array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 178

التطورات المتسارعة تتطلب تفعيل "دبلوماسية الطاقة" من أجل تأمين المصالح الخليجية

الأربعاء، 28 أيلول/سبتمبر 2022

يشهد العالم في الوقت الراهن تغييرات عميقة في نظام الطاقة العالمي، لعل من أبرزها وجود رغبة متزايدة من جانب القوى الكبرى في فرض هيمنتها سياسيًا واقتصاديًا، وهو الأمر الذي برز في قيام الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، بفرض عقوبات اقتصادية كاسحة على روسيا، بعد قيامها بغزو أوكرانيا في 24 فبراير 2022م، ومقاومة موسكو لهذه العقوبات من خلال استخدام "سلاح الطاقة" وتقييد إمدادات الغاز إلى أوروبا؛ الأمر الذي يتسبب في حالة من الذعر والهلع في كثير من الدول الأوروبية من أن يكون الشتاء القادم "قاسيًا" في ظل "اشتعال" أسعار الوقود والغاز. وكل ذلك، من المرجح أن يؤدي إلى إحداث عواقب جيوسياسية واسعة النطاق على جميع دول العالم تقريبًا، وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة من حيث التوزيع العالمي للقوة، والعلاقات بين الدول، وحسابات الحرب والسلام، وغيرها.

 

شد وجذب غير مسبوقين

 

من جهتهم، يبدو الروس مصممين على معاقبة الغرب على تهديد أمنهم القومي، ومحاولة عزلهم دوليًا وفرض العقوبات الغليظة عليهم بسبب العمليات العسكرية في أوكرانيا، حتى لو أشعل ذلك حدة "حرب الطاقة" مع الاتحاد الأوروبي. ففي 31 أغسطس 2022م، أوقفت موسكو إمدادات الغاز، عبر خط أنابيب نورد ستريم 1، إلى أجل غير مسمى، وقلصت أو أوقفت الإمدادات عبر ثلاثة من أكبر خطوط ضخ الغاز للغرب. كما قامت روسيا أيضًا بإعادة توجيه إمدادات النفط باتجاه الشرق، خاصة إلى الصين والهند. وكانت موسكو قد قطعت بالفعل إمداداتها من الغاز الطبيعي عن بلغاريا والدانمارك وفنلندا وهولندا وبولندا تمامًا، ردًا على "مواقفهم العدائية" تجاهها.

وتخشى الحكومات الأوروبية من أن يستمر الروس في "تسييس الطاقة" ومنعها عن الأوروبيين، الأمر الذي أدى بالفعل إلى ارتفاع أسعار بيع الغاز بالجملة إلى أكثر من 400 في المائة في معظم الدول الأوروبية منذ أغسطس 2021م، مما تسبب في أزمة مؤلمة بتكلفة المعيشة للمستهلكين، وزيادة التكاليف على الشركات، وأجبر الحكومات على إنفاق المليارات لتخفيف العبء.

وردًا على ذلك، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أورزولا فون دير لاين، في 7 سبتمبر 2022م، على الدول الأعضاء تحديد سقف لأسعار واردات الغاز الروسي في إطار تدابير تخفيف فاتورة الطاقة الأوروبية وحرمان موسكو من الإيرادات، التي تستعملها "لتمويل الحرب الوحشية على أوكرانيا". وفي مواجهة ذلك، هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بوقف شحنات الغاز الروسي تمامًا إلى أية دولة تقوم بتحديد سقف لأسعار النفط والغاز الروسيين. وبالتزامن مع ذلك، نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك قوله إن محاولات وضع سقف لسعر النفط الروسي قد تؤدي إلى "خلل" في السوق وتدفع الأسعار إلى الارتفاع، مشيرًا إلى أن بلاده لن تتعاون مع الشركات "التي تتعامل بالمبادئ غير السوقية". وهو نفس الأمر الذي أكده وزير الطاقة الروسي، نيكولاي شولجينوف، عندما شدد في "المنتدى الاقتصادي الشرقي" في فلاديفوستوك، في 6 سبتمبر 2022م، على أن روسيا سترد على وضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي بشحن مزيد من الإمدادات إلى آسيا.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية قد قدمت، في 4 مايو 2022م، الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا في البرلمان الأوروبي. واشتملت هذه الحزمة، التي يتعين الموافقة عليها بالإجماع من دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، التخلص التدريجي من إمدادات النفط الخام الروسي في غضون ستة أشهر والمنتجات المكررة بحلول نهاية عام 2022م، كما اقترحت المفوضية أيضًا حظر جميع خدمات الشحن والسمسرة والتأمين والتمويل التي تقدمها شركات الاتحاد الأوروبي لنقل النفط الروسي. وإذا تمت الموافقة على هذا الحظر بالإجماع من جانب السبع والعشرين دولة داخل الاتحاد، فسيحذو الأوروبيون بذلك حذو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بعد أن فرضت الدول الثلاث حظرًا على النفط الروسي من قبل لقطع أكبر إمدادات الدخل للاقتصاد الروسي.

 

التنافس الجيوسياسي سيد الموقف

حالة الشد والجذب غير المسبوقة بين روسيا والغرب حاليًا فيما يتعلق بقطاع الطاقة تعكس بوضوح نشوء "عهد جديد" يتأثر فيه تدفق النفط والغاز الطبيعي بالتنافس الجيوسياسي بقدر تأثره بمبدأ العرض والطلب نفسه. فعلى مدى نصف القرن الماضي، تدفق النفط والغاز الطبيعي بحرية "نسبية" واضحة إلى مختلف الأسواق العالمية وبلغ مستويات قياسية، ولكن ذلك انتهى مع بدء العمليات العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية، وما أعقبه من عقوبات اقتصادية غربية كاسحة ضد موسكو. وهو الأمر الذي جعل سوق الطاقة العالمي في مفترق طرق رئيس، خاصة بعدما ارتفعت أسعار الطاقة العالمية إلى مستويات غير مسبوقة مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب الروسية / الأوكرانية. فعلى سبيل المثال، ظلت أسعار النفط العالمية متخطية حاجز الخمس والتسعين دولار في معظم الفترة التي تلت الحرب وحتى كتابة هذه السطور، نتيجة المخاوف من أن تؤدي الحرب إلى تعطل إمدادات الوقود الأحفوري من روسيا، التي تعتبر ثاني أكبر مصدر للنفط الخام عالميًا، وذلك بسبب العقوبات الدولية. ومن ناحية أخرى، تسبب النقص في الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي، نتيجة الحرب في أوكرانيا، في استمرار ارتفاع أسعار الغاز، حسبما أفادت به منصة «تايتل ترانسفير فاسيليتي» لتجارة الغاز الطبيعي في أمستردام. وارتفع سعر الغاز، في شهر سبتمبر 2022م، ليقترب من 316 يورو لكل ميجاوات. ولم ترتفع أسعار الغاز عن هذا المستوى سوى في الفترة التي أعقبت مباشرة بداية الحرب في أوكرانيا، في أواخر فبراير، حيث سجلت الأسعار ذروتها في ذلك الوقت عند 345 يورو لكل ميجاوات.

هذا، وقد أكد كثير من المراقبين على أن ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز، وخاصة في أوروبا، سوف يستمر نتيجة استمرار المضاربات على نطاق واسع في كثير من الأسواق العالمية لتداول النفط والغاز، وتوقف معظم البنوك الأوروبية عن إعطاء رسائل اعتماد بنكية لمشتري النفط والغاز الروسيين، وتوقف شركات التأمين عن تأمين حاملات النفط الناقلة للنفط الروسي.

 

في الوقت نفسه، يقول المراقبون أن حالة عدم الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية سوف تستمر على الأرجح في المدى المنظور نتيجة عودة القلق من ضعف الطلب العالمي على النفط، خاصة في الصين، التي قامت مؤخرًا بتمديد إجراءات العزل في عدد من المدن الرئيسية مثل تشنجدو. كما لا تزال المناقشات بخصوص اتفاق إيران النووي متعثرة، مما يثير شكوكاً بخصوص استئناف صادرات النفط الإيرانية. إضافة إلى ذلك، فرضت جهود مكافحة التضخم من جانب البنوك المركزية ضغوطاً على أسعار النفط، حيث حددت أسعار الفائدة المرتفعة من حركة أسواق النفط.

 

استراتيجيات وسياسات مختلفة لمواجهة أزمة الطاقة العالمية

 

نجم عن الاضطراب والتذبذب الشديدين في أسواق الطاقة العالمية، منذ بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما صاحب ذلك من ارتفاع كبير في الأسعار العالمية للنفط والغاز ردود فعل متباينة على صعيد استراتيجيات وسياسات الطاقة في كثير من دول العالم. فعلى سبيل المثال، كانت القارّة الأوروبية هي أكثر المتضررين من التداعيات السلبية على قطاع الطاقة العالمي نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية. إذ يعتمد الاتحاد الأوروبي، وهو أكبر مستوردي الغاز الطبيعي في العالم، بصورة مفرطة على الغاز الروسي بنسبة 41 في المائة (حوالي 155 مليار متر مكعب في عام 2021م)، وعلى الغاز النرويجي بنسبة 24 في المائة، والغاز الجزائري بنسبة 11 في المائة، وفقًا لبيانات إدارة الطاقة بالمفوضية الأوروبية.

ورغم أن الاتحاد الأوروبي لم يفصح رسميًا بعد عن استراتيجيات بديلة لمواجهة أزمة الطاقة العالمية الراهنة، إلا أنه أتاح لبعض دوله الانطلاق في مسارات مختلفة تضمن تلبيتها للطلب المحلي، مما أدى إلى اتجاه بعضها لتعزيز مصادر الطاقة المتجددة، بينما فضلت دول أخرى العودة لإتاحة مساحة أكبر من ذي قبل للفحم والطاقة النووية وغيرها.

وبالتزامن مع ذلك، أعلنت بريطانيا -التي انفصلت عن الاتحاد الأوروبي قبل أعوام قليلة-تخلّيها بصورة نهائية عن الاعتماد على الإمدادات الروسية بحلول نهاية العام الجاري 2022م، وضمان أمن الطاقة عبر التنوع وفق ما ورد في استراتيجية الطاقة البريطانية المُعلنة منتصف أبريل 2022م، وتضمنت الإستراتيجية البريطانية خططًا لتعزيز مشروعات الطاقة النووية وطاقة الرياح البحرية. وأعلن وزير الطاقة والأعمال البريطاني، كواسي كوارتينغ، مطلع أبريل 2022م، عزم بلاده بناء 7 محطات نووية جديدة بحلول عام 2050م، لضمان أمن الطاقة عبر وسائل محلية، بالتوازي مع التخلي عن الإمدادات الروسية.

ومن جهة أخرى، وفي 9 سبتمبر 2022م، أيد وزراء الطاقة الأوروبيون اتخاذ سلسلة إجراءات عاجلة للحد من تصاعد أسعار استهلاك الغاز والكهرباء، وصولًا إلى اقتراح وضع سقف لأسعار واردات الغاز في الاتحاد الأوروبي، مهما كان مصدره. كما لاقت فكرة الاستحواذ على المكاسب الضخمة الناتجة من الطاقة النووية والطاقات المتجددة بهدف إعادة توزيعها ترحيبا أوروبيا كبيرا. حيث طالبت برلين وباريس بـ"آلية مساهمة" وفرض ضرائب على "الأرباح الهائلة" للشركات العاملة في قطاع النفط والغاز. وفي موازاة ذلك، تطالب المفوضية الأوروبية بـ"مساهمة تضامن مؤقتة" من جانب المنتجين وموزعي الغاز والفحم والنفط في ضوء ارتفاع الأسعار.

ومن ناحية أخرى، اتجه الأوروبيون إلى خفض استخدام الغاز، بعدما اتفق وزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي على تخفيض طوعي بنسبة 15 في المائة اعتبارًا من أغسطس 2022 إلى مارس 2023م، مقارنة بمتوسط الاستهلاك السنوي خلال الفترة من 2017 إلى 2021م. كما طرح الفرنسيون والألمان أيضًا أهدافًا على مستوى الاتحاد الأوروبي لتخزين الغاز وشرائه بشكل مشترك للحصول على أسعار "أرخص". كما أصدرت الحكومة الألمانية مجموعة من التعليمات والقوانين، مثل ملء خزانات الغاز الـ 23 في ألمانيا بنسبة 75 في المائة حتى شهر سبتمبر و95 في المائة حتى الأول من شهر نوفمبر 2022م، وإعادة تشغيل محطات توليد الطاقة الاحتياطية التي تعمل بالفحم اعتبارًا من بداية شهر أكتوبر2022م.

ومن جهة أخرى، تصاعدت الأصوات الأوروبية المطالبة بتسريع الجهود الرامية إلى استقبال غاز شرق المتوسط، عبر مصر، والغاز الأذربيجاني عبر خط الأنابيب العابر للبحر الأدرياتيكي إلى إيطاليا وخط أنابيب الغاز الطبيعي عبر تركيا. وتسعى إسبانيا بدورها لإحياء مشروع لبناء خط ثالث للغاز عبر جبال البرانس، لكن فرنسا قالت إن محطات الغاز الطبيعي المسال الجديدة، التي يمكن أن تكون عائمة، ستكون خيارًا أسرع وأرخص من عمل خط أنابيب جديد.

وعلى صعيد الولايات المتحدة، اتخذت إدارة الرئيس جو بايدن عدة إجراءات مهمة للتعامل مع أزمة الطاقة العالمية عقب حرب أوكرانيا. حيث قرر الرئيس الأمريكي ضخ مليون برميل من النفط يومياً من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي بين مايو ونوفمبر 2022م، فيما يعد أكبر كمية على الإطلاق يتم ضخها من الإمدادات الأمريكية الطارئة في السوق منذ بداية إنشاء المخزون في عام 1975م، وهدف هذا القرار إلى الحد من ارتفاع أسعار الوقود داخل الولايات المتحدة، بعدما وصلت إلى مستويات "تاريخية" تسببت في التأثير السلبي على شعبية الإدارة الأمريكية قبل إجراء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر 2022م، ومن جهة أخرى، طرحت واشنطن نفسها بديلًا لأوروبا عن إمدادات الغاز الروسي، وتعهد بايدن بتوفير الغاز المسال الأمريكي لدول الاتحاد الأوروبي (حوالي 15 مليار متر مكعب من الغاز المسال في عام 2022م)، وبالتوازي سعى أيضًا لحث قطر على زيادة وارداتها من الغاز، وطالب السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت مرارًا وتكرارًا بزيادة إنتاج النفط، لخفض أسعاره عالميًا. وبينما أخذت واشنطن على عاتقها فرض عقوبات قوية على موسكو يتعلق أبرزها بواردات النفط والطاقة، فإن بيانات شحن كشفت مؤخرًا أنها -بجانب أوروبا-تستورد النفط الروسي عقب تكريره في الهند.

ومن جهتها، ومن أجل التعامل مع الاحتمالات المتزايدة بتراجع الطلب العالمي على النفط والغاز في ضوء الاجراءات الأوروبية والأمريكية الرامية إلى ذلك، قررت الدول المنتجة للنفط المنضوية تحت تحالف "أوبك بلس"، التي تضم السعودية وروسيا ومنتجي النفط الرئيسيين الآخرين، خلال الاجتماع الوزاري الثاني والثلاثين للدول في سبتمبر 2022م، خفضًا في الإنتاج قوامه 100 ألف برميل يومياً، وبالتالي العودة بالإنتاج في شهر أكتوبر 2022 م، إلى مستويات أغسطس الماضي، ليصبح نحو 43.854 مليون برميل يومياً، مشيرة إلى أن قرار الاجتماع الوزاري الحادي والثلاثين للمجموعة بزيادة 100 ألف برميل يومياً في سبتمبر 2022 م، كان لشهرٍ واحد فقط. وكانت هذه الدول، التي تنتج أكثر من 40 في المائة من إمدادات النفط العالمية، قد رفضت دعوات متكررة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا ووكالة الطاقة الدولية بضخ كميات أكبر لتهدئة الأسعار العالمية للنفط، مؤكدة على أن سبب ارتفاع الأسعار العالمية للنفط يعود إلى فشل الدول المستهلكة في تأمين استثمارات كافية في الوقود الأحفوري مع تحولها إلى طاقة أقل تلويثًا للبيئة.

وكان تقرير صادر عن منتدى الطاقة الدولي، في 21 يونيو 2022م، قد حذر من تراجع استثمارات النفط والغاز للعام الثالث على التوالي في 2022م، مقارنة بما كانت عليه في 2019م، وأكد التقرير على أن هذه الاستثمارات انخفضت خلال 2021م، للعام الثاني على التوالي لتصل إلى 341 مليار دولار، وهو ما يمثل تراجعًا بنسبة 25 في المائة تقريبًا من مستويات عام 2019م،  وفي تقييم لأزمة استثمارات الطاقة -قبل صدور تقرير 2022م، بنهاية العام-قال الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي، جوزيف ماكمونيغل، إن تراجع استثمارات النفط والغاز هو السبب الرئيس لنقص الإمدادات وارتفاع أسعار الطاقة، مشيرًا إلى أن أزمة نقص الإمدادات ستتفاقم في النصف الثاني من 2022م، مع تراجع المخزونات التجارية والاستراتيجية لمستويات منخفضة، ومع تضاؤل الطاقة الإنتاجية الفائضة، وسط الطلب على النفط. وشدد ماكمونيغل على أن استثمارات النفط والغاز الجديدة لا تتعارض مع الجهود المبذولة لخفض الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، ولكنها ضرورة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي خلال عملية تحول الطاقة. ودعا منتدى الطاقة الدولي، في التقرير الصادر ديسمبر 2021م، إلى زيادة استثمارات النفط والغاز لتكون أعلى من مستويات ما قبل وباء كورونا عند 525 مليار دولار، بحلول عام 2030م، لضمان توازن السوق العالمية للنفط.

مستقبل غامض وضوابط ضرورية

رغم الاستراتيجيات والسياسات المختلفة التي طبقتها دول العالم المختلفة في قطاع الطاقة منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن "احتمال" استمرار الأزمة الأوكرانية لفترة زمنية طويلة (ما بين خمس وعشرة سنوات) سوف يؤدي إلى "خطر كبير" باضطراب إمدادات النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي استمرار ارتفاع أسعارهما العالمية إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة. وهذا الخطر لا يبدو أن الدول المصدرة للنفط والغاز (خلاف روسيا) قادرة على مواجهته من خلال تسريع وتيرة زيادة الإنتاج لتعويض الإمدادات الروسية، حال توقفها بالكامل. ومما قد يزيد الأمور تعقيدًا في المدى المنظور أن إطالة أمد الأزمة الأوكرانية تعني أيضاً زيادة نسبة النفط والغاز الروسيين المباعين في الأسواق الفورية، ومع انخفاض الإمدادات، فإن الأسعار بالأسواق الفورية قد ترتفع بشكل "جنوني" بفعل المضاربات في هذه الأسواق، خصوصاً أنها يمكن أن تباع في أي مكان في العالم لمن يقدم أعلى سعر.

ومن أجل تحقيق التوازن بين العرض والطلب وتلبية رغبات المنتجين والمستهلكين في سوق الطاقة العالمي، يضع الخبراء عدة ضوابط وشروط ضرورية لتأمين إمدادات الطاقة العالمية، لعل من أهمها ضرورة عدم عرقلة الاستثمارات الجديدة للنفط والغاز في وقت يعاني فيه العالم من نقص الإمدادات. ومن ناحية ثانية، يجب أيضًا أن توازن سياسات الطاقة في دول العالم المختلفة، خاصة في الدول الكبرى، بين الحاجة إلى مواجهة التغير المناخي العالمي وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل وبين الحاجة إلى الحصول على الطاقة بأسعار مقبولة في المدى القصير، حتى لا تتزايد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في كثير من دول العالم، والتي تنجم عن ارتفاع أسعار الوقود بأشكاله المختلفة.

وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، تفتح التطورات المتسارعة في قطاع الطاقة العالمي، مسارات متنوعة في العلاقات الخارجية ؛ الأمر الذي قد يتطلب تفعيل ما يمكن تسميته "دبلوماسية الطاقة"، من أجل تأمين المصالح الخليجية في المستقبل. وفي هذا السياق، قد تجد الدبلوماسية الخليجية فرصًا هائلة وكبيرة للتعاون مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والصين في مشروعات الطاقة الجديدة وكفاءة الطاقة، نظرًا لما تتمتع به دول المجلس من وفرة في مصادر الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومما قد يدعم من هذا التوجه أن دول مجلس التعاون، وخاصة المملكة العربية السعودية، قد حققت تقدمًا ملموسًا، خلال الآونة الأخيرة، في الاهتمام بمشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، من قبيل وضع الأنظمة القانونية والمالية واللوائح التنظيمية وتوفير الكوادر البشرية المؤهلة لمثل هذه المشروعات. وبالتزامن مع ذلك، قد يكون من المفيد أن تسرع الدبلوماسية الخليجية في تشكيل تحالفات إقليمية جديدة؛ خاصة مع مصر، لإقامة مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروﭽين الأخضر، وما يرتبط بها من شبكات للربط الكهربائي الإقليمي وخطوط أنابيب. ومن ناحية أخرى، ومع الاتجاه السياسي الغربي العام نحو التخلي عن النفط والغاز بأسرع وقت في إطار جهود مواجهة التغير المناخي العالمي، قد تجد الدبلوماسية الخليجية أنه من المفيد تعزيز العلاقات مع عدد من الدول الآسيوية، مثل الصين واليابان والهند، والتي من المتوقع أن تصبح بالتدريج الأسواق الرئيسة لصادراتها النفطية والغازية. وبالتزامن مع ذلك، يجب على دول مجلس التعاون أيضًا حشد كافة إمكاناتها الدبلوماسية والقانونية والمالية من أجل منع الفوضى المتوقعة في قطاع الطاقة العالمي في المستقبل المنظور نتيجة تطبيق إجراءات من قبيل فرض سقف سعري في دول الاتحاد الأوروبي على صادرات الغاز أو النفط أو إقرار قوانين مثل "نوبك" أو "لا لتكتلات الدول المصدرة للنفط"، في الولايات المتحدة، والموجه أساسًا لدول تحالف "أوبك بلس"، وذلك بهدف عقابها على احتكار إنتاج النفط، بما يتسبب في رفع أسعاره عالمياً، وزيادة التكلفة على حياة المواطن الأمريكي الاعتيادية. فهذه الإجراءات، إذا نفذت على أرض الواقع، من شأنها زعزعة استقرار نظام الطاقة العالمي، بشكل قد يكون أكثر عمقًا واتساعًا من تفشي وباء كوفيد 19 والأزمة الروسية الأوكرانية.

مقالات لنفس الكاتب