array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

تصنيف أفغانستان ضمن البلدان الأشد فقرًا يستدعي خطة اقتصادية تستهدف تخفيف حدة الفقر والبطالة

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

     شهدت أفغانستان أيام الحكم الملكي وضع أول خطة واضحة المعالم لتطوير الاقتصاد الأفغاني بالعصر والتي كان من المتوقع لها تحقيق تحول اقتصادي كبير، بيد أن أفغانستان بدأت تواجه صعوبات اقتصادية جمة خلال عقد السبعينات من القرن العشرين مع نهاية الحكم الملكي عام 1973م، وبدء جمهورية باكستان، في ظل حكم ذو الفقار علي بوتو، بإغلاق المعابر الحدودية بين باكستان وأفغانستان. الأمر الذي دفع بالحكومة الأفغانية إلى زيادة الروابط السياسية الاقتصادية لأفغانستان مع الاتحاد السوفيتي الذي كان يتمتع بالقوة في ذلك الوقت.

     إن الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979م، والحرب الأهلية التي تلت ذلك قادت إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية المحدودة في البلاد، وتعطيل الأنماط الطبيعية للنشاط الاقتصادي، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي انخفاضًا كبيرًا منذ الثمانينيات عندما وصل إلى (3.5) مليار دولار عام 1981م، وذلك بسبب تعطل التجارة والنقل، علاوة على فقدان اليد العاملة ورأس المال المطلوب لتنفيذ المشاريع الاقتصادية. كما أدى استمرار الصراع الداخلي إلى إعاقة الجهود المحلية لإعادة بناء الدولة أو توفير سبل للمجتمع الدولي لتقديم العون التنموي، وتحول الاقتصاد الأفغاني طيلة الوجود السوفيتي، وحتى عام 2002م، إلى الاقتصاد المخطط مركزيًا، ثم استُبدل باقتصاد السوق بعد الاحتلال الأمريكي، حيث بدأ حجم الاقتصاد بالارتفاع من نحو (4) مليارات دولار عام 2002م، إلى قرابة (20) مليار دولار عام 2020م.

    ومع خروج الولايات المتحدة ودول الحلفاء من أفغانستان في نهاية شهر أغسطس 2021م، ووصول طالبان للحكم ثانية، شهد الاقتصاد الأفغاني تدهوراً كبيراً تجلى بانخفاض سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع الأسعار وارتفاع في معدل الفقر ومعدلات البطالة نتيجة لتوقف الأنشطة الاقتصادية، علاوة على انكماش الاقتصاد بنسبة 10% عام 2021م.

  وسوف نتناول في مقالنا بيان حجم وطبيعة الاقتصاد الأفغاني، ومدى قدرة طالبان على إدارة هذا الاقتصاد بخبراتها المحدودة، وما حقيقة المواد الخام الأولية لدى أفغانستان وأهميتها وقيمتها السوقية وعلاقة الدول الكبرى بالهيمنة على هذه الموارد، ودور الاقتصاد في تبعية طالبان لدول خارجية وما هي الدول الكبرى أو دول الجوار المؤهلة للتواجد والتغلغل في أفغانستان عبر البوابة الاقتصادية.

أولاً- حجم وطبيعة الاقتصاد الأفغاني:

  شهد الاقتصاد الأفغاني تحسناً ملحوظاً منذ عام 2002م، بسبب تدفق المساعدات الدولية، علاوة على الاستثمارات الأجنبية التي قدرت بنحو (100) مليار دولار للفترة (2002-2017م)، بالإضافة إلى التحويلات النقدية للعمالة الأفغانية بالخارج والتحسينات الكبيرة في مجال الإنتاج الزراعي، وقد ساهمت جميع هذه العوامل في زيادة حجم الاقتصاد الأفغاني معبراً عنه بالناتج المحلي الإجمالي الذي ارتفع بقرابة ثلاث مرات من حوالي (7.5) مليار دولار عام 2002م، إلى (21.4) مليار دولار عام 2020م، أي بنسبة زيادة تقدر بنحو (185.3%).

شكل (1) الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان (بالأسعار الثابتة للدولار الأمريكي لعام 2010)

(2002-2020) مليار دولار

Source:https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.KD?locations=AF

    وقد انعكست الزيادة في حجم الناتج المحلي الإجمالي في أفغانستان خلال العقدين المنصرمين في تحقيق معدل نمو اقتصادي حقيقي بلغ (9.2%) كمتوسط للفترة (2002-2012م)، ثم بدأ ينخفض حتى وصل إلى أدنى مستوى له عام 2015م، حيث بلغ (1%)، ثم بدأ بالنمو التدريجي ليصل إلى قرابة (%4) عام 2019م، ثم حقق انكماشاً اقتصادياً بنسبة (5-%) نتيجة لجائحة كورونا التي أثرت على الاقتصاد العالمي، ومن ثم على تدفقات المساعدات والاستثمارات وتحويلات العمالة الأفغانية بالخارج.

شكل (2) معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي الأفغاني (2002-2020م) %

المصدر: صندوق النقد الدولي، آفاق الاقتصاد العالمي 2021م: إدارة مسارات التعافي المتباعدة، أبريل 2021، ص 132

   وقد واكب النمو الاقتصادي المطرد في أفغانستان خلال الفترة (2002-2012م) ارتفاعاً في معدلات التضخم التي تخطت )11%) كمتوسط الفترة (2002-2012م)، وهذا يتخطى متوسط معدل النمو الاقتصادي الحقيقي لنفس الفترة والذي وصل )9.2%)، وهذا ربما يفسر بزيادة حجم الطلب الكلي نتيجة للتحسن البسيط الذي طرأ نتيجة لارتفاع دخل الفرد.

شكل (3) التغير السنوي في أسعار المستهلك (2002-2020م) %

المصدر: صندوق النقد الدولي، آفاق الاقتصاد العالمي 2021م: إدارة مسارات التعافي المتباعدة، أبريل 2021، ص 138

 

     أما بالنسبة لمعدل البطالة بأفغانستان فلم ينخفض عن (%11) من السكان في سن العمل طيلة العقدين التي تلت حكم طالبان باستثناء عام 2019م، حيث بلغت (%10.98)، وقد تخطى معدل البطالة بأفغانستان لعام 2020م، المقدر بنحو (%11.7) نظيره العالمي )6.5%) وفي المناطق الهشة والحالات المتأثرة بالصراعات (6.9%) وفي شريحة الدول منخفضة الدخل (5.1%) من القوى العاملة لعام 2020م.

 2020-2001 شكل (4) معدل البطالة ( % من إجمالي قوة العمل) في افغانستان

 

   وترتفع معدلات البطالة عند النساء بالرغم من انخفاضها من (14.75%) عام 2001م، إلى (13.81%) عام 2019م، وهي تتجاوز المعدل العالمي لبطالة الإناث (5.5%) وفي المناطق الهشة والحالات المتأثرة بالصراعات (6.3%) وفي شريحة الدول المنخفضة الدخل التي وصلت إلى (4.6%) لعام 2019م، ومن المتوقع أن ترفع معدل بطالة الإناث في أفغانستان في السنة الحالية والسنوات القادمة بسبب تشدد نظام طالبان فيما يرتبط بعمل المرأة سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص.

ثانيًا- الموارد الاقتصادية في أفغانستان:

   أجمعت العديد من الدراسات الأجنبية والوطنية إلى أن أفغانستان تمتلك ثروات طبيعية مهمة، كالنحاس والرخام والأحجار الكريمة، ومعادن أخرى يمكن استغلالها لأغراض تكنولوجية وهنالك أيضًا كميات هامة من المواد التي تدخل في تصنيع معدات التكنولوجيا، كالليثيوم والكوبلت، علاوة على وجود احتياطات من النفط والغاز الطبيعي في شمال أفغانستان. وتقدر قيمة الثروات الطبيعية الأفغانية بنحو 1000 مليار دولار وفقاً لدراسة أجراها علماء الجيولوجيا والعسكريون الأميركيون في العام 2010م،  كما أشار تقرير صادر عن الحكومة الأفغانية في عام 2017م، أن قيمة الثروات المعدنية، بما فيها الطاقة الأحفورية، تصل إلى 3 تريليونات دولار.

     وتجدر الإشارة إلى أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في أفغانستان تبلغ حوالي (8) ملايين هكتار. وأن حصة الفرد هناك من المياه العذبة المتجددة، جيدة، وتتخطى المتوسط العالمي طبقاً لبيانات البنك الدولي، حيث تظهر أن نصيب الفرد في عام 2017م، من المياه العذبة المتجددة كان بحدود (1299) متراً مكعباً، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية الاستعانة بأساليب الري الحديثة، واختيار الأنواع الجيدة من البذور، التي لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.

   ويبلغ إنتاج القمح حوالي (5) ملايين طن وتقترب الدولة من تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتشغل المشاتل (119) ألف هكتار من الأراضي ويبلغ إنتاج العنب (615) ألف طن سنوياً. وازداد إنتاج اللوز إلى (56) ألف طن والقطن إلى (45) ألف طن. وأُفيد في عام 2019م، بأن حوالي (10000) فدان من الأراضي في أفغانستان تستخدم لزراعة الزعفران.

    كما تنتج سنوياً أفغانستان حوالي (1.5) مليون طن من أجود أنواع الفواكه، لاسيما التفاح والمشمش والكرز والتين والعنب والبطيخ والتوت الحلو والخوخ والرمان الفواكه الطازجة، كما تشتهر المقاطعات الأفغانية الشمالية بزراعة الفستق، وتشتهر المحافظات الواقعة في شرق البلاد بجوز الصنوبر. أما المقاطعات الشمالية والوسطى فهي تشتهر باللوز والجوز. وتشتهر مقاطعة باميان في وسط أفغانستان بزراعة البطاطس عالية الجودة، وتنتج بالمتوسط ما يتراوح بين 140 و170 ألف طن. تشتهر مقاطعة نانغارهار بالبرتقال والزيتون والفول السوداني والتمور، وتنتشر زراعة هذه المحاصيل الآن في مقاطعات أخرى في جنوب البلاد.

   كما تمتلك أفغانستان ثروة حيوانية من الماشية والأغنام والماعز. ويُعد بناء واستخدام مزارع الدواجن الحديثة صناعة سريعة النمو في البلاد. فقد جعل تَوفر الأراضي المناسبة للرعي من تربية الحيوانات جزءًا تقليديًا هامًا من الاقتصاد الأفغاني. هناك نوعان رئيسيان من تربية الحيوانات: المستقرة؛ يمارسها المزارعون الذين يربوّن الحيوانات ويزرعون المحاصيل، والرحالة؛ ويمارسها رعاة الحيوانات المعروفين باسم «كوكيس». وتغطي المراعي الطبيعية حوالي (30000 كم2) وتزداد مساحتها باطراد. كانت المناطق الشمالية المحيطة بمزار الشريف وميمنه موطنًا رئيسيًا لنحو ستة ملايين من أغنام الكاركل في أواخر القرن الماضي.

     وتتمتع أفغانستان بكثرة الأحواض والأنهار والجداول، ما يجعل منها بيئة مناسبة لتربية الأسماك. يتركز صيد الأسماك في البحيرات والأنهار، لاسيما بمقاطعة نانغارهار ونهر هلمند في جنوب أفغانستان. كما توجد المئات من مزارع الأسماك متوزعة في جميع أنحاء البلاد تقع أكبرها في قرية قرغة، والتي توفر بيض الأسماك لمزارع الأسماك الأخرى. وقد تم البدء بتربية الأسماك في سد سلمى.

   وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من توفر الموارد الطبيعية في أفغانستان إلا أن "الصراعات حول إدارة هذه الموارد كالأراضي الزراعية والمياه والغابات والمعادن والمخدرات، قد فاقمت من حدة الاقتتال في أفغانستان وكرست الانقسامات العرقية والسياسية والجهوية القائمة.

ثالثًا- التحديات التي تواجه طالبان لإدارة الاقتصاد الأفغاني:

   تجاوزت حركة طالبان العقبات العسكرية والسياسية الداخلية بعد الانسحاب الأمريكي فيما تشكل التحديات الاقتصادية العبء الأكبر عليها، لكون أفغانستان مصنفة من أفقر الدول في العالم، حيث يعيش نحو (%54) من السكان تحت خط الفقر، وتعتمد على المساعدات كمصدر أساسي لتمويل الموازنة العامة وتنفيذ المشاريع التنموية المختلفة. وبالرغم من النصر السريع واستلام الحكم بكل سهولة، غير أن أفغانستان سوف تواجه تحديات جمة في مختلف الجوانب، لاسيما الجانب الاقتصادي ويمكن إيجاز أهمها بالآتي:

1) تحديد استمرار تدفق المساعدات وتمويل الموازنة العامة:

  مع الدخول الأمريكي إلى أفغانستان عام 2001م، بدأت الأخيرة بتلقي مساعدات أجنبية كبيرة. ففي 2020م، شكلت المساعدات الدولية أكثر من (%40) من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان، بيد أن جزءاً كبيراً من هذه المساعدة أصبح معلقاً مع عودة طالبان لحكم أفغانستان، حيث أوقفت ألمانيا وهي إحدى أكبر عشرة مانحين لأفغانستان، مساعداتها التنموية التي كانت تنوي تقديمها بقيمة 430 مليون يورو هذا العام بينها 250 مليونًا للتنمية. كما أعلنت بعض الدول من الآن تجميد دعمها كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

    إن إيقاف المساعدات سيشكل أكبر التحديات في إدارة الاقتصاد الأفغاني نتيجة لاعتماد الموازنة العامة وطيلة العقدين المنصرمين على أكثر من 80% من الإيرادات بالاعتماد على العون الأجنبي، أما مصادر الإيرادات الوطنية الأفغانية سواء من خلال جباية الرسوم الجمركية والضرائب، وغيرها من الإيرادات العامة، فهي ضعيفة جداً نتيجة لضعف النشاط الاقتصادي. ولن تحصل طالبان على أموال البنك المركزي الأفغاني الموجودة بغالبيتها بالخارج والمقدرة بنحو (9.4) مليار دولار، فقد سبق أن أعلنت واشنطن أن الحركة لن تتمكن من الوصول إلى الأموال الموجودة في الولايات المتحدة، بالتالي يمكن أن يتطور الوضع إلى كارثة في وقت ستضطر فيه حركة طالبان لإيجاد المال سريعاً لدفع رواتب الموظفين الحكوميين وتسيير البنى التحتية الحيوية، وتشير الأمم المتحدة إلى أن عائدات طالبان الحالية المتأتية بشكل خاص من الأنشطة المحظورة بما بين 300 مليون دولار وأكثر من 1,5 مليار دولار سنوياً. لكنها لا تلبي احتياجات أفغانستان الحالية بحسب الخبراء، علاوة على خروج رؤوس الأموال لكبار رجال الأعمال والمستثمرين للخارج، نتيجة لخوفهم من شكل الإدارة الطالبانية للاقتصاد الأفغاني.

 

2) تحدي هجرة الكفاءات والاختصاصيين:

إضافة إلى شح المساعدات والموارد المالية، سيكون على طالبان مواجهة نقص آخر مهم ودراماتيكي أيضاً هو هجرة الأدمغة. فالعديد من الأفغان المتعلمين من خبراء قانونيين وموظفين حكوميين ومهندسين وتقنيين وفنيين فروا من البلاد عبر رحلات الإجلاء في شهر أغسطس الماضي. الأمر الذي دعا طالبان لحض الغربيين على إجلاء الأجانب فقط وليس الخبراء الأفغان مثل المهندسين والفنيين، الذين تحتاجهم البلاد، حيث تفتقر الحركة للكفاءات المؤهلة لإدارة الاقتصاد الوطني.

3) تحدي التحول نحو الاقتصاد والصيرفة الإسلاميين:

   يتألف النظام المصرفي بأفغانستان من (14) مصرفاً يعمل واحد منها فقط في إطار الصيرفة الإسلامية، وهو بنك أفغانستان الإسلامي، الذي رخص له بالعمل في أبريل 2018م، وعول عليه البنك المركزي في استيعاب جزء كبير من ودائع البنوك، غير أنه يحتل المرتبة الثامنة من بين البنوك الأفغانية، بإجمالي أصول تشكل نسبة (%5.5) من إجمالي الأصول المملوكة لكافة البنوك في البلاد، والتي تتخطى 4 مليارات دولار.

    والسؤال المطروح ماذا ستفعل حكومة طالبان بالجهاز المصرفي الذي يعمل وفق آلية سعر الفائدة؟ الغالب أن طالبان سوف تكيف أوضاعها في الأجل القصير لتسمح بوجود نفس النظام القائم، مع تشجيع عمل المصارف الإسلامية، ومن الممكن أن تشجع المؤسسات الحكومية على التعامل مع المصارف الإسلامية دون غيرها. ومسألة الوصول لنظام مصرفي يعتمد على المصرفية الإسلامية بالكامل، سوف يستغرق وقتًا، وقد لا يتحقق في الأجلين القصير والمتوسط، وأمام هذه الصورة لا يوجد أمام  طالبان إلا أن تترك مساحة لإدارة البنك المركزي، والمعنيين بإدارة المجموعة الاقتصادية، لكي تدخل الطمأنينة للمواطنين، ورجال الأعمال والمستثمرين، من خلال نشر خطة اقتصادية، تعتمد التنمية، وزيادة حركة النشاط الاقتصادي، وفي الوقت نفسه، تستمر المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكي يتمتع البنك المركزي الأفغاني بإدارة احتياطاته الرسمية التي تقدر بقرابة (10) مليارات دولار بعيداً عن سطوة طالبان، وبما يضمن المصالح الاقتصادية للبلاد.

 

4) تحدي البطالة وزراعة الخشخاش:

     بالرغم من مليارات الدولارات التي أنفقها المجتمع الدولي في دعم جهود الحكومة الأفغانية للقضاء على زراعة الخشخاش، غير أن أفغانستان مازالت تتصدر المشهد العالمي في إنتاج الأفيون، حيث مثل إنتاجها نحو 83% من الأفيون المنتج على الصعيد العالمي خلال الفترة (2015-2020م).

 

شكل (5) اقتصاد الأفيون في أفغانستان

  ويمكن القول بأن حكومة طالبان ستواجه خيارات صعبة ومعادلة صعبة في إيجاد فرص العمل لقرابة مليون أفغاني في حال التخلي عن زراعة الخشخاش الذي كان يشكل عماد الاقتصاد الأفغاني، حيث يعد أحد الأنشطة الاقتصادية الأساسية في توفير النقد الأجنبي والمساهمة في الناتج القومي الإجمالي.

رابعاً- دول الجوار والدول الأخرى والأطماع الاقتصادية في أفغانستان

   لا شك أن حكومة أفغانستان لا تستطيع أن تدير الشأن الاقتصادي في البلاد بالاعتماد على الذات، وذلك بسبب قلة الكوادر المنتمية للحكومة التي تتملك المهارات والخبرات علاوة على ندرة الموارد المالية المطلوبة لتنفيذ مشاريع وبرامج إنمائية تستهدف خلق فرص عمل في مختلف الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، وهذا سيدفع بحكومة طالبان إلى الترحيب بأي استثمارات أجنبية مباشرة المهمة جداً في عملية إعمار أفغانستان والاستثمار في القطاعات الواعدة فيها. وفيما يلي بيان مدى أطماع الدول المجاورة لأفغانستان.

1) الصين الشعبية:

     تطمح الصين التي حافظت على علاقات وثيقة مع حركة طالبان منذ تأسيسها عام 1996م، وحتى بعد الغزو الأميركي (2001م)، والتي اعترفت بحكومة طالبان الجديدة إلى تأكيد حضورها الاقتصادي الهادف للسيطرة على موارد أفغانستان بعد رحيل قوات حلف شمال الأطلسي، حيث أنها تُعد أكبر مستثمر في أفغانستان، عندما بدأت في 2008م، باستغلال منجم النحاس في منطقة أيناك التي تبعد 35 كيلومتراً عن كابل.

     كما كانت بكين تقيم محادثات مع طالبان حتى قبل سيطرتها على العاصمة، وكان الهدف هو الوصول للمناجم بعد إمساكها بالحكم، كما تسعى الصين للسيطرة على مناطق غير مكتشفة، تضم الليثيوم ومواد أخرى نادرة، ونجاحها في الأمر سيكون مفيداً لها في سباقها مع الولايات المتحدة وأوروبا، حيث إن الصين تنتج الآن قرابة (%40) من النحاس في العالم، و(%60) من الليثيوم الذي يدخل في تصنيع السيارات الكهربائية والهواتف الجوالة والحواسيب المحمولة، وأكثر من (80%) من الأتربة النادرة، وفق بيانات الوكالة الدولية للطاقة.

2) باكستان:

 توجد إشارات أولية إلى إمكانية أن تقوم باكستان هي الأخرى بالدخول في الاستثمار بمناجم أفغانستان، خاصة أنها تقيم علاقات مع طالبان منذ العام 1996م، وقد حافظت على العلاقات معها حتى بعد الغزو الأميركي، وهي تًعد اليوم حليفًا أساسيًا لطالبان.

3) روسيا:

 من المتوقع أن تتحرك روسيا لاستعادة نفوذها القديم في أفغانستان. فهي رغم تصنيفها لطالبان حركة إرهابية منذ العام 2003، غير أنها نظمت محادثات بين الحركة والقوى المعارضة لها، وصرح فلاديمير دزاباروف، نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس شيوخ الكرملين بأن روسيا الاتحادية ستنتظر قليلاً قبل الاعتراف بحكم طالبان. وأشار إلى أننا سنراقب الأوضاع، ففي حال رأينا بأنهم يضمنون الأمن وتحسين حياة المواطنين عندها سيكون هناك تطبيع علاقات مع الحكومة الأفغانية الجديدة.

وتجدر الإشارة إلى أن موسكو خلال فترة الاتحاد السوفياتي شرعت فعلياً في استخراج الكروم واليورانيوم وأحجار الزمرد والهيدروكربون. كما كانت تحصل على النفط الأفغاني خلال ستينيات القرن الماضي.

4) إيران:

     تشترك إيران بحدود طويلة مع أفغانستان تبلغ (921) كم ولديها ثلاثة منافذ لعبور السلع التجارية والمسافرين بين البلدين، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2020م، زهاء (4) مليارات دولار. لذا ستحاول إيران استمالة حكومة طالبان وذلك بسبب حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث تُعد إيران هي واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لأفغانستان، غير إننا نرى بأن الخلاف العقائدي وعدم رضا الشعب الأفغاني باستثناء الأقلية الشيعية على تدخلات إيران السلبية في شؤون الدول الإسلامية كالعراق وسوريا واليمن وغيرها، ربما سيؤثر على العلاقات الأفغانية الإيرانية لاسيما إذا رغبت حكومة طالبان الاستفادة من المساعدات التي تقدمها الدول الخليجية لها للنهوض بالاقتصاد الأفغاني. 

     وأمام تسابق دول الجوار وروسيا نحو الفرص الجديدة في أفغانستان، سيتوجب على أوروبا والولايات المتحدة اتخاذ قرارات سريعة حيال التطورات التي تشهدها أفغانستان والفرص الاقتصادية المتاحة لها، والاختيار بين الجلوس ومشاهدة بقية الدول تقتسم كعكة الثروات الأفغانية، أو إقامة علاقات اقتصادية مع طالبان، مما سيعرضها للانتقاد الشعبي والغضب بشأن التزامها بحقوق الإنسان، ولاسيما حقوق النساء.

     وفي الختام نقول بأن تصنيف أفغانستان ضمن قائمة البلدان الأشد فقرًا، يستدعي تقديم خطة اقتصادية تستهدف تخفيف حدة الفقر، والبطالة، من خلال اللجوء لمشروعات تعتمد على كثافة عنصر العمل، كصناعة النسيج، أو الصناعات التجميعية. وبخاصة أن تجارب مثل هذه المشروعات متاحة لدى العديد من الدول التي يمكن أن تنقلها إلى أفغانستان خلال فترة وجيزة. وكذلك العمل على إنعاش القطاع الزراعي في المرحلة القادمة، بوصفه القطاع الأهم في استيعاب القوى العاملة.

مقالات لنفس الكاتب