array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العلاقات الخليجية – الإيرانية: مسيرة توتر

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

بديهي القول إن العلاقات الخليجية- الإيرانية تتسم بكثير من التعقيدات والتناقضات، فمنذ ما قبل الثورة الإسلامية في إيران كانت المطامع الإيرانية متجلية في أكثر من سلوك ومكان، من إعلان الشاه في وقت من الأوقات أن البحرين جزء من الدولة الإيرانية، وصولاً إلى احتلال الجزر الإماراتية الثلاث في عام 1971.

مع قيام الثورة عام 1979، أصبح هناك قلق وخوف لدى الدول الخليجية من الامتداد الأيديولوجي للثورة إلى الداخل الخليجي، وخصوصاً إلى الدول التي يشكل الشيعة جزءاً مهماً من نسيجها الاجتماعي. وأظهرت الحرب الإيرانية- العراقية موقف دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من إيران، فدعمت بغداد في تلك الحرب التي استمرت لمدة ثماني سنوات، وهو (استثمار سياسي) تتوج بخيبة كبيرة مع احتلال صدام حسين للكويت والتبعات العسكرية والسياسية ذات الطابع الاستراتيجي التي نجمت عن تلك الخطوة الحمقاء.

ووصولاً إلى الأحداث الأخيرة في مملكة البحرين والتي لم تشكل مفاجأة كبرى لدول مجلس التعاون الخليجي، إنما كانت (القشة التي قصمت ظهر البعير) في العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران. فهذه العلاقات التي كانت قائمة على حبل مشدود منذ سنوات عديدة، وصلت، مع ثبوت الدور الإيراني في اضطرابات المنامة، إلى نقطة حاسمة. فإما أن تنجح طهران في إخضاع المملكة الصغيرة، مؤكدة تمتعها بنفوذ في إحدى الدول الخليجية التي تعتبر على مرمى حجر من المملكة العربية السعودية، أو تنكفئ لتدرك أن دون هذا الهدف مخاطر جمّة.

مسيرة من التوتر في العلاقات

لم يدم طويلاً منحى التعاطي الإيراني الإيجابي مع دول الخليج، الذي برز في عهد الرئيسين علي أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، والذي أخذت معه العلاقات الخليجية- الإيرانية اتجاهاً متوازناً ومنفتحاً توج بتوقيع اتفاقية أمنية عام 2001 شكلت محطة مهمة بين الطرفين. فالمسار انقلب بوصول محمود أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة والعودة القوية لفكرة تصدير النفوذ، إن لم يكن ممكناً تصدير الثورة.

ومن ثم، برزت التصريحات المثيرة الرسمية رفيعة المستوى عن مسؤولين إيرانيين في يونيو 2007، حيث جاءت أقوى هذه التصريحات على لسان، علي شمخاني، عضو المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني، ووزير الدفاع السابق والمستشار الأمني، التهديد بقصف القواعد الأمريكية في دول الخليج، إذا قامت الولايات المتحدة بشن حرب ضد إيران، وبإمطار دول الخليج التي تتعاون عسكرياً مع الولايات المتحدة بوابل من الصواريخ لو هوجمت إيران، وحذر شمخاني من أن الصواريخ الإيرانية لن تطلق على القواعد العسكرية الأمريكية فقط، بل على أهداف استراتيجية مثل مصافي النفط ومحطات الكهرباء. هذا إلى جانب التوجهات الإيرانية الخطيرة في يوليو 2007، والتي أشار فيها أحد مستشاري المرشد الإيراني الأعلى، في مقال نشرته صحيفة (كيهان) الإيرانية، إلى أن البحرين (محافظة إيرانية) مما أثار كثيراً من التساؤلات حول أهداف وحقيقة المغزى الذي تبعث به إيران إلى دول مجلس التعاون. وتؤكد مثل هذه التصريحات أنها تدفع باتجاه إعادة عجلة العلاقات بين الجانبين إلى الوراء، وتضيف إلى سماء العلاقات التي لم تكد تتنفس الصعداء غيوماً وعلامات استفهام جديدة. ومنها التصريحات التي أطلقها أكثر من مسؤول إيراني ضد دولة الإمارات في عام 2010، بعد تأكيد وزير الخارجية الإماراتي سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان حق بلاده في جزرها وإقامته المقارنة المنطقية بين الاحتلالات، لكن ما أمكن استغرابه هو وصول الصلافة والعنجهية لدى طهران إلى حد التحذير من (غضب الشعب الإيراني)، كأن المجتمعات لا تزال تعيش شريعة الغاب، ولم تتعرف بعد إلى القوانين الدولية والأعراف، وما أمكن استنتاجه هو أن كل الكلام الذي تطلقه طهران في كل الأوقات عن الأخوة الإسلامية وحسن الجوار و(العدو المشترك) المتمثل في إسرائيل ليس سوى شعارات تخفي النيات المبيتة التي لا تتردد في الإفصاح عن نفسها بأسوأ الأشكال.

تهديدات البرنامج النووي الإيراني

كانت العلاقات الإيرانية- الخليجية قد شهدت مزيداً من التدهور مع إعلان الجمهورية الإسلامية استئنافها لبرنامجها النووي، الذي ترى فيه دول الخليج تهديداً مباشراً لأمنها وأمن النفط، فضلاً عن تنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، وما يمكن أن يؤدي إلى اختلال كبير في ميزان القوى. فما هي مخاوف الدول الخليجية من إيران نووية؟

أولاً: تفاقم التأثير الشيعي، فهناك قلق متزايد بين القادة العرب من النفوذ الإيراني وتأثيره على الأقليات الشيعية في الدول الخليجية من السعودية إلى الكويت والبحرين، وهي أقليات تعيش في وئام كامل مع أنظمتها، لكن ممارسة التدخل في شؤونها أو التحريض يمكن أن يحول جزءاً، ولو قليلاً، منها إلى عنصر اضطراب وعدم استقرار. وقد شهدنا في الآونة الأخيرة في البحرين إعفاء وزير الدولة منصور بن رجب من منصبه في قضية متصلة بشبكة لغسيل الأموال تعمل لصالح الحرس الثوري الإيراني للتحايل على الحصار المالي المفروض عليه دولياً. وإذ لم تعلن بشفافية نتائج التحقيقات، فإن ما تم تداوله يتراوح بين تبييض أموال من حصيلة بيع ممنوعات الكيف الإيرانية إلى جهات خارجية في بعض الدول مثل أذربيجان وكولومبيا وبين مسائل أخرى أقل خطورة، لكن لا تقل في عدم شرعيتها عن الغسيل والتبييض ومرتبطة في كل الأحوال بمصالح نافذة في طهران.

وفي الكويت أيضاً ألقت أجهزة الأمن القبض على شبكة تخابر وتجسس لمصلحة الحرس الثوري الإيراني تهدف إلى رصد المنشآت الحيوية والعسكرية الكويتية ومواقع تمركز القوات الأمريكية في البلاد، بالإضافة إلى إرسال تقارير عن الوضع السياسي في الكويت وتشعباته ومتانة الجبهة الداخلية. وإذا كانت النيابة العامة الكويتية أصدرت تعميماً بمنع النشر في القضية كونها منظورة أمام القضاء، فإن القلق الحقيقي جاء من الخشية على الوحدة الوطنية من التصدع جراء قيام وسائل إعلام شيعية متعاطفة مع طهران بهجوم مضاد اعتبر الأنباء عن اكتشاف الشبكة تخرصات تهدف إلى التحريض الطائفي وتصب في خانة إسرائيل.

والأكيد أن امتلاك إيران لقنبلة نووية سيعطي مبرراً إضافياً لمشاعر الاستقواء أو الاختراقات إذا تابعت إيران نهجها الحالي القائم على تعميق التناقضات وإيهام جزء أصيل من المواطنين الخليجيين بأنها الحامية له والقادرة على دعمه لتحقيق طموحاته في مزيد من المشاركة في السياسة والاقتصاد والقرار.

ثانياً، الهيمنة الإيرانية على المنطقة، فالبرنامج النووي الإيراني قد يشجع إيران على اتباع سياسة خارجية أكثر حزماً وتأثيراً في المنطقة. ومن خلال المتابعة يتضح أن الجمهورية الإسلامية أضحت مدخلاً لأية مفاوضات جديدة في المنطقة من العراق إلى فلسطين مروراً بلبنان وسوريا؛ نظراً لامتداداتها على الساحة العربية من خلال تحالفاتها مع (حزب الله) و(حماس) ودمشق. ويأتي كل ذلك على حساب الدول الخليجية، ولاسيما السعودية التي تحرص على المحافظة على دورها المؤثر في عملية تشكيل السياسات الشرق أوسطية.

ثالثاً، سيناريو الضربة العسكرية، ففي حال حدوث ضربة عسكرية ضد إيران، فإن الدول الخليجية الحليفة للولايات المتحدة ستجد نفسها في الواجهة لوجود قواعد أمريكية على أراضيها. يضاف إلى ذلك القلق على أمن النفط الذي يعتبر الشريان الرئيسي للدول الخليجية. وفي هذا الإطار يمكن إدراج المناورات التي أجراها الحرس الثوري الإيراني مؤخراً في الخليج العربي ومضيق هرمز.

إضافة إلى المخاطر المباشرة المتعلقة باحتمالات الحرب أو تداعيات العقوبات على إيران، تدفع الأسباب المذكورة آنفاً إلى سباق تسلح خطير في الخليج. لكن، ليس مستبعداً أن تتسبب المخاوف والمطامع في سباق نوعي نووي إذا تمكنت إيران من النجاة بمشروعها النووي بسبب التناقضات الدولية وقدرتها الاستثنائية على التفاوض واللعب على حافة الهاوية. وسباق من هذا المستوى سيهدر إمكانات دول الخليج العربية وإيران على السواء، وسيعوق التنمية في دولٍ معظم سكانها في سن الشباب المحتاج إلى فرص عمل، وسيضع المنطقة أمام شقاق مذهبي خطير يجعل مهمة قوى الاعتدال بعيدة المنال.

الخليج وإيران .. توتر حتى إشعار آخر

فوجئت طهران حتماً بسرعة الرد الخليجي في البحرين، الذي شكلت دولة الإمارات العربية المتحدة رأس حربته الدبلوماسية، في حين تمثلت قوَّته المادية خصوصاً في قوات سعودية شكَّلت عماد فرقة من قوات (درع الجزيرة) انتقلت إلى البحرين.

ولا شك في أنه لم يكن في حساب طهران أن تجتمع كل دول مجلس التعاون الخليجي على إدانة مطامعها في البحرين. وهي، إذ كانت تتوقع ردود فعل السعودية والكويت والإمارات، فإنها فوجئت حتماً بمسارعة قطر إلى التضامن مع المنامة وبمشاركتها العسكرية، ولو بشكل رمزي، في تلبية نداء حكام البحرين، وهو تضامن فعلي لا يجسد فقط نظرية (نكذب عليهم ويكذبون علينا) التي نقلت عن الشيخ حمد بن جاسم، بل يتخطاها إلى إدراك فعلي بأن (موس) التطاول الإيراني يقترب من ذقون كل من يستطيع الوصول إليه، وأن المناورة السياسية والمهارات الدبلوماسية تتوقف عند أخطار الهيمنة ومحاولات (بث الفرقة المذهبية)، التي عبَّر عنها بيان وزراء خارجية (التعاون) الذي عقد في الرياض.

ويمكن القول إن صفحة من صفحات الدبلوماسية الخليجية والعربية قد طوُيت بكل ما كانت تحويه من صبر وأناة وكظم غيظ. فلم يكن خافياً على الخليجيين والعرب أن مشروع إيران التوسعي هو جزء من أيديولوجية (الحرس الثوري) الحاكم في طهران، ولا كان سراً الدعم الذي تقدمه الأجهزة المتنوعة في طهران لفرقتها المتقدمة على البحر المتوسط المتمثلة في (حزب الله) اللبناني لوضع اليد على لبنان من جهة، والإمساك بورقة إقليمية في الصراع مع إسرائيل من جهة أخرى. وعلى المنوال نفسه كان جلياً الدعم المقدم لحركة (حماس) بحجة نصرة المقاومة، والذي لم يسفر إلا عن توريط الحركة في الانقلاب على السلطة الفلسطينية وإحداث انقسام خطير في جسد الفلسطينيين، وتعريض أهل غزة للحصار الإسرائيلي والعدوان.

وإذا كانت (خلية حزب الله) في مصر مثالاً متقدماً على نوعية العمل الإيراني في إحدى الدول العربية الرئيسية، فإن (شبكة التجسس) الإيرانية في الكويت شكَّلت أخطر تحدٍّ، يمكن أن تمارسه الجمهورية الإسلامية لأمن الدول الخليجية، ذلك أن حجم اختراق الشبكة ونوعيته يعتبران عملاً عدائياً بكل ما للكلمة من معنى، وقد فهِم الخليجيون قبل الكويتيين أنه يهدف إلى زعزعة الأمن الخليجي برمته، وأوضحه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بقوله (ماذا لدى الكويت لنتجسس عليه؟).

لقد أمكن لدول الخليج أن تتعايش لسنوات طويلة مع الأطماع الإيرانية وطموحات طهران إلى لعب أدوار فاعلة في الإقليم. وكان ذلك جزءاً من اللعبة السياسية العامة التي تفاعلت مع التطورات الخطيرة التي حصلت في المنطقة بدءاً من الحرب العراقية- الإيرانية ومروراً بغزو صدام للكويت وسقوط النظام البعثي في العراق ونظيره الطالباني في أفغانستان.

وإذ كانت لكل مرحلة من المراحل خصوصياتها، فإن ما استقرت عليه الجغرافيا السياسية منذ تأكد انتهاء الحقبة (البوشية) الهجومية، جعل الدول الخليجية أكثر حساسية وإحساساً بالأخطار الإيرانية. فليس سهلاً أن تدمر واشنطن نظامين معاديين لطهران على حدودها، وأن تتيح لها نفوذاً في أفغانستان ويداً طولى في العراق، بالإضافة إلى بناء حلف وثيق مع دمشق وهيمنة مسلحة بواسطة (حزب الله) في لبنان.

لقد سعت الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إلى إحداث توازنات دقيقة تحد من الأطماع الإيرانية في كل مناطق النفوذ الإقليمي الإيراني، فنجحت حيناً وفشلت أحياناً أخرى، واصطدمت دائماً بمشروع إيراني يعتمد أدوات محلية ولا يقبل بحدود نهائية له ولا بتسوية إلا للانقضاض عليها. هكذا حصل في العراق، وفي غزة، وفي لبنان. لكن مع الزلزال الذي أحدثته الثورات في العالم العربي، وخصوصاً نجاح الثورة المصرية، وانتهاء التقسيم التقليدي بين (محور اعتدال) و(محور ممانعة)، وجدت الدول الخليجية نفسها في مواجهة عارية مع إيران بعدما لعبت الأخيرة لعبة الفتنة المذهبية في البحرين مستغلة مطالب سياسية واجتماعية، وهي لعبة لا تستطيع أية دولة خليجية غض النظر عن محركها أو التساهل مع اللاعبين فيها لأنها تعرض النسيج الاجتماعي الخليجي للأخطار المميتة.

ويمكن القول إن الدول الخليجية انتقلت في الشهرين الماضيين من دبلوماسية النعامة إلى دبلوماسية الصقور، ومن التلميح إلى التصريح، ومن الكبت إلى التعبير عن الغضب، ومن تجنب المواجهة والحذر من التهويل، إلى شجاعة الفعل وقبول التحدي. هكذا عادت قطر إلى السرب الخليجي بعد التباسات طويلة، وهكذا دخلت قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين، وهكذا تؤدي أكثر من دولة خليجية أدواراً فاعلة في دعم ثورة ليبيا ضد نظام القذافي، ويتشدد سعد الحريري وفريق (14 آذار) السيادي اللبناني في (رفض المحميات الإيرانية في لبنان والبحرين والكويت) مثلما يصمم بصوت عال على رفع مطلب (الشعب يريد إسقاط السلاح). وباختصار، إنه شعور بالخطر الداهم الهادف إلى الفتن المذهبية وتقسيم المجتمعات ليكرس أنظمة شمولية وهيمنات مخابراتية تسير عكس توجه العالم العربي نحو أنظمة مدنية تضمن الحريات، ونحو إقامة دول عادية همها النمو الاقتصادي والإنساني وليس الدعوات إلى الموت والتخلف والمجتر من الشعارات.

إنها مرحلة مخاض، لا أحد يستطيع خلالها توقع تغير السياسات لفترة طويلة، فالتوتر الخليجي- الإيراني ليس مرحلة عابرة يمكن إنهاؤه باعتذار دبلوماسي أو بحفنة من الزيارات وتبويس اللحى، إنه نتاج إدراك شامل بأن مشروع إيران وصل إلى نقطة اللاعودة، وأنه بات من الواجب أن يُفرض عليه الانكفاء أولاً في دول مجلس التعاون، ثم في أي مكان آخر يمكن التصدي له. وطبيعي أن تستخدم طهران أوراقاً متعددة تمتلكها في هذا الصراع، وهي أدوات، معظمها قادر على إحداث اضطرابات وتوترات، ويحتاج التحكم فيها إلى حكماء وليس إلى ماهرين في حياكة سجاد المؤتمرات، فكيف إذا كانت الجمهورية الإسلامية في عهدة (مجلس شورى) يصدر بيانات الشتائم، و(حرس ثوري) همّه الخلايا اليقظة والنائمة، ورئيس جمهورية يحتاج إلى كثير من الصلوات ليقذف الله بصدره بعض النور ليرى ما يحصل في العالم من متغيرات.

مجلة آراء حول الخليج