array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الإصلاح السياسي.. هدف وطني

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

إن النظرة الواقعية والموضوعية للحراك الشعبي الآني في منطقتنا، تدعونا إلى الجزم بحتمية امتداد التطورات السياسية المرافقة له إلى أماكن أخرى متفرقة، في دول لم تشهد فيها العلاقة بين الحاكم والشعب نقلةً خلاّقةً لعجلة التطور التي توقّفت تماماً منذ أعوام طويلة، وأيضاً في دول نُسجت فيها على مر الزمن علاقات ذات طابع خاص بين الطرفين (أي الحاكم والشعب) كما هو الحال في دول منطقة الخليج العربي.

يبدو أن الخطأ الأكثر شيوعياً الذي قدّمته لنا تطورات الأيام الماضية في بعض الدول العربية هو ذلك المتمثل في ردّات الفعل المتأخرة التي كان يعبر عنها النظام الحاكم في ما يخص ملامسة القضايا الحساسة والتي تعكس تطلعات شعبه، لا سيما ما يتعلق منها بأساسيات الممارسة الديمقراطية العصرية وما يتفرع منها حتماً من حقوق سياسية عادية لأي فرد. وبيّنت التطورات المتسارعة أن الشعوب العربية مؤهلة لصنع التغيير الحقيقي برغم تفشّي ظواهر سلبية كثيرة بين صفوفها مثل الفساد والأمّية والفقر والبطالة وغير ذلك، وهو تغيير تبقى نتائجه بطبيعة الحال رهناً بالتطورات اللاحقة المؤثرة في حركة التطور الكلّية.

 الإصلاحات.. مطلب أساسي

لقد باتت الإصلاحات السياسية مطلباً أساسياً يتلاءم مع واقع العصر، وهذا أمر لم يعد ممكناً لأية مدرسة عقائدية أو أيديولوجية أن تنفيه مهما كان توجّهها. لا بل إن بعض المنظّرين يذهبون في تقييمهم إلى ما هو أبعد من ذلك للجزم بأن الإصلاح المتجدد إنما يعكس رقياً حقيقياً وتطوراً ملموساً في طريقة تفكير الطبقة الحاكمة، التي لا يمكنها، ويجب أصلاً ألا تنسى للحظة أن قوتها وشرعيتها مستمدّتان من روح الشعب وولائه لها، وأن أشكال (الردع) المختلفة، هذا إذا لم نستعمل كلمة (قمع)، لا يمكنها أن تؤمن استمرارية حقيقية للوطن للجامع ولا للمجتمع الحاضن.

باتت الإصلاحات السياسية في دول المجلس مطلباً أساسياً يتلاءم مع واقع العصر

وفي ظل المفاهيم الأيديولوجية والسياسية المختلفة التي باتت تسيطر على موازين القوى على كافة الصعد الدولية والإقليمية، وخصوصاً ما يرتبط منها بتفاصيل الصراع العربي – الإسرائيلي، وما يسمّى صراع الحضارات وانعكاس ذلك على مفاهيم العمل الإسلامي السياسي المعاصر بكافة تياراته وتوجهاته، وتجدد طموحات الثورة الإيرانية في تحقيق بعض أهدافها ذات البعد الاستراتيجي، فإنه لم يعد ممكناً تأخير إطلاق عجلة الإبداع والتطوير على صعيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وخصوصاً في منطقة الخليج.

 دول الخليج في قلب التطورات

يخطئ من يظن أن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون بمنأى عن التطورات التي شهدتها بعض الدول العربية الأخرى. بل هي قد تكون الآن على الأرجح في المرحلة الحاسمة التي ستُدخلها في عين العاصفة في ما يخص الاستحقاقات المرتبطة بإعادة نسج العلاقة الطيبة بين الحُكم والمواطن. وما نشهده في مملكة البحرين قد يكون، على الأرجح، أوضح أشكال الرغبة القائمة في تحقيق قفزة نوعية على صعيد التطوير المنشود، وإيجاد البدائل الملائمة لكافة الأطراف. فهدف هذا التطوير يجب أن يبقى محصوراً في العمل على ترسيخ الوئام الوطني، وصون المجتمع، وتحقيق التطور الذي سيقود المنطقة إلى مواجهة التحديات العصرية الماثلة وهي كثيرة حقاً.

ولعلّ ما يجعل من مسألة التطوير السياسي في دول مجلس التعاون الخليجي أمراً استثنائياً وفريداً هو واقعان يجب على قادة المنطقة الاختيار بينهما لإبراز الأمثل:

الأول، أن الإصلاحات السياسية الجزئية قد تتم بسبب الضغوط الخارجية التي بدأت تتكثف في الآونة الأخيرة بهدف استدراك آثار انتفاضات الشعوب في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين، وبالتالي الاستفادة من هذا الحراك قبل الوصول بشكل ملموس إلى المجتمعات الخليجية الأخرى.

والثاني، ملامسة ملف الإصلاحات بشكل جريء وجدي لوجود قناعة بأنها باتت حاجة وطنية ملحّة تستوجب تظافر الجهود من أجل الارتقاء بالعلاقة الخلاّقة بين الحاكم والمواطن إلى المستوى الذي تكون المنطقة قادرة من خلاله على التوازن مع التطور الاقتصادي الكبير الذي تشهده. وهذا يستوجب توفر قناعة جادة لدى المسؤولين بشكل خاص بأنه لا يمكن لأي نمو اقتصادي أن يستمر بالشكل المطلوب إذا لم يتم رفده بجهد آخر يسد الثقوب على صعيد (الجدل) القائم بين ممارسة معايير ومبادئ الحُكم من جهة، وإمكانية تلقّي تلك المعايير بكل رحابة صدر من قبل الشعب من جهة أخرى.

ولا شك في أن الواقع الثاني هو الأسلم للمجتمعات الخليجية وغيرها أيضاً، لأن التغيير النابع من قناعة ذاتية سليمة يكون أكثر رسوخاً وأفضل تطوراً، في حين أن التغيير المرهون بضغط خارجي يترنّح عادة على وقع المصالح والإغراءات الكثيرة، ولا يحقق الأهداف المرجوة منه على صعيد الإصلاح السياسي الحقيقي.

 للمجتمع المدني دور مهم

في سياق ما تقدّم يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون مضطرة خلال المرحلة الحالية لمواجهة سلسلة من القضايا الحساسة التي كان المجتمع السياسي الحاكم يتردد في ملامستها بالشكل المطلوب، أو يتحدث عنها بخجل لاعتبارات مختلفة. وكما في كل مجتمع، تمثل أمام مؤسسات المجتمع المدني مهام في غاية الأهمية والجدية لإطلاق عجلة الحوار وممارسة الضغط الديمقراطي السليم، لا سيما أن تلك المؤسسات تبقى في منطقة الخليج على وجه خاص ورغم شوائبها الكثيرة أكثر حضوراً في المجتمع من الأحزاب السياسية التي يتفاوت حضورها وتأثيرها من بلد إلى آخر.

ولا شك في أن معيار تطور الأنظمة السياسية يقاس بمدى قدرتها على التعاون مع المجتمع المدني بل المساعدة على تطويره بشكل مستمر. وهذا واقع يجب على المسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي أن يتأقلموا معه بكل رحابة صدر، آخذاً في الاعتبار سلسلة من المعطيات المهمة التي تتميّز بها مجتمعات هذه المنطقة، وخصوصاً ما يتعلق بالنسيج الاجتماعي المتشابك والمتضامن، والذي يؤسس أصلاً لترابط عميق في المستقبل على صعيد الممارسة السياسية الشاملة. ويمكن للمجتمع المدني في هذه المنطقة أن يأخذ أشكالاً عديدة لا تكون غريبة عن المفاهيم الدينية أو التقليدية السائدة فيه، على أن يتطور لاحقاً وفق ما تسمح به ظروف كل بلد على حدة. فالمطلوب هو إيجاد الترابط لا فكّه، وتطوير العلاقة الجدلية البنّاءة بين الحاكم ورعيّته بما يضمن نمواً حقيقياً للبلاد بكافة قطاعاتها.

 للمرأة دور مهم أيضاً

وإذا سلّمنا جدلاً بأهمية الدور الذي يمكن للمجتمع المدني أن يلعبه في أي تطور، فإنه لا يمكننا من جهة أخرى أن نتحدث عن أي إصلاح سياسي حقيقي في دول مجلس التعاون الخليجي أو غيرها من دون التطرق بشكل جريء إلى ما يفترض أنها قضايا عادية كان من الأجدر تسويتها منذ زمن بعيد.

ويأتي في مقدّمة تلك القضايا مسألة منح المرأة حقوقها بما يضمن انخراطها بورشة تطوير المجتمع ومؤسساته.

لقد قطعت بعض الدول الخليجية شوطاً لا بأس به في هذا المجال، حيث أظهرت المرأة قدرتها على رفد المجتمع بطاقة رديفة تجعله يحلّق بأمان وثقة كبيرة بالنفس، في حين لا تزال أخرى متردّدة في ذلك لاعتبارات مختلفة. وما يمكن قوله في هذا السياق واضح وغير قابل للمساومة وهو أن المرأة المتجددة والمنتجة تكون قادرة على الارتقاء بمجتمعها ووطنها إلى مستويات عالية جداً، ويجب عدم منع الوطن من التطور من خلال تهميشها أو قمع إرادتها. وفي كافة الأحوال فهذه ليست أفكاراً متحمّسة أو فارغة المضمون كما قد يحلو للبعض أن يقيّم. إنها معادلة الحاضر والمستقبل، وعنصر أساسي في فسيفساء الوعي الحضاري الذي تتكون منه المجتمعات.

 التطوير من الداخل

هذا يقودنا بطبيعة الحال إلى فكرة جوهرية لا لُبس فيها، وهي أن المواطن الخليجي يشكّل المصدر الأساس للتحول المنشود، وهو الذي يرسم أفقه ويحدد أهدافه، بما يتلاءم طبعاً مع قناعاته وتطلعاته. ومفهوم المواطَنة هنا يشمل مكونات المجتمع الخليجي كافة وغيره، بما فيها شرائح الطبقة الحاكمة التي يجب أن تصل من تلقاء نفسها إلى قناعة محددة حول أهمية وضرورات التطوير في مشروع الإصلاح السياسي الشامل. ولأن المهمة متناسقة ومتكاملة بين الحاكم والمحكوم، فإنه قد يكون من المهم إيجاد وسيلة ملائمة لتعزيز التواصل الديمقراطي الحضاري بما يضمن خصوصيات كل مجتمع على حدة، لكن من دون التخفي بالطبع وراء خصوصيات مختلقة لا تهدف في الواقع إلا لإبقاء الصدأ على عجلة التطور ومنعها من الانطلاق بشكل منطقي وحر.

وبكل بساطة، يمكننا القول إن أبناء المجتمعات هم الذين يصنعون التاريخ والحاضر والمستقبل، وبوعيهم الخلاّق يحددون أفق التطور الذي يرسم طريقهم وطريق أوطانهم.

وفي الوقت الذي ننحني فيه احتراماً لكل التجارب السابقة التي خاضتها الشعوب في منطقة الخليج وغيرها، فإنه لا يسعنا إلا أن نقف بإجلال أيضاً أمام التضحيات الكثيرة التي ستهدف حتماً لتحقيق حاضر سليم ومستقبل مشرق.

 

مجلة آراء حول الخليج