array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 169

قلق خليجي من انسحاب أمريكا من أفغانستان و"النووي" لكن العلاقات صامدة

الخميس، 30 كانون1/ديسمبر 2021

لقد اختلفت السياسة الأمريكية في سنواتها الأخيرة عن أي فترة أخرى في التاريخ المعاصر للولايات المتحدة الأمريكية. فقد حل النمط السريع والمتقلب لإدارة ترامب، والذي استبدلت فيه البيانات الصحفية السياسية المصاغة بعناية بالتغريدات التي يكتبها ترامب في الصباح الباكر، محل ما وصف بعودة القيادة المنتظمة والمسؤولة. ومع ذلك، يمكن التماس العذر لحكام الخليج لشعورهم بأن عجلة القيادة الأمريكية لا تزال على اندفاعها المضطرب، وإن أصبحت فقط تسير بلا ضوضاء أو عراقيل، فبينما استعانت إدارة بايدن بالقنوات التقليدية لنقل رسائلها، إلا أن التوجهات السياسية لإدارة بايدن هو ما يشكل مصدر القلق لدول الخليج.

 

وتشكل بقايا إرث إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما جانبًا من ذلك، بما فيها المفاوضات الأصلية للاتفاق النووي الإيراني. ولذلك تبذل إدارة بايدن قصارى جهدها حاليًا للتأكيد على أنها ليست الولاية الثالثة لإدارة أوباما. لكن الكثير من المسؤولين الفاعلين في إدارة بايدن هم من قدامى المسؤولين في الفريق الرئاسي لأوباما. وهذا ليس بالأمر الغريب، لكنه مصدر قلق بالنسبة لدول الخليج. وعلاوة على ذلك، فما يلوح بالأفق هو أن إدارة بايدن تنتهج مبدئين رئيسين هما: 1-محو أي أثر لإدارة ترامب وسياساتها، 2-إعادة سياسات إدارة أوباما.

 

وهذا هو مصدر القلق لدول الخليج التي تنظر إلى سجل إدارة أوباما في الشرق الأوسط على أنه سجل فاشل. ويشيرون دائمًا إلى مجموعة الإجراءات التي اتخذتها إدارة أوباما، بدءًا من الإعلان عن "المحور" (الذي كان يُنظر إليه خطأً على أنه بعيد عن منطقة الشرق الأوسط، باستثناء أوروبا) و"الخطوط الحمراء" التي أعلنت واشنطن عنها في سوريا وتفتقر إلى الوسائل الدفاعية، فضلاً عن الانسحاب من العراق وما تلاه من صعود لجماعة داعش الإرهابية، والفوضى التي أعقبت التدخل (بقيادة دول أوروبية) في ليبيا. لكن يظل الاتفاق مع إيران أكبر مصدر للقلق في المنطقة.

 

وقد شعرت دول الخليج العربي أن فريق أوباما يساوم -دون وجود اعتبارات مناسبة -على المخاوف الأمنية العربية بطريقة تنم إما عن الجهل أو التعجرف، حيث رأوا أن الأمريكيين لم يفهموا طبيعة التهديد الإيراني. وفي هذا السياق، كان يُنظر حتى إلى التصريحات حسنة النية من إدارة أوباما على أنها مؤشرات على اللامبالاة أو الخيانة. وعندما صرح أوباما بأن إيران والمملكة العربية السعودية بحاجة إلى تعلم "مشاركة الجوار"، لم تُترجم هذه التصريحات بشكل جيد. فالتصريحات التي كان يُقصد بها – بحسن نية – التشجيع على التعايش السلمي، استقبلها البعض على أنها قرار مُستبد من أجل التضحية بمخاوف أمنية حيوية ضد عدو عنيد من أجل الحد الأدنى من العودة للخلف.

 

ولم تعلق إدارة ترامب الاتفاق النووي الإيراني فورًا، ولكنها تنازلت عن العقوبات وظلت ملتزمة بالمعاهدة لأكثر من عام. ومع ذلك، كان الدافع الرئيسي لسياسة ترامب تجاه إيران هو تعزيز العقوبات وفرض المزيد منها. ومن المدهش أن سياسة "الحد الأقصى للضغط" التي اتبعتها إدارة ترامب كانت محصورة غالبًا في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي. وكان ترامب – بخلاف التوقعات، وفيًا لوعوده الانتخابية -أكثر ترددًا في استخدام القوة العسكرية ضد إيران من سلفه.

 

وفي صيف 2019م، زرعت إيران ألغامًا على عدد من سفن الشحن في خليج عمان. ولم يرد ترامب عسكريًا على هذا الاستفزاز، بل وألغى الضربات الانتقامية ضد المنشآت البحرية الإيرانية، بعد أن أسقطت إيران طيارة بدون طيار فوق المياه الدولية. وفي ذلك الخريف، أطلقت إيران طائرات بدون طيار وصواريخ كروز على منشأة بقيق السعودية -إحدى أهم منشآت الطاقة في العالم. ولم يتم الرد أيضًا على هذا الهجوم بأي عمل عسكري أمريكي علني.

ولهذا، كان من الصعب على شركاء واشنطن في دول الخليج قبول هذا التقاعس والتهاون الصارخ من جانب ترامب. وبالنظر إلى صورة ترامب (التي لم تكن مستحقة تمامًا) كمقاتل، كان التفسير الوحيد لهذا التقاعس هو أن أمريكا تتخلى بالفعل عن شركائها في منطقة الخليج، وأن ترامب كان يسير على طريق التحرر من الارتباط الذي كان يعتقد أن سلفه أوباما قد مهد له.

 

وعليه فعندما تولى مهام منصبه، وجد الرئيس الأمريكي بايدن نفسه في بيئة مليئة بالتحديات. وقد كان الإنجاز الأهم لترامب في منطقة الخليج هو توقيع اتفاقيات "إبراهيم"، لتطبيع العلاقات بين البحرين والإمارات العربية المتحدة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وفي المقابل، يعتبر توجه إدارة بايدن فاترًا بعض الشيء تجاه تلك الاتفاقيات، ولم تُتَخَذ الكثير من الإجراءات للحفاظ عليها أو توسيع نطاقها.

وفي الواقع، كان الدافع الأولي لجهود بايدن في منطقة الخليج هو إعادة صياغة الاتفاق الإيراني؛ إذ عين بايدن مبعوثًا خاصًا للشؤون الإيرانية في وقت مبكر بعد نجاحه في الانتخابات، وفي الوقت نفسه، كان بطيئًا في ترشيح سفراء لبعض دول الخليج الرئيسية. وبينما وعد بايدن بإضافة موضوع الصواريخ الباليستية وعملاء إيران إلى مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، رفض الإيرانيون ذلك. ولذلك، يمكننا القول بأن مفاوضات فيينا كانت غير مثمرة، ويبدو أنها تتلاشى مع استمرار إيران في توسيع قدراتها النووية. وبالتالي، فإن هذه التوجهات غير مرحب بها في منطقة الخليج.

 

وجاء الانسحاب الكارثي للولايات المتحدة من أفغانستان ليمثل المصدر الثاني للقلق بين أمريكا وشركائها في الخليج. ففي الوقت الذي كان ثمة إجماع واسع من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة على أن مشاركة أمريكا في الحرب الأفغانية يجب أن تنتهي، إلا أن طريقة الانسحاب الأحادي الجانب من الولايات المتحدة جاءت فوضوية وتركت المدنيين معرضين للخطر، كما تسبب الانسحاب في مفاجأة لحلفاء الولايات المتحدة في أفغانستان، وأضعف معنويات قوات الأمن الأفغانية. وقد كان انسحاب بايدن المتسرع والنهائي عكس ما وعد به أثناء ترشحه للانتخابات. ومن المفارقات المضحكة، أن بايدن، تصرف بصورة أكثر تسرعاً من ترامب بالنسبة للانسحاب من أفغانستان.

 

وبالنسبة للخليج، كان يُنظر إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بصورة سيئة. فإذا استطاعت أمريكا أن تتخلى بسرعة عن بلد أنفقت فيه مليارات الدولارات وخسرت فيه الآلاف من الجنود، مهما تذرعت من أسباب، فيمكنها أن تفعل الشيء نفسه في دول الخليج. وعلاوة على ذلك، فقد زادت حالة القلق، بعد الانسحاب اللاحق لبعض القوات الأمريكية التي كانت تدعم العمليات الأفغانية من منطقة الخليج. ومع ذلك، فإن دول الخليج متوافقة تمامًا مع البصمة العسكرية الأمريكية الواضحة في المنطقة، وتعتبر أي تخفيض لتلك القوات على أنه تدهور لأمنها.

 

وبناءً على ذلك، فإن الوضع الأمني ​​الذي تواجهه إدارة بايدن في منطقة الخليج ليس بالأمر الهين، لأن إيران -التي استمرت في الاتفاقية التي انسحبت منها الولايات المتحدة -تشعر أنها صمدت أمام أسوأ ما يمكن لأمريكا أن تفعله ضدها، ووسعت بالفعل سيطرتها في اليمن وسوريا والعراق، كما تمكنت من تصدير تكنولوجيا تصنيع الصواريخ إلى لبنان وغزة، وتركت منافستها الأساسية في الخليج وهي المملكة العربية السعودية دون حل لمستنقع حرب اليمن.

 

ومن ناحية أخرى، يبدو أن الدول العربية متوترة للغاية بشأن الالتزام الأمريكي بأمن المنطقة. وهذا ليس شيئًا جديدًا، حيث يُنظر إلى التواجد الأمريكي في المنطقة بوصفه خط أساسي لا يمكن تعديله، ولكن يمكن تطويره دون المساس بالأمن الإقليمي. في المقابل، تطرح البحرين والإمارات تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر في دعم اتفاقيات إبراهيم، وما يضاعف تلك الأسئلة الدعوات المستمرة في الكونجرس -خاصة في حزب الرئيس -لتقييد مبيعات الأسلحة.

 

وبالتالي، فإن إدارة بايدن بين شقي الرحى، بسبب وجود مقارنات بين إدارتي بايدن وترامب. ومن المقرر أن تواصل الإدارة الأمريكية الجديدة محادثات فيينا لإعادة صياغة الاتفاق الإيراني لفترة أكبر. وفي حالة وجود اتفاق مع إيران، تتوقع دول الخليج أن ترى من الولايات المتحدة تحركًا لاتخاذ بعض التدابير الأمنية الدفاعية بالنسبة للخليج، وقد يكون هذا على الأرجح في شكل مبيعات أسلحة متطورة. وهذا بالطبع سيثير استفزاز الكثير من الأشخاص داخل الحزب الديموقراطي، والذي سيصوت الرئيس لصالحه، في حال كان هناك أي اتفاق مع إيران، أكثر من مجرد التصفيق بالأيدي.

 

ويعود جزء كبير من عدم الاستقرار في المنطقة إلى الصراع المستمر في سوريا واليمن والعراق. ويبدو أن إدارة بايدن (مثل إدارتي ترامب وأوباما السابقتين) ليس لديها خطة شاملة لتحقيق سلام ملائم في المنطقة. كما يبدو أنها تجاهلت مهمتها لتحقيق الاستقرار العسكري، ووضعت نصب أعينها جهود الوساطة الدبلوماسية في اليمن.

 

وهناك بعض المؤشرات على أن دول الخليج تشير إلى أنها قد تعزز التزامها الأمني ​​مع دول أخرى، وبصفة خاصة روسيا. ومع ذلك، من الصعب تحديد ما إذا كان هذا تحولًا حقيقيًا أم مجرد محاولة لجذب الانتباه الأمريكي.

 

ومع ذلك، فإن هذه المشاكل ليست جديدة، ولطالما شكلت منطقة الخليج تحديًا للسياسة الأمنية الأمريكية. فالأمريكيون العاديون ليسوا متحمسين للدفاع عن البلدان في تلك المنطقة. ومنذ بداية حرب اليمن، انخفض دعم دول الخليج العربي، والذي لم يكن مرتفعًا للغاية. ونظرًا لأنه كان يُنظر إلى ترامب على أنه حريص جدًا على بيع الأسلحة إلى دول الخليج، فقد تم فحص طلبات بيع الأسلحة ومعارضتها داخل الإدارة الأمريكية وداخل الكونجرس الآن أكثر مما كانت عليه في العشرين عامًا الماضية.

 

غير أن دول الخليج في نهاية المطاف، تُدرك أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي لديها القدرة والرغبة في حماية أمنها وسلامتها، وكذلك تعلم الولايات المتحدة أن دول الخليج ستظل قواعد موثوقة ومعقولة التكاليف في حال اتخاذ قرار بشن هجوم عسكري إقليمي، بما يشمل فرض القوة في المحيط الهندي.

 

وفي حين أن هناك خلافات دورية حول جوانب محددة من السياسة الأمنية أو تفاصيل مبيعات الأسلحة، فإن العلاقة بين دول الخليج والولايات المتحدة تقوم على التوافق في القضايا الجيوسياسية. وهذا هو التعهد الذي أخده بايدن على نفسه، كما كان الأمر بالنسبة لترامب وأوباما وبوش، وبالتالي، ستظل العلاقة بين الجانبين صامدة.

 

 

* ما جاء في مقال الكاتب لا يعكس وجهة نظر أي وكالة حكومية أمريكية

مقالات لنفس الكاتب