array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التطورات السياسية العربية الأخيرة: هائلة وغير مسبوقة (3 – 3)

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

كل المراقبين المعنيين كانوا على اطلاع بما كان يحصل في كل من تونس ومصر في ظل الاستبداد السياسي، وما يحصل في بلدان عربية أخرى تعاني من الداء نفسه، وتتجرع المرارة والبلاء ذاتهما، لكن أغلبهم لم يتوقع تلك الثورات الفريدة. لقد نجم عن هذا الاستبداد، الذي لا يوجد الآن إلا في قلة من البلاد، انقسام البلد المعني إلى فريقين: الدكتاتور وأعوانه وزبانيته من ناحية، والشعب المقهور المغلوب على أمره من جهة أخرى.

كانت العلاقة بين الجانبين – ولا تزال في البلاد التي تظل رازحة تحت تسلط رؤساء دكتاتوريين – هي علاقة صراع كما نوهنا آنفاً، يكون سافراً أحياناً، ومستتراً في أكثر الأحايين. وذلك الصراع ناشئ عن تضارب مصالح الدكتاتور وأعوانه من جهة وغالبية الشعب من جهة أخرى. فما يريده النظام ليس في صالح غالبية الشعب، وما تريده غالبية الشعب يرفضه النظام ويحظره، لأنه ببساطة يزعزع تسلطه.

إن المعركة التي تدور رحاها – علناً وخفية - بين الجانبين هي أشد المعارك السياسية إيلاماً ومأساوية. فهي تدور بين الشعب والمتسلطين، أو هي – كما يقول علماء السياسة – معركة شرسة بين حقوق الشعب من جانب، وباطل الطغاة والمتسلطين من الجانب الآخر.

ولا يستمر باطل المتسلطين إلا بالقمع وبالحديد والنار، وبدعم المستفيدين في الداخل والخارج. بينما الشعوب تتسلح بالحقوق، وبدعم القوى المحبة للحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان. وكلما كانت الشعوب أكثر وعياً وتدعيماً، كان النصر لها في أقرب الفرص. والعكس صحيح. وذلك، رغم أن التحول الديمقراطي أصبح حتمية سياسية تاريخية تقرها كل شعوب الأرض باستثناءات قليلة ومعزولة، وغارقة في الجهل وسوء الفهم.

لقد أصبح تسلم الشعوب لزمام أمورها، وتسيير شؤونها العامة عبر ممثلين حقيقيين لها تقبلهم وتؤيدهم، من مسلمات العصر، فلم يعد الاستبداد مقبولاً. وما رفض الشعوب له إلا لما يسببه من شرور وظلم وحروب.

على خلاف الأنظمة الجمهورية تظهر الأنظمة الملكية العربية تجاوباً مع مطالب شعوبها وتحقق بعض الإنجازات التنموية الملحة

في تونس (استولى) زين العابدين بن علي على السلطة، وبأسلوب غير مشروع – كما يقول من ثاروا - ونصّب نفسه رئيساً للجمهورية في عام 1987م، ثم بدأ حكمه بتكوين حلف كبير من حوله من الأنصار والأعوان، مغدقاً عليهم العطايا من المال العام التونسي، وأهمل تنمية البلاد بشكل صحيح، فاستحكمت في الشعب التونسي حلقه (الفقر – الجهل- المرض) وساد الفقر (أب كل الرزايا والمشكلات) وضاقت سبل العيش بالشباب بعد تفشي البطالة بينهم.

وقام نظام ابن علي – كما هي عادة أغلب رؤساء الجمهوريات الدكتاتوريين – بإنفاق جزء كبير نسبياً من المال العام التونسي على حراسته وحماية نظامه، وقمع كل من تسول له نفسه معارضة حكمه، وأخضع شعبه لإرهاب دولة ترى المواطن الشريف الداعي للحرية والمساواة فيها عدوها الأول. كما عملت حكومة ابن علي على التلاعب بكثير من قيم وعقائد المجتمع التونسي، وكان ذلك التلاعب يصب في خانة تكريس نظام ابن علي، وكسب الدعم الخارجي (الاستعماري) له.

وقدم نظام ابن علي مثالاً جديداً على سياسة الغرب الاستعماري تجاه العالم العربي، وقيام ذلك الغرب الاستعماري بالهيمنة على بلاد عربية، وتسيير الأمور فيها بما يخدم مصالح الغرب الاستعماري أولاً عبر نظام عميل. ويسهم الغرب الاستعماري في تنصيبه وتمكينه، ثم يؤيده، ويدعم سيطرته، خفية وعلناً، من دون اكتراث بمصالح الشعب الضحية لهذا النوع من الاستعمار الجديد، ثم يتخلى الغرب عنه عندما ينبذه شعبه.

أما نظام حسني مبارك، فكان شبيهاً بنظام ابن علي في كل شيء تقريباً، بل إن خطيئة مبارك كانت مضاعفة باعتبار كبر حجم مصر، وكبر دورها العربي الإقليمي، وكونها الدولة العربية المركزية الأكبر. زعم أنه (بطل حرب أكتوبر)، لكنه لم يكن كذلك، بل إنه نكل بأبطال حرب أكتوبر الحقيقيين وهمشهم، ثم عمل كل ما بوسعه لإخراج مصر من الصراع العربي-الإسرائيلي، بل ضمن انحيازها لمواقف إسرائيل، وتدعيمها للهيمنة الإسرائيلية على كل المنطقة - بما فيها مصر.

وهمش حسني مبارك دور مصر العربي والإقليمي، وحول هذه الدولة المحورية إلى دولة هامشية لا تأثير إقليمياً أو عالمياً لها، دولة تدعم – خفية وعلناً- سياسات العدو الأول للأمة العربية، بما فيها مصر. التي تعتبر - أو كانت تعتبر- زعيمة هذه الأمة، حيث كان منفذاً مخلصاً لتعليمات السياسة الصهيونية الاستعمارية في المنطقة، حتى اكتسب صفه (مقاول سياسي) لتلك السياسات، ضارباً بعرض الحائط مصالح مصر والأمتين العربية والإسلامية، محاولاً دائماً إرضاء واشنطن وتل أبيب أولاً وذلك ليضمن البقاء على كرسي الرئاسة في مصر. وكان الهم الأول لمبارك كما هو الحال بالنسبة لأغلب الرؤساء المستبدين هو تثبيت حكمه، وبقاؤه أطول فترة ممكنة، وحتى الممات. بل (توريث) ذلك الحكم لأحد أبنائه من بعده.

التحول الديمقراطي أصبح حتمية سياسية تاريخية تقرها كل شعوب الأرض

وأدت سياسات مبارك (بقصد ومن دون قصد) إلى إفقار الشعب المصري، وتحويل حياته إلى بؤس وشقاء وذل في عقر داره، وكبل الشعب المصري بقيود (نظامية / قانونية) لا حصر لها. وكادت تنعدم مبادئ الحرية والعدالة والمساواة تماماً، الأمر الذي جعل الكيل يفيض، فتزايد الاستياء الشعبي، وتصاعد الرفض والاستنكار، ثم أقدمت حشود من الشعب على الفعل، فتظاهرت مطالبة بالتغيير. ونجحت – بعد سبعة عشر يوماً – في إزاحة رأس ذلك النظام.

وما حصل في كل من تونس ومصر، حصل (وسيحصل) في دول عربية عدة أخرى، أتى في مقدمتها: اليمن، ليبيا، الجزائر، سوريا، وغيرها. تشابهت الأوضاع السياسية في هذه الدول، فتشابه رد الفعل الشعبي. صحيح أن لكل دولة عربية خصوصيتها وظروفها المختلفة عن شقيقاتها الأخريات. لكن أغلب هذه الدول مصابة بالداء نفسه. وبالتالي، فإن الأعراض والنتائج متشابهة، وإن تفاوتت حدة المسبب من بلد إلى آخر، واختلفت تبعات الأحداث فيه.

لقد أصبح من المستحيل على الأنظمة المستبدة أن تقمع ردود الفعل هذه، طالما ظلت المسببات كما هي. كما أن الالتفاف على هذه الردود وارد لفترات، وإن كان مستحيلاً (هو أيضاً) في المدى الطويل، وأن نجاح ثورتي تونس ومصر (حتى الآن) يعتبر دافعاً لشعوب أخرى (عربية وغير عربية) أن تحذو حذو التونسيين والمصريين، إن واجهت الظروف والمسببات نفسها. وتلك هي أبرز تداعيات هذه الأحداث.

ولن يوقف هذا المد في البلاد التي تعاني من داء الاستبداد، إلا الإصلاح الحقيقي الذي يتعامل مع المسببات الفعلية، بما يضمن بالفعل إزالة تلك المسببات / المظالم.

وهذا التحليل ينطبق على الأنظمة الجمهورية العربية فقط، أما الأنظمة الملكية العربية فإنها تظهر تجاوباً مع مطالب شعوبها، وتحقق بعض الإنجازات التنموية الملحة، الأمر الذي يجعل هذه الأنظمة، في الوقت الحاضر (على الأقل) في منأى عن الاضطرابات الحادة. وحتى الآن، لا توجد مطالب شعبية تطالب بإزاحة أي من هذه الأنظمة الملكية العربية. لكن، توجد بعض المطالب بإجراء إصلاحات دستورية فقط في أغلبها. ويبدو أن الأنظمة الملكية العربية أكثر حرصاً على إجراء الإصلاحات السياسية اللازمة. ولذلك، تظل بعيدة عن مرض الاستبداد السافر، وما يترتب على وجوده من شقاء ومظالم، وفساد وإفساد، ومن ثم تخلف ومعاناة.

مجلة آراء حول الخليج