array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 178

السيطرة على النفط وخاصة العربي يعني السيطرة على أوروبا واليابان والصين وروسيا

الأربعاء، 28 أيلول/سبتمبر 2022

يحظى مجال الطاقة باهتمام واسع من قبل علماء العلاقات الدولية، لا سيما منذ سبعينيات القرن الماضي، حينما أبرز حظر تصدير النفط العربي لبعض الدول الأوروبية كيفية استخدام الطاقة كسلاح جیوسياسي جوهري في أوقات الحروب والصراعات. كما أضحت مصادر الطاقة، من النفط والغاز الطبيعي من القضايا التي تحظى بأولوية قصوى في التفاعلات العالمية الراهنة. وعلى ضوء ذلك، اتجه علماء العلاقات الدولية بمختلف اتجاهاتهم نحو بلورة مجموعة من الرؤى النظرية حول دور الطاقة في العلاقات الدولية، وارتكزت جهودهم بالأساس على دراسة الارتباط بين أمن الطاقة –المقصود به وفق آرائهم توفير موارد للطاقة بأسعار معقولة للمستهلكين -وبين المصالح الوطنية والسياسات الاقتصادية ومدى تأثيرهما بالتبعية على التفاعلات الإقليمية والدولية.

وبالتوازي مع هذه الجهود النظرية، برزت في السنوات الماضية دراسات تطبيقية عديدة من قبل الباحثين حول العالم، تناولت العوامل الدولية المؤثرة على أمن الطاقة العالمي، مثل توزيع الاحتياطيات الرئيسية لموارد الطاقة، والموقع الجغرافي للدول المصدرة والمستوردة للطاقة، وخطوط توزيع الطاقة، وغيرها من العوامل الأخرى ، التي تكون بدورها مصدراً إما للقوة والنفوذ السياسي الدولي أو سبباً للتنافس والحروب والصراعات والتهديدات الدولية، حيث تمت بلورة هذه الآثار الجيوسياسية للطاقة من جانب الباحثين تحت إطار مفهوم جديد يُعرف بـ "الجغرافيا السياسية للطاقة" .

انطلاقاً من هذا المفهوم، يتناول هذا المقال بالدراسة والتحليل دور النفط والغاز العربيين في معادلة الطاقة العالمية، وذلك عبر أربعة محاور تشكل في مجموعها فحوى المقال هي:

  • تحولات خريطة الطاقة العالمية

شهدت خريطة الطاقة العالمية العديد من التغيرات خلال عقد من الزمن (ما بين عامي 2007 و2016م)، حيث تبدلت المواقع بين مستهلكي الطاقة الكبار، فتنازلت الولايات المتحدة الأمريكية عن موقع الصدارة لصالح الصين، التي أصبحت أكبر مستهلك للطاقة في العالم. وكان هذا التحول عنواناً لتحول أوسع يتمثل في توجه أسواق الطاقة العالمية نحو الشرق. فقد قفزت الصين إلى المرتبة الأولى كأكبر مستهلك للطاقة عالمياً بداية من عام 2009م، حيث ارتفع نصيبها من استهلاك الطاقة العالمي من 18.5% عام 2007م، إلى 23% عام 2016م. وفي المقابل تراجع استهلاك الولايات المتحدة من الطاقة خلال العقد، ما تسبب في تراجع نصيبها من الاستهلاك العالمي من 20.3% إلى 17.1%.

وكان ارتفاع استهلاك الهند من الطاقة كذلك أحد الملامح الرئيسية على خريطة الطاقة العالمية خلال نفس العقد، بحيث ارتفع نصيبها من الاستهلاك العالمي من 3.8% بحيث ارتفع بداية العقد إلى 5.5% في نهايته.

وتسبب صعود الصين إلى صدارة مستهلكي الطاقة في العالم وزيادة استهلاك الهند أيضاً في زيادة نصيب دول منطقة آسيا والمحيط الهادي من 35.8% من الاستهلاك العالمي للطاقة عام 2007م، إلى 42.1% منه عام 2016م، وقد شهد العقد أيضاً زيادة في نصب دول منطقة الشرق الأوسط من 5.4% إلى 6.7%، وزيادة نصيب دول إفريقيا من 3% إلى 3.3%، وزيادة نصيب دول أمريكا الجنوبية والوسطى من 5.1% إلى 5.3%. وفي المقابل فقد تراجع نصيب أمريكا الشمالية من 24.7% إلى 21%، وتراجع نصيب دول منطقة أورو آسيا (التي تضم دول أوروبا وآسيا) من 26% إلى 21.6% وكل ذلك يدل على تحول خريطة الطاقة العالية تجاه الشرق، وتحول الدول النامية والصاعدة إلى أسواق رئيسية لاستهلاك الطاقة. كما شهدت خريطة الطاقة العالية كذلك تحولاً كبيراً في سياسات الطاقة العالمية، التي أصبحت أكثر اهتماماً بالبيئة، فنزعت إلى استخدام المصادر النظيفة (المتجددة) للطاقة على حساب المصادر ذات الانبعاثات الكربونية الكثيفة، وعلى رأسها الفحم. إذ تراجعت نسب إسهام كل من النفط والفحم والطاقة النووية، في حين ارتفع نصيب الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي. فبينما تراجعت نسبة مساهمة الطاقة النووية من 5.6% إلى 4.5%، فإن نصيب الطاقة المتجددة ازداد من 6.4% في عام 2007م، إلى 10% في عام 2016م، كما ارتفع نصيب الغاز الطبيعي من 23.8% إلى 24.1% وجاءت هذه التحولات كانعكاس للتغيرات التي طرأت على سياسات الطاقة العالمية، التي أصبحت أكثر اهتماماً بالجوانب البيئية، حيت توسعت في الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة وقلصت الاعتماد على الطاقة التقليدية ذات النسب العالية من الانبعاثات الكربونية.

  • الأهمية الطاقوية للمنطقة العربية

تحتل المنطقة العربية أهمية جيوستراتيجية فريدة على الصعيد العالمي، فهي تحوي قوة اقتصادية لها تأثير مهم وفعال في السياسة الدولية، إذ تُعد منطقة الخليج العربي وهي جزء من المنطقة العربية أهم أقاليم العالم على الأطلاق مما يتعلق بموارد الطاقة وخاصة النفط والغاز ولاحتوائها على احتياطيات ضخمة منهما، إلى جانب عوائد هذه الموارد التي جعلته سوقاً تجارياً كبيراً ولكونه جاذباً للاستثمارات الأجنبية، ومن جانب آخر سوقاً استهلاكياً واسعاً.

إن السيطرة على النفط عموماً ونفط المنطقة العربية خصوصاً واحتياطاته تعني السيطرة على أوروبا الغربية واليابان والصين وروسيا الاتحادية ودول أخرى في آسيا تعتمد في مواردها من الطاقة على المنطقة العربية اعتماداً كلياً. خاصة أن زيادة الاستهلاك للنفط في العالم يعمل على نضوب معظم الآبار النفطية في العالم ومنها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الثلاثين سنة القادمة ما عدا الدول العربية، إذ من المتوقع أن تنتج النفط كما في حالة الكويت حتى عام 2100م، الأمر الذي سيؤدي إلى زيارة الصراع والتنافس بين الدول الصناعية على الاستفراد بنفط المنطقة العربية. كما أن 60% من الدول العربية في دول نفطية تمتلك وتنتج وتصدر النفط بكميات كبيرة وصغيرة، ويبلغ الإنتاج النفطي العربي - وفقاً للتقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر عن صندوق النقد العربي لعام 2021م – أكثر من 26% من الإنتاج العالمي، وتتركز في المنطقة العربية نسبة عالية من الاحتياط النفطي المؤكد إلى الاحتياطي العالمي تُقدر بنحو 56% من الاحتياطي العالمي، ويأتي أغلب الاحتياطي النفطي من الدول الخليجية والعراق، الأمر الذي يجعلها مهمة في تلبية الطلب العالمي المتزايد على موارد الطاقة حتى عام 2025م، إذ يبقى النفط يمثل المصدر الأساس للطاقة. ويتوقع الجيولوجيون أن الاستكشافات المستقبلية ستزيد من المخزون النفطي للمنطقة العربية، ولهذا اتجهت أنظار الدول الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية للسيطرة والهيمنة على تلك المصادر.

وفيما يخص الغاز الطبيعي، فقد أكدت وكالة الطاقة الدولية زيادة الطلب على الغاز من 88 تريليون قدم سنوياً في عام 2008م، إلى 187 تريليون قدم دار مكعب سنوياً في عام 2030م، فقد وفر احتياطي الغاز الطبيعي ومميزاته أعطاه دوراً متزايداً في التوسع في استخدامه في مجالات عدة، كما أن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى الاهتمام العالمي بصناعة الغاز الطبيعي ليصبح منافساً له، ناهيك عن كونه وقوداً نظيفاً للمستقبل. وقد تم اكتشاف مناطق جديدة تحوي مخزون كبير من الغاز الطبيعي في الوطن العربي، منها في شرق البحر المتوسط – كما سنرى -إذ تم اكتشاف كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تقع في المياه العميقة شرق البحر المتوسط، مما يؤدي إلى زيارة أهمية المنطقة العربية كخزان عالمي عملاق للطاقة ينتج عنه ارتفاع حدة التنافس الدولي على ثروات هذه المنطقة بيـن الـدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية.

والجدير بالذكر، أنه لا يوجد تناسب بين ما يمتلكه الوطن العربي من الغاز الطبيعي وبين ما ينتجه، خصوصاً بعد الاكتشافات الأخيرة في شرق البحر المتوسط، فهناك انخفاض في إنتاج المنطقة العربية من الغاز الطبيعي مقارنة بالإنتاج العالمي. فعلى الرغم من أن المنطقة العربية -وفقاً للتقرير الاقتصادي العربي لعام 2021م، -تمتلك نحو 26.5% من الاحتياطي العالمي للغاز، إلا أنها لا نتنج سوى 15.1% من الإنتاج العالمي، وذلك لأن أغلب الدول التي تنتج الغاز هي الدول النفطية، والتي تعطي النفط الأولوية بالإنتاج، لأن الغاز الطبيعي فيها معظمه من الغاز المرافق للنفط.

ويوجد في المنطقة العربية اثنتا عشرة دولة تمتلك احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي القابل للاستثمار بشكل اقتصادي، وتتصدر دولة قطر بين الدول العربية باحتياطي الغاز الطبيعي، وهذا يبين سعي الشركات الأمريكية والروسية للاستثمار في قطاع الغاز الطبيعي في المنطقة العربية، وخصوصاً بعد الاكتشافات للغاز في شرق البحر المتوسط.

  • التحديات الجيوسياسية لاكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط

خلال العقد الأخير، بدأت منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، التي يُطلق عليها "حوض الشام"، تكتسب أهمية متزايدة في مجال الغاز بعد الاكتشافات الكبرى التي حصلت فيها؛ إذ تحتوي وفق تقديرات "هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية " على 3400 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. ففي عام 2010م، كشفت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية عن أهمية الاحتياطيات البحرية القابلة للاستغلال في "حوض الشام" من خلال حفر المياه العميقة التي تتجاوز 1500 متر، وهي احتياطيات غاز مهمة تشارك فيها لبنان ومصر وسورية والمناطق الفلسطينية المحتلة في عام 1967م، وإسرائيل وقبرص.

ورغم أن الإمكانيات التقديرية الكلية لهذه الاكتشافات تبقى متواضعةً نسبياً على الصعيد العالمي، فإنها تبقى مع ذلك مهمة على نحو ملحوظ فيما يتعلق بإمكانية تحويل المشهد الإقليمي للطاقة، عبر توفير آمن لإمدادات الطاقة، والحد من الاعتماد على واردات الطاقة بالنسبة إلى دول المنطقة، إضافة إلى تأثير ذلك في العلاقات البينية بين بلدان المنطقة إذا ما جرى تطويرها بحكمة وعلى النحو الأمثل؛ إذ في إمكانها أن تساعد على تحول الخريطة الطاقوية في شرق المتوسط من منطقة مستوردة للطاقة لتلبية الطلب المتزايد بسرعة عليها في بلدان المنطقة، إلى منتج ومصدر لها. ومن ثم إعادة تحديد العلاقات السياسية الإقليمية وتغيير شكلها الراهن. فلقد أصبح التدفق الكبير للغاز الطبيعي في بلدان شرق المتوسط التي لم تحظ في الماضي باكتشافات نفطية أو غازية مهمة يثير أسئلة كبرى، بعضها ذو طبيعة اقتصادية، بشأن تحقيق الاكتفاء الذاتي الطاقوي وتحويل العمل في محطات توليد الطاقة نحو الغاز، واحتمال الحصول على عائدات ضريبية كبرى، أو الانتقال من وضع مستورد إلى وضع مصدر...إلخ. كما يطرح أسئلة أخرى ذات طبيعة جيوسياسية تتعلق بمستقبل المنطقة وآفاق التعاون بين دولها وإمكانية تجاوز الصراعات والنزاعات القائمة فيها، بمعنى اختبار قدرة الغاز على التحول إلى عامل يساعد في تغيير قواعد اللعبة من لعبة قائمة على الصراع وفق مبدأ "كل شيء أو لا شيء"، إلى لعبة تقوم على تحقيق مصالح جميع الأطراف، والانتقال من ثم من مقاربة جيوسياسية محورها الرئيس المعضلة الأمنية إلى مقاربة جيواقتصادية محورها الاستقرار والتنمية، علماً أن وجود إسرائيل وسياسات الهيمنة التي تتبعها تبقى التحدي الأكبر أمام إمكانية حصول مثل هذا التحول.

كما أن من شأن هذه الاكتشافات الغازية المهمة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط أن تقود إلى مزيد من تعقيد الأوضاع، وتأجيج الصراعات الناتجة من محدودية الموارد وتنامي الاحتياجات. فالصراعات السياسية الطويلة الأمد تظلّ إحدى السمات المميزة لمنطقة شرق البحر المتوسط، والشرق الأوسط عموماً.

في الحصيلة، وبغض النظر عن الاكتشافات "المؤكدة" خلال العقد الماضي، لا يزال من السابق لأوانه تكوين فكرة واضحة عن حجم سوق الطاقة في المنطقة، وعن تداعياتها السياسية والجيوسياسية. فإنه يبدو محتملاً جداً أن تعيد الاكتشافات الجديدة رسم خريطة التوازنات القائمة بشكلٍ كامل في المستقبل؛ إذا ما تلاقت الجغرافيا السياسية وقوانين السوق.

  • الحرب الروسية – الأوكرانية والدول العربية المصدرة للطاقة

تعاني أسواق الطاقة العالمية أصعب تجربة مرت بها منذ عقود بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية التي بدأت في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، والمستمرة وقت كتابة تلك السطور. فروسيا تعد ثالث أكبر منتج للنفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، وثاني أكبر مصدر للنفط الخام في العالم بعد الرياض. كما تعد ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي بعد واشنطن. حيث يمثل إنتاج روسيا من النفط الخام، وفقاً لعام 2021م، نحو 5 ملايين برميل يومياً وهو ما يعادل 12% من التجارة العالمية، ونحو 761 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يعادل 18% من إنتاج الغاز العالمي، وتصل صادرات روسيا منه إلى نحو 250 مليار متر مكعب عام 2021م.

وبعد اتخاذ قرارات المقاطعة الأوروبية للغاز والنفط الروسيين بحلول نهاية العام الجاري (تعتمد أوروبا على واردات الغاز الروسي بنسبة 40% وعلى واردات النفط الروسي بنسبة 27% من إجمالي احتياجاتها)، ومن ثم رد الفعل الروسي بقطع الإمدادات الطاقوية إلى أوروبا، بالمبادرة بقطع الإمدادات الغازية للصيانة ولوقت غير محدد، كما هو حاصل مع خط أنبوب "نوردستریم –" الذي يزود ألمانيا ودول أخرى في الشمال الأوروبي بالغاز، بدأت الدول الأوروبية الاتصال مع دول مصدرة للغاز على غرار قطر والولايات المتحدة والجزائر ونيجيريا ومصر وإسرائيل، مما يبرز أهمية الغاز في منطقة شرق المتوسط بالنسبة للقوى الغربية؛ إلا أن الطاقات الإنتاجية الإضافية لهذه الـدول مجتمعة من الصعب أن تعوض الإمدادات الغازية الروسية الإضافية.

إن هذا الانفصال أو الطلاق الطاقوي الأوروبي عن روسيا سيكون له تداعيات عميقة، وقد يعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية؛ مما يعني وضع العديد من الدول العربية المصدرة للطاقة في موقف سياسي ملتبس، لكنه في المقابل عزز مركزيتها في اقتصاد الطاقة العالمي، وربما يؤدي في النهاية إلى جني مكاسب سياسية واقتصادية.

ففي المدى القريب، تتركز الطاقة الإنتاجية الفائضة في دول منظمة أوبك، خصوصاً السعودية والإمارات، مع ذلك لا توجد مؤشرات حتى الآن -بالرغم من قرار أوبك وحلفائها أوبك + في شهر أغسطس الماضي زيادة إنتاج النفط بشكل بسيط لا يتجاوز ۱۰۰ ألف برميل يومياً فقط -تدل على أن دول أوبك بقيادة السعودية على استعداد لاتخاذ إجراء لزيادة الإنتاج فوق الكميات المتفق عليها سابقاً. أحد الأسباب ببساطة هو أن بعد المعاناة من آثار انخفاض أسعار النفط خلال معظم العقد الماضي ومن التداعيات المالية التي خلفتها جائحة كورونا، تتطلع دول أوبك لجني فوائد ارتفاع أسعار النفط. ولعل الأهم أن دول أوبك تريد الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا، فهي تدرك أن الأسواق العالمية متأثرة حالياً بالتفاعلات السياسية أكثر من العوامل الأساسية مثل العرض والطلب، علاوة على أن دول الخليج، خصوصًا السعودية، لا تملك الرغبة في تقويض التماسك الداخلي لأوبك بلس.

ومع ذلك قد تكون الصورة مختلفة بعض الشيء في المديين المتوسط والطويل ، فاتخاذ قرارات المقاطعة للغاز والنفط الروسيين من جانب الدول الأوروبية قـد يـوفـر لـدول الخليج خيار زيادة وجودها في أسواق النفط الأوروبية تدريجياً، وبطريقة تتجنب التوترات مع موسكو، خاصة أن العقوبات الحالية قد تُضعف بشكل كبير القدرات الروسية في الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية، مما يعزز من فرص الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات والكويت للاستفادة من هذه التحولات أكثر من غيرها حيث تنمو الاستثمارات الكبيرة في قطاع الطاقة لتحقيق نمو صحي خلال السنوات الخمس المقبلة؛ في الوقت الذي يناور فيه كبار المنتجين لتوسيع طاقتهم الإنتاجية وسط بيئة أسعار نفظ صحية وتعافي الطلب العالمي في أعقاب جائحة كورونا.

وعلى جبهة الغاز الطبيعي، يبحث الأوروبيون عن مصادر جديدة للإمدادات حيث يسعى الاتحاد الأوروبي إلى زيادة الواردات من الجزائر، مع احتمال أن تصبح قطر مصدر رئيسي للغاز الطبيعي المُسال.

طبعاً الدخول القوي للاتحاد الأوروبي إلى أسواق الغاز الطبيعي عبر الأنابيب أو المُسال، ربما يدفع إلى ارتفاع الأسعار أو بقائها ضمن مستويات مرتفعة لفترة أطول. لكن مثل هدا الدخول قد يكون محل ترحيب من الدول العربية المصدرة للغاز، مثل قطر والجزائر ومصر وربما لاحقاً ليبيا، لأنه قد يُبقي الأسعار في مستويات جيدة لتلك الدول، علاوة على احتمال زيادة حصتها السوقية في الأسواق الأوروبية.

وعلى الرغم من أن الأزمة الأوكرانية قد كشفت أن الدول الأعضاء في حلف الناتو أظهرت قدرة على وحدة الصف وعلى الفعل السريع والقوي في مواجهة الخطر الروسي، إلا أن هناك خلافات قد تنفجر في أي لحظة بين الدول الأعضاء في الحلف التي تعتمد على الغاز الروسي.

مقالات لنفس الكاتب