array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

ملامح التجربة الديمقراطية في الكويت.. المتغيرات المجتمعية للممارسة الانتخابية

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

تشكل التجربة الديمقراطية في الكويت إحدى أهم التجارب الديمقراطية المتقدمة في الوطن العربي. وقد أثارت هذه التجربة بما تضمنته من فعاليات ديمقراطية وحراك سياسي ونشاط فكري اهتمام المفكرين وعلماء الاجتماع في مختلف أنحاء العالم. ويكمن سر هذا الاهتمام في واقع الازدهار الكبير الذي حققته هذه التجربة الديمقراطية في مجتمع لا تزال تهيمن فيه أنماط الحياة الاجتماعية التقليدية على مختلف المستويات القيمية والعقلية. وهنا تكمن المفارقة التاريخية لديمقراطية متقدمة في مجتمع تقليدي تحكمه أواصر الحياة القبلية والعشائرية، وتسوده مختلف الأنماط الذهنية والعقلية للمجتمعات التقليدية القديمة.

لقد ولدت التجربة الديمقراطية في الكويت مع قيام الدولة الوطنية، واغتنت هذه التجربة لتؤسس نظاماً ديمقراطياً ترسخت معالمه في نسيج الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع الكويتي. وقد ترسخت هذه الديمقراطية تاريخياً عبر حيوية التجربة الانتخابية وفاعلية الممارسة الديمقراطية التي تستند إلى خمس ركائز أساسية: يرتسم أولها في تأسيس الدستور عام 1962 الذي يعد من أكثر الدساتير تأكيداً على الحياة السياسية الديمقراطية وترسيخاً لقوانينها في المنطقة العربية. ويتحدد ثانيها في استقلال القضاء الكويتي في مجال الممارسة والتطبيق، حيث يشكل القضاء سلطة مستقلة بذاتها. أما ثالثها فيتمثل في الحريات الإعلامية المميزة التي عرفت بها دولة الكويت والتي أكدت الطابع الديمقراطي للحياة السياسية فيها. ويأخذ رابعها صورته في الانتخابات الديمقراطية الفعلية الشفافة التي تميز الحياة السياسية في الكويت. وأخيراً ترتسم الركيزة الخامسة في الممارسة الديمقراطية لمجلس الأمة وفق دستور البلاد، وهي ممارسة نقدية مميزة وفعالة عرفت بها الكويت منذ الاستقلال حتى اليوم. وعلى أساس هذه السمات المميزة للتجربة الديمقراطية في الكويت اتخذت الحياة السياسية مسارها السلمي منذ بدايات تشكل الدولة، حيث لم تسجل الحياة السياسية في الكويت منذ التأسيس أية تظاهرة سياسية عنيفة أو مسلحة، وقد رسخت هذه التجربة المؤسسات السياسية والاجتماعية للدولة الحديثة.

لقد عرفت الكويت أول انتخابات نيابية عامة في نهاية ثلاثينات القرن العشرين، عندما انتخب الكويتيون في 29 يونيو من عام 1938 أول مجلس موطني، وذلك قبل أن تنال الكويت استقلالها، ومن ثم شهدت منذ عهد الاستقلال عام 1961 حتى اليوم 13 انتخاباً عاماً، كان أولها انتخاب المجلس التأسيسي، الذي تولى وضع الدستور، وأعقبته منذ 1963 انتخابات مجالس الأمة في فصولها التشريعية الأحد عشر، وكان آخرها انتخاب مجلس الأمة الحالي في 17 إبريل من عام 2008، هذا إلى جانب العديد من الانتخابات البلدية.

وتشكل الانتخابات أحد أهم الطقوس الاجتماعية والسياسية في الكويت منذ الاستقلال حتى اللحظة الراهنة، حيث تشهد البلاد تفاعلاً ديمقراطياً يشتمل على أنماط متعددة من الانتخابات التي تبدأ في الجمعيات والمؤسسات ومختلف مظاهر الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية، فهناك الانتخابات المحلية والبلدية والبرلمانية التي تتصف بطابعها الدوري المستمر عبر الزمن. ومما لا شك فيه أن الانتخابات العامة تشكل مهماز التجربة الديمقراطية ونابضها الحيوي، لأن التجربة الديمقراطية ترتكز في نجاحها على نجاح المعايير الانتخابية وسلامتها، حيث تمثل شفافية هذه الانتخابات وموضوعيتها الصورة الحقيقية لسلامة الحياة الديمقراطية السياسية في المجتمع والدولة. ويمكن القول إن الثقافة الانتخابية في الكويت تتصف بالغنى والثراء وهي ناجمة عن فعاليات مستمرة في مختلف مظاهر النشاط السياسي والاجتماعي في الكويت. وفي هذا السياق يمكن القول إن الكويت عرفت خصوصية سياسية تتعلق بانتشار الديوانيات التي شكلت عبر الزمن أهم المؤسسات الاجتماعية التي تنحو منحى ديمقراطياً، وقد شكلت هذه الديوانيات نابض الحياة السياسية والفكرية في الكويت، لأنها كانت ولا تزال أشبه بمؤسسات ومنتديات ديمقراطية يناقش فيها الكويتيون مختلف القضايا الحيوية في المجتمع السياسية منها والفكرية والاجتماعية.

وغني عن البيان أن الانتخابات في النظم الديمقراطية ليست هدفاً في حد ذاتها، بل هي أداة وآلية تعتمدها الأنظمة الديمقراطية للتعبير عن مشاركة الأمة في ممارسة السلطة عبر ممثليها الشرعيين، حيث تكون الأمة مصدر السلطات السياسية وغايتها، وحيث تهدف هذه الانتخابات إلى توفير الشرعية السياسية للحكومة ووضعها تحت المراقبة والمساءلة الشعبية عبر البرلمان بآلياته الديمقراطية.

ويمكن القول في هذا السياق إن العمليات الانتخابية في المجتمعات الديمقراطية تخضع لنسق من التأثيرات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية الأيديولوجية التي ترسم حدود وأبعاد السلوك الانتخابي للمواطنين في هذه المجتمعات. فالسلوك الانتخابي يختلف باختلاف المجتمعات، ويتنوع بتنوع التكوينات الاجتماعية القائمة فيها، ففي الوقت الذي تلعب فيه العوامل الاقتصادية والأيديولوجية دوراً كبيراً في السلوك الانتخابي في المجتمعات الغربية، فإن التكوينات الاجتماعية التقليدية تمارس دوراً حيوياً أيضاً في تحديد أبعاد السلوك الانتخابي ومعالمه في الدول والمجتمعات التقليدية.

لقد مارست كثير من الدول العربية الانتخابات واعتمدتها في تشكيل المجالس وتحديد السياسات في أجواء شكلية غير ديمقراطية في جوهرها، فأغلب الدساتير هي دساتير ديمقراطية من حيث الصورة والشكل، لكنها مفرغة من مضمونها في ميدان الممارسة والفعل، حيث تأخذ هذه الممارسة طابعاً شكلياً وعبثياً، وغالباً ما ترتد الممارسة ضد جوهر الديمقراطية ذاتها، ويترتب على ذلك أن الانتخابات غالباً ما تكون صورية شكلية أيضاً، حيث يجري تنظيمها والإعداد لها بطريقة يمكنها أن تكون في خدمة بعض السياسيين دون غيرهم وبطريقة يتم فيها تفريغ الحياة السياسية من مضامينها الديمقراطية.

لقد عرفت أغلب الدول العربية الانتخابات، لكن من يتأمل في فعاليات هذه الانتخابات وممارساتها سيجد نفسه أمام صورة ديمقراطية مشوهة لا حياة فيها ولا معنى في مضامينها، حيث تشكل عوامل الترهيب والترغيب والضبط السياسي للناخبين الإطار العام للفعاليات الانتخابية في أغلب هذه البلدان. فالسلوك الانتخابي في البلدان العربية نادراً ما يقوم على معطيات سياسية تتعلق بالبرامج الانتخابية والأيديولوجيات السياسية ومعطيات الواقع، بل غالباً ما يتحدد هذا السلوك وفقاً للانتماءات الاجتماعية التقليدية كالانتماء إلى العائلة والطائفة والعشيرة والقبيلة والدين. فالتصويت في هذه البلدان لا يجري على أساس الانتماء السياسي والفكري، ولا يستوحي المشاريع السياسية الوطنية، أو يقوم على برامج انتخابية واضحة المعالم والاتجاهات. فالناخب العربي غالباً ما يستند في خياراته الانتخابية إلى هوية الأشخاص وإلى الانتماءات التقليدية ذات الدلالة القبلية والعرقية والدينية والطائفية. وهذا يعني أن الثقافة السياسية الانتخابية ذات الطابع الديمقراطي لا تزال غائبة في الوعي العربي، ويتجلى هذا الأمر في تحول الممارسة الانتخابية إلى عملية عبثية تفرضها القيم التقليدية المضادة للقيم الديمقراطية في البلدان العربية بعامة وفي بلدان الخليج العربي بصورة خاصة.

ويعيش المجتمع الكويتي، كما ألمحنا، تجربة ديمقراطية مميّزة تقوم على نظام انتخابي يتسم بالشفافية والإجرائية والوضوح. وهذا يؤكد لنا أن التجربة الكويتية تتمثل معايير وقيم الحياة الديمقراطية من حيث المضمون الحقوقي والدستوري ومن حيث الممارسة السياسية الديمقراطية التي يشهد لها في الكويت. لكن هذه الديمقراطية لا تزال في مضمونها تعاني من المفارقة الأساسية لمجتمع يدور في فلك التكوينات الاجتماعية التقليدية (الطائفة، القبيلة، العشيرة) وينخرط في الوقت نفسه بدوامة من الحداثة البنيوية التي شملت مختلف جوانب الحياة المادية والمؤسساتية وفي مقدمتها التجربة الديمقراطية التي تمثل أكثر جوانب المجتمع حداثة في المستويات السياسية. وهنا ينبغي علينا القول إن البنى والتكوينات الاجتماعية التقليدية بما تنطوي عليه من قيم وعقليات وذهنيات وعادات وتقاليد لا تزال تعاند بقوة اتجاهات التحديث، ولا تزال أيضاً تفرض نفسها بقوة، وتعمل بالتالي بحكم طبيعتها على تعطيل الحداثة ومواجهتها في مختلف ميادين الحياة، وهناك من يعتقد اليوم أن هذه التكوينات التقليدية استطاعت أن تركب أمواج الحداثة، وتستفيد من معطياتها وآلياتها في تعزيز وجودها وسيطرتها. لقد استطاعت هذه التكوينات التقليدية أن تعتمد الانتخابات نفسها كآلية ديمقراطية حداثية في تعزيز وجودها، وليس من الغرابة أبداً أن تعتمد القبائل على المبدأ الديمقراطي وعلى فنون الممارسة الانتخابية في تعزيز هيمنتها وصورتها وحضورها الفاعل في المجتمع.

 خصائص الحياة الديمقراطية في الكويت

يقرر كثير من الخبراء والمؤرخين أن التجربة الديمقراطية في الكويت هي الأقدم والأعرق بين التجارب الديمقراطية في الخليج العربي، ويؤرخون لولادة هذه التجربة الديمقراطية في 29 يناير 1963، حيث تمّ تشكيل أول مجلس نيابي منتخب تأسيساً على الدستور الذي تمّ تأسيسه في 11 نوفمبر عام 1962، أي بعد سنة واحدة من حصول البلاد على استقلالها في 19 يونيو عام 1961 (موقع مجلس الأمة الكويتي- 2009). وليس خافياً على أحد ما حققته الحياة السياسية الديمقراطية الكويتية من إنجازات ديمقراطية في مسار نمائها وتطورها، حيث تأصلت الحياة النيابية وترسخ نسق من القيم الديمقراطية فازدهرت الحريات الإعلامية، وتعززت مسيرة القضاء الحر المستقل، وتنامت الممارسات الديمقراطية الشعبية.

لقد شهدت الكويت منذ عام 1963 حتى اليوم ثلاثة عشر فصلاً تشريعياً، وقد تميزت الحياة السياسية منذ الاستقلال بحيوية النشاط الديمقراطي الذي أثمر بالممارسات والصراعات والمواجهات والفعاليات النقدية، فاغتنت الحياة الديمقراطية ورسخت معالمها.

وقد عرفت العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بالتوتر والمواجهات الساخنة التي كثيراً ما وصلت إلى حد التعطيل السياسي للبرامج التنموية في البلاد، حيث استخدم النواب في مجلس الأمة مختلف الأدوات الديمقراطية التي كفلها لهم الدستور، وانطلقوا منها في توجيه الحياة السياسية في الكويت نحو آفاقها المنشودة. وليس أدل على هذه الخصوبة الديمقراطية البرلمانية من تنام في عدد الاستجوابات لأعضاء الحكومة، وقد أدى بعضها إلى التأزيم السياسي الذي انتهى إلى حل البرلمان وتعطيله مراتعديدة، وقد بلغ عدد الاستجواباتالتي قدمت حتى اليوم حوالي 30 استجواباً شملت مختلف الوزارات تقريباً، وقد (أسفر بعضها عن دفع حكومات إلى الاستقالة بأكملها مثلما حدث (في 1998-2001) وتسبب بعضها الآخر في حل مجلس الأمة كما حدث في سنوات: 1986، 1999، 2006، 2008.

 التيارات السياسية في الكويت

تسجل الأحزاب السياسية غيابها الواضح في التجربة الديمقراطية في الكويت، علماً بأن الدستور الكويتي لا يتضمن ما يمنع من تأسيسها. لكن الحياة السياسية في الكويت تجري تحت تأثير قوى سياسية شديدة التنظيم والفاعلية، فالأحزاب السياسية موجودة واقعياً في دائرة الممارسة وإن لم تكن معلنة رسمياً بموجب القانون.

فالأحزاب والتجمعات السياسية محظورة عملياً في البلاد، ومع ذلك فإن الساحة السياسية الكويتية تموج بتكتلات وقوى سياسية فرضت نفسها، وتمارس نشاطها بهامش من الحرية في ظل قبول ضمني من الدولة، وقد جاء تشكيل هذه القوى السياسية بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1991.

لقد وجدت القوى السياسية في الجمعيات الخيرية والمؤسسات الثقافية والدينية ضالتها فارتدت حلة نقابية حيناً وحلة ثقافية حيناً آخر لتمارس نشاطاتها وفعالياتها السياسية على أكمل وجه وبطريقة تنظيمية لا تقل أهمية عن الصيغ السياسية للأحزاب السياسية المرخصة فعلياً. هذا وينص الدستور الكويتي على حرية التجمع وإنشاء الجمعيات الأهلية، لكن إنشاء هذه الجمعيات يحتاج إلى ترخيص لمزاولة عملها ونشاطها من وزارة الشؤون الاجتماعية، وتشهد الساحة الكويتية اليوم وجود 52 منظمة ثقافية ونفعية ومدنية مرخص لها بالعمل.

 وتبين الدراسات والأبحاث الجارية في الميدان السياسي أن الحياة السياسية في الكويت توجهها ثلاثة تيارات سياسية كبرى: التيار الإسلامي والتيار الليبرالي، والتيار القبلي. وهذه القوى تهيمن على الحياة السياسية، وتفرض وجودها على الناخبين، وتستقطب أنصارها ومؤيديها عبر برامج وفعاليات وتوجهات سياسية. ومن الواضح أن المواطنين في الكويت يمارسون فعاليتهم الديمقراطية والانتخابية بتوجيه وتأثير هذه التيارات السياسية من دون أن يترتب عليهم أي ولاء سياسي على منوال ما يجري في الأحزاب السياسية. وفي الغالب (فإن الناخب الكويتي يختار ممثليه ويعطي صوته الانتخابي للأشخاص الذين يتوسم فيهم القدرة على قضاء مصالحه والوقوف بجانبه وقت الحاجة، وقد يعطي صوته هكذا على سبيل (الفزعة) لنصرة الصاحب أو ابن القبيلة).

    القانون الانتخابي في الكويت

 يقضي الدستور الكويتي بإجراء انتخابات برلمانية عامة مرة كل أربع سنوات، وينص في الوقت ذاته على ضرورة إجراء مثل هذه الانتخابات خلال فترة لا تتجاوز شهرين من تاريخ حلّ مجلس الأمة أو انقضاء الفصل التشريعي، ولا يجوز وفقاً للمادة 83 من الدستور مدّ الفصل التشريعي، بمعنى تأجيل الانتخابات بعد انقضاء عمر مجلس الأمة، إلا للضرورة في حالة الحرب، ويكون ذلك بقانون. لكن على أرض الواقع فقد شهدت الكويت انقلابين على الدستور في العامين 1976-1986 جرى خلالهما حلّ مجلس الأمة على خلاف ما قرره الدستور، ولم تجر انتخابات جديدة إلا بعد مضي فترة غير قصيرة.

ويضمن قانون الانتخاب في الكويت الحقوق الانتخابية للمواطنين من دون تمييز على أساس جنسي أو عرقي أو لغوي أو ديني أو مذهبي أو جهوي أو قبلي أو عشائري، لكن القانون يتضمن تمييزاً ضد المواطنين، الذين اكتسبوا الجنسية الكويتية بالتجنس، ما لم تمض على تجنيسهم عشرون سنة.

إذ يقرر دستور الكويت في المادة 80 منه أن يُنتخب أعضاء مجلس الأمة (بطريق الانتخاب العام السري المباشر، وفقاً للأحكام، التي يبينها قانون الانتخاب)، ويحدد القانون 35 لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة والقوانين المعدلة له، في المادة الأولى منه أنّه (لكل كويتي بالغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المجنس الذي لم تمضِ على تجنيسه عشرون سنة ميلادية وفقاً لحكم المادة (6) من المرسوم الأميري رقم (15) لسنة 1959 بقانون الجنسية الكويتية، ويشترط للمرأة في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية، ويحرم القانون في مادته الثانية المحكوم عليه بعقوبة جنائية أو في جريمة مخلة بالشرف والأمانة من الانتخاب إلى أن يُرد إليه اعتباره.. كما يوقف القانون في مادته الثالثة استعمال حق الانتخاب لرجال القوات المسلحة والشرطة.

ويضمن قانون الانتخاب في الكويت قاعدة التصويت السري، فالمادة الرابعة منه توجب على كل ناخب أن (يتولى حقوقه الانتخابية بنفسه)، ولا ينيب عنه شخصاً آخر، وتقرر المادة 33 أن (يجري الانتخاب بالاقتراع السري)، وتحدد المادة 34 آلية التصويت السري بشكل تفصيلي بأن (يسلم رئيس اللجنة كل ناخب ورقة انتخاب، وينتحي الناخب ناحية من النواحي المخصصة لإبداء الرأي داخل قاعة الانتخاب، وبعد أن يثبت رأيه على الورقة يعيدها إلى الرئيس، الذي يضعها في صندوق الانتخاب، ويؤشر كاتب السر في كشف الناخبين أمام اسم الناخب، الذي قدم ورقته.

ويتضمن قانون الانتخاب في الكويت صيغة واضحة لتحويل الأصوات الانتخابية إلى مقاعد نيابية، وذلك وفق نظام الانتخاب الأكثري، حيث تقرر المادة 39 من القانون في فقرتها الثانية (يكون انتخاب عضو مجلس الأمة بالأغلبية النسبية لمجموع عدد الأصوات الصحيحة، التي أُعطيت له، فإذا حصل اثنان أو أكثر على أصوات صحيحة متساوية اقترعت اللجنة الأصلية فيما بينهم، وفاز بالعضوية من تعينه القرعة).

 الدوائر الانتخابية في الكويت

وعلى الرغم من أن قانون 99 لسنة 1980 الذي زاد عدد الدوائر الانتخابية إلى 25 دائرة قد عمّق في جانب المفاهيم القبلية ودعمها، إلا أنه في جانب آخر فتّت بعض القبائل وتوزع أفرادها على أكثر من دائرة، وهذا أدى إلى ما عرف بظاهرة الاستبدال والتحالفات بين القبائل، بحيث تتحالف القبائل ذات الثقل الانتخابي النسبي مع بعضها لإيصال مرشح لكل منها في الدائرة الواحدة، أو أن تستبدل أصوات القبيلة (أ) في دائرة معينة مع قبيلة أخرى (ب)، على أن يصوت أفراد هذه القبيلة لمرشحيها في دائرة كثافتها النسبية. وهذا الأسلوب أو السلوك السياسي هو سلوك بدائي، غير قائم على أسس فكرية وسياسية واضحة ويحارب سيطرة قبلية، معتمداً على الأسلوب نفسه وعلى المفاهيم القبلية نفسها، وهو تحالف لا يعمر طويلاً ويأتي فقط في فترة الانتخابات.

ولا يخرج قانون الانتخابات الجديد 42/2006 بشأن انتخابات مجلس الأمة والذي قلص عدد الدوائر الانتخابية إلى خمس دوائر عن سابقه في هذا المجال، ولا سيما في الدائرتين الرابعة والخامسة، كما أنه أتاح فرصة مباشرة للتحالفات القبلية في داخل الدائرة الواحدة، حيث إنه وضع كل خمس دوائر في دائرة دون مراعاة الاختلالات السابقة، إلا أن زيادة عدد الناخبين في كل دائرة من الدوائر الخمس، ولا سيما القبلية منها أربكت عملية الانتخابات الفرعية مع ازدياد الوعي بين أبناء القبائل وزيادة عدد الراغبين في الترشح لمجلس الأمة، وأتاح القانون الجديد فرصة للروابط والبرامج الانتخابية الفكرية والسياسية ذات البعد الوطني لتحل محل العصبيات القبلية والنزعات الطائفية.

وعندما صدر القانون رقم 42/2006 بشأن انتخابات مجلس الأمة أكد في مذكرته التفسيرية أن هذا القانون الذي قلص عدد الدوائر من 25 إلى 5 دوائر انتخابية هدف إلى القضاء على ثغرات وسلبيات القانون السابق رقم 99/1980 والتي كشف عنها التطبيق العملي خلال الفصول التشريعية ما بين عامي (1981-2006).

ومما يذكر أن نظام الدوائر الخمس والعشرين الصغيرة، الذي جرت على أساسه الانتخابات الأخيرة، يقلّص البعد السياسي في العملية الانتخابية إلى حد كبير، ويعزز في المقابل تأثير عنصر العلاقات الشخصية والاجتماعية العامة للمرشحين الأفراد، كما يُخْضِع الانتخابات لتأثير الاعتبارات القبلية والطائفية والعائلية، بالإضافة إلى شراء الأصوات وتقديم الخدمات وإنجاز المعاملات، ومن ثَمَّ فإن التمثيل السياسي في المجلس النيابي مشوّه، فقد يكون تمثيل تيار سياسي أكثر من حجمه الحقيقي لاعتبارات تتصل بالوضع القبلي أو الطائفي لبعض مرشحي هذا التيار. وفي المقابل فقد يكون التمثيل أقل من الحجم الفعلي لهذا التيار السياسي أو ذاك بسبب ضعف البعد السياسي في العملية الانتخابية في ظل الدوائر الخمس والعشرين، واعتماد اختيارات الناخبين على الاعتبارات الأخرى.

 تأثير القبلية والعشائرية في الانتخابات الديمقراطية

تشكل التكوينات القبلية النسيج الاجتماعي في دول الخليج العربية. وقد لعبت القبيلة دوراً تاريخياً سياسياً وتنظيمياً في حياة هذه المجتمعات ولا سيما في مرحلة ما قبل تشكل الدولة الوطنية. ويلاحظ الدارسون أن القبيلة لا تزال تمارس دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعية والسياسية في دول الخليج العربية، ولم تستطع الدولة بحداثتها أن تفكك هذه التكوينات، وأن تتجاوزها لتؤسس لتكوينات اجتماعية حديثة تتناغم مع متطلبات التطور الاجتماعي والحضاري، وقد شكل الصراع ما بين الدولة والحداثة من جهة وما بين القبيلة والتقاليد القبلية من جهة أخرى موضوعاً للبحث والدراسة والتقصي في دول الخليج العربية، وقد خلصت الدراسات الجارية إلى أن القبلية لا تزال تمتلك حضوراً سياسياً واجتماعياً فاعلاً في المنطقة. وقد ذهب بعض الباحثين في هذا المجال إلى القول إن القبلية استطاعت أن تتسنم موجة الحداثة، وأن تطور فنون حضورها بصورة حداثية، أي بمعنى أنها وظفت الأدوات الحداثية أفضل توظيف في المحافظة على بقائها ودورها ووجودها.

وتبين الدراسات الجارية في مجال الانتخابات السياسية في الكويت هيمنة القيم القبلية والعشائرية والطائفية على الممارسات الانتخابية للناخبين. وقد بينت الممارسات الانتخابية الجارية في عدد من الدورات الانتخابية التأثير الكبير للعامل الطائفي والعشائري والقبلي في السلوك الانتخابي للناخبين. وبينت أيضاً أن الانتخابات لا تتأثر بالعامل القبلي أو الطائفي فقط، بل تشكل بذاتها مناخاً موسمياً لإحياء النزعات القبلية والعشائرية والطائفية وتغذيتها، وأوضحت ضعف تأثير التيارات السياسية في العمليات الانتخابية بالمقارنة بالعشيرة والقبيلة. كما بينت أيضاً أغلبها ضعف البرامج الانتخابية أو غيابها في أسوأ الأحوال. وفي أفضل الأحوال بينت هذه الانتخابات الحضور الكبير للعامل الديني بمضامينه الأخلاقية في سلوك الناخبين. ويمكن القول باختصار بوجود ضعف كبير في الثقافة الانتخابية لدى الناخبين وتراجع الثقافة الديمقراطية وقيم المواطنة.

لقد تبين لنا عبر هذا المقال المتواضع حجم تأثير العوامل التقليدية الطائفية والقبلية والعشائرية في العملية الانتخابية، كما تبين لنا تراجع العوامل الديمقراطية والفردية مثل البرامج الانتخابية والخصائص الفردية للمرشحين. وهنا تبرز أهمية العمل على تطوير مشاريع التنمية السياسية التي يمكنها أن تنمي الثقافة السياسية الديمقراطية لدى الطلاب والناشئة. وهذا يتطلب التركيز في المدارس والمؤسسات التربوية على أهمية المواطنة والتربية على التسامح ونبذ القيم القبلية والطائفية والعشائرية. كما يتطلب تعميق ثقافة المواطنة وتأصيل قيم الانتماء الوطني عبر برامج تربوية وإعلامية وسياسية. ومن الضروري بمكان في هذا السياق إنشاء مؤسسة علمية بحثية للتنمية السياسية في الكويت تكون مهمتها المساهمة في إرساء الممارسات الانتخابية الصحيحة وإضعاف الولاءات العشائرية والطائفية والإثنية. كما يتطلب الأمر إنشاء مركز بحوث لاستطلاعات الرأي العام يتخصص غالباً في الشأن السياسي ويعنى بقضايا العمليات الانتخابية وبساعد على التأثير في مكوناتها الأساسية.

ومن الضروري بمكان اليوم إجراء دراسات سياسية وسوسيولوجية معمقة حول هذه القضية لتوجيه السياسات الوطنية في هذا المجال وإرشاد خطواتها في ترسيخ نظام انتخابي وطني وديمقراطي. فهناك حاجة حقيقية ماسة إلى مزيد من البحوث التي يمكن أن تساعد على رصد تأثير الأنماط السلوكية والعقلية في ثقافة الانتخابات، وهذا يتطلب بالضرورة إجراء عدد كبير من الدراسات الاجتماعية توخياً لمعرفة أكثر عمقاً وموضوعية عن الاتجاهات الانتخابية لدى المواطنين في واقع الحياة الاجتماعية.

وأخيراً نقول لا بد من العمل على خفض تأثير المتغيرات القبلية والطائفية والتركيز على توعية المواطنين بأهمية العوامل الديمقراطية كالبرامج السياسية الانتخابية والعوامل الفردية للمرشحين مثل النزاهة والكفاءة. 

مقالات لنفس الكاتب