array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

دور المرأة الخليجية في عملية الإصلاح السياسي: الواقع والتحديات

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

تتناول هذه الورقة الدور الذي لعبته المرأة الخليجية في عملية البناء والتنمية التي تشهدها بلدان الخليج منذ مراحل الاستقلال، وما هي أبرز المعوقات والكوابح التي تحول دون ممارستها لمهامها، والدور الذي يفترض أن تلعبه المرأة في بلدان الخليج على الصعيد السياسي وإمكانية أن تكون طرفاً فاعلاً في عملية الإصلاح السياسي الذي تشهده دول المنطقة.

على الرغم من أن التقاليد القبلية لعبت دوراً بارزاً في تحجيم وتقليص الدور الذي يفترض أن تلعبه المرأة على صعيد شراكتها مع الرجل إلا أن المرأة كانت غالباً ما تستند إلى الشريعة الإسلامية والتي منحتها جملة من الحقوق التي بقيت معطلة أو مغيبة بفعل الاستناد إلى أعراف وتقاليد قبلية جاء الإسلام لمحوها، فلو رجعنا إلى الحقوق السياسية التي كان يمحضها الإسلام للمرأة لوجدنا أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد منحا المرأة جملة من الحقوق وسنا قاعدة المساواة بين المرأة والرجل، ولم يمنحا الرجل الهيمنة الكاملة على شؤون المرأة إلا في حدود لا تخل بمبدأ المساواة الذي هو المبدأ الأساسي للعلاقة بين الطرفين. ولقد سعى الإسلام إلى الاعتراف بحجم الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة على شكل يُنمي شخصية المرأة.

أصبح للمرأة الخليجية الرأي والكلمة الفصل في معالجة كافة القضايا التي تخص شؤونها

لقد منح الإسلام المرأة حقوقاً سياسية فكان لها حق المشاركة في البيعة وهي الصيغة الأولية لاختيار الخلفاء لا سيما في صدر الإسلام الأول، كما منحها حق إبرام العقود وتملك الأموال أو الأراضي وإدارة ما تملكه بذاتها من دون أي تدخل من أي طرف بما في ذلك زوجها. كما أباح لها اختيار الزوج واختيار الدين، إذ لم يفرض على المرأة الكتابية التي تقترن بمسلم اعتناق الإسلام إن لم ترغب في ذلك. ولقد لعبت النساء المسلمات في صدر الإسلام دوراً محورياً في دعمها وإسنادها حتى عدت السيدة خديجة بنت خويلد بمثابة الركن المؤسس للديانة الإسلامية بعد الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).

وإذا ما كانت هذه القاعدة التي حكمت العلاقة بين الرجل والمرأة في صدر الإسلام قد استندت إلى الاعتراف بحقوق المرأة كاملة على الصعيد السياسي والاقتصادي والقانوني فإن مكانتها هذه سرعان ما تراجعت بمرور الزمن، حتى وجدت المرأة العربية والخليجية تحديداً نفسها محاطة ومُكبلة بجملة من القيود كان أغلبها نتيجة لسيادة القيم القبلية التي تعلي من قيم الصراع المادي القائم على استخدام السلاح والذي كان فيه للرجل القدح المعلى، لذا تضاءل دور المرأة في المجال الاقتصادي والاجتماعي رغم أن المجتمعات الخليجية شهدت في الحقبة التي سبقت عصر النفط مشاركة المرأة في أعمال المنزل وفي بعض الحرف التي تمثل جزءاً مهماً من حياة الأسرة آنذاك. أما اليوم فإن المرأة وفي معظم المجتمعات الخليجية تقدمت الصف في الحياة الاقتصادية وشكلت رقماً مهماً في حجم القوى العاملة، وشاركت بفاعلية في الحياة السياسية وفي منظمات المجتمع المدني.

 الإصلاحات التي تحققت على صعيد احترام حقوق المرأة في الخليج

لقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة تزايداً في حجم الدور الذي لعبته المرأة على صعيد مشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وترادف مع تعاظم دور المرأة هذا تعزيز القناعة بدورها لدى صناع القرار، وكان نتيجة حتمية للاعتراف بحقوق الإنسان الأساسية التي تشكل حقوق المرأة جزءاً أساسياً منها. واعترفت دساتير بلدان الخليج وكذلك تشريعاتها وقوانينها بالواجبات والحقوق الأساسية التي تخص دور المرأة وكانت تدفع باتجاه تعزيز حقوق المرأة وتنشيط دورها. وشهدت الحقب الأخيرة تحولاً في اهتمامات المرأة الخليجية من قضايا الرفاه المادي إلى التنمية الاجتماعية، وعلى هذا الأساس وأصبح للمرأة الرأي والكلمة الفصل في معالجة كافة القضايا التي تخص شؤون المرأة، ولا سيما دورها في المجال الاقتصادي. وعملت دول الخليج على المصادقة على كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي عالجت ودعت إلى إلغاء كافة أشكال التمييز والعنف الذي تواجهه المرأة، ولعل أبرزها التصديق على المعاهدة الخاصة بإلغاء كافة أشكال التمييز الموجه ضد المرأة. ولا بد من التأكيد على حقيقة وهي أن وضع المرأة الخليجية يختلف من دولة إلى أخرى، لكن يصح القول إن ما من دولة خليجية ابتعدت فيها المرأة بشكل تام عن الدوائر الأساسية في مجال السياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية. ولعبت النساء الخليجيات من مختلف الأجيال والأعمار دوراً كبيراً في مختلف ميادين الحياة، وهيأن بذلك أرضية واسعة للأجيال القادمة لكي تأخذ دورها الكامل في صياغة نمط سياسي واقتصادي مختلف عما ألفته الأجيال السابقة.

تلعب المرأة الخليجية دوراً كبيراً في قطاع الاستثمار وإدارة الأعمال

وتولت النساء في أكثر من دولة خليجية حقائب وزارية، ولعل الميزة التي وسمت مشاركة المرأة في التشكيلة الوزارية هي كونهن خارج الأسر الحاكمة، إذ لعبت سمعتهن العلمية دوراً كبيراً  في تبوئهن للمناصب الوزارية،  كما مثلن بلادهن في المحافل الدولية.

وتؤلف النساء في الخليج نسبة 48 في المائة من السكان وتتراوح نسبهن قياساً إلى الرجال من 55 في المائة في سلطنة عمان إلى النسبة الأقل وهي 39 في المائة في دولة قطر، ودفعت النسبة الكبيرة للنساء في دول الخليج القيادات السياسية إلى حث النساء على لعب دور أكبر في عملية التنمية، ولم تعد النظرة إلى المرأة كونها عنصراً بحاجة إلى طلب الشفقة والعون، بل أضحت عنصراً ديناميكياً في عملية التحول الاجتماعي، إذ اندفعت المرأة نحو قطاعات العمل والتربية وإدارة الأعمال، وأصبحت جزءاً من عملية التنمية المستدامة في بلدان الخليج.

ويشكل قطاع التربية والتعليم أحد أكبر القطاعات، الذي تتوجه إليه النساء في العمل ومن ثم هنالك قطاع الخدمات الاجتماعية والصحة، ومع توسع حجم ودور القطاع الخاص، وجدت معظم النساء الخليجيات فرصاً كبيرة في العمل في هذا القطاع، لا سيما أن الميزة الأساسية للقطاع الخاص هي إيجاد فرص جديدة، حيث كشفت البيانات الخاصة بوزارة العمل السعودية على سبيل المثال الفرص التي يمكن أن تُتاح للمرأة للعمل في القطاع الخاص.

ولا بد من التأكيد على حقيقة لا تخفى على المتتبعين لحجم القوة العاملة في بلدان الخليج ألا وهي وجود قوة عاملة أجنبية بمعنى أن المرأة الخليجية سوف تواجه منافسة لا تقتصر على الرجل الخليجي فقط، بل تتمثل في وجود العمالة الأجنبية، وتلعب المرأة الخليجية دوراً كبيراً في قطاع الاستثمار وإدارة الأعمال، وبلغت نسبة المُشاركة النسائية في هذين القطاعين في دول الخليج نسبة كبيرة مُقارنة بالدول العربية الأخرى.

أما في مجال التعليم الأولي والتعليم العالي الذي يُعد الأداة التي يتم من خلالها تجسير الفجوة والفوارق بين الجنسين والضمانة الأكيدة على المشاركة الفاعلة للمرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبلدها فقد شَهد ارتفاعاً في نسبة إقبال المرأة منذ عقد السبعينات وحتى الوقت الحاضر، ويعود ذلك بطبيعة الحال إلى ارتفاع النسب الخاصة بالإنفاق على التعليم وارتفاع مستويات الرعاية الصحية وهي مزايا استفادت منها النساء بشكل كبير. وشهدت العقود الأخيرة توسعاً كبيراً في الخدمات التعليمية في أغلب الدول الخليجية، وكانت النسبة الخاصة بالفتيات اللواتي أقبلن على قطاع التعليم ارتفعت بحيث فاق عدد الذكور، ووضعت معظم بلدان الخليج استراتيجية واضحة تقضي بسن شِرعة التكافؤ في الفرص المتاحة أمام الجنسين في نيل التعليم والتمتع بالمزايا التي تلي الحصول على الشهادات العليا، وتتساوى نسب الذكور والإناث في معظم بلدان الخليج في التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي، لكنها ترتفع بالنسبة للنساء في التعليم الجامعي فتصل النسبة إلى 60 في المائة في معظم الدول الخليجية. ولا بد من التأكيد على أن تنمية البنية العقلية والبحثية للمرأة سوف تُفضي إلى زيادة مساهمتها في الحياة السياسية وفي تنمية وعيها بمشكلاتها والدفاع عن حقوقها. فضلاً عن أن المرأة المتعلمة تشكل ما يُعرف باستثمارٍ مستقبلي أو استثمار في المستقبل لأن المرأة المتعلمة والمثقفة سوف تأتي بأجيال أكثر تسلحاً بثقافة مدنية تقوم على احترام حقوق الإنسان والاعتراف بقيمة الحياة والعلم والتقانة بدلاً من التركيز على النمط الاستهلاكي للحياة، فمع حمل المرأة الخليجية رسالة العلم الذي يُفضي إلى تكون ذاتٍ عارفة قادرة على رفد المجتمع بقيم أكثر جمالاً ورقة وفي الوقت ذاته تغدو أكثر تمرساً في  الدفاع عن حقوقها والمشاركة بفاعلية في تنمية بلادها.

إن بإمكان المرأة في كل دول الخليج أن تلعب دوراً في إنشاء قيم تنأى عن الطابع القبلي الضيق والذي يسود بعض بلدان الخليج أو يشكل ميزة للعلاقات الموجودة في بنية المجتمع الخليجي، ولعل منظمات المجتمع المدني هي واحدة من المؤسسات التي تستطيع المرأة الخليجية أن تبرز قدراتها فيها، وترسي من خلالها جملة من الممارسات التي تُفضي إلى تغيير نمط العلاقة السائدة بين الجنسين، كما يغدو من الضروري بالنسبة للكثير من المنظمات النسائية في الخليج معالجة قضايا العنف الأسري بشفافية ووضوح، والعمل على إيجاد آلية واضحة للحد منها، كما أن هنالك ضرورة لقيام حوار مستمر بين قيادات المجتمع المدني من النساء وممثلين عن المؤسسات الحكومية لزرع قيم المساواة بين الجنسين وأيضاً ضرورة أن تكون قيم المساواة بمثابة خيار فكري أكثر من كونها قرارات تشريعية أو هبة من هذا الحاكم أو ذاك.

ولعل أهم ما يواجه المرأة من معوقات وتحديات في بلدان الخليج تحول بينها وبين ممارستها لدورها الكامل هو ما ينبع من رسوخ بعض القيم التقليدية البطريركية والتي تعلي من قدر الرجل وتعده المسؤول الأول والأخير عن الأسرة والشخص الذي تقع على عاتقه مسؤولية الإنفاق عليها واتخاذ القرارات النهائية والكلمة الفصل في كل ما يخص شؤونها، ورغم تبدل النظرة إلى المرأة التي ترى أن وظيفتها الأساسية هي الإنجاب وتوفير المتعة والراحة للرجل إلى نظرة أكثر إنسانية وعقلانية، إلا أن رواسب النظرة التقليدية لا يمكن أن تزال لمجرد التوسع في أنماط التعليم، أو أخذ المرأة مكانة متميزة في الحياة السياسية والثقافية، فلا تزال المرأة في الخليج بعيدة بشكل عام عن عملية صنع القرار، وبقي دور المؤسسات والمُنظمات النسائية هامشياً ويستند إلى رد الفعل تجاه القرارات التي قد تطال من حرية المرأة وكرامتها ولم ترق إلى مستوى الفعل الذي يعمل على ترسيخ قيمٍ تقوم على الاعتراف الكامل بالحقوق الأساسية للمرأة، وتواجه الفتاة أو المرأة الخليجية في بعض بلدان الخليج تعسفاً في التعامل مع السلطات والهيئات الدينية أو التي تحاول تفسير الدين بنحو متزمت وضيق، متجاهلة الآفاق الرحبة التي انطلق منها الإسلام لتحرير الإنسان من الأغلال والقيود التي كانت تكبله وتمنعه من استثمار ما وهبه الله من طاقات وإمكانات. ورغم الاستخدام الواسع للآليات التي أنتجتها الثورة المعلوماتية والتكنولوجية في المجتمعات الخليجية فإن إمكانية استفادة المرأة والفتاة الخليجية من هذه الآليات والمنابر للدفاع عن حقوقها لا تزال ضيئلة ولا تفي بالقدر المطلوب، ذلك أن حجم المواقع الخاصة بتنمية حقوق المرأة وتبنيها والدفاع  عنها يعد محدوداً جداً قياساً إلى المواقع السياسية والدينية البحتة.   

وهنالك في واقع الأمر سعيُ حثيث لأن تلعب المرأة دوراً في تكوين هوية مجتمعية تنأى عن الطابع القبلي والأسري الذي قد يوجه للتجربة الخليجية. كما أن الدور الأمثل الذي تستطيع المرأة الخليجية أداءه على صعيد الإصلاح إنما ينبع من المواقع التي تحتل فيها المرأة موقعاً متقدماً وهي منظمات المجتمع المدني والجامعات والهيئات التعليمية، والمؤسسات المالية والمنظمات الدولية التي وصلت المرأة الخليجية فيها إلى تبوؤ مراكز متقدمة، والتأكيد من خلال هذه المنابر على أن عملية الإصلاح السياسي إنما هي عملية صيرورة مستمرة، ولن تكون رد فعل على تظاهرات خرجت في هذه العاصمة الخليجية أو تلك، كما أن اكتساب المرأة كامل حقوقها يعد جزءاً من آلية الإصلاح السياسي ومقدمة أساسية له.

 

مقالات لنفس الكاتب