array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العراق.. حرب الأيديولوجيات والأزمات المفتعلة

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

لقد خضع العراق لأزمات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية متكررة، عصفت بجسده الاجتماعي وبناه التحتية كافة، خصوصاً بعد تفكيكه سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وفق أيديولوجيات ومذاهب متعددة وافدة على بساط غزو العراق، ولعل سلبية البيئة السياسية العراقية عبر عقود خلت تكمن في هوس السلطة وتعاظم ظاهرة الانفراد والاستئثار بمقدرات العراق، وتغليب العنف السياسي لإقصاء الآخر، وتعزيز الشخصنة في القيادة السياسية والحكومية وتعدد الحواشي السياسية والإدارية والعائلية، والتي تغتال الإرادة الشعبية الفكرية والثقافية والمهنية، وتطوعها لخدمة الفرد أو الحزب، مما يوسع الفجوة بين الإرادة الجماهيرية الخلاقة والمسالك السياسية المحكومة، ويعزز بذلك المفاصل اللينة، التي تحقق وثوباً حراً للأيديولوجيات الوافدة لتحصل على موطئ قدم في رقع دموية نظراً لهشاشتها وعدم تجانسها.

يحتل العراق اليوم المرتبة الأولى بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان والانفلات الأمني والاضطراب السياسي

شهدنا في العراق تطبيقاً سادياً لعقائد ومفاهيم أجنبية وإقليمية وبأشكال مختلفة، تارة مذاهب اقتصادية جشعة تنتهج الأزمات المفتعلة كمعبر لتجارتها، وتارة أخرى طائفية سياسية كغطاء ديني لأطماعها التوسعية، أو صراع قومي عمودي لتفكيك العراق والمنطقة وفق مظلوميات ضخمت إعلامياً، وبالتأكيد جرى باستخدام أدوات امتهنت الخيانة الوطنية وطرحت نفسها مطرقة للتفكيك السياسي عبر خصخصة الشخصية العراقية وتبويبها إلى طوائف وأعراق وإثنيات مما يساهم في إعادة هندسة المجتمع وفق فلسفة المستعمر الحديث، وبشعارات براقة كاذبة تركت العراق تحت طائلة البؤس المدمر وتفكيك الدولة والاستيلاء المنهجي على أصول الدولة في أعظم منطقة للاحتيال الحر في العالم، ويتسلق العراق اليوم الدولة الأولى بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان والانفلات الأمني والاضطراب السياسي، ناهيك عن ملايين العاطلين والجياع والمهجرين، ويلاحظ تعاظم ظواهر القتل خارج القانون والاعتقال والتغييب القسري والتعذيب المنظم لتمرير مسالك نهب العراق.

 حرب الأيديولوجيات لتفكيك العراق

اتخذت الإدارات الأمريكية السابقة منهجية القوة في ترويج سوق الأفكار، وقد استخدمت القوة والعنف المفرط في دول متعددة وكذلك في العراق لتطبيع (عقيدة فريدمان- تجربة شيكاغو) التي هزمت في ميدان حرب الأفكار في أمريكا وأوروبا وإفريقيا وآسيا، ولا تزال تطبق بشكل دموي ينتهج العنف المطلق في العراق، وقد أسهمت دوائر الاحتلال الأمريكي السياسية المخابراتية في نشر بؤر العنف الطائفي وبشكل هلامي وفق عقائد سياسية مختلفة، وقد أصبحت تجارة رابحة أدت إلى تناسل الجماعات الخاصة المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة وفرق موت استهدفت الطبقة الوسطى من العلماء والأطباء والعسكريين وشرائح المجتمع الوطنية الأخرى، وتقاطعت معها (زعانف) أيديولوجية بطابع طائفي وعرقي صنعت في أروقة المخابرات الإقليمية لتحقق الغرضنفسه على الرغم من الاختلاف الجوهري في المسالك الأيديولوجية، لكن يمكن وضعها تحت بندي الحرب بالوكالة وتقاطع المصالح والأطماع، كل تلك المذاهب تتصارع اليوم على أرض العراق وفق سياسة الأرض المحروقة، وتستخدم كافة أوراق الضغط السياسي والعسكري والمخابراتي والحرب وسط الشعب وفلسفة الهندسة المعكوسة لتفكيك العراق، وشهد العراقيون استغلال تجار الحرب والسياسة للاضطراب المركب الحالي لطرح مشاريع الأقاليم الطائفية، والذي لا يتسق مع المعايير الوطنية وإرادة الشعب العراقي وهذا حال تجار الموت دائماً، ويمكن استعراض عدد من العقائد الرئيسية والفرعية الوافدة للعراق وهي:

1- عقيدة (مليتن-فريدمان) الاقتصادية التي تقوم على أساس استخدام القوة والصدمة ضد المجتمعات وإدامة الاضطراب السياسي والأمني وتعزيز سياسة الأزمات الوهمية وتعاظم الاعتقالات والتعذيب وازدهار تجارة السجون.

2- عقيدة المحافظين الجدد التي تعمل بإطار راديكالي متشدد وفق مشروع القرن الأمريكي الجديد والذي أوصى باحتلال العراق وتقسيمه.

3- عقيدة بوش العالمية – الحرب العالمية على الإرهاب - بطابعها الديني المتشدد، والتي تذكي الحروب الأمنية وإيجاد العدو الوهمي وتضخيم التهديد لتعزيز تجارة الأمن والسجون وديمومة (المهارشة) الاستراتيجية وصولاً إلى الاستنزاف والتصدع والتفكيك.

4- عقيدة بوش لتفكيك البنية التحتية الاجتماعية العراقية، حيث ألغى الشعب العراقي وطرح فلسفة تنازع الهويات الفرعية وقسم الشعب إلى (أكراد، شيعة سنة، تركمان وآشوريين..إلخ)، ويلاحظ في هذا التقسيم غياب القومية العربية وتقسيم المجتمع العراقي بشكل عشوائي لغرض تعزيز الاضطراب السياسي والأمني وصولاً إلى تقسيم العراق وخصخصة أراضيه وثرواته للشركات وعبر الأدوات السياسية الوافدة.

5- عقيدة (رامسفيلد – تشيني) وفق معايير الخصخصة لأصول الدولة وبيعها للشركات وانتهاج فلسفة الحكومات الفارغة، كما جرى في الولايات المتحدة منذ تسعينات القرن الماضي وطبقت في عدد من الدول التي غزتها آلة الحرب الشركاتية.

6- العقيدة الصهيونية الساعية لتمزيق العراق والعالم العربي إلى دويلات دينية وطائفية وقومية، لتحقق التماثل الجيوبوليتيكي، وتأمين السيادة العسكرية المطلقة، وتحقيق الهيمنة الاقتصادية، والعمل على تطويع الموارد الطبيعية المسيطر عليها عبر زعانفها السياسية كعوامل مغذية للحروب بين الشعوب والدول.

7- العقائد الإيرانية الساعية إلى تمزيق العراق وإضعافه وجعله دويلات نفوذ مركبة متحاربة طائفياً، وتطبيق المذهب السياسي - ولاية الفقيه- في العراق وبما لا يتسق مع طبيعة المكونات العراقية المختلفة، وأضحى العراق قاعدة متقدمة للنفوذ الإيراني المتكامل عبر أدواتها السياسية الميليشياوية والمخابراتية والفكرية.

8- العقائد العربية المشتتة والفاقدة بوصلتها تجاه العراق والساعية لاستخدام الورقة العراقية كمعبر تقرب للولايات المتحدة الأمريكية ضمن فلسفة التقرب غير المباشر وتحقيق منطقة تأثير معينة على حساب العراق.

9- العقائد الطائفية المتشددة، التي تعمل على تمزيق العراق، وتستخدم الستار الطائفي عنواناً سياسياً، وبذلك يتم تطبيق الأجندات الدولية وإلاقليمية، وتستخدم الاحتراب الطائفي منهجية رئيسية في تفكيك العراق وتفتيت ديموغرافيته.

10- العقائد الشركاتية، وتعمل على شد الأطراف وإذكاء العنف والاضطراب الأمني لتجعل من تجارتها ضرورة ملحة لفاقدي البوصلة السياسية وبذلك تفاقم البطالة والجوع وتعزز مظاهر التعذيب والاعتقالات والسجون حتى تبيع أصول الدولة بالكامل.

شهد العراق تطبيقاً سادياً لعقائد ومفاهيم أجنبية وإقليمية وبأشكال مختلفة

 استراتيجية الأزمات الوهمية والمفتعلة

يخضع العالم اليوم لاستراتيجية الأزمات الوهمية والمفتعلة لتحقيق الأهداف والغايات السياسية، وتعد فلسفة عمل دولية تنتهجها الدول الكبرى ضمن سياق القوة الناعمة، ويبدو أن الأزمة الوهمية وافتعال الأزمة في العراق رائجة وبشكل كبير في ظل التناحر السياسي والطائفي بين الأدوات والمسميات السياسية الوافدة بعد غزو العراق، والتي تختلف جذرياً في عقائدها وتوجهاتها وأجنداتها وارتباطاتها مع ركوبها موجة الهويات الفرعية الطائفية، وهذا ما يبرر شكل الدولة الغائب والعقيدة السياسية المفقودة وشكل الطبقة السياسية، وهشاشة المنظومة القانونية، وديمومة الاحتلال والنفوذ الإقليمي وتعاظم الاضطراب السياسي والأمني والاقتصادي، وتعد هذه الأزمات مدخلاً لفرض الإرادة السياسية المركبة في ظل افتقار الأدوات السياسية لفهم اللعبة السياسة وشروطها وقواعدها ومسالكها، مما يحقق القاعدة الفقهية لنظرية الأزمة (الوضع السياسي الصعب والمربك يجبر على بيع ثروات البلد)، وظهر جلياً بيع الدولة العراقية طيلة السنوات الماضية، حيث تفاقمت الأزمات الاجتماعية والسياسية والأمنية وكلها صناعة خارجية، ويبدو أن صناعة الأزمة أو افتعالها تقف خلفها منظومات كبرى تعمل بمنهجية استعمارية معاصرة نشهد ملامحها في عدد كبير من الدول العربية والعراق خاصة، وتستخدم أساليب متعددة أبرزها الخطاب المزدوج والتضليل والخداع وتضخيم التهديد ضمن مسالك الحرب الإعلامية والنفسية المتطورة، وبذلك شهدنا كيف يتبنى العراقي عقيدة هجينة ضد أخيه العراقي كالعنف المفرط والقتل خارج القانون والإعدامات الكيدية والجثث المنزوعة الهوية والتعذيب حتى الموت والاغتصاب الجنسي وانتهاك الأعراض والاستيلاء على الممتلكات الشخصية والتهجير والتفجيرات الإرهابية وسط الشعب، وكل تلك الأساليب هي عقيدة وافدة لدعم الاضطراب السياسي والأمني لتمتلك سلاح الردع السياسي لبيع الدول وتشكيل الحكومات العاجزة، ويمكن استعراض أبرز الأزمات التي يتم تجاهلها وهي:

1- الوجود الأمريكي واستمرار العمليات الحربية على الرغم من إعلان الانسحاب الأمريكي.

2- النفوذ الإقليمي العمودي والأفقي الساعي لتمزيق العراق وجعله دولة مكونات.

3- إدامة الاحتراب الطائفي والعرقي السياسي وتجسيده عبر المؤسسات الحكومية وفق فلسفة المحاصصة الحزبية والطائفية، وتفاقم الاضطراب الأمني الذي يعم العراق كافة مما يدل على عدم جدوى الإنفاق طيلة السنوات الماضية على المؤسسات الحكومية.

4- العمل بمنظومة القوانين التي فرضها الحاكم المدني بريمر وبأمر من (البنتاغون) وأبرزها الدستور والاجتثاث وقانون الإرهاب لغرض إبعاد الطبقة الوسطى عن إعادة بناء الدولة، وبذلك يخلق الفراغ المهني ليتم تعويضه بعقود مالية كبرى مع الشركات الأمريكية وهذا ما يحصل بالضبط.

5- محي الذاكرة الوطنية وتغيير المعالم الأساسية لكيان العراق وصولاً إلى التقسيم.

6- تشكيل الدولة على أسس افتراضية غير واقعية وفق النموذج الأمريكي الراديكالي المعتنق للعنف وتعزيز العوامل المغذية للإرهاب والجريمة مما يوجد حالة من النفور الشعبي الطوعي ويزيد الكراهية المجتمعية.

7- اندثار منظومة القيم الوطنية واستبدالها بالهويات الفرعية الطائفية والسياسية مع بروز طبقة المتعهدين السياسيين وتجار الموت والذين أصبحوا أثرياء من المال العام.

8- غياب شكل الدولة العراقية والعقيدة السياسية الجامعة مما يفتح باب التدخلات الخارجية من أوسع أبوابها.

9- الاستنزاف المجتمعي وغياب التنمية البشرية في ظل تعاظم التزوير وظاهرة الاعتقالات والتعذيب المنظم والاغتيالات المنظمة و(طوئفة) القوة وغياب الولاء واتساقه مع مفاهيم المحاصصة الحزبية.

10- تفاقم دور الشركات الأجنبية ومنها الأمنية الخاصة والمحصنة قانونياً والمستقلة عملياتياً والتي لا تخضع للمساءلة القانونية وخصوصاً إهدار المال العام.

11- استخدام وصفة الإرهاب الأمريكية بدوافع سياسية وطائفية كيدية ضمن سياسة ازدواجية المعايير والاستئثار بالسلطة.

12- تعاظم الفساد السياسي والمالي والإداري وحصانة الرموز الفاسدة والمتهمة بجرائم ضد الإنسانية.

13- تعاظم العجز المالي والمديونية والفوائد التي تعد سلاحاً سياسياً فتاكاً.

14- تسييس القضاء وعدم فصل السلطات وتطويع مقدرات الدولة للحزب وفق مفهوم الحزب الواحد.

15- الفاقة والجوع والبطالة والأيتام والأرامل والمهجرين والضحايا.

غالبية المسميات السياسية العاملة في العراق تمتهن العنف والإرهاب السياسي المنظم

 وتفاقمت الحروب الأيديولوجية في ظل غياب الدولة والإرادة السياسية الوطنية وتكالب الأطماع الدولية والإقليمية، وشيوع ظواهر الإنعاش السياسي الوهمي عبر توظيف المؤسسات الإعلامية ومكاتب العلاقات العامة، والإنفاق الهائل عليها لتطبيق سياسة الهروب إلى الأمام وتخطي الأزمات من دون معالجتها، وإصرار أحمق على تجاهل المشاعر الجماهيرية وكذلك المتغيرات الأساسية في مسرح الصراع الدولي، والتصدعات الكبرى في اللوحة الاستراتيجية العربية، ويعد العراق محوراً جيوسياسياً مهماً، ونظراً لغياب العقيدة السياسية الوطنية الجامعة والاستراتيجية الشاملة الناجعة، نجد أن الدور الحكومي في الوقاية الوطنية غائب تماماً بل يسبب الأزمات في الغالب، مما يفسح المجال لتفاعل المذاهب السياسية بكافة أشكالها في العراق، وبرز هذا جلياً على شكل مناظر دموية مؤلمة يبدو أنها سلاح سياسي بين الأحزاب أفقياً والقوى الدولية والإقليمية عمودياً، خصوصاً أن غالبية المسميات السياسية العاملة في العراق تمتهن العنف والإرهاب السياسي المنظم، وعدد كبير منها زعانف لأجندات مفروضة على العراقيين، مما يجعل البيئة العراقية متقدة وتتجه إلى الانفجار العشوائي المبعثر، وبالتأكيد هذا الانفجار ليس أزمة وهمية، بل هو واقع وطوفان سيجتاح العراق والمنطقة، ويفتح الأبواب لمئات التكهنات والنتائج الكارثية.

مجلة آراء حول الخليج