array(1) { [0]=> object(stdClass)#13185 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 181

5 دلالات لقمم الرياض والتعاون بديلًا للتحالف وتحقيق النفع الصيني / العربي

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

عقدت قمم الرياض الثلاث ديسمبر 2022م، خلال أيام قصيرة وكان مركزها الرياض، والقاسم المشترك فيها السعودية، وتمثلت في القمة العربية / الصينية بحضور 30 قائد دولة ومنظمة دولية، والقمة الخليجية / الصينية، والقمة السعودية / الصينية.

انعقدت هذه القمم في وقت يشهد فيه العالم تحديات عدة ناجمة عن تداعيات كوفيد 19 والأزمة الأوكرانية،

وخطورة التغيرات المناخية، وندرة الموارد، والأزمات المتعلقة بنقص الغذاء والطاقة، والنزاعات حول المياه، والتحولات في العلاقات الاقتصادية الدولية، التي تنذر بحرب باردة جديدة، وإرهاصات بنظام اقتصادي عالمي جديد، مما يدفع القوى الدولية الكبرى إلى ابتكار أنماط تعاون جديدة أكثر استدامة مع الأقاليم والدول المؤثرة والصاعدة الأخرى، ومن هنا كانت المبادرات التي أسست للشراكة العربية / الأمريكية، وكذلك العربية / الصينية على أسس جديدة في العلاقات الاقتصادية الدولية.

من حيث المبدأ، لا يمكن اعتبار العلاقات العربية مع الصين حدثًا طارئًا في المسارات المشتركة بينهما، فهو مسار يعود إلى مؤتمر باندونج 1955م، والذي من خلاله تم التمهيد لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية، وكانت مصر صاحبة السبق في هذا الصدد، حيث أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع الصين 1956م، وتصاعدت منذ ذلك التوقيت العلاقات العربية مع بكين.

هذه العلاقات وصلت إلى مستوى أكبر في يناير 2004م، بإعلان منتدى التعاون الصيني/ العربي، الذي تم عقد دورته الأولى في سبتمبر من العام نفسه، وصولاً إلى انعقاد الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي-الصيني، في يوليو 2020م. والتي كان من أهم مخرجاتها الاتفاق على عقد القمة العربية / الصينية الأولى، التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض أواخر عام 2022م.

وتتناول هذه المقالة قراءة اقتصادية للقمم الثلاث الأخيرة وما سبقها من قمم عربية / أمريكية عقدت أيضًا في المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

أولاً: الوضع الاقتصادي في الصين والعالم العربي

تعد الصين حاليًا ثان أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي  نحو 14.7 مليار دولار وشكل نسبة 15.3% من الناتج العالمي، بعدد سكان يبلغ 1.41 مليار نسمة،  وتصدر للعالم سلعًا تبلغ قيمتها 3.36 مليار دولار، متصدرة المركز الأول على العالم، عام 2021م، ومن ثم قاد الاقتصاد الصيني النمو العالمي عام 2021م، انطلاقًا من كبوة 2020 م، الناجمة عن كوفيد 19 بمعدل نمو بلغ 8.1% وهو المعدل الأسرع منذ 10 سنوات على المستوى العالمي، ويفوق متوسط معدل النمو العالمي والإقليمي، والذي بلغا 5.8% ، 7.3% على التوالي عام 2021م.

أهم المؤشرات الاقتصادية لكل من الولايات المتحدة والصين والعالم العربي علم 2021

WORLD

ARAB WORLD

CHAINA

USA

بيان

96.1 T $

2.85 T $

14.689 T $

23T $

الناتج المحلي الإجمالي

12262.9 $

6412.4 $

12,556 $

69,288

متوسط دخل الفرد: بالدولار

7.84 B

444.517

1.41 T$

331.893

عدد السكان نسمة    

3.45 B

137.364 M

792.081 M

164.795 M

القوة العاملة :عامل

22.39 T

1.16 T $

3.36 T $

1.75 T

الصادرات السلعية

 

895.42 B $

2.69 T $

2.94 T

الواردات السلعية

 

 

4.7%

3.2%

الصادرات للدول العربية% على مستوى العالم

 

 

5.7%

1.1%

الواردات من الدول العربية % على مستوى العالم

5.8 %

3.5 %

8.1 %

5.7 %

معدل النمو الاقتصادي 2021

 

              T = تريليون B = بليون 4  = دولار أمريكي

                 المصدر: WORLD DEVELOPMENT INDICATORS

وحققت الصين معدلات نمو للدخل غير مسبوقة منذ برنامجها الإصلاحي عام 1978م، لفترات طويلة، وأحرزت تقدمًا على مستوى مكافحة الفقر، واستطاع أكثر من 800 مليون نسمة الخروج من مستوى الفقر، مع تحسن كبير في المستوى الصحي والتعليمي وغيرها من الخدمات الأساسية، وتعد الصين أكبر شريك تجاري على مستوى العالم وحققت تقدمًا ملحوظًا عام 2021م، حيث ارتفعت قيمة تجارتها الخارجية ( الصادرات والواردات) بنحو 39.1% ( بقيمة بلغت 5.8 تريليون دولار) وتعد دول الآسيان أكبر شريك تجاري للصين بنصيب بلغ 15% تليها الاتحاد الأوروبي 14% ثم الولايات المتحدة 13% واليابان 7%، وتستقبل قدرًا كبيرًا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وسجلت 173 مليار دولار عام 2021 بينما بلغت استثماراتها بالخارج 145 بليون دولار نفس العام (مؤشرات التنمية في العالم – البنك الدولي).

يضم العالم العربي 444 مليون نسمة بنسبة 5.5% من سكان العالم، وينتج نحو 2.85 ترليون دولار عام 2021م، بنسبة 3 % من الناتج العالمي الإجمالي، وتبلغ صادراته 1.16 مليار دولار، وتدخل السعودية وحدها ضمن مجموعة العشرين الأكبر من حيث الاقتصادات الوطنية في العالم والأكثر تأثيرًا في رسم السياسات الاقتصادية العالمية.

شهد دور دول مجلس التعاون الخليجي تناميًا ملحوظًا في العديد من الملفات الإقليمية والعالمية خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بمجموعة من العوامل المهمة، يأتي في مقدمتها ما تتمتع به هذه الدول من ثقل اقتصادي ومالي وما يتوفر لديها من موارد نفطية ضخمة. فوفقاً لبيانات البنك الدولي ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بالأسعار الجارية بنسبة 18.3% خلال عام 2021م، ليبلغ نحو 1.68 تريليون دولار، مقابل 1.42 تريليون دولار في عام 2020م، لترتفع نسبته في الاقتصاد العالمي إلى 1.75% في العام الماضي، مُحتلاً المرتبة الـ 12 عالمياً، مقارنةً بالمرتبة الـ 13 في 2020م.

ثانيًا: الدلالات الاقتصادية لقمم الرياض 2022م.

هناك عدة دلالات تنبؤ عنها اجتماعات القمة التي عقدت في الرياض ديسمبر 2022 م، وتدور هذه الدلالات حول تعميق العلاقات الصينية ـالعربية /الخليجية / السعودية، والسعي لإعادة تأطيرها ، وتأكيد الانفتاح العربي والخليجي على الشرق، والانخراط في مؤسسات اقتصادية متعددة الأطراف بقيادة الصين وروسيا تقوم على مبادئ التعاون والمنفعة المتبادلة، والتأسيس لعلاقات عربية أمريكية على أسس جديدة.

الدلالة الأولى

الإقليمية الجديدة وبزوغ تعاون شرق أوسطي جديد

من الدلالات الهامة ظهور عالم من قطبين على أسس جديدة، فالصين أصبحت قوة إقليمية في الشرق على قدم وساق في مقابل الولايات المتحدة في الغرب، مما يأذن بعالم به قطبان يتنافسان الزعامة على العالم وقيادته، بينهما علاقات اقتصادية واسعة ومصالح مشتركة، وعلى حد تعبير عالم السياسة الدولية الأمريكي جوزيف ناي فإن علاقتهما لا تقوم على التنافس وإزاحة الآخر بل فيها نوع من التنافس التعاوني Cooperative Rivalry

ومن حيث  مرتكز العلاقة بين القطب المركز ، والمحيط من الشركاء، فإن الصين تعي جيدًا حاجتها للخارج المحيط آسيويًا وأوروبيًا وإفريقيًا وعربيًا، وتعي أكثر أن المد الصيني يجب أن يقوم على أسس غير التي عانت منها دول العالم الثالث في علاقتها بالقطب الغربي والأمريكي على وجه التحديد، لذلك فإن الصين تبني استراتيجيتها في تكوين الشراكات على مبادئ المصلحة المشتركة وعدم التدخل في الشأن الداخلي، معتمدة في ذلك على مبادرة الحزام والطريق، في مقابل مرتكزات الغرب في علاقته بدول العالم الثالث، والتي قامت على اتفاقية بريتون وودز ومؤسساته الثلاث: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، والتي تحبذ تطبيق النهج الاقتصادي المحافظ القائم على اقتصاد السوق وتحجيم دور الحكومات في  النشاط الاقتصادي وتحرير التجارة الدولية وإطلاق العنان للقطاع الخاص.

وقد أدركت الصين الانتقادات التي وجهتها الكثير من الدول النامية في إطار النظام الاقتصادي العالمي الحالي، والشكوى من التدخلات المباشرة وفرض الأيدولوجية والثقافة في كثير من الأحيان كشرط لإتمام التعاون وتقديم المساعدات، من هنا تقوم مبادرة الحزام والطريق من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، وباعتبارها محاولة لتعزيز الاتصال الإقليمي واحتضان مستقبل أكثر إشراقًا دون تدخل لا في النظم الاقتصادية ولا الثقافات الاجتماعية

وتتمثل الأهداف المعلنة لطريق الحزام والطريق في بناء سوق كبير موحد، والاستفادة الكاملة من الأسواق الدولية والمحلية، لتدعيم التبادل التجاري والتكامل الاقتصادي، وتعزيز التفاهم والثقة المتبادلة بين الدول الأعضاء، وينتهي الأمر بنمط مبتكر من تدفقات رأس المال الصيني لتنفيذ وإقامة الطرق والموانئ والجسور، مرتكزة على قاعدة بيانات التكنولوجيا، ومن ثم تعالج مبادرة الحزام والطريق فجوة البنية التحتية وبالتالي لديها القدرة على تسريع النمو الاقتصادي عبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ وإفريقيا ووسط وشرق أوروبا.

وقد وفرت المبادرة  حتى الأن أسواقا للسلع الأساسية وحسنت أسعار الموارد في كثير من البلدان الصديقة، وبالتالي قللت من التفاوتات في التبادل وحسنت البنية التحتية وخلقت فرص العمل وحفزت التصنيع، ووسعت نقل التكنولوجيا، وبالتالي أفادت البلدان المضيفة، على الرغم من إثارة بعض المخاوف من أن فشل الاقتصادات المدينة في خدمة قروضها، قد يعرضها لضغوط لدعم المصالح الجيوستراتيجية للصين.

الدلالة الثانية

 شراكة تقوم على التكافؤ من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية لكل الأطراف

يتمثل القاسم المشترك في الشراكة العربية / الصينية في انتمائهما إجمالاً لما أصبح يعرف بالاقتصادات الصاعدة، حيث يسعى الطرفان إلى مزيد من النجاحات في مجالات التنمية والنمو الاقتصادي، بما يسمح بمزيد من التعاون في كثير من المجالات مثل مكافحة الفقر بين جانب من السكان، وسد الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية، والارتقاء بمستوى الخدمات الحكومية والرعاية الاجتماعية، ودعم خططهما في التحول للاقتصاد الرقمي وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في مجال التصنيع عال التقنية، وإحراز تقدم اقتصادي متناسب مع التقدم الفني السريع الناتج عن البحث والتطوير والابتكار، وتدنية المخاطر لاسيما في مواجهة التحديات العالمية وأبرزها الأمن الغذائي، وسلاسل الإمداد العالمية، وأمن الطاقة، وتغير المناخ.

من هنا تأتي الدلالة الثانية من عنوان قمم الرياض والتي تحدد  في عبارة ( التعاون والتنمية) حيث يذهب التعاون بديلاً للتحالف، ويتضمن دعمًا متبادلاً ونفعًا في الاتجاهين، من أجل التنمية المطلوبة في كلتا المنطقتين العربية والصينية، وليس التعاون من أجل المصلحة، أو المساعدة المشروطة، وبالتالي ترتكز الشراكة الاستراتيجية العربية الصينية على تعميق التعاون المتبادل وتحقيق منافع تنموية على الجانبين، تخدم الدول العربية التي في حاجة للتقنيات الصينية بما يتناسب مع مكانة الصين الاقتصادية في العالم، وتفعيلاً للمزايا النسبية للمنطقة العربية التي تقوم على توفر قدر كبير من الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة وخطط تنموية طموحة.

ومن ناحية أخرى نجحت المملكة في تحقيق الحشد العربي كطرف ثاني في معادلة الشراكة، وهو ما يحسب للمملكة العربية السعودية وهي ترتب لهذا الحدث منذ البداية، أمام شريك عملاق على كافة المستويات، من حيث السكان والمساحة والإسهام في الناتج العالمي والتجارة الدولية، مما استوجب توسيع نطاق الطرف الثاني ليشمل العالم العربي في مقابل العملاق الصيني، ويؤكد التنوع الكبير في مجالات التعاون والشراكة الاستراتيجية مع الصين، ومن ثم تتحقق المنفعة والمصالح المشتركة.

الدلالة الثالثة

انعكاس التغير في نمط التنمية العربية على علاقاتها الاقتصادية الخارجية

لا يمكن فصل التحولات في العلاقات الاقتصادية الخارجية عن التحولات الداخلية في النظم الاقتصادية واستراتيجيات التنمية الاقتصادية للدول العربية، وقد كان الإعلان عن رؤي اقتصادية جديدة 2030م، في معظم الدول العربية ودول مجلس التعاون إيذانًا بالخروج عن النمط التقليدي للتنمية في البلدان المصدرة للنفط، وتحول جذري في نمط التنمية، حيث ارتكزت رؤى وخطط التنمية الحديثة على التنوع والتوجه للخارج، من خلال إقامة صناعات متطورة  تستطيع أن تنافس في الأسواق العالمية، وتسهم في تنويع هياكلها الاقتصادية، ومن ثم تنويع مصادر الدخل لشعوبها ، ومصادر الإيرادات لحكوماتها.

من هنا ليس من المستغرب أن يحدث تغير في التوجه في العلاقات الاقتصادية الخارجية لدول المنطقة العربية ودول مجلس التعاون على وجه الخصوص، نظرًا لطبيعة اقتصاداتها التي اعتمدت طويلاً، وأكثر مما يلزم، على قطاع أحادي هو النفط، مما أحبط كل طموح ووأد كل محاولات تنويع مصادر الدخل وتنويع الإيرادات العامة، وتركزت في الخير المتدفق من عوائد تصدير النفط والغاز.

واتساقًا مع التغير في النهج الداخلي كان لزامًا أن تتغير العلاقات الاقتصادية الدولية وأن تتنوع، وأن تخرج من عباءة التحالف الغربي مع الولايات المتحدة وأوروبا إلى النطاق الإقليمي المجاور شرقًا لتوسيع الأسواق، وتنويع التجارب وجذب أنماط جديدة من الاستثمارات والتقنيات، والبحث عن سبل للمدفوعات الدولية بجانب الدولار، وعن منظمات اقتصادية متعددة الأطراف بجانب منظمة بريتون وودز: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

الدلالة الرابعة

المصلحة العربية أولوية في الشراكة العربية / الصينية

من أهم دلالات هذه القمم أن الدول العربية أصبحت تضع ميزان المصلحة العربية كأولوية أساسية تحدد مسارات علاقاتها مع القوى الدولية، وبشكل يجعلها أبعد ما تكون عن النزاعات التي قد تثار بين تلك القوى. وفي نفس الوقت يمكنها من مواكبة التغيرات الحالية في موازين القوى الدولية، بشكل تضمن من خلاله الحفاظ على قدر أكبر من القدرة على التفاوض وتحقيق مصالح شعوبها ودعم خططتها التنموية، التي تقوم أساسًا على التصنيع للتصدير والتوجه للخارج، وتنويع هياكل الاقتصادات الوطنية وجذب مزيد من رؤوس الأموال للاستثمار في دول المنطقة، وتحتاج تعاون واسع النطاق، ومن ثم تعظيم المكتسبات الاقتصادية.

ومما يدعم التعاون العربي الصيني الذي يقوم على أولوية المصلحة العربية، تلك السمة البارزة في الشراكة العربية الصينية، حيث لا تعتمد المنهجية الصينية على التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما يساعد على التركيز على أوجه التعاون الاقتصادي المشترك والمصالح المتبادلة، وقد أسفر ذلك عن انضمام بعض الدول العربية لمعظم مبادرات الصين الإقليمية والدولية، مثل مبادرة الحزام والطريق، والتي من خلالها تواصل بكين دعم مشاريع الطاقة النظيفة والبنية الأساسية بالدول الحليفة، وكذلك منظمة شنغهاي للتعاون، وفي الطريق انضمام مصر والسعودية إلى مجموعة بريكس بقيادة الصين وروسيا.

من ناحية أخرى اتسم التعاون الصيني / الخليجي بالشمول، ودعم خطط دول مجلس التعاون الاقتصادية خاصة في مجال تنويع هيكل الاقتصادات الوطنية بعيدًا عن قطاع الطاقة والوقود الأحفوري فقط، ومن ناحيتها ركزت الصين على الحصول على عقود طويلة الأجل في مجال الطاقة بما يحقق الاستقرار والاستمرار في تدفق الإمدادات دون عوائق، فضلاً عن مشاركة قوية من الشركات الصينية في تنفيذ مشروعات البناء والطرق والجسور والموانئ في دول عربية أخرى.

وعلى سبيل المثال تم التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين السعودية والصين، وأكدت على أن السعودية شريك استراتيجي للصين، خصوصًا فيما يتعلق بضمان الوصول لمصادر الطاقة بشكل منتظم باعتبارها أكبر مستورد للنفط في العالم، وتتلاقى رؤية المملكة 2030 م، مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما يجعل من التنمية والمصالح المشتركة أساسًا في التعاملات في ظل احترام متبادل لمصالح الأطراف وتوجهاتها، وهو ما جعل العلاقات الثنائية تتطور بوتيرة متسارعة، كونها بنيت على أهداف واضحة.

الدلالة الخامسة

مرتكزات جديدة من العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة

من أهم دلالات نتائج قمم الرياض أن تدشين مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية مع الصين، لم يكن على حساب العلاقات الاقتصادية مع الغرب، ولكنه يجيء انعكاسًا لما حدث من تطورات جذرية في الواقع الاقتصادي للدول العربية، والجيو سياسي ( جيوبولتيكا) في العالم وفي منطقة الخليج، والدول العربية.

فالدول العربية والخليجية وعلى رأسها السعودية، لم تعد تستمد قوتها فقط من المخزون النفطي، بما أحرزته من إنجازات اقتصادية ونفوذ أكسبها أهمية إقليمية ودولية، وبالتالي فإن تراجع الأهمية النسبية للنفط كمصدر رئيسي للطاقة في العالم لم يكن إيذاناً بتراجع الأهمية الجيوسياسية والجيواقتصادية لدول المنطقة العربية، وأصبح لها مصالح خاصة تسعى لتحقيقها، وتشكل أساسًا لعلاقاتها الاقتصادية الخارجية وتحالفاتها الإقليمية

 ورغم ما للنفط العربي من دور في تأكيد مكانة المنطقة في الاقتصاد العالمي، إلا أن المنطقة العربية تثبت اليوم أن قوتها الاقتصادية مدعومة بتجمع عربي مترابط ثقافيًا وجغرافيًا واقتصاديًا، وعمق إقليمي صاعد مع شريك يشكل قوة اقتصادية لا يستهان بها وهي الصين، ويشكل التعاون معها سبيلاً للتنمية الاقتصادية في كلا المنطقتين.

وقد أسست قمة جدة للأمن والتنمية، بين القادة العرب والولايات المتحدة للعلاقات السعودية والخليجية والعربية مع الولايات المتحدة الأمريكية على مرتكزات جديدة، لم تعد للولايات المتحدة اليد العليا فيها، ولم تعد الحاجة للتعاون من طرف واحد، بل أصبح أساسها المصلحة المتبادلة، والأخذ في الاعتبار مصلحة كل الأطراف، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ومن خلالها أيضًا سعت واشنطن لتأكيد تواجدها بالمنطقة وتأكيد أهميتها للاقتصاد الأمريكي والعالمي، وعدم التفريض في علاقات متوازنة مع دول المنطقة.

وقد أصبح جليًا أن الاستراتيجية الأمريكية الرسمية لا تزال تضع منطقة الخليج العربي في صدارة الاهتمامات الأمريكية والشراكات الاقتصادية الكبرى، والأهم من ذلك أن هناك قناعة بأن الشراكة المستمرة يجب أن تبنى على نموذج من العلاقات متعددة الأهداف ولصالح الجميع، وأن دول المنطقة عامة صار لها أيضًا حساباتها وتقييماتها ورؤيتها في تحقيق مصالحها الاقتصادية، وأن نجاح الشراكة الخليجية الأمريكية له متطلبات يقرها الجانبان، وأن أي تحركات من جانب واحد قد تؤثر على نمط وتوجه هذه العلاقات.

 

ومن هنا جاءت تعهدات الرئيس بايدن بإحداث تغييرات في مناهج السياسة الخارجية للإدارة السابقة تجاه عدة قضايا تتعلق بمنطقة الخليج وموازنة أولويات الولايات المتحدة وإعادة ضبطها لتنسجم مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية والشرق أوسطية، أخذًا في الاعتبار ما حدث من تحولات في المنطقة ومن نقاط قوة ومصالح يجب أخذها في الاعتبار.

 

الخلاصة

 

تشهد المنطقة العربية تطورات جذرية في علاقاتها مع القوى الاقتصادية الكبرى في العالم،  والتي تمثلها الصين شرقًا، والولايات المتحدة غربًا، وقد تعرضت العلاقة الخليجية الأمريكية لمحطات ومراجعات، وحالات من المد والجزر، خاصة فيما بين المملكة العربية والولايات المتحدة، منذ بدأت العلاقة الدبلوماسية بين البلدين عام 1940م، وحتى اليوم، وزاد من حدتها في السنوات الأخيرة، الأزمات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد -19، والحرب الروسية الأوكرانية، وفي نفس الوقت شهد العالم تصاعد النفوذ الروسي والصيني في المنطقة، وانعكاساتها على أسعار الطاقة العالمية.

تدعم نتائج قمم الرياض التي عقدت خلال ديسمبر 2022م، النهج المتوازن في علاقة دول الخليج والدول العربية مع مختلف القوى الاقتصادية العالمية، وتحديدًا الصين في الشرق والولايات المتحدة في الغرب، ويعد انعكاسًا لتطورات عدة في الاقتصاد العالمي وميزان القوى الاقتصادية، فضلاً عن تطورات في واقع اقتصادات المنطقة، وسعيها الجاد لتنويع هياكل اقتصاداتها بعيدُا عن الارتكاز على النفط الخام، الأمر الذي يحتم تحولات مقابلة في العلاقات الاقتصادية الخارجية للدول العربية وتوسيع نطاقها بما يدعم طموحاتها.

 وتؤكد نتائج القمم الثلاث أن دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي عمومًا، ستواصل جهودها في مجال بناء علاقات شراكة استراتيجية بناءة مع مختلف القوى الدولية، في إطار من التوازن الهادف للحفاظ على المصالح العربية، ودعم أهدافها التنموية الحديثة، وهو ما يعني مزيدًا من الانخراط العربي في القضايا العالمية، والاتجاه أكثر نحو تعزيز العلاقات مع القوى الآسيوية والغربية على حد سواء.

مقالات لنفس الكاتب