير عادلة. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن جميع المناطق والثقافات والأمم تقريباً في عملية مستمرة من التغيير والتطور ولديها على الأقل بذور عدم الاستقرار والنزاع الخطير. حتى الدول الأكثر تقدماً في العالم لديها مشاكل الاستقرار الخاصة بها، وكل منطقة تهيمن عليها الدول النامية تواجه تحديات خطيرة. وبتطبيق هذا القياس على المنطقة، خاصة بعد ارتدادات غزو وتحرير الكويت، نجد أن العديد من الدول العربية تأخرت بشكل سيئ في التنمية الاقتصادية والحوكمة الفعالة في وقت تتعرض فيه لضغوط سكانية خطيرة، وتواجه "زيادةً" كبيرة في أعداد الشباب، ومشكلات في التوظيف، وفشلت في خلق أنماط عادلة ومتوازنة لتوزيع الدخل، وتلبية احتياجات شعوبها. كما فشلت في تمويل التوسع المطلوب لبنيتها التحتية، وخدماتها التعليمية، والطبية، وغيرها.

ورغم أن كوردسمان يقلل من تأثير أسطورة "الأمة العربية" لاجتراح الحلول الإقليمية، لتعلق الحكومات بحالة الإنكار، وأنها تلوم دولاً خارجية، أو إقليمية أخرى على مشكلاتها الأمنية، وتتجاهل الانقسامات الداخلية، أو تقلل من شأنها، ولا تبذل سوى القليل من الجهد لقياس جانب عدم الاستقرار، الذي يمكنها تحديده، إلا أنه لا يستطيع أن ينفي بالكامل أن "هناك تقارب ثقافي حقيقي بين الدول العربية؛ ثقافياً ولغوياً وإلى حد ما دينياً". في الوقت نفسه، تختلف أسباب عدم الاستقرار واحتياجات التنمية بشكل حاد حسب الدولة حتى بين الجيران القريبين. ما تعاملت بعض الدول العربية مع أسباب عدم الاستقرار هذه. فهم يعتقدون أن هذا البعض تجاهل إلى حد كبير عمل ما يقرب من عقدين من تقارير الأمم المتحدة للتنمية العربية. ويلفت الانتباه إلى أنهم يفتقرون إلى خطط تنمية متماسكة وذات مغزى، وهم بطيئون في إصلاح، أو تحديث قطاعات الحكم والدولة، والسماح للضغوط من أجل الاستقرار بالنمو والتراكم بمرور الوقت. ويعتبر أحد الأمثلة الواضحة على ذلك هو فشل معظم الحكومات في محاولة الاستجابة بفعالية لدروس الاضطرابات السياسية، التي بدأت في عام 2011م، ويقول إنه، حتى الآن، حاولت دولة واحدة فقط في المنطقة، "وهي المملكة العربية السعودية، تطوير وتنفيذ برنامج إصلاح وطني على الحجم، الذي تحتاجه".

لهذا، يجب تسليط الضوء هنا على ثلاثة متغيرات مستقلة وحاسمة من المحتمل أن يؤثر تغييرها في اتجاه، أو آخر بشكل كبير على البنية الأمنية الشاملة واستقرار المنطقة. وتشمل هذه دور الموارد الطبيعية في المنطقة، وتحديداً النفط والغاز، في تشكيل السياسات المحلية والدولية الجارية؛ تصورات واتجاه السياسة الخارجية الإيرانية والدور الاستراتيجي المتطور للجمهورية الإسلامية ومكانتها في المنطقة؛ وشكل واتجاه السياسات الخارجية والأمنية للولايات المتحدة من حيث صلتها بالشرق الأوسط. هذه هي الأشياء المجهولة الكبرى على طريق تطور ديناميات الأمن في الشرق الأوسط. لذا، ليس من المستغرب أن السؤال عما يجب فعله لتعزيز الأمن في الشرق الأوسط قد جذب انتباه العديد من المحللين والدبلوماسيين والممارسين السياسيين والأكاديميين لبعض الوقت؛ مثل، عمل أندرو راثميل، وثيودور كاراسيك، وديفيد جومبرت، الذين كانوا، منذ عام 2003م، يجادلون بأن نظام الأمن القابل للتطبيق في الشرق الأوسط يحتاج إلى عنصرين متآزرين، هما: التعددية، التي تشمل دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق، وميزان القوى والإصلاحات الداخلية داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك في ورقة نشرها ثلاثتهم، ضمن إصدارات مؤسسة راند، عام 2003م، وكانت تحت عنوان: "نظام أمني جديد للخليج". 

ضرورات الاستراتيجية:

إن وضع الاستراتيجية يأخذ عادة نقاط الأفضلية المختلفة؛ بعيداً عن الأساليب المميزة، التي ستنتج سيناريوهات المستقبل. ونظراً لتعقيدات المشهد العربي إبان الأيام الأولى لغزو العراق للكويت، وما شهدته جامعة الدولة العربية من انقسام، فإن مجرد التفكير في العمل الجماعي كان يُعَّدُ مغامرة سياسية غير مأمونة العواقب، ناهيك عن العكوف المتأني على التخطيط لاستراتيجية عربية تتسم بالشمول، ويحصنها التوافق والقبول. إذ كان من الصعب، في الوهلة الأولى، الحديث عن سيناريو محايد ينقذ فريقا المعادلة العربية مما وجدا نفسيهما فيه من تعارض رؤية المعالجة. فما قدمه العراق حينها من مبررات لا يمكن أن يكون قابلاً للقراءة الموضوعية لدى الطرفين، اللذان اختلفا على كيفية المعالجة، مع اتفاقهما على ضرورة خروج العراق العاجل من الكويت. الأمر الذي أوجب على الجامعة العربية أن يكون تركيز سيناريو الحل وأولوياته محدوداً في النطاق، ومُحدداً بواسطة المنظور، الذي أقره غالب الأعضاء، في العاشر من أغسطس 1990م.

وهناك سبب يجعل رفع نظرنا إلى المستوى الإقليمي يكشف عن الفرص، بينما تبدو الصراعات على مستوى الأرض منيعة أمام الاستراتيجية. هناك شرطان أساسيان للاستراتيجية غائبان في النزاعات على الأرض في الوطن العربي. أحدهما هو قدرة القادة على رؤية البيئة الاستراتيجية بوضوح كافٍ لحساب ما إذا كانت الإجراءات، التي يفكرون في اتخاذها تنطوي على احتمالية معقولة لإنتاج التأثيرات المرغوبة. ففي وسط الفوضى، التي كانت تسود المنطقة إبان الانتفاضات العربية، كاد يكون من المستحيل تصحيح العلاقة بين السبب والنتيجة. العنصر الثاني المفقود هو قدرة الجهات الفاعلة على إجراء تقييم دقيق لكيفية تأثر اهتماماتهم بالأحداث. في بيئة دينامية وغير مستقرة، من السهل على الأطراف المتورطة في النزاعات أن تفقد بوصلتها الاستراتيجية، وتلجأ إلى التحسس في ظلام الأزمات القائمة في منطقة الخليج، وغيرها من أجزاء الوطن العربي الأخرى.

والمعلوم أنه حتى قبل غزو العراق للكويت، ومنذ بداية العقد الأخير للقرن العشرين، كان يُنظر إلى الخليج على أنه منطقة حيوية من الناحية الاستراتيجية، سواء بالنسبة للاقتصاد العالمي بشكل عام، أو من أجل الازدهار المستمر للاقتصادات المتقدمة على وجه الخصوص. لكن نتج عن الغزو أن أصبحت المنطقة ساحة لظهور تحديات أمنية متعددة؛ ومتداخلة في كثير من الأحيان، العديد منها محلي في المنطقة، وغير قليل منها مستورد من الخارج. فقد كانت معظم هذه التحديات الأمنية تدور حول المنافسات الإقليمية؛ السياسية، والعسكرية، والصراعات داخل وبين الجهات الفاعلة في المنطقة نفسها، التي من المؤكد أنها لم تكن تخلو من دعم جهات خارجية، وإن كانت مستترة في غالبها. وبينما كانت التهديدات والتحديات للأمن البشري موجودة أيضاً، غالباً ما طغت عليها تهديدات فورية وملموسة أكثر للسيادة الإقليمية وأشكال مختلفة من المنافسة السياسية والعسكرية بين الجهات الحكومية. إلا أن الغزو، عام 1991م، أضاف بعداً جديداً للتهديدات والتحديات الأمنية في المنطقة والشرق الأوسط الكبير بسبب سياسات الانقسام العربي. وبشكل أكثر تحديداً، أدى ظهور كتلتين عربيتين إلى إدخال عنصر جديد في مجتمعات وثقافات المنطقة، حيث شعرت قطاعات كبيرة من السكان في دول الخليج بالتهديد بسبب قربهم الجغرافي، ومواقف أنظمة حكمهم الرافضة لفكرة الغزو جملة وتفصيلاً. 

الخاتمة:

حاولت هذه المقالة البحث في مجالات القضايا، التي وردت في استهلالها، وحددت بعض التحديات، التي طرحها غزو وتحرير الكويت على العلاقات العربية والدولية. وتناولت باقتضاب الأبعاد والتصورات والمخاطر وتقديرات الاستراتيجية المستقبلية، مع استصحاب تحديات الجغرافيا الطبيعية، والخلاف السياسي في أعقاب الربيع العربي وردود الدولة، وهيكل الأمن الإقليمي، والدور التاريخي للجيش في بناء الدولة في الوطن العربي، والأداة العسكرية للجهات المسلحة غير الحكومية، وتأثيرات العلاقات الدولية، خاصة سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. فالتقدير العام هو أن الأمن القومي العربي هو مفهوم يجب على الحكومات، إلى جانب برلماناتها، حماية الدولة ومواطنيها من جميع أنواع الأزمات "الوطنية" من خلال مجموعة متنوعة من إسقاطات القوة؛ مثل، القوة السياسية والدبلوماسية، والقوة الاقتصادية، والقوة العسكرية، وما إلى ذلك من ترتيبات مُحَقِّقَة للأمن والاستقرار.

إن هذه، ومقترحات أخرى، للتعامل مع مقتضيات المنافسة بين القوى الرئيسة في المنطقة وحلفائها من جهة، ودول الخليج العربية من جهة أخرى، ينبغي أن لا تُعطي صبغتها للصراعات الدائرة في أنحاء الوطن العربي وجواره، وتحول الصراعات والحروب الأهلية إلى حروب بالوكالة. إذ تتقاطع هذه الحروب على نحو متزايد، إن لم يكن على الأرض، فبالتأكيد بالطريقة، التي ينظر بها اللاعبون الخارجيون إليها. والحربان في سورية واليمن، بشكل خاص، توضحان هذه الدينامية، لكن هذا ما تفعله أيضاً أحداث مماثلة في ليبيا، أو أقل عنفاً في العراق ولبنان والسودان، حيث يجري تصوير الانتفاضات الشعبية الساعية إلى تحقيق أهداف محلية على أنها نتاج للتحريض الخارجي، بينما يتم تشخيص احتجاجات على أنها موجهة بشكل رئيس ضد هذه القوى الإقليمية، أو تلك العالمية. وحتى تفشي كوفيد-19 أطلق نوبة من الاتهامات المتبادلة بين هذه القوى؛ مُمَثَّلَةٌ في حديها الأبرز طهران وواشنطن، في حين كان يمكن للتعاون الإنساني الأوسع أن يوفر وسيلة تحفظ ماء الوجه للتواصل مع الطرف الآخر، والحد من الأعمال العدائية، التي تضيع باستمرارها مصالح الجميع.

إن الأزمات الراهنة، التي تُعتبر أحدث ارتدادات ما سبقها، منذ أزمة غزو الكويت، تتطلب مقاربة جديدة تعالج نقاط ضعف الحلول المتوفرة حالياً، وتأخذ بالاعتبار التعقيد المتزايد لبعض الأوضاع العربية. لقد مرت المنطقة بتحول دراماتيكي منذ الانتفاضات العربية في العام 2011م، وأي محاولة لتخفيف حدة اضطرابها من المرجح أن تتطلب تحولاً في النمط التحليلي والتشغيلي لآليتها. إن مساراً أكثر فعالية يمكن أن يقارب أهداف وتطلعات المنطقة العربية بشكل أكثر شمولية، وأن يعالج صراعاتها المنفردة على أنها مترابطة؛ وحتى عندما تعالج وسائل تخفيف حدة الأخطار المباشرة، فإنها ستوفر رؤية، ومساراً نحو ترتيب إقليمي جماعي وشامل في نهاية المطاف.

مقالات لنفس الكاتب