array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الطاقة ومتطلبات البيئة: العلاقة المتبادلة

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

تشغل العلاقة المتبادلة بين ملفات الطاقة والبيئة موقعاً مركزياً مع اقترابنا من العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. وقد كان توافر الطاقة مصدراً للصراعات والتوتّرات الدولية على نحو متكرّر في التاريخ الحديث. وطالما كانت السيطرة على الفحم، والنفط في مرحلة لاحقة، من الأهداف الاستراتيجية المهمة  للقوى الكبرى كافة، كما ارتبطت بداية أكثر من حرب أو حملة عسكرية بإحراز السيطرة على مصادر الطاقة.

رأى بعض الأشخاص في عام 2003 أن الدافع لتدخّل الولايات المتحدة وحلفائها لإحداث تغيير في العراق هو الرغبة في إعادة ترسيخ السيطرة على الموارد النفطية الاستراتيجية في الخليج، وهي السيطرة التي فقدتها شركات النفط الدولية في السبعينات.

وقد اعتُبر اعتماد العالم على النفط غير مستدام بسبب توقّع قرب بلوغ ذروة إنتاج النفط العالمي، ما سيؤدي إلى تراجع سريع لتوافر النفط، في الوقت الذي تشهد بلدان كبيرة جديدة نموّاً سريعاً، وتطمح إلى بلوغ مستوى الاستهلاك والمعيشة المعهود في البلدان الصناعية المنتمية إلى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

شخصياً أعتقد أن أزمة الطاقة هي المشكلة، وأنها ستؤدي إلى الارتفاع المتواصل لأسعار الطاقة، والتخلي المحتمل عن الأسواق، والتزاحم على أفضلية الوصول إلى الموارد التي لن تعود كافية لتلبية الطلب. ومن ثم تُعتبر الحروب على الموارد - النفط فضلاً عن المياه - احتمالاً حقيقياً.

لكن يمكن أن  تؤدي الأجندة البيئية إلى إحداث تغيير تام لهذا المنظور، لكنها لم تفعل ذلك بعد، لأن النتائج الكاملة لخفض الانبعاثات الذي يتطلبه احتواء (لا إلغاء) الاحترار العالمي لم تحظَ بقبول جماعي حتى الآن. غير أن السيناريوهات كافة التي يصبح فيها الاحترار العالمي الشغل الشاغل للبشر، وتخضع فيها أجندة الطاقة للضرورة الحتمية لخفض الانبعاثات، تشير إلى أن توافر مصادر الوقود الأحفوري لن يعود القيد الرئيسي، بل إننا لن نتمكّن من الاستمرار في استخدام الفحم بالكميات السائدة اليوم على الأقل، وحتى أقل من ذلك في المستقبل.

لقد أصبحت البيئة الموجه الرئيسي لسياسة الطاقة في أوروبا منذ انعقاد المجلس الأوروبي في مارس 2007 على الأقل، عندما اعتُمدت (السياسة المتكاملة للمناخ والطاقة)، التي توضح بجلاء أن خيارات الطاقة تخضع لإملاءات المخاوف البيئية وتتكيّف معها.

وينطبق الأمر نفسه على البلد الرئيسي في مجموعة منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بعدما أصبح باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة: (القانون الأمريكي للطاقة النظيفة والأمن لسنة 2009) الذي ينتظر حالياً أن يدرسه مجلس الشيوخ يملي أيضاً تدابير سياسة الطاقة المستوحاة من الشواغل البيئية بالدرجة الأولى. وكما قال الرئيس: (لذا علينا أن نختار. كما يمكننا أن نظل في طليعة المستوردين للنفط في العالم، أو يمكننا القيام بالاستثمارات التي تتيح لنا أن نتقدّم العالم في تصدير الطاقة المتجددة. كما يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي ونسمح باستمرار تغيّر المناخ، أو يمكننا المساعدة في وقفه. ويمكننا السماح باستحداث وظائف الغد في الخارج، أو استحداث تلك الوظائف هنا في أمريكا، ووضع الأساس لتحقيق الازدهار الدائم).

 خطة وكالة الطاقة الدولية

قدّمت وكالة الطاقة الدولية الدراسة الأوفى عن نتائج احتواء الاحترار العالمي على الطاقة العالمية. ففي السنتين الماضيتين، أجرت الوكالة تنقيحاً تدريجياً حتى سنة 2030م (بل سنة 2050 في بعض المنشورات) للسيناريوهات التي تتوافق مع التراكم الأقصى لغازات الدفيئة في الجوّ، وهي تبلغ 450 جزءاً في المليون من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون.

ولا يشكل سيناريو وكالة الطاقة الدولية توقّعاً لأحداث المستقبل، كما أنه لا يقدّم رؤية عن كيفية الوصول إلى الهدف، ولا توقّعاً لمسألة إذا تم الوصول إليه وكيف. مع ذلك فإن السيناريو أداة مفيدة لمحاولة فهم العواقب الملموسة لمخاطر الاحترار العالمي على إمدادات الطاقة وأنماط الاستهلاك.

وفي خطة وكالة الطاقة الدولية، تأتي المساهمة الرئيسية في خفض انبعاثات غازات الدفيئة من خفض استهلاك الطاقة الناجم عن ارتفاع الكفاءة (الشكل 1)، وهي تستأثر بنحو 57 في المائة من إجمالي الانخفاض. والمكوّنات الرئيسية الأخرى وفقاً لترتيب الأهمية هي:

* تزايد الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

* الاعتماد على تجميع الكربون واحتجازه في المصانع التي تستخدم موارد الوقود الأحفوري.

* الطاقة النووية.

الشكل 1: الانخفاض العالمي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة في سيناريو 450 جزءاً في المليون

 

المصدر: وكالة الطاقة الدولية 2009

 إن العواقب الناجمة عن تركيبة الاستخدام العالمي للموارد الأولية مهمة جداً. فمن المتوقّع أن يبلغ استخدام موارد الوقود الأحفوري ذروته في سنة 2020م، لكن ذلك سينجم بأكمله عن التراجع السريع للاعتماد على الفحم، في حين سيتواصل ارتفاع استهلاك النفط والغاز (الشكل 2). ويرجع ذلك بوضوح إلى أن استخدام الفحم من دون التقاط انبعاثات الفحم واحتجازها أكثر إضراراً بالجوّ من الاعتماد على النفط، وخاصة على الغاز. لكن التفاؤل بشأن نطاق التقاط انبعاثات الكربون واحتجازها آخذ في التراجع لا النموّ. كما يتوقّع أن ترتفع حصة المصادر الخالية من الكربون إلى 32 في المائة. غير أن هذا الرقم يشمل أنواع الوقود الحيوي غير الخالية تماماً من الكربون. كما أن الطاقة النووية هي المكوّن الرئيسي للموارد الأولية الخالية تماماً من الكربون، وتستأثر بنحو 150 في المائة من موارد الطاقة المائية وموارد الطاقة المتجدّدة الأخرى (الشمس والرياح) مجتمعة.

 

الشكل 2: الطلب العالمي على الطاقة الأولية في سيناريو 450 جزءاً في المليون

المصدر: وكالة الطاقة الدولية

 مشكلة الاستثمار

الاستثمار الكافي أمر حاسم في تلبية احتياجات الطاقة وخفض الانبعاثات في الوقت نفسه. ولا يزال عوز الطاقة عائقاً أساسياً أمام التنمية وإشباع الاحتياجات البشرية الأساسية لقسم كبير من البشر: يقدّر أنه في حلول سنة 2030م، سيبقى 1,3 مليار نسمة من دون كهرباء إذا لم تبذل جهود خاصة لمعالجة هذا الوضع. ولا يستطيع أي مجتمع لا يحصل على الكهرباء أن يتطلّع إلى الاندماج المُرضي في الاقتصاد العالمي (رافقت المعجزة الاقتصادية الصينية مساعٍ كثيفة لتعميم الإمداد بالكهرباء بل سبقتها إلى حدّ ما).

وتتطلّب تلبية الطلب المتوقّع على الطاقة في البلدان الناشئة استثماراً تقدّره وكالة الطاقة الدولية بنحو 25.6 تريليون دولار (بأسعار سنة 2008) بين سنة (2008-2030) في السيناريو المرجعي. وسترتفع فاتورة الاستثمار بنحو 10.5 تريليون دولار إضافية إذا أريد تحقيق سيناريو 450 جزءاً في المليون من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بدلاً من ذلك.

وليس من المتعذّر تحقيق هذه المستويات من الاستثمار، على أن تنفّذ الشروط المؤسسية وشروط السوق للتحقّق من أن الفاعلين الاقتصاديين الذين عليهم اتخاذ القرارات قادرون ولديهم الشجاعة على القيام بذلك.

كما يتغيّر العامل الفاعل النسبي تبعاً لمصدر الطاقة الأولية واستخدامه النهائي. ففي بعض الحالات، كما في حالة كفاءة استخدام الطاقة في المباني أو النقل أو تنفيذ مشاريع الطاقة المتجدّدة على نطاق ضيّق مثل ألواح الطاقة الشمسية أو استخدام الكتلة الحيوية في التدفئة، يجب أن يتخذ القرار مئات الملايين من المستهلكين الأفراد أو العائلات. ويحتاج الأخيرون إلى الحصول على قروض وإقناعهم بأن تغيير بصمتهم الكربونية فكرة جيدة. وتقدّر وكالة الطاقة الدولية أن الاستثمار في النقل والمباني سيستأثر بجلّ الاستثمار الإضافي المطلوب لتنفيذ سيناريو 450 جزءاً في المليون.

 الشكل 3: الاستثمار العالمي الإضافي في سيناريو 450 مقارنة بالسيناريو المرجعي

المصدر: وكالة الطاقة الدولية 2009

 

في الحالات الأخرى، مثل توليد الكهرباء على نطاق واسع، تتسم عملية اتخاذ القرار بالمركزية الشديدة، ويمكن أن تتأثّر بسهولة بمدخلات سياسة الحكومة، لكن الشركات الخاصة أو العامة الواسعة النطاق لن تستجيب لمتطلّبات الاستثمار إلا إذا أوحت إشارات السوق بأن المشاريع قابلة للنجاح ومربحة على الصعيد التجاري، لكن الغموض المتعلّق بمقدار الطلب على الطاقة أو مستوى الأسعار سيجعل الشركات تعتمد سياسة التروّي وتأجيل الاستثمار إلى أن تتضح التوقّعات بصورة كافية.

وفي أثناء أزمة (2008 – 2009)، تراجعت النفقات الرأسمالية كثيراً في مشروعات إنتاج النفط، ما يثبت أن تقلّب الأسعار يمكن أن يصبح مشكلة خطيرة بالنسبة إلى إضافة الطاقة الإنتاجية المطلوبة في الوقت المناسب لتلبية الطلب في المستقبل وتثبيت استقرار السوق.

الشكل 4: النفقات الرأسمالية في إنتاج النفط والغاز في العالم أجمع

المصدر: وكالة الطاقة الدولية 2009

 مستقبل النفط

لن يكون احتواء انبعاثات الكربون مهمة سهلة أمام البشر، وغني عن البيان وجوب التخلّص أولاً من المصادر الأولية لتوليد أعلى الانبعاثات، لكن النفط التقليدي ليس بأي حال من الأحوال المصدر الأولي لتوليد أعلى الانبعاثات، إذ إن الفحم والنفط غير التقليدي (مثل القار الرملي الكندي) أسوأ بكثير من وجهة النظر هذه.

وتقترن الحاجة إلى الترويج لاستخدام أشكال أقل إضراراً بالبيئة - لا سيما في الولايات المتحدة - بالحاجة المزعومة إلى خفض الاعتماد على النفط المستورد. والواقع أن هذين الهدفين أبعد من أن يلتقيا لأن خفض واردات النفط يعني زيادة استخدام الفحم المحلي أو زيادة الاعتماد على النفط غير التقليدي، وكلاهما أكثر إضراراً بالبيئة. ويجب أن يفهم (الفحم النظيف) أنه استخدام الفحم مع التقاط الكربون واحتجازه، لكن الأخير لا يزال يفتقر إلى الاستغلال الصناعي الواسع النطاق، ويرفع كثيراً من تكلفة المصانع التي تعمل بالفحم، في حين أنه يخفض كفاءتها في الوقت نفسه. لذا فإن التشاؤم مبرّر عند النظر في التوقّعات الملموسة لزيادة الاعتماد على الفحم، كما أن ما خلصت إليه وكالة الطاقة الدولية من وجوب كبح استخدام الفحم على نحو مطلق لتحقيق سيناريو 450 جزءاً في المليون يؤيّد هذه الرؤية.

لا تزال منتجات النفط بلا منازع في مجال النقل بسبب ملاءمتها وتكلفتها. ويمكن تطوير الوقود الحيوي المستخرج من المحاصيل الغذائية في المستقبل، لكن الميزة التي ربما تحظى بها مقارنة بالنفط من حيث خفض الانبعاثات ليست عظيمة الأهمية، فعند النظر في دورة حياة الوقود الحيوي بأكملها يتبيّن أن استخدامه قد يخفض الانبعاثات بهامش صغير نوعاً ما.

ومن ثم سيستمرّ الطلب على النفط، كما توقّعت وكالة الطاقة الدولية. ونظراً لأن المصادر التقليدية خارج أوبك وصلت إلى ذروتها أو توشك أن تصل، وأن المصادر غير التقليدية تعاني من ارتفاع الانبعاثات المتولّدة أثناء عملية إنتاجها، فمن المتوقّع أن ترتفع مطالبة أوبك بزيادة إنتاجها، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، بنحو 11 مليون برميل يومياً في سنة 2030م (الشكل 5).

الشكل 5: إنتاج النفط العالمي تبعاً للسيناريو

المصدر: وكالة الطاقة الدولية 2009

 وبالنظر إلى اتساع قاعدة موارد بلدان الخليج، فقد ينتظر أن تصبح في صدارة البلدان التي توفّر هذا الإنتاج الإضافي. وقد أضافت المملكة العربية السعودية بمفردها أكثر من 3 ملايين برميل من النفط يومياً إلى طاقتها الإنتاجية في السنوات الخمس الماضية. ويمكن أن تؤدي عقود الخدمة التي أبرمت مؤخّراً في العراق الطاقة الإنتاجية لذلك البلد إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً، وفي حين أن من المرجّح أن يعاني هذا التوقيت من تأخيرات متعدّدة، وربما يختار العراق استنزاف موارده بسرعة أبطأ، فإن إمكانية زيادة إنتاج النفط في العراق ليست موضع شك.

 السوق النفطية وتقلّب الأسعار

إن إيجاد الظروف الملائمة لاستمرار توسيع الطاقة الإنتاجية للنفط يحتّم تحقيق إجماع على الطلب على النفط في المستقبل وإصلاح السوق النفطية الدولية من أجل احتواء تقلّب الأسعار،. لكن الإعلان عن أن النفط هو المذنب الرئيسي في الاحترار العالمي، أو أن الهدف يجب أن يكون خفض الاعتماد على واردات النفط، لا سيما واردات النفط من الخليج - يبعث رسالة خاطئة إلى المنتجين ويثبط الاستثمار في الوقت المناسب.

إن أسعار النفط متقلّبة هيكلياً لأن الطلب والعرض غير مرنين مقابل الأسعار، وعندما لا ينسجم العرض والطلب، فإنه يتوجّب حدوث تغيّرات واسعة جداً في الأسعار لإعادة تثبيت الاستقرار. وتاريخياً لا تستقرّ أسعار النفط إلا عندما تسيطر مجموعة صغيرة من شركات النفط الدولية المرتبطة بشبكة من الاتفاقيات التي تثبط المنافسة. وقد فقد هذا الكارتيل تأثيره على الأسعار في السبعينات، عندما أمّمت معظم احتياطيات النفط، وأعيدت إلى سيطرة الحكومات الوطنية على البلدان المنتجة.

وثمة نظام يدعى التسعير المرجعي يحدّد أسعار النفط منذ أواخر الثمانينات، حيث تربط أسعار كافة أنواع النفط الخام الرئيسية بمؤشّر النفط الأمريكي - متوسّط غرب تكساس - وخام بحر الشمال - برنت. وقد ووجهت ملاءمة هذين النوعين من النفط الخام كمرجعين قياسيين لإنتاج النفط العالمي بأكمله بالتشكيك مراراً، وتطوّر التعريف التعاقدي لمتوسط غرب تكساس وبرنت بمرور الزمن في محاولة لمعالجة بعض العيوب الفاحشة. ومع ذلك، فإن عيوب متوسّط غرب تكساس على وجه الخصوص كمؤشّر أخذت تزداد وضوحاً، وفي أكتوبر 2009 أعلنت شركة أرامكو السعودية أنها ستحتسب سعر مبيعات نفطها الخام إلى مصافي أمريكا الشمالية اعتباراً من يناير 2010 باستخدام مؤشّر أرغوس للخام الحامض بدلاً من متوسّط غرب تكساس. ولن تتضح العواقب الكاملة لهذا التغيير إلا في الممارسة وبمرور الوقت، لكن الانطباع الأولي هو أن ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح، بيد أنها ليست كافية البتة لمواجهة تقلّب الأسعار.

لقد نمت سوق العقود النفطية الآجلة باطراد لتتجاوز السوق الأصلية للإنتاج الفعلي، واليوم تتجاوز الفوائد اليومية المفتوحة على الأسواق الآجلة 50 ضعف الإنتاج المادي العالمي. ويعني ذلك أن الاتجار بالنفط على الورق أكثر أهمية بكثير من الاتجار بالنفط الفعلي، وأن السعر تحدّده السوق المالية لا النفطية.

وعلى الرغم من أن السوق النفطية متقلّبة هيكلياً كما ذكر، فإن التأثير الساحق للاتجار الآجل يضخّم تذبذبات الأسعار، ويزيد التقلب كثيراً. كما أن ميل السوق المالية الطبيعي لإنشاء الفقّاعات وإحداث الانهيارات موثّق بصورة جيدة ويشاهد يومياً. لذا من الضروري وضع تصوّر لتدابير تغيّر نسبة النفط الورقي إلى الفعلي، وإعادة الأسس إلى مركز الصدارة.

وربما يكون ذلك أهم التحديات التي يتعيّن على منتجي النفط الخليجيين مواجهتها في العقد المقبل. فينبغي عليهم التوصّل على الأقل إلى اتفاق عريض مع البلدان الرئيسية المستوردة، إذ من المتعذّر الابتكار في ما يتعلّق بالنظام الحالي وفي غياب أي إجماع سياسي واسع. وعليهم أيضاً استعادة دورهم كصانعين للأسعار، وهو دور يعود إليهم بصورة طبيعية نظراً لدورهم كأهم المساهمين في إمدادات النفط ومالكي أكبر الاحتياطيات النفطية وأسهلها إنتاجاً.

 كبح انبعاثات الكربون

 يشكّل كبح انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هدفاً يمكن السعي إلى تحقيقه عبر عدة نهُج متنافسة أو متكاملة، ومن المرجّح أن يحدّد اعتماد هذا النهج أو ذاك مسارات ونتائج مختلفة.

ويستند النهج الأول إلى التنظيم لفرض إنتاجية أكثر صرامة تؤدي إلى خفض استهلاك الطاقة أو خفض الانبعاثات. وتدخل في هذه الفئة تدابير مثل فرض خفض الاستهلاك لكل كيلومتر بالنسبة إلى السيارات، ومحرّكات أكثر كفاءة للطائرات، وتصاميم وعزل أفضل للبيوت، ويمكن أن تؤدي دوراً مهماً جداً. وقد يكون للحكومات تأثير مباشر في اختيار الوقود الأولي لتوليد الكهرباء، لكن تحديد مثل هذه التدابير وتنفيذها معقّد ولا يمكن مقارنته على المستوى الدولي - ما يجعل من الصعب قياس إسهام كل بلد في الهدف العالمي للوقاية من الاحترار العالمي أو الجهد الذي يبذله لتحقيق ذلك - وما ينطوي على ذلك من مخاطر محاولة بعض البلدان تحقيق أكبر قدر من الفائدة من دون تحمل أي من الأعباء والتبعات. ومن محاسن هذا النهج أنه لا يتسبب بحد ذاته بزيادة في تكلفة الطاقة، على الرغم من أن التوافق مع المعايير الجديدة ينطوي بالضرورة على مصاريف إضافية يتكبّدها المستهلك.

ويمكن بدلاً من ذلك أو بالترافق مع التدابير التنظيمية - على الأرجح - أن تتأثّر عملية اتخاذ القرار لدى الأفراد والشركات عبر إشارات السوق، أي بمحاولة إضافة التكلفة الخارجية لانبعاث ثاني أكسيد الكربون. وهناك في هذه الحالة نهجان رئيسيان: نظام الاتجار بالانبعاثات، واعتماد ضريبة الكربون. ويوجد النهجان في بعض البلدان أو تجري دراستهما.

ولهذا النظام ميزتان مهمتان من الناحية النظرية: فهو يحدّد نتيجة السياسة مسبقاً، ويعفي السلطات السياسة من مهمة تثبيت أسعار الكربون غير المرغوب فيها، إذ يترك ذلك (للسوق). لكن هناك مصاعب كبيرة أيضاً: تحديد السقوف وتخصيصها للمؤسسات الفردية قد يكون عملية ميّالة إلى عدم مساواة وأخطاء خطيرة. ففي تجربة الاتحاد الأوروبي (الذي لديه نظام من هذا النوع منذ بضع سنين) أدت الأخطاء في التخصيص إلى حدوث انهيار في السوق ومخاطر تقلّب الأسعار.

وواجهت صعوبات أيضاً من خلال آلية التنمية النظيفة التي أنشئت بموجب بروتوكول كيوتو. ففي هذا النظام. تصدر شهادات خفض الانبعاثات للمشاريع المنفّذة في البلدان النامية بتمويل من البلدان الصناعية، لكن يجب إثبات عدم إمكانية تنفيذها بخلاف ذلك. وذلك أحد الأسباب التي تبيّن أن عملية إقرار شهادات خفض الانبعاثات بطيئة جداً ومثيرة للنزاعات في بعض الأحيان: اعتباراً من نوفمبر 2009، كان 46.8في المائة من المشاريع المقدّمة لإقرار شهادات خفض الانبعاثات والتمويل لا تزال تنتظر الحصول على الموافقة. وعلى أي حال، لم يسمح سوى لفئات معيّنة من المشاريع حتى الآن، والأهم من ذلك أن مشاريع التقاط الكربون واحتجازه لم يسمح بها.

ولذلك فإن ضريبة الكربون تعتبر هي البديل لاعتماد نظام الاتجار بالانبعاثات. وتلك هي الطريقة الوحيدة لتشجيع المستهلكين الأفراد على اتباع سلوك الاقتصاد في الكربون، إذ من المتعذّر إخضاع الأسر للالتزام بمعدل الانبعاثات. ولضريبة الكربون عيبان رئيسيان: الأول أنه يجب على الحكومة أن تتحمّل المسؤولية عن اتخاذ قرار لا يحظى بالقبول بفرض مثل هذه الضريبة وتحديد مستواها، وتلك خطوة مكلفة جداً سياسياً في البلدان كافة. والثاني عدم وجود ضمان أن مستوى الضريبة المختار سيكون كافياً للحصول على الخفض المطلوب للانبعاثات: ولا يستطيع المرء إصدار الحكم إلا بعد التطبيق، بعد ملاحظة تفاعل المؤسسات والأسر.

وتعتبر التدابير التنظيمية/الإدارية، من وجهة نظر التجارة الدولية، أكثر التدابير تمييزاً ضدّ مصادر طاقة محدّدة أو مورّدين معيّنين. وضريبة الكربون الصافية هي الأكثر شفافية، لأنها تؤثّر في المصادر كافة بنسبة مساهمتها الفعلية في الانبعاثات، ويمكن توفيقها عليها على المستوى الدولي مع مستويات متماثلة. ومن المرجّح أن ينشأ عن أنظمة الاتجار بالانبعاثات عدة أسواق موازية للكربون في البلدان/المناطق المختلفة، مع ما يمكن أن يثيره ذلك من نزاعات ومرارة.

 انبعاث الطاقة النووية

لا يمكن حل مشكلة الاحترار العالمي من دون المزيد من الاعتماد على الطاقة النووية في توليد الكهرباء والتطبيقات الأخرى التي تتطلّب حرارة مركّزة.

وبالنظر إلى المقاومة الشديدة للطاقة النووية لدى الرأي العام والنخبة السياسية في العديد من البلدان، تميل منظمات دولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو المفوّضية الأوروبية إلى التقليل من أهمية دور هذا المصدر، لكن الجميع يوحي بتزايد الاعتماد عليه. وثمة سببان رئيسيان لذلك: الأول أن الطاقة النووية (إلى جانب الطاقة المائية والشمسية وطاقة الرياح) هي مصدر الطاقة الوحيد الخالي من الكربون المعروف حتى الآن. والثاني أن عملية اتخاذ قرار زيادة الاعتماد على الطاقة النووية مركزية، وتخضع لسيطرة الحكومة المباشرة عادة.

والنقطة الأخيرة الحاسمة هي أن الاعتماد على زيادة كفاءة الطاقة، كما ذكرنا، يتطلب التأثير في قرارات مئات الملايين من العائلات والمؤسسات. وذاك هدف صعب المنال ومكلف سياسياً. وليس هناك الكثير من الفرص للمشروعات المائية، وتبيّن في كثير من الأحيان أن إنشاء السدود الرئيسية مثير جداً للنزاعات. وهكذا سيزداد إسهام الطاقة المائية لكن ثمة حداً مادياً لها. الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تنتج عادة في مشروعات ضيقة النطاق، ويتطلّب تزايد دورهما عدداً كبيراً من قرارات الاستثمار غير المركّزة. بالمقابل، الطاقة النووية تتعلّق بتنفيذ عدد صغير نسبياً من المشروعات الواسعة النطاق: قد يكون اتخاذ القرار في كل منها معقّداً، لكن احتمال التسارع الجذري لوتيرتها كبير جداً.

كما لا تتساوى البلدان كافة في استعدادها لزيادة الاعتماد على الطاقة النووية. فالمشاعر العامة في بعض البلدان سلبية جداً، ما يدفع السياسيين إلى التردّد قبل الوقوف في وجهها. وقد يكون لبعض البلدان الأخرى أسواق محلية صغيرة جداً للكهرباء لا تبرّر إنشاء مشروع طاقة نووية يتسم بالكفاءة، أو قد لا تمتلك التمويل المطلوب للإقدام على مثل هذا المشروع الذي يحتاج إلى رأسمال كثيف. إذ توجد اليوم غالبية معامل توليد الطاقة النووية التي يجري إنشاؤها في آسيا: الصين (11)، والهند (6)، وكوريا (5)، واليابان (2)، وباكستان وإيران (واحد لكل منهما). وفي أوروبا، يوجد (8) قيد الإنشاء في روسيا، و(2) في كل من بلغاريا وأوكرانيا. ويوجد واحد في كل من فنلندا وفرنسا. وفي الأمريكتين، يوجد مصنع واحد في كل من الأرجنتين والولايات المتحدة. لكن ربما يدخل مزيد من البلدان هذا المجال، لا سيما بلدان مجلس التعاون الخليجي، التي توجد لديها جميعاً الشروط المطلوبة للشروع ببرامج طاقة نووية رئيسية وناجحة.

 مجلس التعاون وأجندة الطاقة/البيئة

ليس من الصعب رؤية كيف يمكن أن تشكّل أجندة الطاقة/البيئة الجديدة تهديداً لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تتكوّن صادراتها الرئيسية من النفط أو الغاز.

وربما تكون رؤية كيف يمكن أن يتحوّل المسعى العالمي لخفض انبعاثات الكربون إلى فرصة كبيرة لبلدان الخليج أقل وضوحاً، لكن من الممكن جداً تعزيز تنافسية الصناعات المتمركزة في الخليج وتسهيل التنويع الاقتصادي. وثمة ثلاثة أسباب رئيسية لتوقّع ذلك:

1- دول مجلس التعاون في موقع مثالي للدخول في نظام ضخم ومنهجي لتجميع الكربون واحتجازه. ويرجع ذلك إلى:

أ- القرب من حقول النفط والغاز الرئيسية، حيث يمكن احتجاز ثاني أكسيد الكربون بأمان، وفي الوقت نفسه تسهيل الزيادة في معدّل الاستعادة من المصادر الهيدروكربونية حيث يستخدم حقن ثاني أكسيد الكربون كوسيلة شائعة لتعزيز استعادة النفط.

ب- نمط توطين المشروعات الصناعية الكبرى في محاور أو مدن صناعية رئيسية، حيث يسهل تجميع ثاني أكسيد الكربون وتخزينه كثيراً (كما يسهل الاستخدام الكفء للطاقة أيضاً).

إن توطين الصناعات الكبرى المستهلكة للطاقة كتوليد الكهرباء، وتكرير النفط، والبتروكيماويات في محاور صناعية في الخليج (حيث يمكن تجميع الكربون واحتجازه بطريقة تتسم بالكفاءة والمنهجية) قد يسمح بإنتاج الكهرباء ومنتجات النفط والبلاستيك (الخالية من الانبعاثات). وتلك ليست خاصية تقتصر على منطقة الخليج (ثمة مناطق أخرى في العالم يمكن فيها محاولة الأمر نفسه)، لكنها تشكّل بالتأكيد ميزة تنافسية في عالم يحاول كبح انبعاثات الكربون بصورة جدية.

2- دول مجلس التعاون في موقع مثالي لاستخدام الطاقة النووية ليس لإنتاج الكهرباء فحسب وإنما لمساعدة الصناعة النفطية في مختلف المراحل أيضاً - في الاستخراج بالإضافة إلى التكرير - لإحداث خفض كبير في الحاجة إلى إحراق الوقود الأحفوري في الصناعة نفسها، ومن ثم خفض الانبعاثات ذات الصلة بالهيدروكربونات.

3- أخيراً، توجد بلدان مجلس التعاون في موقع ملائم جداً لتطوير مصادر الطاقة البديلة، بما في ذلك الطاقة الشمسية في المقام الأول، وطاقة الرياح والكتلة الحيوية بدرجة أقل (يمكن زراعة الطحالب في البيئات المالحة). ولم تحل كافة المشكلات التكنولوجية في هذا الخصوص، لكن يمكن إحراز تقدّم ملحوظ، بما في ذلك تحلية المياه بالطاقة الشمسية (بصورة مستقلة عن إنتاج الكهرباء).

 لذا يمكن ألا تتأثّر دول مجلس التعاون سلباً إذا كان الحل يعزو التكلفة بما يتناسب بدقة مع انبعاثات الكربون. بعبارة أخرى، يبدو أن النهج المفضّل من وجهة نظر منتجي النفط هو الاعتماد على ضريبة الكربون الشفافة بالدرجة الأولى. فالحلول التي تميّز ضد النفط  مقابل أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، أو تحبّذ بعض المصادر المتجددة بصورة مستقلة عن أنها تنطوي أيضاً على انبعاثات كبيرة من الكربون (كما في حالة الإيثانول من الذرة) غير عقلانية وتضيف في النهاية إلى التكلفة الإجمالية لتجنّب الاحترار العالمي.

إن ضريبة الكربون من شأنها أن تسهّل المقارنات الدولية وسياسات التنسيق. وربما لا تفرض الضريبة على البلدان كافة، وقد لا تكون منتظمة حيث تُفرض، بل تراعى فيها الاختلافات، بحيث تفرض الضريبة على المنتجات بالتناسب مع انبعاثات الكربون المتولّدة في أثناء الإنتاج (ومن ثم إعفاء المنتجات الناشئة عن عمليات تنفيذ تجميع الكربون واحتجازه مثلاً، أو المستندة إلى الطاقة النووية أو الشمسية - إحراق الوقود الحيوي ينتج الانبعاثات...)، كما يمكن أن تفرض الضريبة على منتجات الوقود التي تباع إلى المستهلكين النهائيين بالتناسب مع الانبعاثات الناجمة عن استخدامها.

إن مثل هذا النظام يمكن أن يخفّض الضغط الضريبي التمييزي الحالي المفروض على النفط على وجه التحديد، ويتيح لدول مجلس التعاون استغلال إمكاناتها لتطوير صناعة ذات بصمة كربونية منخفضة جداً عما هي عليه حالياً.

 

مقالات لنفس الكاتب