array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مملكة البحرين.. بين إصلاحات السلطة وارتباك المعارضة

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

في الوقت الذي كانت تتهيأ فيه مملكة البحرين للاحتفاء بالذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني وما أحدثه من تطورات وإصلاحات، دخلت البلاد في أزمة غير مسبوقة بدأت في 14 فبراير 2011 م باعتصام مجموعة من الشباب في دوار مجلس التعاون الخليجي أو ما أطلق عليه (دوار اللؤلؤة) ورفع شعارات تطالب بإسقاط النظام وتغيير دستور عام 2002، تلتها مسيرات وتظاهرات في مختلف مناطق البحرين، ثم أخذت التطورات أبعاداً خطيرة كان أبرزها توريط مؤسسات عديدة وخاصة التعليمية والصحية، الأمر الذي أدى إلى توترات (طائفية) وشل الحركة التجارية والمالية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ما استدعى التدخل من جانب قوات الأمن والشرطة لفض اعتصام دوار اللؤلؤة وإعادة الحياة إلى طبيعتها.

لعلنا نجد أنفسنا أمام مفارقة غريبة، وهي أن هذه الأزمة وقعت رغم العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي شهدتها مملكة البحرين خاصة منذ أن تولى الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم في السادس من شهر مارس من عام 1999 م فبدأت تحولاً لافتاً نحو الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، حيث تم إنشاء لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى في أكتوبر عام 1999، ثم إلغاء قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة في فبراير2001 م، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة المبعدين في الخارج من دون قيد أو شرط، والعفو الشامل عن المتهمين والمدانين في جرائم تمس الأمن الوطني.

وفي فبراير 2001 م تحولت البحرين إلى مملكة دستورية بموجب الميثاق الوطني الذي صوّتت عليه غالبية الشعب البحريني (98,4 في المائة)، كما تعزز دور السلطة التشريعية في ظل أحكام الدستور الصادر في 24/2/2002 الذي وضع ضمانات تقوي من دور تلك السلطة التشريعية وجعلها شريكاً في إقرار القوانين في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية.. إلخ.

وقد شهدت المملكة ثلاث دورات انتخابية على المستويين البلدي والنيابي، أعوام (2002 - 2006 – 2010)، شارك فيها مختلف أطياف الشعب البحريني فيما عدا الدورة الأولى التي شهدت مقاطعة بعض الجمعيات قبل أن تقرر تلك الجمعيات المشاركة في الدورتين الانتخابيتين التاليتين.

ومن الملامح الرئيسية في التحول الديمقراطي في مملكة البحرين استقلال ونزاهة القضاء في ظل وجود مجلس أعلى للقضاء ونيابة عامة وقضاء مدني وشرعي وإداري، ومحكمة دستورية تضمن سلامة التشريع ودستورية القوانين، هذا فضلاً عن مؤسسات أخرى تكفل الشفافية المناسبة وهي مجلس المناقصات وديوان الرقابة المالية والإدارية.

وصدقت البحرين على عدد من الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتم تأسيس العديد من جمعيات ولجان حقوق الإنسان ومن بينها الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان، وجمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.. وغيرها من الجمعيات، فضلاً عن الانضمام إلى عدد من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وذلك لترسيخ وتعزيز حقوق الإنسان في المجتمع.

لهذا، تم اختيار مملكة البحرين لمنصب نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لدورتها الـ 60 في 2004م، وفازت المملكة بعضوية مجلس حقوق الإنسان في مايو 2006 م وكذلك في الفترة من 2008 -2011م.

قوى المعارضة تسابقت إلى استغلال الأزمة الأخيرة في تحقيق مصالحها

وتعززت حرية الرأي والتعبير في ظل تزايد عدد الصحف المحلية إلى ثماني صحف يومية تصدر باللغتين العربية والإنجليزية، وأربع صحف أسبوعية باللغة العربية، إلى جانب إصدار العشرات من المجلات والمطبوعات والنشرات الدورية المتخصصة عن العديد من الجهات الرسمية والأهلية من بينها 65 مجلة أسبوعية وشهرية بخلاف انتشار الصحافة الإلكترونية وتدشين العديد من المواقع والمنتديات والمدونات الشخصية على شبكة الإنترنت. وكفل الدستور حق المسيرات والمظاهرات السلمية، وفي هذا الإطار تم تنظيم نحو 1154 اعتصاماً ومسيرة ومظاهرة سلمية على مدار عشر سنوات.

وشهد المجتمع المدني تطوراً ملحوظاً، حيث وصل عدد الجمعيات الأهلية إلى نحو 527 جمعية خلال عام 2010 من بينها 18 جمعية سياسية، وظهرت في السنوات الأخيرة الجمعيات الحقوقية والنقابات المهنية والعمالية وجمعيات المرأة والجمعيات السياسية التي تكاد تقترب من الأحزاب السياسية في نشاطاتها وتركيباتها.

وتبوأت المرأة البحرينية بدورها عدة مناصب حيوية في مواقع صنع القرار، وتولت منصب وزيرة وسفيرة وغيرهما من المناصب، كما وصلت إلى مقاعد السلطة التشريعية، وتولت المناصب القضائية، بل تبوأت مناصب دولية رفيعة كان أبرزها تولي الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وارتفعت نسبة مشاركة المرأة البحرينية في سوق العمل، حيث بلغت نحو 35 في المائة من اليد العاملة الوطنية، وانخرطت بجميع ميادين العمل، وزادت نسبة سيدات الأعمال حيث استحوذن على ما نسبته 38,9 في المائة من عدد السجلات التجارية في المملكة.

أزمة البحرين وقعت رغم العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي شهدتها المملكة

واقتصادياً، شهدت مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية انتعاشاً كبيراً، حيث بلغت مساهمة القطاع غير النفطي أكثر من 86.4 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2010، وهي أعلى النسب المحققة بين البلدان الخليجية، وهو ما يعد مؤشراً إلى ما حققته المملكة من نجاحات في إقامة مؤسسات صناعية حديثة ومتطورة. كما حققت مملكة البحرين نمواً في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 70  في المائة خلال العقد المنصرم، وارتفع معدل العمالة في البحرين بنسبة 39  في المائة وزادت الأجور فيها بنسبة 54  في المائة، وتضاعف نصيب الفرد تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد الماضي.

وفي مجال التنمية البشرية، ارتفعت قيمة مؤشر التنمية البشرية خلال العقد الماضي من 0.820 في عام 2000 إلى 0.895 في عام 2009م (حيث تعكس القيمة التي تقارب (1) مستويات متقدمة من التنمية البشرية).

ووفقاً لتقرير التنمية البشرية لعام 2009م، احتلت مملكة البحرين المركز التاسع والثلاثين عالمياً، وتمكنت من ترجمة النمو الاقتصادي إلى تحسين في نوعية الحياة لمواطنيها.

لقد أحدثت الإصلاحات السابقة إرباكاً واضحاً وانقساماً شديداً بين قوى المعارضة التي يبدو أنها فوجئت بهذه الإصلاحات، ولم تكن تتوقعها من جانب السلطة، ولم تضع الاستراتيجيات المناسبة للتعامل معها والانخراط بها.

هذا الانقسام بين صفوف المعارضة رصده تقرير المرصد الخليجي لمناهضة التدخل السياسي والإرهاب حول حقيقة العمل الحركي ضد دول مجلس التعاون الخليجي الصادر في هلسنكي عام 2010. (تأسس المرصد خلال شهر سبتمبر 2009 كمؤسسة خاصة غير ربحية على يد نخبة من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الذين انخرطوا بالعمل الحركي السياسي في بلدانهم من أجل نيل الحقوق والمطالب).

وبحسب هذا التقرير، فإن بعض النشطاء الذين عادوا إلى البلاد تولوا مناصب وزارية أو انخرطوا بالعمل الإعلامي، إلا أن غالبية النشطاء الذين قرروا العمل من الداخل والانخراط بالمشروع الإصلاحي عملوا على تشكيل جمعيات سياسية معارضة، وهؤلاء بدورهم انقسموا إلى قسمين رئيسيين الأول استمر من خلال تلك الجمعيات في تبني الأفكار السياسية القديمة وفي الوقت نفسه حاول (تعويم الأيديولوجيا) التي تضمن مواكبة المستجدات التي يشهدها المجتمع، ومن أبرز تلك الجمعيات المنبر التقدمي الديمقراطي وجمعية التجمع القومي الديمقراطي.

البحرين صدقت على عدد من الاتفاقيات والمعاهدات العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان

أما القسم الثاني والذي كان موضع اهتمام خاص من تقرير المرصد فقد قرر الانخراط بالعمل السياسي بحيث يتم توظيفه لخدمة أهداف شخصية وأيديولوجية ومن أمثلتها جمعيات الوفاق ووعد والعمل الإسلامي، وتقوم هذه الجمعيات بشكل رئيسي على شبكة متداخلة ومعقدة من المصالح الشخصية، بالإضافة إلى أنها تعتمد على مجموعة من التحالفات المؤقتة والدائمة وشبكة علاقات واسعة داخل البحرين وخارجها.

ورأى التقرير أن هذه الجمعيات هي الأخطر لأنها تتبنى مبادئ وأيديولوجيات أساسها ديني وطائفي، فجمعية الوفاق على سبيل المثال تقوم على مبادئ نظرية ولاية الفقيه إيرانية المنشأ، وتضم أعداداً كبيرة من الأعضاء والجماهير جميعهم من طائفة واحدة (الشيعة).

وأشار التقرير إلى وجود تحالفات بين هذه الجمعيات لتحقيق أهداف ومصالح معينة رغم الاختلافات الحاصلة بينهم. وأرجع المرصد التحالف (الدائم) بين الوفاق و(وعد) والذي يقوم على علاقة التبعية إلى حرص أمين عام (وعد) على تولي القيادة والتحول إلى شخصية تاريخية في الجمعية، وإلى سعي الوفاق نحو زيادة نفوذها السياسي وقدرتها على التأثير في النظام السياسي وضمان عدم اتهامها بالطائفية.

وأشار المرصد إلى وجود صراعات داخلية بين تلك الجمعيات بدأت تحديداً في عام 2005 مع رفض تيار في جمعية الوفاق تسجيل الجمعية ضمن قانون الجمعيات السياسية والمشاركة في انتخابات 2006، وقرر هذا التيار الانشقاق عن الجمعية وتشكيل تنظيم سياسي وهو حركة (حق) التي يتولى قيادتها أمين عام الحركة حسن مشيمع.

ويؤكد المرصد أنه رغم انشقاق قيادات حركة حق عن جمعية الوفاق إلا أن الارتباط الوثيق مازال مستمراً بينهما، ومن دلائل ذلك حرص جمعية الوفاق على خفض العقوبات المقررة في قانون العقوبات وخصوصاً المتعلقة بمن يتورط في استخدام (المولوتوف)، والبيانات السياسية التي تصدرها جمعية الوفاق باستمرار وتطالب بالإفراج عن الموقوفين من الحركة والمتورطين في قضايا أمنية، وقيام فريق من (الوفاق) بتشكيل فرق من المحامين للدفاع عن المتورطين من كوادر حركة حق في أعمال إرهابية وكذلك قيامها برعاية أسر المتورطين من كوادر الحركة في الأعمال الإرهابية.

وإضافة إلى حركة حق، استعرض المرصد الحركات الأخرى التي تقوم بالتحريض والتخطيط لأعمال العنف في مملكة البحرين ومن بينها تحالف تياري (الوفاء والممانعة) الذي يتزعمه عبدالوهاب حسين، وحركة (أحرار البحرين) ومقرها لندن ويتزعمها سعيد الشهابي. وهذه الحركات الثلاث تدعو إلى إسقاط النظام وإيجاد حالة من عدم الاستقرار والانتقاص وتشويه الإنجازات التي حققها المشروع الإصلاحي وتحريض الناس ضد النظام عبر الخطب التحشيدية.

ومن الواضح إذن، أن هناك انفصاماً واضحاً بين الإصلاحات العديدة التي تحققت على أرض الواقع، وبين ردود فعل القوى السياسية المعارضة.

ومن الملاحظ أيضاً أن قوى المعارضة تسابقت إلى استغلال الأزمة الأخيرة في تحقيق مصالحها، فقد وضعت الجمعيات السياسية (الوفاق، وعد، المنبر التقدمي، أمل، التجمع القومي، التجمع الوطني، الإخاء) شروطاً مسبقة للدخول في الحوار الوطني الذي دعا إليه ولي عهد البحرين أهمها:  وضع دستور جديد يصوغه مجلس تأسيسي منتخب يؤسس لمملكة دستورية وحكومة منتخبة واعتماد نظام انتخابي يحقق التمثيل العادل لكل مكونات الشعب المجتمعية والسياسية.

كما حدد (الائتلاف الوطني)، الذي تشكل في 26 فبراير من قبل شخصيات سياسية واجتماعية وأهلية بينهم منتمون إلى جمعياتٍ سياسية وآخرون مستقلون، ستة مطالب للدخول في حوار جدي مع السلطة على رأسها حل الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة وطنية موثوق فيها ومتفق عليها، وحل مجلسي الشورى والنواب، وإطلاق سراح جميع المعتقلين والمحكوم عليهم من السياسيين.

وفي السياق، أعلن ائتلاف سياسي يضم ثلاث جماعات شيعية بحرينية معارضة، وهي تيار الوفاء الإسلامي وحركتا (حق) و(أحرار البحرين) وأطلق على نفسه (التحالف من أجل الجمهورية)، أعلن سعيه لإلغاء النظام الملكي في البحرين وتحويل البلاد إلى جمهورية، ودعا إلى التغيير السلمي من خلال العصيان المدني.

ووصل الأمر بجماعات المعارضة إلى حد إعلان الحرب على قوات درع الجزيرة الخليجية التي جاءت من أجل المساعدة على حفظ الأمن والنظام في المملكة، ولوحت بعض تلك الجماعات بالتدخل العسكري الإيراني في الشؤون البحرينية وهو ما يشير إلى مدى الترابط بين المعارضة في الداخل وقوى الخارج.

وقد كشفت مخابرات المقاومة العراقية مؤخراً عن مخطط إيراني يهدد أمن واستقرار ليس البحرين فحسب، بل الأقطار العربية كافة، ويرى هذا المخطط في مملكة البحرين منطقة الضعف الرئيسية في دول الخليج ووضع سيناريو يقوم على مواصلة التظاهر من جانب (أنصارهم) والصدام مع أجهزة الأمن واستفزاز قوات الشرطة لإجبارها على قمع التظاهرات بالقوة فتقع الضحايا فيقومون بتعبئة الرأي العام العالمي ضد السلطة عبر وسائل الإعلام التي تتحدث باسمهم، وتعبر عن آرائهم المتطرفة، وتخدم مشروعهم (الخبيث) الذي يلبي الطموحات التوسعية لإيران، من أجل الوصول في النهاية إلى ضم مملكة البحرين كمحافظة إيرانية. ولا ننسى أن العديد من كبار المسؤولين في إيران قد عبروا مراراً عن تطلعاتهم في عودة مملكة البحرين كمحافظة إيرانية حسب زعمهم.

والخلاصة، أن الخروج من الأزمة الراهنة ومواصلة مسيرة الإصلاح في مملكة البحرين يفرض ضرورة تغيير سلوك قوى المعارضة بحيث تكون مصلحة الوطن هي الشغل الشاغل لهم جميعاً من دون النظر إلى المصالح الضيقة لتلك القوى، بالإضافة إلى ضرورة البعد عن الوسائل غير المشروعة للتعبير عن المطالب وعدم وضع شروط مسبقة للحوار الوطني والتمسك بالثوابت الوطنية وأهمها الميثاق الوطني وشرعية نظام الحكم. 

مجلة آراء حول الخليج