array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الإصلاح السياسي العربي بين "ترقيع" الحكام وتطلعات الشعوب

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

(الشعب يريد إسقاط النظام) كلمات محدودة بدأت في تونس من قبل مجموعة من الشباب الثائرين على وضعهم الاقتصادي المتردي ومعاناتهم من البطالة والفقر، إلا أنها ما لبثت أن لامست هموماً أكبر لفئات عديدة داخل المجتمع التونسي تطالب بالحرية والكرامة والحقوق المتساوية.

هذه الكلمات القليلة في عددها العظيمة في معناها انطلقت كالنار في الهشيم في مختلف الأقطار العربية محفزة الشباب على الثورة ضد الأنظمة القمعية المستبدة، وأطاحت زعيمين عربيين في تونس ومصر في أيام معدودة، ولا يزال قطار التغيير يمضي بوتيرة عالية في كل من ليبيا واليمن والبحرين، ومن وراءها المغرب والجزائر والسودان والعراق والأردن، على أمل أن يحقق الشعب مطالبه الرامية إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة.

الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها المواطن العربي كان لها دور مهم في إشعال شرارة الثورات

إن المتتبع لمسيرة الثورات الشبابية العربية لا يمكن أن يغفل الأسباب الحقيقية لهذه الثورات والتي بدأت منذ سنوات عديدة وأخذت أبعاداً مختلفة، وليست كما يقال إنها ناتجة عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشباب العربي أو أنها ناتجة عن مؤامرات خارجية تحاك في واشنطن وتل أبيب كما يزعم بعض الحكام العرب ومن يقف في صفهم.

إن ثورة الشباب الحالية التي تشهدها البلدان العربية المختلفة ناتجة عن أسباب عديدة أبرزها:

* احتقان الشعوب العربية مجتمعة من أداء بعض الحكام العرب خلال السنوات الماضية وبالأخص العشر سنوات الماضية وانجرارهم الأعمى وراء السياسة الأمريكية المتعجرفة، وعجز هؤلاء الحكام عن تلبية تطلعات الشعوب في ما يخص القضايا العربية والإسلامية المشروعة، وقد بدا ذلك واضحاً من موقف الحكام فرادى وموقفهم مجتمعين في قممهم المختلفة إزاء الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق والعدوان الصهيوني على لبنان وقطاع غزة.

* تسخير إمكانات ومقدرات الشعوب العربية لخدمة الحكام وأقاربهم وحاشيتهم على حساب الشعوب وتفشي الفساد الاقتصادي والسياسي والإداري في كثير من الدول العربية.

* تزوير إرادة الجماهير والشعوب العربية وبالذات في البلدان ذات الأنظمة الجمهورية من خلال انتخابات مزورة ومجالس تشريعية واستشارية صورية تحقق رغبات الحاكم وتذر الرماد في العيون، وتعمل على إيجاد نوع من التباهي بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

* تسخير الإعلام الرسمي بمكوناته المختلفة للتطبيل بالإنجازات الرائعة والحضارية التي وصلت إليها الشعوب العربية، مع تصوير أي فعل أو انتقاد بسيط لهذا الإنجاز بأنه خيانة عظمى ومؤامرة دنيئة من قبل عناصر مرتبطة بالخارج ولها أجندات خارجية مشبوهة.

* وأخيراً فإن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها المواطن العربي كان لها دور مهم في إشعال شرارة الثورات، حيث تعاني معظم البلدان العربية من سوء توزيع الثروة داخل المجتمع العربي، وما نجم عنه من فرز كبير داخل المجتمعات العربية بين أقلية تملك كل شيء وأغلبية محرومة تعاني من شظف العيش، وتكتوي بسياسات اقتصادية عقيمة تكرس الفقر والحرمان داخل هذه المجتمعات.

ومع العلم أن آثار الأزمة في العديد من البلدان العربية كانت واضحة للعيان، وكان هناك الكثير من التحذيرات من قبل خبراء السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة، حتى من قبل المواطن العادي، فقد تعالت الأصوات المختلفة المطالبة بإصلاح الأنظمة العربية التي شاخت وهرمت وفقدت القدرة على تحقيق متطلبات وتطلعات شعوبها، وقدمت في سبيل ذلك العديد من الرؤى السياسية والاقتصادية المطالبة بالإصلاح، وأغلبها كانت تتركز في إصلاح الواقع السياسي وإتاحة قدر من الهامش الديمقراطي وحرية العمل السياسي والاجتماعي بصورة تكفل إجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبر عن إرادة المواطن العربي، وتضمن توزيع ثمار التنمية بصورة عادلة بين المواطنين.

وجرت العديد من الحوارات بين النخب السياسية في السلطة والمعارضة ولسنوات متعددة، وأذكر هنا على سبيل المثال التجربة اليمنية لأحزاب اللقاء المشترك في اليمن التي ظلت منذ نهاية الانتخابات الرئاسية اليمنية في عام 2006 في حوار مع السلطة الحاكمة لإجراء إصلاحات سياسية في اليمن، وظلت هذه الأحزاب تستجدي السلطة للقبول بالإصلاحات المتفق عليها أثناء الحوار، إلا أن السلطة كانت تستهلك الوقت أثناء جولات الحوار المتعددة وصولاً إلى وضع المعارضة أمام الأمر المتوقع وجعلها شاهد زور على ديمقراطية صورية تضمن بقاء الحاكم وتمهد الطريق لتوريث الحكم.

لم يعد من الممكن قبول الشعوب العربية بتنفيذ إجراءات اقتصادية إصلاحية عقيمة

ولا يختلف الأمر كثيراً في دول عربية أخرى، حيث جوبهت الأصوات المطالبة بالإصلاح بالرفض في معظم الأحيان، بل اتهامها في أحيان أخرى بأنها أصوات عميلة تتآمر على شعوبها وعمياء لا ترى الإنجازات العظيمة، ولا تلمس الرفاهية التي تعيشها البلدان، وسعت السلطات الحاكمة إلى إجراء انتخابات مزيفة محمية بمجموعات من المرتزقة (البلاطجة) كما حصل في الانتخابات التشريعية المصرية وشجعها على ذلك السكوت الغربي على تلك الممارسات القمعية.

واليوم وبعد انطلاق قطار الثورة الشبابية ومغادرته من محطة عربية إلى أخرى تطالعنا السلطات الحاكمة بعد وصول قطار التغيير إلى محطتها بتفهمها الشديد لمطالب الشباب وسعيها المخلص لتحقيق رغباته والسهر على مصالحة من خلال إجراءات ترقيعية تجاوزها الواقع، فلم يعد من الممكن القبول بتنفيذ إجراءات اقتصادية عقيمة تتمثل في توظيف العاطلين وزيادة الرواتب للموظفين الحكوميين والتي يدرك الكثير من الشباب أن أثر هذه السياسات سينعكس في صورة تضخم مالي يأكل تلك الزيادات ويبقيهم في أوضاعهم المتردية إن لم يتراجعوا إلى الخلف، كما لم يعد من الممكن إجراء تعديلات دستورية ترقيعية تحقق للحاكم البقاء على الكرسي، وتعمل على حل مشكلاته وأزماته مع الشعب وليس على حل مشكلات الشعب وتحقيق مطالبه.

إن الشعوب العربية في الوقت الراهن بحاجة إلى إصلاحات جذرية شاملة وفي مختلف المجالات (السياسة والاقتصاد والإعلام والقضايا الاجتماعية)، وليس إلى معالجات جزئية أو آنية تستهدف الخروج من الأزمة الحالية التي تعيشها النخب الحاكمة في مواجهة شعوبها، ومع ذلك فإن الإصلاح السياسي الشامل يأتي في صدارة أولويات المرحلة الحالية نظراً لما له من تأثير عميق في بقية المجالات وارتباطه الوثيق بها.

 وفي هذا الصدد نرى أن أهم الإصلاحات السياسية المطلوبة للمرحلة الحالية تتضمن العناصر التالية:

* الفصل بين السلطات والذي يستهدف إيجاد التوازن بين السلطة المشرعة والمراقبة والسلطات المنفذة والسلطة القاضية وضمان عدم تحول نظام الحكم إلى نظام شمولي فردي يختبئ وراء شكل ديمقراطي مزيف، ويتطلب ذلك إجراء تعديلات دستورية واسعة إن لم نقل إعداد دساتير جديدة للكثير من البلدان العربية.

* الفصل الواضح بين العمل الحزبي وإدارة الدولة في البلدان ذات التعدد السياسي والحزبي، ويمكن تحقيق ذلك في تجميد العضوية الحزبية لرئيس الدولة والتطبيق الصارم لمنع الحزبية والتحزب في أوساط الجيش والأمن والقضاء.

* ضمان استقلالية القضاء مالياً وإدارياً وأيضاً ضمان ابتعاده عن النفوذ السياسي والمالي والإداري للسلطة التنفيذية، باعتبار القضاء المرجعية العليا لحل النزاعات بين فرقاء السياسة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال انتخاب أعضاء السلطة القضائية لقياداتهم ومؤسساتهم.

* حيادية الإعلام الرسمي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إلغاء وزارات الإعلام وتحويل وسائل الإعلام العامة إلى مؤسسات وطنية منتخبة من قبل العاملين فيها ووضع الضوابط الكفيلة بحياديتها وعدم استخدامها لمصلحة حزب معين أو فئة معينة.

* اعتماد نظام انتخابي مرن يلبي تطلعات الشعوب العربية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الأخذ بنظام القائمة النسبية إلى جانب الدوائر الفردية، حتى يتسع التمثيل داخل المجالس التشريعية، ويحافظ على حقوق الأقليات والفئات والأقاليم المختلفة.

 

مجلة آراء حول الخليج