array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

الصين الدولة الأكثر قبولا للتدخل في إعادة إعمار أفغانستان

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

يعكس الموقف الصيني بعد إعلان طالبان تأسيس حكومة مؤقتة لإعادة النظام الاجتماعي والاقتصادي، اعترافها بدور طالبان كقائد للعملية السياسية في أفغانستان، ولكنه مشروط أيضًا ببعض المخاوف المستقبلية تتعلق بمصالحها الحيوية والأساسية. وقد رسم الاجتماع الأخير بين حركة طالبان والصين بمقاطعة تيانجين الخطوط العريضة لمستقبل العلاقات الصينية-الأفغانية، التي ستقوم على "المصالح الاقتصادية مقابل المصالح الأمنية". فالصين تأمل في أن تتمكن طالبان من تشكيل حكومة شاملة، وتنفيذ سياسة داخلية وخارجية حكيمة، وأن يتمكن الشعب الأفغاني من حل المشاكل الداخلية بنفسه، وأكدت بأنها لن تتدخل في المشاكل الداخلية لأفغانستان، وستساهم في التنمية الاقتصادية وإعادة بناء الدولة في أفغانستان شريطة أن تقطع الحركة العلاقات من جميع الجماعات الإرهابية والمتطرفة، ولا سيما حركة تركستان الشرقية وحل التحديات الداخلية لمواصلة التعاون الاقتصادي. بينما أكدت الحركة على وعودها السياسية التي تضمنت اتفاق الدوحة وهي عدم استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد أي شخص أو دولة. وهذا يعكس اعتراف الصين بالواقع الحالي في أفغانستان بل ولها أيضًا متطلبات، وينطبق الشيء نفسه على روسيا ودول شرق آسيا.

تحاول هذه الدراسة تحليل الموقف الصيني تجاه صعود طالبان والنهج المستقبلي للعلاقات الصينية الأفغانية، من خلال التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها طالبان، وكيف تطبق الصين نهج "الاقتصاد مقابل الأمن"، مع التحفظ الأمريكي / الغربي على سيطرة حركة طالبان على الدولة في ظل الصراع الأمريكي / الصيني.

أولاً، التحديات الداخلية التي تواجه حركة طالبان في تعزيز النهج المستقبلي مع الصين

تواجه حركة طالبان التحدي الداخلي الأكبر المتمثل في الوحدة الوطنية التي تمكنها من تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين والقوى الإقليمية الأخرى وأيضًا الحصول على الشرعية الدولية ودعم المجتمع الدولي في إعمار أفغانستان، والأهم هو ضمان استقرار النظام. أولاً: تُعد الإدارة اللامركزية التي يشارك فيها جميع طوائف الشعب هو مفتاح تحقيق الوحدة الوطنية. فعلى الرغم من أن الحركة قد أظهرت بالفعل بعض التغييرات التي تختلف عن صعودها الأول قبل عشرون عامًا، والتي تتمثل في دعم عمل وتعليم المرأة، وفتح حوار مع جميع القوى السياسية، والعفو عن النظام السابق وحلفائه. ومع ذلك، رأينا من وقت لآخر حوادث انتهاك لحقوق المرأة، وتصفية مسؤولين حكوميين سابقين، واستخدام أساليب قاسية لمحاسبة العلمانيين. وهذا يظهر أيضًا أنه لا تزال هناك اختلافات داخل الحركة وبعض المحافظين المتطرفين بداخلها.

فعلى المستوى الهيكلي، أعضاء طالبان الآن أكثر تنوعًا، فهم لم يعودوا بشكل رئيسي من قبيلتين أو ثلاث قبائل، بل ينتمون إلى المزيد من المجموعات العرقية والقبائل. ويعكس هذا الجانب تنوعها إلى حد ما ويعزز شرعيتها واستقرارها، إلا أن التناقضات بين الجماعات العرقية والقبائل سيجلب المزيد من الأخطار الخفية على وحدة طالبان. كما أن الهيكل التنظيمي لطالبان معقد نسبيًا، حيث يشمل مستوى القيادة وصنع القرار مع القادة على مبدأ الشورى باعتباره الجوهر، ومستوى الوزراء وحكام المقاطعات كمستوى رئيسي، ومستوى الضباط والجنود على مستوى القاعدة. بالإضافة إلى ذلك، لديها العديد من المنظمات الطرفية والمنظمات التعاونية، وتوظف باستمرار "العمال المؤقتين".

تسيطر طالبان الآن بشكل أساسي على كامل أراضي أفغانستان، وأعلنت عن تشكيل حكومة مؤقتة، ولكن لا تزال السلطة في طور إعادة التنظيم، وإذا كانت هناك مشاكل في توزيع السلطة، فستكون هناك متغيرات رئيسية، والتي تحدد عملية السلام، ومنها كيف يمكن لطالبان إضفاء اللامركزية على السلطة وكيفية تعاملها مع قوى الأقليات العرقية وفصائل السلطة المحلية. وهذا ما يجعل الحركة لا تحظى بتعاطف وتأييد واسع من الشعب الأفغاني الذي ليس لديه درجة عالية من النوايا الحسنة تجاه طالبان. فلا يزال معظم الأفغان قلقين للغاية بشأن الذاكرة التاريخية لطالبان، أي الطريقة التي حكموا بها قبل خريف عام ٢٠٠١م، والأيديولوجية الدينية المتشددة. فمن المرجح أن تتخلى طالبان عن التطرف إلى حد كبير، ولكن ستظل هناك بعض الاختلافات في العملية أو القدرة على السيطرة عليها.

ثانيًا: على الصعيد السياسي. تواجه طالبان الأفغانية معضلة سياسية وهى التعاون الاقتصادي مع العالم الخارجي، فالكثير من الدول تتنافس على أفغانستان، فتاريخيًا التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وفي المستقبل الولايات المتحدة والصين، والولايات المتحدة وروسيا، والهند وباكستان، ودول الخليج وإيران. والخلاف بين هذه الدول يعني أن الكثير من القوات تمزق أفغانستان، مما يجعل من الصعب موازنة الدبلوماسية الأفغانية. فإذا أردت حركة طالبان تطوير الاقتصاد في المستقبل، فعليها الحفاظ على الحياد أو تبني دبلوماسية الحياد.  على سبيل المثال، الحياد بين الهند وباكستان، والحياد بين الولايات المتحدة مع الصين وروسيا ، والحياد بين السعودية وإيران وتركيا وقطر، حتى لا تكرر أخطاء الماضي.

ثالثًا: على الصعيد الاقتصادي. في السابق، كان ٧٥٪ من ميزانية أفغانستان يأتي من التمويل الأجنبي، ولكن الآن هذه المساعدات المالية الخارجية قد توقفت، وتم إغلاق العديد من محطات التلفزيون ومراكز الترفيه، وارتفع معدل البطالة بعد انسحاب الولايات المتحدة، ويواجه حوالي ١٠ ملايين شخص أزمة غذائية، والمساعدات الغربية آخذة في الانخفاض. وبالنظر إلى خبرات الحوكمة لطالبان، فقد حكمت في المناطق الريفية بالاعتماد بشكل أساسي على الدخل من المخدرات، وجمع رسوم الحماية وبعض الضرائب المحلية. وكان الدخل البالغ حوالي 1.5 مليار دولار أمريكي سنويًا قادرًا بشكل أساسي على دعم الإنفاق العسكري واحتياجات الحكم المحلي المحدود. والآن حدث تغيير في الهوية، فمن منظمة متمردة سابقة وحكام محليين في المناطق الريفية، إلى حكم ما يقرب من ٤٠ مليون شخص في أفغانستان. وهنا يتعين على طالبان على المنظور القريب محاولة تحقيق الوحدة الوطنية حتى تحقق قدرًا من الاستقرار الداخلي الذي يشجع الصين والدول الإقليمية الأخرى على الاستثمار وتقديم المساعدات، والأهم أيضًا ضمان تنفيذ الشروط الصينية المتعلقة بالمصالح الحيوية والأساسية لها. فأفغانستان تحتوي على موارد معدنية، وخاصة مناجم النحاس، وتحتاج إلى تطويرها بشكل منظم، والصين شاركت في تطوير هذه المناجم عندما كان الوضع الأمني ​​في أفغانستان ممكنًا في الماضي. كما أن هذا الاستقرار الداخلي النسبي يتطلب أيضًا تشكيل فريق من "الخبراء ذو الكفاءة" لحكم البلاد، فالتنوع بين الخبراء داخل وخارج الحركة واستيعاب المواهب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وأيضًا عن طريق الحلفاء مثل قطر وأيضًا الدول التي ستساهم في إعمار الدولة. وإذا تحقق الاستقرار طويل الأمد في المستقبل، فستستفاد أفغانستان أيضًا بميزة كبيرة جدًا في المجال السياحي، وتحويله إلى ركيزة في التنمية الاقتصادية. وأخيرًا، المساعدات الدولية من بعض البلدان الناشئة ووكالات الأمم المتحدة مهمة جدًا للوضع الاقتصادي الحالي، فقد يتطلب من طالبان الاستفادة من النفوذ الدولية والاقليمية للصين ومحاولة فتح حوار مع دول غربية  للحصول على المزيد من المساعدات الدولية، وإن كان هذا يمثل تحديًا صعبًا للغاية. بشكل عام، تحتاج طالبان إلى زيادة الإيرادات وخفض الإنفاق، وجمع الأموال من مصادر مختلفة، ومن الضروري صياغة خطة تنمية مستقبلية جيدة لتنمية الموارد والإمكانات الاقتصادية لأفغانستان.

 

 ثانيًا، الموقف الصيني من الصعود الثاني لطالبان ومستقبل العلاقات الصينية الأفغانية: "الاقتصاد مقابل الأمن"

 

امتنعت الصين بجانب روسيا عن التصويت لصالح قرار " ٣٩٥٢ " لمجلس الأمن الذي اقترحته كل من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ويتضمن ألا تصبح أفغانستان ملاذًا آمنًا للإرهابيين، توفير ممر آمن لمن يرغب في المغادرة وضمان حق الوصول للأمم المتحدة والوكالات الإنسانية، والذي حصد ١٣ صوتًا من أصل ١٥. ليعكس الموقف الصيني من طبيعة السياسات المستقبلية لأمريكا والغرب مع أفغانستان التي يوضحها مضمون القرار. وهي إعادة التأكيد على الحرب ضد الإرهاب، ودور المساعدات الإنسانية في التدخل في أفغانستان دون عوائق من خلال إثارة قضايا حقوق الإنسان والتأكيد على حماية حقوق ومصالح النساء والأقليات العرقية وعقوبات محتملة ضد أفغانستان.

إن الحكم على ما إذا كان وصول طالبان على مستقبل العلاقات الصينية ـ الأفغانية هو في الواقع مرتبط بكيفية إدراك الصين لحركة طالبان. ويمكن استنتاج علاقات الصين مع الحركة قبل الصعود الثاني والتي ساهمت إلى حد كبير في الحفاظ على المصالح الصينية في أفغانستان من خلال مبدأ المنفعة المشتركة، فالاتفاقيات السرية مع الحركة سابقًا كانت تعتمد على نسبة في الأرباح من الاستثمارات الصينية في أفغانستان مقابل الأمن ...تؤكد مواصلة هذه السياسة بين الطرفين على أساس " الاقتصاد مقابل الأمن"، وهذا النهج ينعكس في الخطابات والاجتماعات الرسمية بين الحركة والقيادة الصينية.

وتحقيق هذا النهج، يستند على استراتيجية الصين الاقتصادية المستقبلية لأفغانستان  ومدى قدرتها على استئصال التخلف الاقتصادي الذي يُعد أحد الأسباب الرئيسية للعنف الاجتماعي وتعزيز أيديولوجيتها " السلام التنموي"، دون تجاهل التجربة السوفيتية والأمريكية في أفغانستان. ففي مواجهة عملية إعادة الإعمار المستقبلية لأفغانستان تحت إدارة طالبان، سوف تتبنى الصين نهج "التدخل البناء" من خلال أدواتها الاقتصادية ونفوذها الإقليمي والدولي. ولكن، هذا النهج مشروط وحذر، فبكين تريد ضمانات من حركة طالبان على الحفاظ على مصالحها الحيوية الخاصة بالأمن القومي، والتي تنبع من القرب الجغرافي لمنطقة شينجيانغ المتمتعة بالحكم الذاتي لأفغانستان، وما وراء النهر (التي تغطي أوزبكستان الحالية، وغرب طاجيكستان، وغرب قيرغيزستان، وشمال غرب تركمانستان، وجنوب كازاخستان)، ومناطق جنوب آسيا. تمتلك الصين ميزة أيضًا في التدخل البناء لإعمار أفغانستان، وهي الالتزام بالمبدأ الدبلوماسي المتمثل في عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهي الدولة المجاورة الوحيدة التي لم تجلب التناقضات الجغرافية والصراعات إلى أفغانستان، ولا توجد قضايا عابرة للحدود معقدة وصعبة بين البلدين. لذلك، فإن الصين هي الدولة الأكثر قبولًا لتوفير ملاءمة متأصلة لـ "التدخل البناء" في عملية إعادة إعمار أفغانستان في المستقبل.

والحكم على ما إذا كان "التدخل" "بناءً" أم لا  يتم من خلال أهمية ومقدار مساهمة الصين في التنمية الأفغانية وتطبيق نهج" الاقتصاد مقابل الأمن" بشكل استباقي وحذر. و يتضمن "التدخل البناء" في عملية إعادة الإعمار المستقبلية في أفغانستان ثلاثة جوانب: الجانب السياسي والاقتصادي والأمني.

السياسي، كان هناك تدخل صيني في القضية الأفغانية من خلال آليات ثنائية ومتعدد الأطراف، مثل عقد حوار وزراء خارجية الصين وباكستان وأفغانستان واجتماع وزراء خارجية الصين الخمس في آسيا الوسطى لمناقشة قضية أفغانستان بشكل مشترك. كما أن ممارسات الصين المحددة في أفغانستان تتفق في الواقع مع ممارساتها المحددة في سوريا واليمن وبعض المناطق التي مزقتها الحرب والقضايا الساخنة في إفريقيا. فهي تستند إلى الحيادية مع جميع الأطراف المعنية والدعوة إلى إيجاد مسار تنموي يناسب الظروف الوطنية لكل بلد. وفي هذا الصدد، ستحث الصين طالبان على تشكيل نظام جديد "واسع وشامل" يناسب الظروف الوطنية لأفغانستان. فموقف الصين الثابت هو "تعزيز السلام وعملية المصالحة في أفغانستان لتحقيق نتائج جوهرية في أسرع وقت ممكن، وإنشاء هيكل سياسي واسع وشامل بشكل مستقل يناسب الظروف الوطنية لأفغانستان وهو إحدى الشروط الأساسية التي وضعتها الصين في إطار نهج " الاقتصاد مقابل الأمن". وأعتقد أن الصين ستواصل الضغط من أجل المصالحة والوحدة بين مختلف القوى السياسية في أفغانستان والمساعدة في إعادة إعمارها على أساس الاتفاقات الثنائية.

 الاقتصادي، جعل أفغانستان جزءًا من تنمية الصين. ففي ظل الظروف الحالية، لا تزال هناك بعض الشركات الصينية متمسكة بأفغانستان، مما يعني أن الصين لا تزال تريد المساعدة في إعادة إعمار أفغانستان بعد الحرب من خلال البنية التحتية والتعاون في إطار "الحزام والطريق". وقد تبنت الصين هذا النهج من قبل من خلال آلية الحوار لوزراء خارجية الصين وباكستان وأفغانستان وبناء الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان. وفي هذا الصدد ، أعربت طالبان من خلال قنوات مختلفة عن رغبتها القوية في المشاركة الصينية في إعادة إعمار أفغانستان في المستقبل. وبمجرد تحقيق استقرار نسبي ونظام سياسي يعزز الوحدة الوطنية ويقلل من إمكانية اندلاع حرب أهلية في أفغانستان، ستدخل الاستثمارات والشركات الصينية تلقائيًا ، وسيتضمن "الحزام والطريق" دمج  أفغانستان مع شبكة التنمية الإقليمية.

الأمني،  أكدت الصين على ضرورة قطع الصلات مع جميع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة. وقد تعاهدت طالبان بعدم السماح لأي قوات باستخدام الأراضي الأفغانية للقيام بأشياء تعرض الصين للخطر. وبالتالي، الحكم على الموقف الصيني المبني على نهج "الاقتصاد مقابل الأمن" ، يعتمد بشكل رئيسي على قدرة طالبان على التغيير والسيطرة على التطرف وتحقيق الأمن والاستقرار الداخلي حتي لو كان نسبيا.

فطالبان قد خففت حقًا من أيديولوجيتها المتشددة ويمكنها كبح جماح توسع التطرف في أفغانستان، كما يعتقد بعض الخبراء الصينيين  بأن الحركة لا تركز على تصدير الثورة الإسلامية، والسبب الرئيسي هو أن المطلب الأساسي لها إقامة إمارة إسلامية في أفغانستان. وهذا يعني أنها تلعب بشكل أساسي في دائرتها فقط ولن تهاجم البلدان الأخرى. كما أن عدم وجود  أي اهتمام أو رغبة فيما يتعلق بهذا إلى الجانب القومي لها، يُعد أكبر فرق بين طالبان و "الدولة الإسلامية"، فتطرفها أكثر انطوائية وضبطًا.

على الرغم من أن طالبان تريد السيطرة على التطرف وإظهار السلوك المعتدل، إلا أنها لا تستطيع مع قدرتها على الحكم المنخفضة نسبيًا، وإذا كانت أفغانستان في حالة فوضى، فقد تشكل خطرًا على أمن الصين. فإذا لم تستطع طالبان حكم البلاد بشكل جيد والسيطرة على التطرف أو التخلص من التطرف الداخلي بهيكلها، فإن انتشار التطرف الديني في غرب الصين قد يكون له تأثير على بكين، والتهديد الأكبر أيضًا أن تصبح أفغانستان في النهاية ملاذًا للتطرف الإرهابي. وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون للوضع الأمني في أفغانستان تأثير ملموس على الصين بشكل مباشر، إلا أن التأثير الأيديولوجي غير الملموس كبير نسبيًا، أي أن عودة ظهور طالبان قد تحفز "القوى الثلاث" وقد تغير استراتيجياتها التنموية والاستراتيجيات. علاوة على ذلك، تداعيات درجة التأثير الأيديولوجي، فكلما تعمق ازدادت صعوبة السيطرة عليه من قبل طالبان بشكل كبير. على سبيل المثال، سيتم تحفيز "الحركة الإسلامية الأوزبكية"، التي ظلت نشطة في أفغانستان لفترة طويلة، مما قد يعزز رغبتها في العودة إلى أوزبكستان لإقامة دولة إسلامية، وقد يشجع حركة طالبان الباكستانية أيضًا على تحدى الحكومة المركزية الباكستانية أكثر، وتوسع نفوذ الدول الإسلامية "داعش" في ولاية خراسان. ومن ناحية أخرى ، قد يستعصي على طالبان رفض قبول القوات الأجنبية المتطرفة في أفغانستان، ناهيك عن قطع العلاقات مع القوات الإرهابية. وهذا يشير إلى أن الألعاب الدولية والمحلية المحيطة بالقضية الأفغانية قد دخلت مرحلة جديدة ، وقد تصبح رمزًا مهمًا ونقطة انطلاق تؤثر على اتجاه الهيكل الدولي.

لذلك، يتوقع مشاركة الصين في الشؤون الأفغانية على المستوى الاستراتيجي بجانب السعي لتجنب الانخراط في الشؤون الأفغانية، وعلى وجه الخصوص، محاولة عدم التورط في الشؤون الأمنية المتعلقة بطالبان ، لأن القضية الأفغانية معقدة للغاية ومتداخلة، وإذا لم تكن حذرة واستباقية، فستفقد كل أدواتها بشكل سريع وخطير، والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مثال نموذجي. لذلك، ستكون بكين أكثر استباقية حذرة، فبينما تقدم المزيد من المساعدة لأفغانستان في حدود قدراتها، ستقيم علميًا آفاق الوضع في أفغانستان وسلسلة العواقب المحتملة لتعمقه، مثل التأثير والعبء والمخاطر المحتملة لتوسيع الاستثمار في أفغانستان مع اتخاذ الإجراءات الإيجابية في بعض الجوانب.

ثالثًا، صعود طالبان في إطار  الصراع الصيني ــ الأمريكي

هناك معضلة أخرى تواجه  "التدخل البناء" للصين في أفغانستان، وهي أن الدور

الجيو-سياسي للولايات المتحدة في إعادة إعمار أفغانستان يتغير بشكل واضح. ففي السنوات العشرين الماضية، ركزت السياسة الأمريكية في أفغانستان على "مكافحة الإرهاب والسعي إلى الهيمنة" بالتوازي. فخلال عهد أوباما، استخدمت الولايات المتحدة أيضًا التعاون في مكافحة الإرهاب كقوة جذب، وخلقت مشهدًا للتعاون بين القوى الجيوسياسية في أفغانستان، وكان إعادة إعمار أفغانستان مجال اختبار للتعاون بين الصين وروسيا والولايات المتحدة خلال فترة إدارة ترامب. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، نظرت الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى الصين على أنها "أكبر منافس جغرافي لها" وأصبح "احتواء تنمية الصين" أساس السياسة الخارجية الأمريكية. ونتيجة لذلك، تتغير إعادة إعمار أفغانستان من مجال "التعاون" الصيني ـ الأمريكي إلى المجال "التنافسي". فمنذ أن تولى بايدن منصبه، عمدت الولايات المتحدة باستمرار إلى دمج حلف شمال الأطلسي للسيطرة على الصين، وشجعت على "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ" لتقويض الصين. وعلى الرغم من أن أفغانستان تقع على مفترق طرق بين الجبهتين الموحدتين الرئيسيتين اللتين تحاول الولايات المتحدة بناءهما، وهي الحلقة الأضعف، إلا أن الموقع الاستراتيجي الحالي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ ومضيق تايوان أهم من أفغانستان، والمنافسة بين الصين والولايات المتحدة هي منافسة طويلة الأجل، ولن تنزلق القوتين النوويتين إلى صراع عسكري واسع النطاق، وبالتالي فإن الصراع الأمريكي الصيني في أفغانستان سيكون منخفضًا نسبيًا. فالمخاوف الأمريكية تتعلق بانسحاب القوات الأمريكية الذي سيسمح للصين باغتنام الفرصة "لملء الفراغ" وتوسيع نفوذها، وبالتالي التأثير على "التطويق" الفعال لاستراتيجية الولايات المتحدة للسيطرة على الصين. ولذلك، من المرجح أن تفعل حكومة الولايات المتحدة كل ما هو ممكن، بما في ذلك خلق "اضطرابات" في أفغانستان وحتى باكستان، حتى تتمكن من تهديد المصالح الأساسية والحيوية للصين. وقد يساعد على ذلك عملاؤها وأمراء الحرب في أفغانستان، مما سيضمن أن تظل الولايات المتحدة أكبر عامل خارجي يؤثر على مسار الوضع الأمني في أفغانستان. كما أن الانسحاب لا يعني تراجع الهيمنة الأمريكية، فالانسحاب ليس فقط لوقف الخسائر، ولكن أيضًا لمحاولة تركيز المزيد من الموارد الاستراتيجية ضد الصين وروسيا، فلا تزال قوتها الوطنية الشاملة وتأثيرها العالمي في المقدمة. ومن منظور آخر، يعتبر انسحاب القوات من أفغانستان تعديلًا استراتيجيًا وطنيًا للولايات المتحدة للتخلص من قيود الاستراتيجيات التقليدية، وتركيز مواردها المتفوقة وقوتها لإجراء تعديلات استراتيجية دولية، وإعطاء الأولوية لرسو السياسات الدولية والمحلية والشؤون الاستراتيجية التي تتوافق مع الأهداف الجديدة لسياستها الداخلية والخارجية.

هذا يعني أنه بالنسبة للصين، فيما يتعلق بمسألة إعادة إعمار أفغانستان، من المرجح جدًا أن تتحول الولايات المتحدة من "متعاون بناء" إلى "مخرب محتمل"، لأن انهيار أفغانستان وحتى الفوضى الأمنية في باكستان وآسيا الوسطى لن يجلب تهديدًا مباشرًا أو خسارة واضحة للولايات المتحدة، لكنها ستؤثر بالتأكيد على الصين بشكل خاص والمنطقة بشكل عام . في ضوء ذلك، فيما يتعلق بقضية إعادة إعمار أفغانستان، أعتقد أن الصين ستسعى لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لضمان أن يكون "التدخل البناء" لها في أفغانستان مستقرًا، وتجنب وقوعه في الصراع الصيني ــ الأمريكي، لأنه سيخالف مبدأ الصين في "التدخل البناء" وأيديولوجية " السلام التنموي" التي تسعى لتعزيزها لتغيير قواعد النظام الدولي القائم على المبادئ الغربية، وسيكون من الأسهل أيضًا خلق حالة أكثر اضطرابًا في أفغانستان والمناطق المحيطة بها، وهذا يهدد المصالح الأساسية والحيوية للصين.

مقالات لنفس الكاتب