array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الإصلاح الحقيقي المتوازن أهم ما يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة

الجمعة، 01 نيسان/أبريل 2011

هذه مقتطفات من بحث مطول كتبته عن العلاقة بين الإصلاح السياسي والاستقرار السياسي والأمن في معظم دول الوطن العربي، لعلها تصلح كمقال ضمن ملف الإصلاح في منطقة الخليج العربي، الذي تخصص له مجلة (آراء) العزيزة هذا العدد منها. وقد لا يجد القارئ فيها خصوصية الخليج. لكنه، وهذا هو المأمول، ربما يجد فيها بعضاً من (عمومية) العرب، خاصة في هذا الوقت الحاسم الذي يمر به معظم وطننا العربي.

 رغم شجب الغالبية العربية والإسلامية الرسمي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وبصرف النظر عن الموقف منها – باعتبارها عملاً إرهابياً فظيعاً – فإنها كانت على أية حال أحد ردود فعل الجانب العربي والإسلامي (المتطرف) على السياسات الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي، وسياسات التحالف الامبريالي – الصهيوني في المنطقة العربية. لقد كان هذا الفعل بشعاً، ولا شك لا يمكن قبوله، أو حتى تبريره (باعتبار أن أذاه طال الأبرياء).

لكنه كان في حقيقته أسلوب (الإرهابيين) في الرد على السياسات الأمريكية المعروفة، والتي يثير معظمها لدى كافة الفئات الاستياء والكراهية، وحتى الإرهاب، لكونها سياسات عدائية وبالغة السلبية والقهر. خذ (مثلاً) تصويت أمريكا مؤخراً ضد قرار أممي بإدانة الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا ما يؤكد أن أولى خطوات القضاء على الإرهاب ضمن خطوات عدة لا بد أن تكون تعديل وتغيير تلك السياسات، بما ينزع عنها صفات القهر والاستغلال واللعب بمصائر الشعوب. فكل خبراء مكافحة الإرهاب الموضوعيين يرون أن المكافحة الفعالة تستلزم، أول ما تستلزم، تعديل السياسات الباطلة، التي بطبيعتها تعتدي على الحقوق، ومن ثم تستفز المشاعر، وتثير الرفض والاستنكار، وقد تدفع إلى استخدام العنف أو تأييده.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية أدركت هذه الحقيقة، أو تذكرتها من جديد رغم مكابرتها ونفيها أن ينتج عن تلك الأحداث أي تغيير أو تعديل في سياساتها تجاه العرب والمسلمين. فكان أن قرر أساطين سياستها محاولة إجراء تغييرات شكلية في سياساتهم تلك، وهم يعرفون أن أبرز ما يسبب هذه الكراهية الشعبية العربية والإسلامية، تجاه أمريكا، هو:

أولاً: وقوفها وراء بعض الأوضاع السياسية السلبية في بعض أرجاء العالمين العربي والإسلامي، ومن ذلك احتلال وتدمير العراق بعد شن عدوان غير مسبوق عليه ودعمها الانتهازي لأنظمة قمع عربية.

ثانياً: دعمها المطلق للعدوان الإسرائيلي على الأمة العربية.

فقرر أولئك الساسة في بداية الألفية الثالثة إطلاق فكرة (الإصلاح السياسي) لمعالجة السبب الرئيسي الأول، وحاولوا حل (تصفية) القضية الفلسطينية، بما يتوافق ورغبة ومصالح إسرائيل، فأطلقوا مشروع (خريطة الطريق) الهلامي للتعامل مع المسبب الثاني.

لكن الإدارة الأمريكية لم تكن جادة (على الإطلاق كما تأكد فيما بعد) في إجراء ترميم حقيقي لعلاقات أمريكا بالعرب والمسلمين. فـ (الإصلاح) الذي أرادته صيغ على مقاس المصالح والرؤى الأمريكية فقط. وتجاهلت أمريكا (خريطة الطريق) (الحل الذي ارتأته) بعد أن تأكدت أن أهداف وطموحات إسرائيل تتجاوز كثيراً حتى هذا الحل العجيب.

فكرة الإصلاح، إذاً، ظهرت بقوة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فساد التفكير في ماهيتها وعواملها وسبل تحققها.. إلخ. وكالعادة، سارع أغلب الإعلام الأصفر إلى الاهتمام بتلك الفكرة، وجعلها لفترة أحد محاور اهتمامه، لكن من زاوية كل وفق ما يريد، وبحسب المعنى الذي يتطلع أن يفهم به هذا المصطلح. وغنى كل على ليلاه من دون سواها. وضرب بالمنطق السليم كالعادة عرض الحائط.

لقد تسابق المفكرون والمثقفون في طرح أوراق عملهم وتقاريرهم. وكلها تجمع على أن الزمن قد تغير، وأن التغيير الكبير حتمي وقادم لا محالة. لكن، وبعد مرور حوالي اثنتي عشرة سنة على هذه الأحداث الجسام، فإن المشهد الآن يبدو مختلفاً كلياً عما كان عليه من قبل. فقد تم احتواء زخم الإصلاح وتطويقه بل نبذ فكرته، ضمناً، على الأقل. وعادت (حليمة) – كما يقولون – إلى عادتها القديمة. لكن الشعوب أخذت هذه المرة زمام المبادرة (تونس، مصر، ليبيا، وغيرها).

فرغم ذلك، وأيضاً رغم تراجع زخم التطوير (مرحلياً) إلا أن الإصلاح أو التطوير ظل دائماً أمراً حتمياً، سواء دفعت إليه هذه الجهة أو تلك ولأسباب تخصها أو لا تخصها. وثبت أن توقف التطوير والمراجعة أمر ضد نواميس الحياة وقوانينها. كما أنه كان وما زال يعني تفاقم الأوضاع السلبية والسيئة، وتحولها من سيئ إلى أسوأ، الأمر الذي سيعني اتساع الخرق على الراقع مع مرور الزمن. ذلك هو أقرب الاحتمالات للحصول، في حالة توقف أو تعثر عمليات التطوير والتنمية الحقيقية.

 المتغيران الكبيران

والواقع أن مصطلح (الإصلاح السياسي) يعني (التنمية السياسية الإيجابية)، التي تعرف بأنها (العملية المستمرة التي تضطلع بها الحكومات والنخب لزيادة المشاركة السياسية لشعب ما معين، وتدعيم انصهاره الوطني، ورفع مستوى وعيه السياسي، ووضع ودعم وتعديل القوانين الأساسية الضرورية، وإقامة المؤسسات السياسية التي تستوعب القوى السياسية والاجتماعية المختلفة في المجتمع في إطار دستوري منظم. وذلك لأقصى حد ممكن).

ومن دون الدخول في شروح مطولة لهذا التعريف، وأهم مضامينه، وعناصر الإصلاح الأساسية، يمكننا القول إن جوهر التنمية المذكورة وأكبر وأهم عناصرها هو المشاركة.

ومن ناحية أخرى كثيراً ما يعرف (الأمن الوطني والإقليمي) بأنه استتباب النظام، وسيادة القانون على أسس تقبلها غالبية المعنيين أو غالبية السكان. أي أن رضا الغالبية المذكورة هو الأساس اللازم لاستتباب الأمن الحقيقي. وبما أن التنمية السياسية تستهدف تحقيق رضا الناس، عبر أبرز عناصرها، وهي المشاركة، كان لا بد من وجود علاقة طردية بين هذين المتغيرين: التنمية السياسية الإيجابية، والأمن الوطني والإقليمي. وكما يقول علماء السياسة كلما فعلت التنمية السياسية إيجاباً، تتصاعد فرص التنمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ويترسخ الأمن قطرياً وإقليمياً ومن ثم عالمياً.

إذاً، نحن هنا نتحدث عن عاملين مترابطين هما: التنمية السياسية الإيجابية، واستقرار واستتباب الأمن على المستويين القطري والإقليمي. ولهذين المتغيرين بعدان، بعد داخلي، وآخر خارجي. ويتجسد البعد الداخلي في موقف القوى الداخلية المتنفذة من هذين المتغيرين. والبعد الخارجي يتمثل في موقف القوى الدولية المتنفذة المعنية خاصة أمريكا والغرب الامبريالي تجاه هذين الأمرين.

وسنحاول فيما تبقى من هذا المقال إيجاز أهم ملامح هذين الموقفين، في غالبية عالمنا العربي، راجين أن يحظى هذا الموضوع بمزيد من الدراسات الجادة من قبل السادة كتّاب هذه المجلة الغراء، وغيرها من المطبوعات الرصينة.

 أهم الملاحظات في البعد الداخلي:

حقيقة يجب ألا يستغرب المرء ما يحدث من اضطرابات تصيب، من حين إلى آخر، هذا المجتمع العربي أو ذاك. فهي إفراز طبيعي للواقع الذي تعيشه تلك البلدان. وإذا عرف السبب بطل العجب. والواقع أن ما يحصل في تلك الدول قابل للحصول في غيرها من الدول ذات الأوضاع المتشابهة فعلاً، لأن الحدث الاجتماعي – السياسي قابل للحصول في أي بيئة طالما توفرت شروط حصوله الرئيسية، وبصرف النظر عن الاختلافات في التفاصيل والمسميات.

ويمكن القول إن التشابه السياسي – الاجتماعي فيما بين كثير من الدول العربية والنامية، يجعل الصورة العامة، التي غالباً ما يكون عليها الوضع السياسي والأمني العام في تلك الدول، متشابهة هي الأخرى. وهذا التشابه هو الذي يجعل التعميم صحيحاً إلى حد كبير والاستنتاجات مفيدة لكثير من المعنيين والمراقبين.

 والجدير بالذكر هنا، أن كل مجتمع في العالم تقريباً يحفل، مثله مثل غيره، بالكثير من الاتجاهات السياسية المختلفة، وغالباً ما تتجسد تلك الاتجاهات (وخاصة في الدول ذات الحكومات الديمقراطية) في أحزاب سياسية متنوعة يسعى كل منها إلى الوصول إلى السلطة، أو إلى أكبر قدر ممكن منها عبر الوسائل المختلفة، وفي مقدمتها صناديق الاقتراع. وهذا أيضاً أمر طبيعي يلاحظ في كل مجتمع إنساني متحضر وعلى مر العصور.

وباستقراء الواقع في أغلب الدول العربية، نجد أن في كل من هذه الدول اتجاهات سياسية مختلفة، تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على خط التنوع الأيديولوجي. لكن هناك اتجاهات رئيسية ثلاثة بارزة تلاحظ في غالبية هذه الدول بصفة عامة. ويمكن تلخيص كل من هذه التيارات كما يلي:

1- الاتجاه السلطوي: الذي غالباً ما يتجسد في (مجلس قيادي) أو ما شابهه يمثل قلة (حاكمة) في مواجهة غالبية شعبية، ولضمان بقائه وتسيده يعتمد على القوة بصفة رئيسية وعلى دعم المناصرين والمستفيدين في الداخل والخارج. وغالباً ما يحاول هذا الاتجاه رفع شعار براق يعتبره قضيته، منصباً نفسه المنافح الأول عنها.

2- اتجاه يدعو إلى تحكيم رأي الأغلبية، ومراعاة حقوق الأقليات وفق دستور عام ترتضيه الغالبية، ويكون قائماً على مبادئ العقيدة الأساسية للغالبية، متبنياً المبادئ المبجلة عالمياً، وهي: تحكيم رأي ومصلحة الغالبية، الحرية، العدالة، المساواة، والتكافل الاجتماعي.

3- اتجاه يدعو إلى تسيد قلة، تدعي أنها تمثل الغالبية، وتمتلك (الحكمة الكاملة)، لكنها لا تخفي رغبتها في الإجحاف بحق الأقليات، وربما إلغاء النظام الدستوري وممارسة طغيانية مرذولة، تصل إلى مستوى الفاشية البشعة. ويؤخذ على هذا الاتجاه (ماضوية) فكره، وعدم وضوح البديل العملي، الذي يقدمه لـ (ما هو كائن) وغموض أهدافه ووسائله، واستعداده للبطش بمن يختلف معه، وميله لإقامة دكتاتورية جديدة بمسمى مختلف على أنقاض دكتاتوريات بائدة.

 ويحظى هذا الاتجاه بدعم جماهيري (دوغماغي) كبير، رغم غموض أهدافه ووسائله الفعلية. ويعزى ذلك إلى أن قادة هذا التيار يعزفون على أكثر الأوتار حساسية لدى غالبية عامة الناس.

تلك هي – في رأي كثير من المراقبين – الصورة السياسية العامة للواقع الملاحظ في كثير من الدول العربية. هذا وهناك كما قلنا اتجاهات أخرى متنوعة، لكنها أقل أهمية، ولا تحظى بتأييد شعبي يذكر في البلاد المشار إليها. وفي كل من هذه الاتجاهات الثلاثة تفرعات كثيرة تقع بين حدي التفريط والإفراط، في المبادئ ذاتها.

يرى الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون، وهو مفكر استراتيجي، بالإضافة إلى كونه رئيساً سابقاً لأمريكا في كتابه الذي نشر بعنوان (الفرصة السانحة)، أن هناك ثلاثة تيارات فكرية تسود في كل العالم الإسلامي بما فيه العربي، وهذه التيارات، هي في رأيه:

أ – ما أسماه (التيار التقدمي)، وهو الاتجاه العلماني، المغرم بالحضارة الغربية وقيمها المختلفة.

ب – ما أسماه (التيار الرجعي)، وهو التيار المتمثل – في رأيه – في الدكتاتوريات صاحبة الأيديولوجيات القومية المتعصبة.

ج – ما أسماه (الأصولية الإسلامية) (الثورية) المتمثلة – في رأيه – في رجال الدين المتطرفين.

ويدعو نيكسون الغرب وأمريكا بطبيعة الحال إلى اتخاذ سياسات تدعم التيار العلماني.

ورغم ذلك، فإن الاتجاهات الفكرية السياسية الرئيسية، التي تسود في بعض (وليس كل) الدول العربية، هي – في رأينا – التيارات الثلاثة المذكورة آنفاً. ويمكن أن نشير إلى هذه التيارات الثلاثة بالمسميات الثلاثة التالية: الاتجاه السلطوي، الاتجاه المعتدل / المتحرر والاتجاه الديني / المتشدد (الشمولي).

وباستقراء سريع لواقع كل من هذه الاتجاهات، نجد أن الاتجاه الأول هو السائد الآن، والذي يبدو أنه سيسود في المستقبل القريب في بعض تلك الدول، طالما توفرت عوامل بقائه واستمراريته. وذلك رغم كون هذا الاتجاه يحمل في ثناياه كثيراً من بذور عدم الاستقرار السياسي (كما نرى الآن في كل من الجزائر، اليمن، الأردن، وغيرها) وبالتالي احتمال استمرار الإضرابات (السافرة والمبطنة) في ظله. وهذا هو الاتجاه الذي يقول الكتاب إن فساد معظمه يستدعي الإصلاح.

أما الاتجاه الثاني، فيبدو أنه أكثر التيارات صلابة وعصرية، وتحقيقاً للاستقرار السياسي والاجتماعي، إن قام فعلاً على العقيدة الأساسية للغالبية. لكنه اتجاه لم يستطع حتى الآن استقطاب دعم جماهيري كبير، بسبب غموض بعض طروحاته، وهيمنة الفكر التقليدي (التراثي / الماضوي) لدى هذه الغالبية الجماهيرية، التي يصعب عليها فهم وتقدير المبادئ التي يحملها هذا التيار.

ويظل احتمال سيادة الاتجاه الثالث غير وارد في المستقبل المنظور لأنه يستعدي بعض القوى الخارجية والداخلية، ولم يتمكن – حتى الوقت الحاضر – من إقناع الغالبية المستنيرة بعمليته وجدواه ووضوح أهدافه ووسائله، ومن ثم تحريكها نحو غايات سليمة.

وهكذا، تصبح الصورة أكثر وضوحاً، فهناك ثلاثة تيارات أو قوى أو اتجاهات رئيسية شبه متناقضة ومتنافرة ومعادية لبعضها البعض، وذلك العداء ناتج عن اختلاف التوجه العام لكل تيار عن الآخرين وتناقض مصالحهم. إذ يلاحظ أن العلاقة فيما بين هذه الاتجاهات الثلاثة أساسها: العداء والشك والتربص. وكل اتجاه له رؤيته الخاصة في ما يتعلق بـ (الإصلاح). فكل التيارات الثلاثة تجمع على ضرورة الإصلاح، لكنها تختلف في تعريفه وماهيته، علماً بأن بعض فئات التيار السلطوي لا ترى ضرورة للإصلاح، فليس بالإمكان (في رأيها) أفضل مما كان. بينما هناك فئات من هذا التيار تعمل بشكل دؤوب على تنمية مجتمعاتها في كل المجالات، وتمارس الإصلاح السياسي المتدرج، وتتبع سياسات تضمن الاستقرار في المدى القصير، وحققت لمجتمعاتها الكثير من الطموحات النهضوية.

وفي ظل غياب إطار تعايش عام، يمكن أن تتعايش تحت ظله الاتجاهات كافة (مع سيادة رأي ومصالح الأغلبية) تظل القوة هي الفيصل، ويصبح الأقوى والمسيطر (مادياً) هو السائد، رغم المعارضة المعلنة والخفية للآخرين، ويستمر تخلف معظم هذه الدول المضطربة (وغير المستقرة) ويستمر أيضاً تأخرها عن ركب الحضارة الإنسانية، وتستمر معاناتها وحرمانها من نعم الأمن والاستقرار الفعليين، مع احتمال أن تتحول الأوضاع فيها في أي لحظة إلى فوضى تنقلب في ظلها الحياة إلى جحيم، وتسيل الدماء خلالها أنهاراً. ولن يخرج هذه الدول المأزومة من هذا المأزق المأساوي (بعد إرادة الله، وتحكيم شريعته الصحيحة) إلا كما تعتقد غالبية المفكرين العرب العقل المستنير بالدين الإسلامي الصحيح المنفتح (دين الغالبية العظمى فيها). لكن واقع بعض تلك الدول يفرض تساؤلات عدة محيرة ومحبطة، في مقدمتها سؤال عريض هو هل مازال هناك للعقل فرصة؟

والحقيقة أن أمن أية دولة عربية واستقرارها غالباً ما يؤثران في أمن كل الدول العربية واستقرارها، بل ربما أمن جزء كبير من بلاد العالم في هذا العصر.. عصر الترابط العالمي. وهذا ما يعني أن الاضطراب في أية دولة عربية يجب أن يقلق نظيراتها الأخرى، حتى إن كانت مستقرة - نسبياً.

 أهم الملاحظات في البعد الخارجي:

نعود إلى البعد الخارجي، وتحديداً إلى سياسة أمريكا نحو العالم العربي، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. حيث حاولت أمريكا تحسين صورتها في المنطقة عبر إجراء بعض التعديل الشكلي، في الواقع بسياساتها نحو المنطقة، كما قلنا. وتساءل بعض المسؤولين الأمريكيين من باب السفسطة: لماذا يكرهوننا؟ أي لماذا تكره غالبية العرب والمسلمين أمريكا؟

وحاول بعضهم لأغراض دعائية وحزبية وسياسية الإجابة عن هذا التساؤل بالجواب الذي يروق لهم، ويتماشى مع منظورهم الأيديولوجي، وبصرف النظر عن الحقيقة. حتى إن رئيس أمريكا السابق بوش الابن لجأ كعادته إلى إثارة هذا السؤال (وإن كان موجهاً إلى (الإرهابيين) والإجابة عنه إجابة ملؤها المغالطة، والكذب إذ قال: (إنهم يكرهوننا لأننا أحرار)، محاولاً تصوير بعض العرب – على الأقل – بأنهم قوم يكرهون الحرية، ويعادون الأحرار ومن دون أن يشير، ولو ضمناً، إلى سياسات بلاده نحو العرب. تماماً كما يعبر غالبية المسؤولين الأمريكيين عن جزعهم وحزنهم العميق من جرح أو مقتل جندي أمريكي في العراق، من دون أدنى اكتراث أو حتى إشارة إلى مئات العراقيين الذين يتساقطون صرعى وجرحى جراء الاحتلال الأمريكي لبلادهم.

لكن الحكومة الأمريكية تدرك الأسباب الحقيقية لهذا الاستياء الشعبي العربي والإسلامي الجارف من السياسات الأمريكية في المنطقة رغم مكابرة المسؤولين فيها وعدم اعترافهم علناً بتلك الأسباب الحقيقية. ومن هنا، كانت حملة (الإصلاح السياسي) التي دفعت واشنطن إليها باستحياء بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي استهدفت الضغط لـ (تجميل) صورة أمريكا.

ونظراً لما لأمريكا من نفوذ هائل، وجدت هذه الدعوة – كما أسلفنا - صدى ضخماً وكبيراً، سواء من المؤيدين للإصلاح والداعين بحماسة إليه، أو من المناوئين والمعارضين له. وأصبحت أمريكا بهذا التحرك وفجأة أقوى وأبرز عامل دافع نحو الإصلاح السياسي في المنطقة. لكن سرعان ما تبين أن أمريكا كانت ولا تزال تريد إصلاحاً على مقاس المصالح الأمريكية، وبما يخدم فقط أهداف السياسات الأمريكية في المنطقة أولاً وأخيراً.

 ثم، وبعد مرور أكثر من عقد على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدأت الحماسة الأمريكية نحو الإصلاح تتلاشى، بل انتهت، خاصة بعد الانتخابات التي جرت في بعض البلدان العربية، وبعد أن تبين لأمريكا أن الانتخابات النزيهة قد تسفر عن فوز جماعات لن تقبل بالخضوع للإرادة الأمريكية، والمساهمة الفعالة في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة.

صحيح أن هناك بعض العوامل الخارجية المؤثرة في مسيرة الإصلاح في المنطقة، لكن يظل الضغط الأمريكي – عندما يوجد في الواقع – أقوى هذه العوامل الخارجية، بل لعله أقوى كل العوامل بشقيها الداخلي والخارجي.

ويبدو أن النزعة الامبريالية الانتهازية، والمصالح الخاصة، والأهداف الصهيونية، تدفع الولايات المتحدة إلى الاستمرار في دعم وتأييد من يتفانى في خدمة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة والعالم، ويبذل كل ما يمكنه من جهود لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة. وذلك على حساب الإصلاح وتضحية بالأخير.

وهكذا نجد أن الإصلاح الحقيقي والمعقول يتعثر داخلياً بسبب حدة النزاع بين القوى الداخلية الكبرى وخارجياً بسبب رغبة أمريكا في الضغط باتجاه مصالحها فقط. وتعثره يعني استمرار هشاشة معظم الأوضاع الأمنية في البلاد التي تحرم من نعمة التطوير والإصلاح والتي غالباً ما يعني الحرمان منها سيادة عدم الاستقرار السياسي، ومن ثم اضطراب الأمن على المستويين القطري والإقليمي. ومع استمرار معاناة هذه البلاد غير المستقرة، يستمر الاستياء العام من أمريكا وسياساتها في المنطقة، بل يتفاقم هذا الاستياء، وتتفاقم أيضاً المعاناة اليومية للشعوب المعنية، ويتصاعد قلقها على أمنها.

إن كل ما ذكر هو مجرد رؤى، حبذا لو تحظى باهتمام بحثي أكبر من قبل المفكرين العرب، وخاصة علماء السياسة والعلاقات الدولية، حيث إن مناقشة أمن المنطقة يجب ألا ينحصر في نقاش التهديدات التي تأتي من هذه الجهة أو تلك، فلا شك في  أن هناك تهديدات عدة من قوى دولية مجاورة وغير مجاورة ضد هذه المنطقة الحيوية والمهمة، وفي مقدمة هذه القوى – في رأينا –الحركة الصهيونية. ومع كل ذلك يظل التهديد النابع من الداخل أخطر من هجمات قد تأتي جواً أو عبر الفيافي والسواحل.

 

 

مجلة آراء حول الخليج