array(1) { [0]=> object(stdClass)#12966 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 173

دولة الإمارات العربية المتحدة: تاريخ راسخ ومستقبل مشرق

الإثنين، 25 نيسان/أبريل 2022

قبل نصف قرن تقريبًا أعلن عن ولادة كيان سياسي جديد في منطقة الخليج العربي. لم يكن ذلك الكيان السياسي كيانًا تقليديًا، بل منذ ولادته تميز بأنه سابق لعصره وأوانه من حيث النشأة والفكر السياسي. فلم تشهد منطقة الخليج قبله اتحادًا بهذا الشكل وذلك التوجه ولم تكن قيادته السياسية قيادة بدوية تقليدية. فقد تميز اتحاد الإمارات منذ نشأته بأنه ليس اتحادًا فدرإلىا أو كونفدرإلىا، بل قائمًا على أسس مشتقة من تراث وقيم المنطقة الغائرة في القدم، كما تميزت بقيادة سياسية أسهمت إلى حد كبير في استقرار الاتحاد وتقدمه.

منذ أكثر من قرن ونصف كتب المقيم البريطاني في الخليج، لويس بيلي، انطباعاته عن زياراته للخليج قائلاً: "ما أن تلتقي بالعرب (عرب الجزيرة العربية بالتحديد) حتى تفهم كيف استطاعوا يومًا أن يفتحوا العالم، وقد تتركهم وأنت مقتنع بأنهم لا يزالوا يملكون الخصائص والسجايا التي يمكن أن تعيد لهم صيتهم مرة أخرى إذا ما تحققت الظروف الملائمة". ففي اعتقاد بيلي إن الخصائص التي يمتلكها القائد في القبيلة، وكيفية تشكلها بفعل الظروف هي التي تصقل شخصية القائد وتمنحه السمات التي يتمتع بها، وهي بالتإلى من أسباب رقي المجموعة البشرية التي يعيش ضمنها. فهذه السمات هي التي تصنع المرتكزات التي يستخدمها القائد القبلي للمجموعة البشرية وهي التي تحقق له النجاح في الحكم والقيادة.

هذه المقدمة هي التي رسمت الملامح الرئيسة لتطور منطقة الإمارات من القبيلة إلى الدولة العصرية الحديثة وكيف حظيت دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة سياسية بدوية لكنها امتلكت رؤية مستقبلية واعدة كانت السبب وراء نجاحها وتخطيها الكثير من العوائق السياسية والتنموية. لهذا فالنهج الذي اختطه مؤسسو الاتحاد الأوائل وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، كان السبب وراء تلك الطفرة التي حققتها الدولة لكي تصبح وفي زمن قياسي من عمر الشعوب، لاعبًا سياسيًا مهمًا على الساحة الدولية.

 

بوادر التأسيس ورصد التحولات

لقد نجحت الإمارات العربية المتحدة في التغلب على كافة العوائق التي واجهتها حيث تمكنت من خلال وضع الخطط والبنى الهيكلية الناجحة من فرض نفسها على الساحة الدولية كأنموذج تنموي فريد لا مثيل له في العالم. ففي 2 ديسمبر 1971م، ولدت دولة الإمارات الأمر الذي أسس لمرحلة تاريخية مهمة من تاريخ منطقة الخليج العربي.

وقد راهن قلائل من المراقبين الذين تابعوا تأسيس الدولة لحظة ولادتها على بقاء الاتحاد لكي يشهد أعوامه الأولى. البعض أعرب عن أمنيته في أن يرى الاتحاد يجتاز عقده الأول دون صعوبات، والبعض الآخر كان تركيزه منصبًا على العوامل التي يمكنها أن تعرض الاتحاد للاهتزاز عوضًا عن التركيز على العوامل المشتركة التي تجمع الإمارات السبع.  قليل من المراقبين توقعوا كل هذا النجاح والتطور والاستمرارية التي شهدها الاتحاد لكي يحتفل إلىوم بدخول عقده السادس.    

كان تأسيس الاتحاد وقيامه بمثابة تحدي كبير لمشيخات الإمارات خلال الستينيات من القرن العشرين. فلفترة طويلة كانت الإمارات تعد "إمارات مستقلة تحت الحماية البريطانية" بموجب اتفاقية الحماية البريطانية لعام 1892م، والتي وصفت إمارات الساحل المتصالح بأنها إمارات مستقلة تحت الحماية البريطانية، وكان حكامها يتمتعون بسلطة ذاتية قوية على قبائلهم وأرضهم وأحيانا كثيرة على قبائل تعيش خارج نطاق أرضهم وحدودهم الجغرافية. ومما ساهم في تكريس سلطتهم القبلية على تلك القبائل هو الولاء الذي كانت تظهره تلك القبائل لشيخ القبيلة، أينما كان تواجده، ليس فقط بوصفه قائدًا سياسيًا، ولكن رمزًا من رموز القيم البدوية الأبوية المتوارثة. لذلك فظهور شكل سياسي جديد يتمثل في اتحاد يجمع بين كل تلك الإمارات كان في نظر الكثيرين، ليس فقط فكرة مستبعدة، بل ومستحيلة.  

لم تكن التحديات سياسية فقط، بل واقتصادية أيضًا. فلم تكن منطقة الإمارات قبل ظهور النفط تعاني من شح الموارد الطبيعية، بل وندرتها أيضًا؛ فحرارة المناخ وقلة المياه العذبة كان يعني أن الزراعة محدودة، باستثناء بعض الواحات، ولهذا اعتمد السكان على البحر. وكانت الحرف البحرية مثل صيد السمك والغوص على اللؤلؤ والتجارة من أهم وسائل العيش لسكان الإمارات.

ولكن على الرغم من تلك التحديات الاقتصادية والنظريات السياسية المبنية على أسس ورؤى غير متوقعة إلا أن منطقة الإمارات كانت مهيأة للحظة اتحادها معتمدة على تاريخ طويل وإرث قوي من القيم وعناصر القوة المشتركة.

عناصر كثيرة ومؤثرة لعبت دورًا مهمًا في لم شمل الإمارات ودفعها نحو الاتحاد تتمثل في وحدة المصير واللغة وجغرافية الأرض وتماثل الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك لعبت عوامل خارجية دورًا كبيرًا في دفع عجلة الاتحاد قدمًا إلى الأمام كالمتغيرات العالمية والإقليمية التي طالت منطقة الخليج خلال فترة الستينيات. كل تلك العناصر تضافرت لتجعل من الاتحاد ليس فقط ضرورة شعبية، بل وإقليمية أيضًا.    

ساهمت جهود الآباء المؤسسين منذ البداية في أن تضع دولة الإمارات لنفسها إطارًا سياسيًا مختلفًا عن غيرها، وقواعد بنيان صلبة لا يوجد لها مثيل في المنطقة العربية كلها؛ قواعد لكيان سياسي ناجح يستقي أسسه ومبادئه من طبيعة المنطقة وليس من تجارب سياسية خارجية مستوردة. فبناء كيان سياسي جديد وفق قواعد بنائية عصرية حديثة وخلق ولاء وطني بين القبائل كان من أكبر التحديات التي واجهت بناة الاتحاد. ولكن الآباء المؤسسين نجحوا في تخطي كافة العقبات وإلى تحويل الاتحاد إلى حقيقة واقعة.

لم يكن التأسيس هو الصعوبة الوحيدة ولكن الأصعب هو ديمومة الاتحاد في ظل فشل التجارب الوحدوية الإقليمية والعربية المعاصرة. فالمتغيرات التي كانت تموج في منطقة الخليج العربي وإقليم الشرق الأوسط آنذاك كانت كبيرة وخطيرة ولم يكن من السهل تجاوزها دون التخطيط ووضع الاستراتيجيات وبناء القدرات البشرية.

كان التصميم لدى الآباء المؤسسين كبيرًا. فقد قرروا حماية هذا المنجز الوليد بكل صبر وحكمة لكي يبقى ويقوى ويتطور وينمو كشاهد على حنكة وحكمة الآباء المؤسسين.  وهكذا اشتد عود اتحاد الإمارات وترسخ وأثبت للجميع بأنه ثمرة كفاح الآباء المؤسسين وأنه تجربة صادقة تستحق أن تروى وتدخل كتب التاريخ كأنموذج صادق على قوة الإرادة والتصميم.

لقد أصبحت الإمارات اليوم أنجح تجربة وحدوية عربية وأنجح تجربة تنموية واقتصادية في الشرق الأوسط. فإنشاء القدرات الوطنية وخلق ولاء للكيان الاتحادي عوضًا عن القبيلة أو الإمارة كان من أكبر التحديات، يليه بالطبع إبقاء شعلة الاتحاد مضيئة عن طريق ترسيخ دور المؤسسات الاتحادية وبناء بنية تحية متطورة. وهكذا أصبح اتحاد الإمارات تجربة سياسية واقتصادية وتنموية استثنائية تستحق أن تروى للأجيال الجديدة.

لعبت شخصيات قيادية دورًا مهمًا في ترسيخ الكيان الاتحادي. ففي تاريخ الإمارات بصمات راسخة لشخصيات فذة قدمت للاتحاد الكثير وخلقت واقعًا جديدًا لمجتمع قل نظيره بين مجتمعات العالم المتحضر، شخصيات نجحت في توظيف كل مهاراتها السياسية والقبلية لتضمن دفع قضية الوحدة الوطنية والقومية العربية إلى الأمام.

فمنذ البداية وضعت القيادة الإماراتية لنفسها خطة عمل واضحة. فهناك عين على الماضي وأخرى على المستقبل. فلا غرو أن يتحدث الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان عن الرغبة في حماية المنجز الثقافي والوطني والانطلاق نحو المستقبل بهوية وطنية حقيقية.  "من ليس له ماضي ليس له حاضر ولا مستقبل" عبارة قالها زايد حيث تجسد إصرار الدولة على التقدم مع الحفاظ على إرثها الحضاري وهويتها الوطنية.

وكانت دولة الإمارات مدركة بأن الاستعداد للمستقبل هو مطلب ملح وضروري لاستمرار التنمية وبناء القدرات الوطنية من خلال التخطيط الممنهج القائم على الاستثمار الأفضل للموارد الطبيعية والبشرية. كان تنويع مصادر الدخل من أهم التحديات في بيئة طبيعية قاسية. وهكذا نجحت الإمارات خلال عقدين من تأسيسها ليس فقط في تنويع مصادر دخلها والاتجاه نحو الاستثمار في موارد اقتصادية بديلة وتنشيط السياحة كمدخل لتنويع مصادر الدخل، بل وفي الاستثمار في العنصر البشرى المواطن من ناحية توفير التعليم والتدريب المناسب.  

كما خلقت بيئة مناسبة لعمل المرأة كشريك مهم في عملية التنمية المستدامة. وفي سنوات قلائل أصبحت الإمارات أنموذجا في عملية تميكن المرأة. وهكذا أصبح الاتحاد من أنجح التجارب التنموية في العالم العربي بفضل قيادته التي صنعت الفرق.

وفي العام 2004م، فقدت دولة الإمارات رائد ومؤسس نهضتها الحديثة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وتولى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد مقاليد الحكم في إمارة أبو ظبي ورئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد شهدت الدولة منذ تلك الفترة انطلاقة قوية في كافة المجالات كشاهد على الرغبة في التحديث وفي جودة الحياة والانضمام إلى ركب صناع التاريخ. فقد تبنت الدولة مفاهيم إدارية حديثة نقلتها إلى مصاف الدول المتقدمة، وأصبحت الإمارات لاعبًا مهمًا على الساحة العالمية.  ففي حديثه

عن استعداد الإمارات للخمسين القادمة أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، منهج الدولة حين قال: "نريد تطوير خططنا ومشاريعنا وتفكيرنا، ونريد العام المقبل تصميم الخمسين عامًا القادمة للأجيال الجديدة. إنها مرحلة محورية ومهمة من تاريخنا المعاصر ونحن نستعد للاحتفال في أجواء يملؤها الأمل والطموح لوضع بصمتنا الحضارية الخاصة في مسيرة التاريخ الإنساني". 

حديث القيادة السياسية ينبض بالأمل والتفاؤل والإيمان بقدرة إنسان الإمارات على قهر المستحيل. وما تصر عليه القيادة هو العمل والبناء والإضافة المتميزة للمنجز الاتحادي بحيث يصبح هذا المنجز أهم ما سوف يخلفه الجيل الحالي للأجيال الجديدة. فبناء الإنسان والاستثمار في الثروة البشرية هو في الواقع رصيد الإمارات الباقي والذي سوف تفتخر به كل الأجيال. ولذا فإن الاستثمار في التعليم والصحة وفي الاقتصاد الرقمي والبنية التحتية المتطورة وفي بناء إعلام قوي وصادق قادر أن ينقل صورة الإمارات الصحيحة للعالم هو ما تطمح له الدولة دومًا وابدًا.

عززت الإمارات حضورها العالمي وانطلقت بمشاريع طموحة معتمدة على إرث قوى من القيم الإنسانية، وتصميم عميق على العمل والبناء المتقن حيث تتسابق دولة الإمارات للحفاظ على منجز مهم ألا وهو التنافسية مع غيرها من الأمم للحفاظ على مراكز متقدمة في العديد من المؤشرات التنموية. فقد تحولت الدولة إلى الحكومة الرقمية لتصبح تجربة الإمارات من أنجح التجارب في هذا المجال. وواصلت الإمارات تقدمها في كافة المجالات التنموية. فالتقدم العلمي واستكشاف الفضاء هي خطوة صحيحة على طريق المستقبل. فمسبار الأمل الذي وصل إلى المريخ يوم 9 فبراير 2021م، يثبت قدرة الإمارات على التقدم في حقول العلوم المتقدمة والمنافسة مع غيرها من الدول المتقدمة.

وقد واصلت الإمارات تقدمها في المراتب المتقدمة وحصدت لها تلك التنافسية المراكز الأولى في العديد من المجالات العلمية والتنموية. ويأتي احتضان الإمارات لمعرض اكسبو 2020م، كخطوة قوية نحو العالمية. فدولة الإمارات اليوم تحتل المرتبة الأولى عالميًا في أكثر من 437 مؤشرًا.

لقد أصبحت دولة الإمارات خلال الخمسين عامًا الماضية الأولى عالميًا في الاستقرار الاقتصادي، وفي تمكين المرأة، وفي البنية التحتية، ومؤشر الأمن والأمان. كما أصبح جواز السفر الإماراتي يدخل 162 دولة دون تأشيرة. كما أن سياسة الإمارات في الانفتاح على العالم وإقامة علاقات مع كافة دول العالم هي رسالة محبة تبعثها الإمارات للمجتمع الدولي. كل ذلك تحقق بفضل جهود حثيثة من العمل والبناء لتحقيق الرخاء لشعب الإمارات.  

آمنت دولة الإمارات بأن المستقبل هو حاضر الأجيال الجديدة كما آمنت إيمانًا راسخًا بأهمية الاستعداد لهذا المستقبل بكل ما يحمله من تحديات واستعدادات لوجستية وعلمية.  وبما أن المستقبل هو للعلوم المتقدمة والذكاء الاصطناعي والبحث العلمي فقد جعلت من هذه الحقول أولويات حين خصصت لها وزارات مسؤولة وميزانيات ضخمة.

ومنذ العام 2020م، وهو العام الذي شهد تكاتف الجهود الدولية لدرء آثار الجائحة، لعبت الإمارات دورًا فاعلًا في مساعدة العالم ليصبح أكثر أمنًا وأمانًا. فدولة الإمارات مدركة بأنها لا تستطيع جعل الإمارات أمنة مادام العالم من حولها غير آمن. ولهذا قامت الدولة بتوفير اللقاح الطبي ليس فقط لمواطنيها والقاطنين على أرضها بل وللدول المحتاجة أيضًا.

لقد تخطت دولة الإمارات مراحل عمرها الأولى بكل ثقة ودخلت النصف الثاني من المئوية الأولى من عمرها بكل تفاؤل وإيجابية بما سوف يحمله المستقبل لها من نمو وتطور وازدهار حضري وحضاري. في الوقت ذاته أظهرت نجاحًا كبيرًا في سياستها الرامية إلى التنويع الاقتصادي، حيث جعلت اقتصادها الأقل انكشافًا أمام التقلبات التي يواجهها الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار النفط، الأمر الذي ساهم في جعل اقتصاد الإمارات الثاني عربيًا من حيث القوة والتنوع.

ولم تكتف بذلك بل رفعت سقف طموحها عاليًا عبر مشاريع علمية وتقنية رائدة. فمشاريع الفضاء هي رسالة للعالم أجمع بأن الإمارات قادرة على وضع بصمتها الحضارية على الخارطة العالمية كدولة مهتمة بالاكتشافات العلمية وتسخير ذلك في منفعة البشرية كافة. لقد أصبحت الإمارات اليوم لاعبًا قويًا على الساحة العالمية ورقمًا صعبًا في الاقتصاد العالمي وأنموذجًا رائدًا في التنمية ونمط رائع للتعايش السلمي والانفتاح بين دول العالم والأهم من ذلك كله أصبحت معادلة الإمارات للتنمية المستدامة المعادلة الصحيحة لبناء الأمم المتحضرة القادرة على التعايش مع محيطها وعلى احتواء الأزمات والمتغيرات بكل قدرة وجدارة.

هكذا تدخل الإمارات المستقبل بخطى ثابتة وقامة مرفوعة تقودها قيادة آمنت بالاتحاد بوصفه الطريق لتقدم الإمارات ونهضتها كما آمنت بالثوابت الوطنية التي قام عليها الاتحاد وتبناها الآباء المؤسسون. كما أن هناك تركيز كبير على المستقبل والاستعداد له عن طريق وضع الاستراتيجيات والخطط والاستثمار في بناء الإنسان القادر على العبور بالدولة بجدارة للمستقبل والتغلب على تحدياته.  

وسوف تظل الإمارات واحة أمن وأمان ليس فقط لمواطنيها بل ولملايين من البشر القاطنين فيها والذين جاءوا للعيش والعمل. إن العالم يتطلع اليوم إلى أنموذج الإمارات في التعايش السلمي والتسامح والانفتاح كأنموذج متفرد على الساحة العالمية يستحق التطبيق.  

وما إن ظهرت بوادر التعافي من آثار الجائحة على الاقتصاد العالمي حتى كانت الإمارات من أوائل الدول في مؤشرات التعافي الاقتصادية. فلقد نجحت الإمارات ليس فقط في التصدي لآثار الجائحة، بل وفي الاستفادة من تلك الفترة لكي تستقبل أضخم الاستعدادات للنصف الثاني من مئوية الإمارات من خلال أكبر استراتيجية عمل وبناء وطني في مجالات حيوية كالتعليم والصحة والحوكمة الذكية والعلوم المتقدمة والفضاء والاستثمار في الإنسان، ودخلت بذلك مرحلة محورية ومهمة من تاريخها وهي اليوم تكمل عامها الخمسين يملؤها الأمل والطموح وتضع بصمتها الحضارية الخاصة في مسيرة التاريخ الإنساني. فما أنجزته خلال النصف قرن الماضي حاز على إعجاب وتقدير العالم، وهي تتطلع اليوم للمستقبل بعين الرضا والأمل. فدولة الإمارات لم تبن أطرها على قواعد مادية، بل عززت تلك الأطر بقواعد إنسانية وأخلاقية عالية حيث تعد دولة الإمارات سباقة في تبنى قيم ومفاهيم إنسانية وتحويلها إلى أساليب حياة عصرية تتباهى بها أمام الأمم المتحضرة.

فالإيجابية والسعادة والتسامح والتعايش كلها مفاهيم إنسانية معنوية غير ملموسة، ولكن في الإمارات تم وضع الأطر اللازمة وعصرنتها لتصبح ممارسة وأسلوب حياة وفن إداري راقي تحرص المؤسسات الرسمية والخاصة على تبنيها. وقد تجذرت هذه المفاهيم في مجتمع الإمارات بحيث يلمسها ويحس بها كل من يعيش على أرض الدولة. وربما يتساءل البعض عن جذور هذه القيم ومن نوعية التربة التي استقى منها أهلنا تلك الثقافة الإنسانية، وكيف تم تحويلها إلى ممارسة يومية دونما أي معوقات.

الأجوبة تكمن في جذور هذه المفاهيم المغروسة في أعماق تربة الإمارات. فقد استقى أهل الإمارات من حياتهم الماضية والتي كانت عبارة عن صراع مع الطبيعة القاسية، معاني المشاركة الوجدانية، والكرم، والشهامة، والفضيلة. هكذا رسم الأجداد خريطة الحياة والمعاش مع الجوار الإقليمي حينما اختاروا السلام وحسن الجوار منهجًا وطريقًا. وهم في ذلك إنما يتأسون بمنهج القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان (طيب الله ثراه) الذي رسم لهم خطوط حياتهم بطريقة بسيطة وخالية من التعقيد.

لقد كانت فلسفة زايد الإنسانية تقوم على أسس أخلاقية واضحة ألا وهي نبذ العنف والعنصرية وقبول الآخر والإيمان المطلق بحقوق الإنسان وبالأخوة الإنسانية. إن دولة الإمارات اليوم تتباهى أمام دول العالم بجملة من الممارسات الإدارية التي رفعتها إلى مصاف الأمم المتحضرة. ولكن ربما تكون قيمها الإنسانية هي التي ميزتها عن غيرها من الأمم وأظهرت نموذجها المختلف والمتفرد.

فزيارة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان لدولة الإمارات في فبراير 2019م جعلت العالم ينظر إلى دولة الإمارات نظرة فيها الكثير من الاحترام لأرض التسامح التي احتضنت فوق ترابها أكثر من 200 جنسية جاءت من كل بقاع العالم. وفرت لهم حرية الدين والمعتقد حيث يجد هؤلاء المهاجرون أماكن ودور العبادة ليمارسوا عقائدهم بكل حرية وسهولة. كما جاء الاتفاق الإبراهيمي في أغسطس عام 2020م ليشكل منعطفًا كبيرًا في تاريخ الإمارات وعلاقاتها مع دول العالم. فقد قامت الإمارات بعقد معاهدة سلام مع دولة إسرائيل لتضع نهاية لعقود من المقاطعة وتقدم لدول العالم أنموذجًا آخر من الانفتاح على العالم.

مقالات لنفس الكاتب