array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 172

المبادرة السعودية لدول البحر الأحمر .. منطق الضرورة الملحة والتعاون الممنهج

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

تعتبر الدول الإفريقية الواقعة على الجانب الغربي من البحر الأحمر، والدول العربية في شرق الخليج العربي مناطق متميزة بتاريخها وثقافتها واقتصاداتها، وبموقعها الجغرافي الاستثنائي على ممر مائي، تزداد أهميته الاستراتيجية كلما تداخلت العلاقات الدولية وتكاثفت مصالحها العابرة لمياهه ومضايقه. وتتشارك هذه الدول في هذا التمييز بشكل متزايد، ومن دون أن تشعر بفرق في علاقة كل منها بهذا الممر المهم. ومع ذلك، تعددت محاولاتها، وتجددت في البحث عن إنشاء كيان يمكنها من أن تعمل كمنطقة سياسية وأمنية واقتصادية مشتركة، يقلل من تأثيرات التصنيفات الجيوسياسية الجانبية، التي توزعها وتحاول حصرها بين الشرق الأوسط والقرن الإفريقي. فبينما ظلت دول الشرق الأوسط دوراً حازماً بشكل متزايد في منطقة البحر الأحمر، يُظهر القرن الإفريقي نموذجاً جيوسياسي آخر في منطقة مضطربة منذ فترة طويلة، وحيث تنذر التحولات الجارية في الدول الهشة بأهم التغيرات السياسية، التي يمكن أن تؤثر على استقرار أمن ومستقبل المنطقة.

لقد أدى الصراع على الهيمنة في البحر الأحمر ومضيق بابا المندب؛ بين قوى إقليمية وعالمية، إلى عدم الاستقرار وانعدام الأمن، خاصة في بيئة القرن الإفريقي المنقسمة بالفعل، حيث تمتلك عدد من هذه القوى قواعد عسكرية، وتستحوذ على مصالح أساسية في المنطقة. وتشتعل الصراعات في عدد متزايد من دول الإقليم، حيث تشهد إثيوبيا، والصومال، وجنوب السودان، والسودان، واليمن، نزاعات مسلحة متفاقمة تؤثر على الأمن في جانبي البحر الأحمر، بينما لا تزال المنافسة على استخدام نهر النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا، ودول المنابع الأخرى، من دون حل. وفي تقديرنا أن تزايد هذه المنافسات بين الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط والعالم، وما تشهده المنطقة من تصعيد للمنافسة الاستراتيجية بين أمريكا والغرب من جهة، والصين وروسيا من الجهة الأخرى، يمثل إمعان النظر السياسي الحصيف إليه وتجنب أخطاره أولوية أمنية وطنية وجماعية قصوى؛ يأتي استدراكها بتشكيل هذا المجلس. ففي السنوات الأخيرة، أصبحت الديناميكيات الجيوسياسية للبحر الأحمر والجغرافية الاقتصادية للقرن الإفريقي مرتبطة بالشرق الأوسط والمحيط الهندي الأوسع بطريقة لم يسبق لها مثيل في القرن الماضي. ومع ذلك، فقد اجتهدت وسعت دول المنطقة للعمل معاً في هذه البيئة المضطربة لمواكبة هذه الديناميكيات المترابطة والمعقدة والعابرة للأقاليم، ولمراعاة ارتباط مصالح هذه الدول المتزايدة بمصالح بعضها البعض.

إن المبادرة السعودية بقيام هذا المجلس تؤسس لتعاون ممنهج بين هذه الدول، وتجعل من التنسيق بينها أمرًا لا بد منه إذا كانت تريد حماية أمنها ومصالحها في البحر الأحمر. فالمجلس، أو الهيئة، التي انطلقت في السادس من يناير 2020م، هي بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح. ولا شك أن التنسيق المستمر بين الدول المشاطئة على الضفتين سيؤدي إلى تحسين التعاون، ويعين على درء آثار نزاعات القوى الإقليمية، ويقلل من تدخلات القوى العالمية في هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة. لذلك، فقد نُظِرَ إلى تشكيل المجلس كتطور استراتيجي له إيجابيات على دول منطقة البحر الأحمر؛ في الشرق والغرب، مع التحسب للتداعيات الإقليمية والعالمية. إذ أن جزءًا كبيرًا من العالم يعتمد على طرق الشحن الرئيسية، التي يمثلها هذا الممر المائي المهم، وقدرته على الربط بين الشرق والغرب، ما يجعل استقرار المنطقة أمراً بالغ الأهمية.

خلفية تاريخية:

تعود فكرة إنشاء منظمة إقليمية لتحسين تعاون الدول حول البحر الأحمر، أو خليج عدن، إلى 16 و17 يوليو 1972م، مع انعقاد المؤتمر الأول للدول المطلة على البحر الأحمر في جدة، حيث أصدرت تلك الدول؛ السعودية، ومصر، والسودان، وإثيوبيا، واليمن، بياناً مشتركاً أكدت فيه حقها في الموارد المعدنية العميقة للبحر الأحمر. إذ كان الاهتمام وقتها اقتصادي في المقام الأول، ولم تطل المشكلات الأمنية المتصاعدة الآن برأسها في ذلك الزمان. وتشمل الاتفاقيات الإقليمية اللاحقة ما يلي: الأولى، اتفاقية 1974م، بين السودان والمملكة العربية السعودية، فيما يتعلق باستغلالهما المشترك للموارد الطبيعية في البحر الأحمر. والثانية، إعلان 1976م، بشأن البحر الأحمر وخليج عدن، بشأن التعاون في البحث العلمي في القضايا البيئية؛ والثالثة، هي الاتفاقية الإقليمية لعام 1982 م، للحفاظ على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن؛ بين أطراف مثل السودان والصومال والأردن والمملكة العربية السعودية ومصر وجيبوتي. ففي الوقت، الذي تزدحم فيه الدول الواقعة في باب المندب خاصة؛ وجيبوتي بشكل أخص بقواعد دول بعيدة، ويقع غيرها كالصومال واليمن فريسة للعنف، بدأت بقية دول المنطقة تشعر بالقلق بشأن حماية المصالح الحيوية المتبادلة.

وفي تطور لاحق، بدأ دعم إنشاء المجلس ينمو بشكل كبير في عام 2018م. وخلال ذلك العام، استضافت المملكة العربية السعودية الاجتماع الوزاري لدول البحر الأحمر. ونتج عن هذا الاجتماع التشاوري اتفاق بين السعودية، ومصر، والأردن، واليمن، والسودان، وجيبوتي، والصومال لإنشاء كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن. ومن جانب منفصل، روج الاتحاد الأوروبي أيضاً لفكرة إنشاء هيئة إقليمية للبحر الأحمر في يونيو 2018م، وشهد مطلع عام 2020م، الولادة الحقيقية لمجلس يُعنى بمصالح الدول المشاطئة لهذا الممر المائي الاستراتيجي. وكان الهدف الأساس للمجلس هو تعزيز التنسيق والتعاون الإقليميين، من أجل التعامل بفعالية مع أي أخطار وتحديات إقليمية. وأصدرت الدول الأعضاء الثماني جدول أعمال من 12 نقطة تعهدت فيها بتعزيز تعاونها السياسي والاقتصادي، والثقافي، والبيئي، والأمني. ومن شأن تعاونها الوثيق، وفي حال الالتزام باستحقاقاته، أن "يقلل المخاطر، التي يتعرض لها البحر الأحمر وخليج عدن، وبالتالي تعزيز أمن وسلامة الملاحة الدولية؛ منع كل ما يهددهم، أو يعرضهم للخطر، لا سيما الجرائم الإرهابية وتمويلها وتهريب القرصنة والجرائم العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية".

قيمة المبادرة:

تقديراً على كل ما تقدم، أطلقت الدول المشاطئة للبحر الأحمر والمطلة على خليج عدن، بقيادة المملكة العربية السعودية، يوم الاثنين 6 يناير 2020م، مجلساً إقليمياً جديداً، يضم ثمانية أقطار عربية وإفريقية، كوسيلة لحفظ الأمن، ومواجهة القرصنة والتهريب، مع التركيز على عدد من القضايا الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك التعاون الاقتصادي، والتبادلات الثقافية، والقضايا البيئية. فقد وقع وزراء خارجية كل من السعودية، والسودان، وجيبوتي، والصومال، وإريتريا، ومصر، واليمن، والأردن، ميثاق هذا المجلس، الذي يهدف إلى خلق وتعزيز حالة الاستقرار في المنطقة، رغم ما يطرأ أحياناً من خصومات إقليمية، وما أملته الضرورة من استثناءات بارزة من المبادرة؛ مثل جمهورية أرض الصومال غير المُعترف بها دولياً، التي يرى البعض أنها قد تظل تمثل نقطة شائكة رئيسة في جهود التفعيل الحقيقية لأدوار هذا المجلس. فالرياض لها مبادرات كثيرة في التعامل مع محيطها الإقليمي، ومواءمة اهتمامات الشركاء الدوليين مع المصالح الخاصة والإقليمية، بدبلوماسية هادئة ديدنها قضاء غالب الحوائج بالكتمان. ومن هنا، يتساءل البعض عما إذا كانت هذه مبادرة سعودية أخرى لا تحمل الكثير من الضجيج، ولكن لها الكثير من المضمون.

ورغم ما صرحت به كاميلا لونز، الباحثة المشاركة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في الشرق الأوسط بالبحرين، لدورية Rift Valley Intelligence، يوم 10 يناير 2020م، بقولها إنه "في ظل القيادة السعودية، تم إعادة التركيز على القضايا الأمنية"، إلا أن وزير الخارجية السعودي قال خلال توقيع ميثاق المجلس في الرياض يوم الاثنين 6 يناير 2020م، إن هذه الهيئة الإقليمية الجديدة لن تنشئ قوة دفاعية جديدة تماماً. "وقال: "هذا جزء من جهود المملكة لحماية مصالحها ومصالح جيرانها، ولتحقيق الاستقرار في المنطقة، التي نعيش فيها ومحاولة خلق تآزر بين مختلف البلدان". وقال "كلما زاد التعاون والتنسيق بين دول هذه المنطقة، قل التأثير الخارجي السلبي على هذه المنطقة". وتحمل أقوال الوزير السعودي هذه، في تقديري، حقيقة أن لكل دولة من هذه الدول قدراتها الدفاعية الخاصة، التي لا تحتاج لتكامل أدوارها داخل بنية هذه الهيئة الجديدة غير التنسيق، والاستعداد للفعل المشترك، إذا دعت إلى ذلك الضرورة الأمنية. وبالنسبة للسعودية، كان الهدف دائماً هو حماية البحر الأحمر من التأثيرات الخارجية، لذلك تم الإعلان عن فكرة إنشاء المجلس في البداية في عام 2018م، كمبادرة مصرية ــ سعودية مشتركة، حيث برزت السعودية كقيادة بعد اضطراب الكثير من الأوضاع الإقليمية، والتزاحم العالمي على المضايق، خاصة باب المندب، وتناثر القواعد العسكرية في جيبوتي وغيرها من دول المنطقة.

لقد جذب البحر الأحمر قدراً متزايداً من الاهتمام من دول الخليج في السنوات الأخيرة، وتدخلت بعض الدول كجزء من فرقة العمل المشتركة قبالة سواحل الصومال للمساعدة في مكافحة القرصنة في المنطقة. ومع ذلك، قد يتساءل المرء ما، الذي دفع المملكة العربية السعودية لإيجاد اهتمام متجدد بالتعاون مع جيرانها عبر البحر الأحمر والقرن الإفريقي، لطالما كانت المنطقة ممراً مائياً استراتيجياً منذ قديم الزمان. فالبحر الأحمر هو قناة توصيل بين البحر الأبيض المتوسط ​​والمحيط الهندي، وطريق تجاري قديم من آسيا إلى أوروبا والأمريكيتين. ومع ذلك، فقد اكتسب أهمية أكبر مع تزايد التنافس، الذي دفع القوى الإقليمية والعالمية للبحث عن النفوذ في مضيقين رئيسيين: باب المندب؛ الواقع بين اليمن وجيبوتي وإريتريا، والمنفتح على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، وكذلك قناة السويس في مصر؛ الواصلة إلى البحر الأبيض المتوسط.

حقائق صلبة:

وكحقيقة نوردها للتذكير، فإن ممر البحر الأحمر يمتد بطول 2250 كيلومتراً عند أوسع نقطة له، وهو كممر مائي يفصل البحر الأبيض المتوسط ​​عن المحيط الهندي وما وراءه إلى آسيا، حيث تمر غالب تجارة الشحن العالمية عبر مياهه كل عام. لذلك، فإن ممر البحر الأحمر تكثر فيه مشاريع الموانئ الجديدة، التي بدأت، أو لا تزال قيد التنفيذ المخطط لها في السودان وجيبوتي وإريتريا وأرض الصومال، في الوقت الذي يتنافس فيه الداعمون العرب على الفوز بإدارتها. ووفقاً للمحللين، فإن المعركة لإنشاء موانئ جديدة على ممر البحر الأحمر بأموال الخليج يمكن أن تخلق اقتصادات إفريقية أفضل، ويمكن أن تحدد بالضبط من يسيطر على البحر الأحمر. وكما يقول مارك لافيرني، خبير السودان في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، ومقره باريس، إن "هناك تحديات كبيرة حول البحر الأحمر، ومن سيفوز على الآخر"، تكون له الغلبة. وفي حين يشير البعض إلى عدم وجود تدخل غربي في موانئ ممر البحر الأحمر، يؤكد آخرون أن هناك مجالاً واسعاً للاستثمار الأمريكي، أو الأوروبي في المستقبل.

ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن ما يقرب من 10 في المئة من جميع صادرات النفط في العالم تمر عبر باب المندب، ويتم تصدير معظمها من الخليج. ومن هذا المنظور، يقول الدكتور البدر الشاطري، في مقال له نُشِرِ في صحيفة "National"، الصادرة في أبو ظبي، بتاريخ 18 يناير 2020م، فلا عجب أنه على الرغم من عدم وجود أي من أعضاء مجلس التعاون الخليجي على حدود البحر الأحمر -باستثناء المملكة العربية السعودية -إلا أن المنطقة لا تزال تهمهم، والتي تصدر أكثر النفط من أي منطقة أخرى في العالم. وتتنافس دول الخليج العربية على إدارة وتطوير عدد من الموانئ في البحر الأحمر، والآن بعد أن أصبح هناك العديد من الموانئ قيد التطوير، ستكون هناك زيادة سريعة في الفرص في المنطقة. ومن المتوقع أن ينمو عدد السكان في المنطقة أيضاً، وتمثل صناعة صيد الأسماك فيه نشاطاً تنافسياً إقليماً وعالمياً. وتقول كاميلا لونز "إن هذا الممر المائي الاستراتيجي الرئيسي يحتفظ أيضاً ببعد سياسي مهم". وتقدر الأمم المتحدة أن عدد سكان الدول العشرين التي تستخدم البحر الأحمر كممر شحن رئيسي سيزداد بنسبة 110 في المائة -إلى 1.3 مليار شخص في عام 2050م.

الحاضر الغائب:

هناك دول تعتبر نفسها "الحاضر الغائب"، لأنها، حسب اعتقادها، جزء من جغرافية البحر الأحمر، أو متأثرة مباشرة بكل تداعياته، لكن لم تستوعبها المبادرة، وإن كان لاستبعاد كل منها منطق خاص يرجح حيثيات هذا الاستبعاد. أولها إسرائيل، التي يحقق لها وجود ميناء "إيلات"، المجاور لميناء "العقبة"، على المجرى الفرعي الشرقي للبحر الأحمر فرصة الادعاء، بأن لها، مثل الأردن، حق الانتماء لهذا التكتل الإقليمي. لكن طبيعة وجود إسرائيل كدولة احتلال، وتاريخ علاقاتها المتوترة مع دول هذه المجموعة يستبعد مجرد التفكير في عضويتها ضمن هذه المنظومة. وتجري حجة عدم ضم "صومالي لاند" بمنطق مختلف، لطبيعتها المغايرة للكيانات السياسية المُشَكِّلَة لهذا المجلس. فدولة أرض الصومال، الواقعة في خليج عدن في الركن الشمالي الغربي من الصومال، التي أعلنت استقلالها عن الصومال، ولم تنل اعترافاً رسمياً من العالم، ترتبط بمصالح تجارية مع عدد من دول المنطقة منذ عدة سنوات، وتحديداً في شحن المواشي من ميناء بربرة. ويحتل ساحلها البالغ طوله 850 كيلومتراَ موقعاَ رئيسياً في ممر البحر الأحمر. ولكن يمثل ضمها إشكالية سياسية وقانونية، ما جعلها تقول إنها لن تتعاون مع أي سياسات، أو برامج صادرة عن المجلس "طالما أنها مستبعدة وتنكر مكانتها الصحيحة بين أصحاب المصلحة المهمين"، مضيفة أنها "لن تعترف بتشكيل أي تكتلات تستثني أصحاب المصلحة الشرعيين على أساس". بمعايير تعسفية، أو غير ذات صلة، أو تمييزية".

رغم الاتفاق أن "صومالي لاند" تخلق قضية أخرى من حيث عدم وجود عضوية لها في المجلس، فقد قالت الباحثة لونز: "صحيح أن مسألة ضم أرض الصومال إلى المجلس إشكالية". وأشارت إلى أن أرض الصومال سعت في السابق إلى إدراجها في هذه المبادرة، وكذلك الحصول على صفة مراقب للكتلة الإقليمية للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد" في البحر الأحمر في منطقة القرن الإفريقي. إن العديد من المسؤولين في المنطقة متعاطفون مع موقف أرض الصومال، لكن سيكون من غير المقبول دبلوماسياً ضمها إلى مجلس يضم الصومال الأم. وتحاول دول المنطقة إيجاد توازن بين علاقات بعضها مع أرض الصومال، والحفاظ على علاقاتها مع مقديشو، وعدم إثارة عداء الصومال. وفي منحىً متصل منفصل، ويقول البدر الشاطري إنه في الوقت، الذي يتم فيه استمالة الدول الواقعة في باب المندب من قبل دول بعيدة؛ صغيرة وكبيرة، لديها أجندة في المنطقة، أو الوقوع فريسة للعنف، الذي ترعاه قوىً إقليمية ودولية، تشعر الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، بالقلق بشأن حماية المصالح المشتركة الحيوية. تأتي هذه المخاوف في صميم إطلاق مجلس منفصل لدول البحر الأحمر وخليج عدن، حتى تتمكن هذه الدول من مناقشة وحل القضايا، التي تهمها بشكل مباشر، مع تدخل خارجي محدود.

أمريكا على الخط:

تتمثل إحدى المزايا النسبية لمراكز الأبحاث الفكرية في قدرتها على رؤية ما وراء الأفق من أجل توقع أخطار الصراع العنيف واستكشاف الفرص لمواجهة تلك التحديات. وتحقيقاً لهذه الغاية، أطلق معهد السلام الأمريكي مبادرة البحر الأحمر، التي تهدف إلى: سد الفجوة في تحليل الديناميكيات الإقليمية المترابطة بين الشرق الأوسط والقرن الإفريقي. ويعمل للاستفادة من سلطة عقد اجتماعات المعهد مع صانعي السياسات في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا للتغلب على الانقسامات المؤسسية، التي غالباً ما تعرقل استراتيجية منطقة تتجاوز التقسيمات الجغرافية التقليدية داخل البيروقراطيات وتحدد الهوية. ومن ثم، استكشاف الفرص للصيغ الجديدة متعددة الأطراف لمنع وتخفيف وحل النزاعات في منطقة البحر الأحمر. لذلك، سارع بإنشاء مجموعة دراسة عليا حول السلام والأمن في منطقة البحر الأحمر، وعقد بين مايو 2019 وسبتمبر 2020م، لقاءت لهذه المجموعة، التي تتكون من الحزبين، للنظر في العوامل، التي أعادت تشكيل ساحة البحر الأحمر. ولم يتوفر بعد ما يربط بين هذا الجهد البحثي، الذي يتعقب المصلحة الجزئية لأمريكا في منطقة البحر الأحمر ومبادرات المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، وغيرهما، وما هي رؤية القائمين عليه لهذه المصلحة الأمريكية وجماع مصالح الدول المشاطئة لهذا الممر الاستراتيجي.

لقد توصلت مجموعة الدراسة إلى أنه في السنوات الأخيرة، أصبحت الديناميكيات الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية للقرن الإفريقي مرتبطة بالشرق الأوسط عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي الأوسع بطريقة لم يسبق لها مثيل في القرن الماضي. ومع ذلك، فقد كافحت استراتيجية الولايات المتحدة في هذه البيئة المتطورة لمواكبة هذه الديناميكيات المترابطة والمعقدة وعبر الإقليمية وتفسير ارتباط المنطقة المتزايد بمصالح الولايات المتحدة. ويحدد التقرير النهائي لمجموعة الدراسة العليا المصالح الأمريكية ضمن تسلسل هرمي للأولويات لمساعدة صانعي السياسات في معايرة التدخلات الدبلوماسية والإنمائية والإنسانية والأمنية، ويقدم توصيات للدفاع عن هذه المصالح وتعزيزها. وبما أن التقرير، الذي أعدته "مجموعة دراسة عليا حول السلام والأمن في منطقة البحر الأحمر" صدر، يوم الخميس 29 أكتوبر 2020م، أي بعد عدة أشهر من إعلان جدة، في 6 يناير 2020م، إلا أنه لم يُشر إليه. وجاء في "الملخص التنفيذي" ما يقرر أن السنوات الخمس الماضية، شهدت إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي لساحة البحر الأحمر بشكل أساسي. وذكر أن القرن الإفريقي يعتبر الآن جزءاً لا يتجزأ من هذا المشهد، وهي نفس الحقيقة، التي قامت عليها المبادرة السعودية الأخيرة، وما سبقها من مبادرات، منذ العام 1972م.

وأقر التقرير أنه، في الواقع، هناك صلة بين الأنظمة الأمنية في الشرق الأوسط والمحيط الهندي والمحيط الهادئ والبحر الأبيض المتوسط ​​بحكم الأهمية الاستراتيجية والتنافس على النفوذ على البحر الأحمر والدول المشاطئة له. ويؤكد على أن دول الشرق الأوسط عززت وجودها في القرن الإفريقي بطرق لم يسبق لها مثيل، أو منذ قرن على الأقل، وأصبحت ساحة البحر الأحمر "مُعسكرة" بشكل متزايد، وكأنه يريد أن يلقي باللائمة في هذه العسكرة على دول الشرق الأوسط دون غيرها.  وذلك بادعاء أن تصدير المنافسات الشرق أوسطية إلى القرن الإفريقي يغذي عدم الاستقرار وانعدام الأمن في منطقة هشة بالفعل ومتقلبة مثل القرن الإفريقي. ويضيف التقرير سبباً آخر إلى ذلك، بالقول إن كل من إثيوبيا والسودان يبحران في أهم التحولات السياسية منذ نهاية الحرب الباردة حيث يتم إعادة دراسة الافتراضات الأساسية، التي يقوم عليها الهيكل السياسي لكل دولة، ونموذج الحكم فيها والتحديات المؤثرة فيها. ويرى أن هذه التحولات في إثيوبيا والسودان تمثل فرصة لوضع المنطقة على مسار تحولي جديد نحو الإصلاح والاستقرار، ومع ذلك فإنها تنطوي أيضاً على خطر فشل الدولة الذي، نظراً لتعداد سكان هاتين الدولتين البالغ أكثر من 150 مليون نسمة، من شأنه أن يؤدي إلى حدوث مد وجزر. وموجة من عدم الاستقرار في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط.

على الرغم من أن التقرير يرى تراجع الالتزامات العسكرية الأمريكية والاستثمارات الأمنية والمساعدات الإنسانية والإنمائية، التي لا تزال مهمة، إلا أنه لا يقلل من دورها كقوة سياسية خارجية مهيمنة في ساحة البحر الأحمر. وفي هذه البيئة، يوصي بحاجة الولايات المتحدة إلى إطار عمل استراتيجي جديد للنجاح في دفع مصالحها والدفاع عنها، اعتماداً على أربع ركائز يجب أن يشتمل عليها أي عمل استراتيجي أمريكي في منطقة البحر الأحمر. أولاها، استراتيجية سياسية ودبلوماسية لتحصين القرن الإفريقي ضد تداعيات الخصومات في الشرق الأوسط؛ والثانية، القيام بحملة دبلوماسية متواصلة للتوسط في انفراج في القرن الإفريقيبين الكتل الشرق أوسطية المتنافسة، وإزالة تلك المنطقة كساحة معركة لمنافستهم، والحفاظ على سيادة دول القرن الأفريقي؛ والثالثة، تحفيز بنية إقليمية جديدة تقلل الخلاف وتعظم التعاون؛ والرابعة، إصلاحات هيكلية للتغلب على الثغرات البيروقراطية داخل حكومة الولايات المتحدة؛ أُضيف إليها التوصية بتعيين مبعوث خاص يتولى مسؤولية منطقة البحر الأحمر، أو تعيين نائب وزيرة الخارجية ليكون القائد المشترك بين الوكالات لتطوير وتنفيذ استراتيجية متكاملة على ساحة البحر الأحمر.

بين رؤيتين:

بالنظر إلى ما وراء الموضوعات، التي يُعنى بها المجلس، فإن الدور البارز للمملكة العربية السعودية في تشكيله يحمل في حد ذاته أهمية جيوسياسية بالغة الأثر. ففي يونيو 2018م، لاحظ الاتحاد الأوروبي أن هناك "بحثاً إقليمياً عن النفوذ والأصول الاستراتيجية، جنباً إلى جنب مع العسكرة المتزايدة لساحل البحر الأحمر". وبينما رأت الرياض في مبادرتها، في يناير 2020م، التي حصرتها في الدول العربية والإفريقية المشاطئة، أنها تعزز أسباب التعاون الإقليمي، رغم التحديات والعوائق، التي تحول دونه، توسع تقرير معهد السلام الأمريكي، في تعريف منطقة البحر الأحمر، واعتبرها نظام بيئي سياسي واقتصادي وأمني مشترك يتألف من ثماني دول في القرن الإفريقي؛ جيبوتي وإثيوبيا وإريتريا وكينيا والصومال وجنوب السودان والسودان وأوغندا؛ ودول الشرق الأوسط، التي يعتقد أن تكثيف مشاركتها من أهم التطورات، التي تؤثر على المنطقة؛ مصر وإسرائيل ودول الخليج وتركيا. وقد استخدم التقرير مصطلح "الساحة" للإشارة إلى كل من الطبيعة العابرة للأقاليم لهذا النظام البيئي الجيوسياسي، والعسكرة المتزايدة، والمنافسة بين الجهات الحكومية، التي تهدها بشكل متزايد.

وفي الختام، فإن تشكيل مجلس عربي إفريقي جديد، وفقاً للمبادرة السعودية، يؤشر على تعميق التعاون الإقليمي في الممرات المائية، خاصة البحر الأحمر، بسواحله، التي يبلغ طولها حوالي 5500 كيلومتر ويضم حوالي 1150 جزيرة، ويتمتع بأهمية استراتيجية فريدة للتجارة العالمية والنمو الاقتصادي الإقليمي والاستقرار العام للمنطقة. ويتحكم في طرق الشحن الرئيسية، التي تنقل بضائع بمليارات الدولارات كل عام اعتماداً على حرية الملاحة من المحيط الهندي عبره إلى البحر الأبيض المتوسط. كما أن قرب الدول الغنية بالنفط في شبه الجزيرة العربية من الأهمية بمكان بالنسبة للمساعي التجارية. وأفضل ما قدمته المبادرة للعالم تعهد المجلس بتعزيز أمن وسلامة الملاحة الدولية، وأن رقابته تمتد أيضاً إلى الهجرة غير الشرعية. علاوة على ذلك، تعتبر القرصنة والجرائم العابرة للحدود من الاهتمامات المشتركة للترتيبات الأمنية الإقليمية. 

مقالات لنفس الكاتب