array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 168

قراءة في نماذج من الشعر الخليجي المعاصر

الأحد، 28 تشرين2/نوفمبر 2021

تكاد الهُويّة تكون السؤال الأول في المعرفة، والحرف الأول في أبجدية الوجود الجمعي، لارتباطها الوثيق بالمصير، والحرية، والكينونة. من هنا نجد اهتمامًا بدلالة هذه المفردة في تناول -بعض -كبار النقاد العرب القدامى، بما يُشيرُ إلى أنها كانت محل طرح وجدل واهتمام في التراث العربي. من أمثلة ذلك إشارة الجرجاني إلى أنها " الأمرُ المُتعقّلُ من حيث امتيازه من الأغيار. والهُوية عند ابن رشد تُقال بالترادف على المعنى الذي يطلقُ عليه اسمُ الموجود. وعند الفارابي: " هُويّة الشيء: عينيته وتشخُّصه، وخصوصيته ووجوده المُتفرد له الذي لا يقعُ فيه إشراكٌ "

  • وفي الطرح الفلسفي، تتشابه دلالة " الهُوية " مع دلالة مصطلح " الماهية "، " فالهوية لغويا أن يكون الشيءُ هو، هو، وليسَ غيره، وهو قائم على التطابق أو الاتّساق في المنطق. والماهية أن يكونَ الشيءُ " ما هو "، بزيادة حرف الصلة " ما " على الضمير المنفصل " هو " والمعنى واحد "

لكنّ سؤال الهُوية لا يشتعلُ في المشهد الثقافي لأي مجتمع من المجتمعات إلا إذا كانت الذاتُ الجمعية في مواجهة متأزمةٍ مع الآخر – أو الأغيار عمومًا – أيًّا كانت هذه المواجهة. ولعلّ الصراعات الثقافية – ولا أريد أن أقول: حروبًا – هي أقوى الميادين استثارة لحضور الهُوية في الوعي الجمعي، على الصعيدين: الفكري، والوجداني، وأكثرها استنفارًا لحضور سؤال الهُوية في، وهيمنته في المشهد الثقافي والإبداعي.  

  • ولعل هذا الصراعَ هو ما دفعَ العلماءَ والنقاد العرب القُدامى -أمثال الجرجاني وابن رشد والفارابي -إلى طرح رؤاهم حول مفهوم " الهُوية "، والحرص على تأصيله اصطلاحيًا، حيث شهدَ هؤلاء – بدءًا من العصر الأموي – امتزاج العنصر العربي بغيره من أصحاب الأمم الأخرى، واطّلع على آداب هذه الأمم وعلومها، واستشعر النقيضين: الرغبة في الانفتاح على الآخر، والخوف من تلاشي الذات وتغييبِها في هذا الآخر.

وإذا كان هذا هو حال المجتمع العربي القديم، فإنَّ المجتمع العربي المعاصر أحقُّ بالانشغال بمسألة الهوية، والأجدر بأن تتصدر هذه المسألةُ خطابَه الثقافي -والمعرفي عامة -وذلك لما شهده – وما يزال -من المتغيرات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تعدُّ الواجهة التي تختبئُ خلفها تفاصيلُ الصراع الحضاري، أو الصراع بين الهُويات. 

ولا بد من الإشارةِ – بدءًا -إلى أنّ هُوية الفرد تختلف عن الهوية المجتمعية، التي هي هوية أُمّة، فالأخيرة تكوينٌ تراكمي عبر جسد الزمان، " ويذهبُ د. نديم البيطار إلى أن " هويّة الأمة هي هوية تاريخية، والتاريخُ هو الذي يُشكّلها "

  • ويمكنُ إيجاز مفهوم الهُوية في القول " بأنها الرمز، أو العامل المُشترك الذي يُجمِعُ عليه كلُ أفراد الأمّة، من حيث الانتساب ِوالتعلُّق والولاء والاعتزاز ... وهي هوية القاسم المشترك بين الجميع، استنادًا إلى الخلفية الثقافية والتاريخية الواحدة، الهُوية هي الذات الجماعية لأفراد الأمة كلهم، والمَسُّ بها يَمسّ كيان الأمة كله، ويمسُّ في الوقت نفسه كلَّ فرد منها على السواء، لأنه شكٌ في الماضي وطعن في الحاضر ويأسٌ من المستقبل "

 وقريب من هذا المعنى قولُ الدكتور محمود أمين العالم: " إن الهُوية ليست أُحادية البِنية، أي لا تتشكل من عنصر واحد، سواء كان اللغة أو الدين أو العرق أو الثقافة أو الوجدان أو الأخلاق، أو الخبرة الذاتية أو العلمية وحدها، وإنما هي محصلة تفاعل هذه العناصر كلها "

  • فسؤالُ الهُوية بحث في القادم، بقدر ما هو حرص على نقاء الماضوية، فهي امتدادٌ في الزمان حتى نهايته، " فالهوية لا تستغرقُ نفسها في الماضي من حيث هو تراثٌ فحسب، ولكنها أيضا توجّهُ نحو المستقبل، وهذا المستقبل ُ يُحدَّدُ في هيئة صورٍ لما ينبغي أن تكون عليه، وهنا تنوسُ الهويةُ بين الجماعةِ والفرد، بين الاقترابِ من التنميط الذي تضعهُ هذه الأخيرةُ للزمن (ماضياً ومستقبلاً) والابتعاد عنه "

إنَّ سؤال الهوية -أو السؤال في الهوية -ليس من باب الترف الثقافي؛ إنه أقرب إلى أن يكون سؤالاً في الوجود والكينونة؛ فالذاتُ حين تبدأُ في طرح هذه الإشكالية فإنما تبدأ في التعرف على ملامحها الفارقة، وموقعها من العالم، فهي " إعادة موضعةٍ للذات تجاه نفسها وتجاه العالم بوساطة الفعل. وإذْ ترومُ ذلك فهي تسعى إلى إعادة خلق ذاتها والعالم معاً، لكنها تفعل ذلك اقترابا أو ابتعاداً من الضمير" هو " من دون محوهِ أبداً لأنها تؤسّسُ ذاتها قياسًا إليه، وتستحضرهُ الذاتُ عبرَ فعلها في اللحظة التي تدمّرهُ فيها "

  • وإذا كان سؤال الهوية في الطرح الفلسفي والأنثربولوجي  - وغير ذلك من مجالاتٍ – ينبثق من معطياتٍ قَبْليّة، ومن سلسلة من الرؤى والدراسات السابقة، فإنّه ينبثقُ في الإبداع الأدبي من التجربة الذاتية، والرؤية الشخصانيّة  للمبدع، كما يتميزُ في الطرح الشعري – خاصة -  بأنه سؤالٌ لا يسعى للحصول على إجابة قاطعة، بل يسعى للحصول على "رؤى" –  حدوسية في المقام الأول- حيثُ يدأبُ لاستشراف طُرق الخلاص  عبر مقاربات روحية جمالية، مُصوّرًا كيفية الاشتباك الإيجابي بين الشاعر وبين ذاته الجمعية، و التاريخ، والثقافة والعِرق .  و" نفترضُ بدءاً -ومن دون تردد – أنَّ الأدب من الأقوال الفنية الجميلة، لا يعالجُ الهُويةَ بوصفها -عبر – انتماء، وإنما بعدِّها تأكيداً نوعيًا لها (أو تنويعاً تأكيدياً على الهوية بالبداهة)، ومجاوزة "

وإنّ الشاعر الذي يخوض رحلة البحث عن الهُوية، لا يخوضُ رحلةً على الورق، أو في دهاليز الفصاحة والبلاغة، بل يخوض رحلة روحية وعقلية شديدة الإرهاق، غير مأمونة النتائج، فهي رحلة في المسافة الواقعة بين الانسلاخ والانتماء، الانغماس والاغتراب، الفقد والوجود، الهدم والبناء، الموت والحياة، بدلالتهما المادية والمجازية.  يتصدى الشاعرُ لهذه الثنائيات متشككًا راجيًا؛ " فنحنُ لا نعرفُ منْ نكونُ إلاَّ عندما نعرفُ منْ ليس نحنُ، وذلك يتمُّ غالباً عندما نعرفُ نحنُ ضدّ منْ ".

 

  • أمَّا مصطلح  الأدب الخليجي " -الذي اتخذَته هذه القراءةُ حدودًا لها – فعلى الرغم من تداوله في المشهد الثقافي المعاصر، واستعماله بدلالته الظاهرية المُتداولة -دون حاجة إلى طرح مداه اللغوي والاصطلاحي -إلّا أنّ هناك من النقاد من يراه غير دقيقٍ في دلالته على ما استُعمل له، ومنهم الدكتور سعد البازعي الذي وصف المُصطلح بافتقاده إلى شروط الاصطلاح، " بمعنى أننا عندما نقول أدب خليجي فإننا نفسر جزءًا من ظاهرة الأدب المُنتج في منطقة الخليج ونترك أجزاءً غير مُفسَّرة ". وفنّد سعد البازعي قصورَ المصطلح بعدم مُطابقة المُسمّى لجميع دول مجلس التعاون الخليجي، بما يعني أننا " من الناحية الجغرافية البحتة، ننسبُ الكلَّ إلى الجزء وهي نسبة غير دقيقة "

ونتفق مع الناقد فيما ذهب إليه من عدم تحقق شروط الاصطلاح في هذا التعبير، لكنا نُذكّر بأن الاستقرار الدلالي الذي أُحيط به -لتكرار تداوله -صار بمثابة إتمامٍ لثغرات هذه الشروط، فضلا عن هذا، فقد صار هذا المصطلحُ   قادرا على إمدادنا بمُقاربة كافية حول حركة الأدب المنتمي إلى هذه المنطقة الجغرافية، وقادرا على أن "يساعدنا على رؤية هُوية تتنامى في منطقة مهمّة وكبيرة من الجزيرة العربية"

  • وتُعد مسألة " الهُوية " من الموضوعات الرئيسية التي فرضت وجودها على الشعر الخليجي – والشعر العربي المعار عامة – وذلك لتعلقها المباشر بالمصير الفردي والجَمعي، ولتعرّض المنطقة العربية – في

عمومها -لكثيرٍ من التحديات السياسية والاقتصادية والأيديولوجية التي وضعتْ مسألة الهُوية على رأس الاهتمامات الفردية والمجتمعية، ولارتباط الهوية الوثيق بالمشهد الثقافي والمعرفي المعاصر، في كل تفاصيله. وإلحاحها المُستمر على الوعي الجمعي، من خلال ترددها في الخطاب المعاصر، في سائر أطيافه.

وتتباين طُرق الطرح الشعري لإشكالية الهوية، ما بين الارتكاز على الأسطوري والرمزي، أو الطرح المُباشر دون توسّلٍ بالمجاز، لكنها -في كل حال -طُرقٌ شعرية – لا سياسية -لا يسعى الشاعرُ من خلالها إلا إلى طرح رؤيته الخاصة.  ولذلك نجد بعض الشعراء قد اقتصر في طرحه على سؤال الهوية، والتساؤل عن قادمها، بينما يقتصرُ الآخرُ على تصوير قلق القصيدة إزاء هذه الإشكالية، ونجدُ شاعرًا ثالثًا يرى حدود الهوية ماثلةً في حدود وطنه، بينما تتسعُ هذه الحدود –ويتسعُ الترسيم الجغرافي -للهُوية، ليبلغَ آماد الأمة كلها، بكل ما تختزنُ من تاريخٍ وسماتٍ حضارية فارقة. 

إنَّ تأمل التجربة الشعرية الخليجية المعاصرة - في كثيرٍ من نماذجها – يُفضي إلى ملاحظة مهمةٍ، تتعلقُ  بحدود الهُوية، وهي : أنَّ  الشعراء طرحوا للهُوية حدودًا رَحبةً، غيرَ مُقيدةٍ بموضعٍ بذاته في منطقة الخليج، لكنها مُقيدَة بحدود الجزيرة العربية كلها– من الناحية المكانيّة – وَمُقيّدة – من النَّاحية الزَّمانية – بماضي الجزيرة ، وتاريخ الأجداد، بما يتضحُ في الحضور القوي – المباشر والرمزي - لمفردات التراث في هذه التجربة الشعرية، وعلى رأس هذه المفردات: الصحراء، النوق، الجياد، الآبار، الراحلة، الخِباء، النار، الفرسان، الرمال، السيوف، إلى آخر ما هو معروفٌ من  المعجم الخاص بالتراث العربي .

وغيرُ خافٍ أنَّ حضورَ هذه المفردات في القصيدة الخليجية المعاصرة ليس استدعاءً للمظهر المادي من حياة الأجداد، بل استدعاءٌ للروح الكامنة وراء هذا المظهر، استدعاءٌ للُّحمَة التي تضمُ هذا النسيج، وهي الهُوية العربية التي تتمظهر في مسارين: معنوي، هو: القيم والمبادئُ والعاطفة والفكر، وماديٌّ، هو: ممارسة الحياة على نحو خاصٍ يتمرأى فيه موقفُ هذه الكينونة الخاصة من كل مفردات الوجود.

ولأنَّ صفحات هذا المقال لن تتسعُ – بحالٍ–للاستدلال المُتوسّع بنماذج الشعر الخليجي المُتعلق بهذه القضية، فسوف نقتصر على بعض هذه النماذج الدّالة.

وتقفُ التجربةُ الشعرية لمحمد الثبيتي –في رؤيتي الخاصة-علامةً بارزةً وسط التجارب الشعرية المعاصرة المتأزمة بسؤال الهوية، فقد احتفى–عبر أعماله الشعرية الكاملة – بطرح تصوره لنموذج الرجل العربي المُمثّل لهذه الهوية، والذي رسم ملامحه – المادية والمعنوية – وفق النموذج العربي الموروث، مُقدما هذا النموذج باعتباره دالّا على الشخصانية العربية القادرة على مواجهة محاولات التغريب وتغييب الهوية. يتردد هذا النموذج في التجربة الشعرية للثبيتي مُصورا اغتراب الذات الجمعية العربية في راهنها المُستلب، مُعبّرا عن رؤى الشاعر واختياراته، متجاوزًا – في دلالته – حدود التعبير عن الحنين، أو الاستعادة التاريخية المدفوعة بالزهو – إلى مصاف التعبير عن الانتماء.

يطالعنا هذا النموذج في قصيدته " صفحة من أوراق بدوي "حيث يقول:

" ماذا تريدين؟  لن أُهديكِ راياتي       ولن أمُدّ على كفيّكِ واحاتي

أَغرّكِ الحلمُ – في عيني مشتعلٌ          لن تعبريهِ ... فهذا بعضُ آياتي

إنْ كنتُ أبحرتُ في عينيك مُنتجِعاً    وجهَ الربيعِ، فما ألقيتُ مرساتي

هذا بَعيري على الأبوابِ مُنتصباٌ          لم تعشُ عينيه أضواءُ المطاراتِ

وتلكَ في هاجسِ الصحراءِ أغنيتي        تُهدهدُ العشقَ في مرعى شُويهاتي

بهذا النموذج، يواجه الشاعرُ استلابَ المدنيّة الحديثة – التي ترمز للهويات المغايرة – فيستحضرُ الصحراء – ومفرداتها -مُحتضنًا للشخصانية، ويطرحُ ذاته رمزًا: حصانًا أصيلاً، تستعصي حريتُه على زيف التغريب، يقول:

" أنا حصانٌ قديمٌ فوق غُرّتهِ              تُوزّعُ الشمسُ أنوارَ الصّباحاتِ

أنا حصانٌ عصيٌ لا يُطوّعهُ              بوحُ العناقيدِ أو عطرُ الهُنيهاتِ

أتيتُ أركضُ والصحراءُ تتبعني               وأحرفُ الرملِ تجري بين خطواتي

أتيتُ أنتعلُ الآفاقَ أمنحها                    جُرحي، وأبحثُ عن بداياتي "

وفي واحدةٍ من أكثر التجارب الشعرية العربية مساءلةً للهُوية والاغتراب – في رؤيتي النقدية – وأعني : التجربة الشعرية للشاعر العماني سيف الرحبي، يواجهُ الشاعرُ هيمنةَ المدنيّة الغربيّة المعاصرة - وتمددَها الكابوسي – باستدعاء هُويته المُتمثلة في النموذج ذاته - الذي طالعنا ملامحه في طرح محمد الثبيتي – ممَّا جعلَ ديوانه " رأس المسافر " ميدانًا – شعرياً- لتصوير المواجهة  بين طرفي هذه الثنائية : الهُوية والأغيار، والتي تتوالدُ منها عدةُ ثنائياتٍ مُشتبكة في  قصيدته " مدينةٌ تستيقظُ  "، حيثُ نرى العشيرةُ  مقابل الوحشة في المدينة الباريسية،  و الصحراء مقابل الشارع الباريسي  و الجِمالَ مقابل  القطارات ، والقيظ في وجه الثلج .  يقول سيف الرحبي:

وهناك رؤوس وهمية تطلُ من النوافذ

على بقايا الثلج الملتصقِ بالحواف ِ وكأنما

تطلّ على قِسمتها الأخيرة في

ميراث الأجدادِ.

المصابيحُ تتدافعُ بالمناكبِ، قادمةً

من كهوفٍ سحيقةٍ

لا تحملُ أيَّ سرٍّ

السماءُ مقفرةٌ من النجومِ

الجِمالُ تقطعُ الصحراء باحثةً

عن خيامِ العشيرةِ

القطاراتُ تحلمُ بالمسافرين.

لا أحدَ ... لا شيءَ

أغلقْ الستارة

فربما لا تحتمل

مشهد مدينةٍ تستيقظ ُ "

وفق هذا الطرح، تبرز مفردات الأجداد – وطقوسُهم – رمزًا للماهية، ومبتدأً للبحث عن موضع قدمٍ وسط مُعترك الهويات المغايرة، أو ظلّ قدم ضُيع في معترك الحضارات، كما يقول سيف الرحبي في قصيدة " كلُ هذا العمر":

ثلاثون عامًا .. كلُ هذا العمر الذي

حوَّشتُه من دهاليز الأجدادِ

يفيضُ الآن على كتفِ الصحراءِ

وأنهارِها الجافّةِ

وفي شوارعَ أباحتْ هذا المساءَ

كلّ أسرارِ مزابلِها الخاصةِ

مضيتُ باحثًا عن ظلّ قدمي الذي

أضعتُه في مُعتركِ الحضارات

ودكاكين الخضار "

نطالعُ هذه الكيفية الفنيّة في طرح التصور الشعري حول " الهوية " في كثيرٍ من قصائد الشاعرة الكويتية " سعدية المفرّح ". تقول:

وبين نُموّيْن نتوقُ لصداقاتٍ متشابهة بين النَّهارات المختلفة والشوارع الفتيّـة. وحـشة

الصحراء ؟!

يا لوحشة البيت المتسع

وفراغه البائس المخيف.

الصحراء إذن ؟!

يا لوحشتها في فضاء المدن التي تعرض وتطول شوارعها بسرعة

والطائرات التي تطير على بعد منخفض

وهؤلاء الذين يفضُّون بلاهتها القديمة

من أجل عطلة نهاية أسبوع خالية من التلوث "

الهُوية هي السؤالُ، وهي الإجابةُ في رحلة البحث عن الذات التي يطالعها المُتلقّي في قصيدة الشاعر السعودي المعاصر حسن الزهراني، يقول:

هل أنتَ تبحثُ عنك

في أغوى خطوطِ الرملِ

أو أنأى النجوم

وتكتبُ الإلهامَ في سَعَف الصراحة ...؟ "

و" الهُوية " مُفتتحٌ حزن الشعراء وسؤالهم عن المصير. يقول الشاعر الإماراتي عبد الله البريكي:

" وأسمعُ أناتِ المريدين تنتشي، تنامُ على لحنٍ، وتصحو لتُكملَه

وخلفَ حجاب ٍ ساترٍ عن ظنونهم

وقصرًا مَشيدًا في خيالاتِ أمّة، تباكتْه أعواما، وبئرا مُعطّلة

إلى أين هذا الضوءُ يمتدُّ من دمي، ليسبحَ في معناي حتى يُبلّلَه؟ "

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ مساعد بجامعة الباحة، سابقًا

مقالات لنفس الكاتب