array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

الغرب قلق لاستنزاف سلاحه وعلى الخليج اختيار الشركاء جيدًا ويكون "التوطين" عنوان الشراكة

الأحد، 29 كانون2/يناير 2023

مع تداعيات الحرب في أوكرانيا يتجه العالم إلى أكبر سباق تسليح منذ الحرب العالمية وتشكِّل الصناعات العسكرية والدفاعية إحدى الدعائم الأساسية للحفاظ على استقرار الدول أمنيًا واقتصاديًا. ومن هنا تبرز أهمية موافقة مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي في يونيو 2022م، على وثيقة الاتحاد للشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي. ترتبط هذه الشراكة بإمكانية دعم هذه الصناعات، وبخاصة ما يتصل بجانبها التكنولوجي، باعتبارها رافدًا اقتصاديًا يتحقق به الاكتفاء الذاتي وخفض التكاليف الباهظة لجلب الأسلحة من الخارج. وتتميَّز دول الخليج بأهمية استراتيجية؛ نظرًا لموقعها الجغرافي المُطلِّ على منافذ بحرية في غاية الأهمية، وامتلاكها 54% من الاحتياطي العالمي من النفط، و23% من الاحتياطي العالمي من الغاز، وارتباط ذلك بقطاع النقل والتصنيع العسكري ومختلف المجالات. تُعَدُّ دول مجلس التعاون الخليجي الست مجتمعة، ثالث أكبر منفق في العالم على مجال الدفاع، بميزانية مشتركة تزيد على 100 مليار دولار أمريكي سنويًا. لذا ينبغي أن يتم تحويل هذه القوة الشرائية الكبيرة إلى قوة صناعية، ومن خلال تطوير وتصنيع أسلحة نوعية وفاعلة ستجد لها أسواقًا واعدة في الدول الأخرى. وعلى الرغم من جهود التوطين منذ الثمانينات، فهناك حاجة لِتَبَنِّي مقاربة جديدة تستفيد من تجارب دول المنطقة لبناء الصناعات الوطنية الخالصة وليس مجرد توطين بعض الصناعات الدفاعية القادمة من الخارج.

 

مع استمرار تداعيات الحرب في أوكرانيا يتغير الوضع الأمنيُّ في أوروبا، فمنذ اندلاع الحرب في فبراير 2022م، قدَّم الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا معدات عسكرية بقيمة 8 مليارات دولار. والنتيجة أن الدول الغربية تعاني من أزمة ذات بُعدَيْن في هذا الصدد: البعد الأول يتمثل في نقص مخزون الأسلحة والذخائر والمُعدَّات بدرجة مقلقة، والبعد الثاني يتمثل في الصعوبات التي تواجه شركات الدفاع فيما يتعلق بعمليات إنتاج أسلحة جديدة خلال مدى زمني قريب. قال المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "إنه ينبغي تعويض مخزوننا العسكري بعد تسليح كييف، مشيرًا إلى أنه سيتم مراجعة القدرات الدفاعية للدول الأوروبية بشكل موحد وجماعي". تسببت الإمدادات السريعة لأوكرانيا في استنفاد المخزونات الوطنية، وأصبح هناك نقصًا في الأسلحة الثقيلة اللازمة للدفاع عن أوكرانيا في الوقت الذي تواجه فيه الصناعة الأوروبية صعوبات لزيادة الإنتاج جرَّاء أزمة الطاقة.

التعاون العسكري في التسليح

اعتمدت المفوضية الأوروبية والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بيانًا مشتركًا بشأن "شراكة استراتيجية مع الخليج" بهدف توسيع وتعميق التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. وقال ممثل الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "في ظل انعدام الأمن ووجود تحديات كبيرة تواجه النظام الدولي، وتتفاقم بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، سيستفيد كل من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج من شراكةٍ أكبر وأكثر استراتيجيةً تشمل عدداً من المجالات الرئيسية. نحن بحاجة إلى العمل معًا بشكل أوثق على الاستقرار في الخليج والشرق الأوسط، ومواجهة التهديدات الأمنية العالمية، وأمن الطاقة". إن تعزيز الشراكة سيعود بالنفع لكل من الاتحاد الأوروبي والشركاء في الخليج؛ حيث يُعتَبَر الاتحاد الأوروبي أكبر سوق في العالم، ورائدًا في مجالات البحوث والابتكار، ولاعبًا أمنيًا هامًا في منطقة الخليج".

مـن أجـل أن تحمـي دول الاتحـاد الأوروبـي الـ 27 مصـالحهـا المرتبطـة بـالأمن فـي الخلـيج العربـي بـرز مفهـوم الــدفاع المشــترك عــن المنــاطق الاقتصــادية فــي الخلــيج العربــي. وتَبَنَّــى الاتحــاد الأوروبــي مشــروعين لمسـاعدة دول المنطقـة والهـدف هـو حمايـة الأمـن الأوروبـي. اتخـذ المشـروع الأول شـكلا ً سياسيًّا تَنَاوَل تنظيم معاهدة دولية خاصة بمضيق هرمز إذ تتجه سنويًا نحو ٦٦٥ ناقلة نفط مـن الخلـيج العربـي إلـى أوروبا، والثـاني اتخـذ شـكلاً عسكريًا تنـاول إنشـاء قـوة بحريـة عربيـة خاصـة بإزالـة الألغـام البحريـة لتأمين سـلامة الملاحـة البحريـة. تحـاول الـدول الأوروبيـة إذن مـن خـلال هـذين المشـروعين الوصول إلى تنظيم منطقة سلام إقليمية محايدة لضـمان الأمـن من حولها. فدول الاتحـاد الأوروبـي تسـعى بشـكل حثيـث للاضـطلاع بـدور مميـَّز فـي الترتيبـات الأمنيـة والعسـكرية فـي الخلـيج العربي بشكل عـام مـن خـلال مجلـس التعـاون الخليجـي. وبـذلك تكـون الـدول الأوروبية قـد حققـت مصالحها الخاصة من جهة، وقامت بـدور مميـز لهـا فـي علاقاتهـا مـع دول المنطقة لضـمان أمـن الخلـيج العربـي مـن جهـة ثانيـة، وظهرت بِـدَورٍ مُمَيَّـز ككتلـة دوليـة مـن جهـة ثالثة.

توطين تكنولوجيا الصناعات العسكرية الأوروبية في دول الخليج

تُعَدُّ التكنولوجيا أحد أبرز التحديات التي تواجه مختلف الدول في إعدادها لاستراتيجياتها الدفاعية، إذ يُشكِّل التقدم التقني تحديًّا حقيقيًّا أمام طبيعة التهديدات التي ينبغي مواجهتها، ففي حين تركز الأولويات الأمنية على ضرورة إعداد الجيش وتوفير المعدات اللازمة لحماية الدولة، يفرض واقع التطور التكنولوجي ضرورة استيعاب التغيرات التي يفرضها على طبيعة الأسلحة من جهة، وعلى طبيعة التهديدات من جهة أخرى، وهو ما يتطلب اهتمامًا خاصًا من قِبل الدول لتحديث استراتيجياتها الدفاعية، ولتدريب قواتها العسكرية. ويُنظَر إلى الصناعة العسكرية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من السياسة الدفاعية التي تتخذها الدول قاعدة للحماية من الأخطار الداخلية والخارجية على حد سواء، ويشير مصطلح قاعدة الصناعة الدفاعية “Defense industry base” إلى الأصول الحكومية الصناعية المختصة بإنتاج وتوفير معدات القوات المسلحة، للحفاظ على الأمن العام الذي يحمي كيان الدولة ويضمن فاعليتها على المستويين الداخلي والخارجي. وهناك مجموعة من التحديات، أمام توطين الصناعة الدفاعية في دول الخليج، ومنها:

  • ارتهنت مسألة القطاع الأمني والدفاعي بسياسة الولايات المتحدة والدول الغربية، التي تحظر استراتيجياتها إتاحة أسلحة نوعية أو نقل تقنيات قد تهدد الكيان الصهيوني.
  • يحتاج إنشاء صناعة دفاعية كبرى إلى تكوين بنية تحتية قادرة، ويستغرق هذا زمنًا يكفي لترسيخ الجهود لتأسيسها وتجربتها والتعلم من أخطائها وتطوير مكامن القوة فيها. وتهدف رؤية السعودية 2030م، إلى توطين الصناعات العسكرية بنسبة 50% مقارنة مع 2% حاليًا، في حين تطمح الإمارات إلى تنمية الصناعات الدفاعية المحلية من 10% إلى 30%.
  • يمثل توطين التكنولوجيا ساحة تنافس بين القوى الدولية والإقليمية، ويعتبر توفير الخبرات من العوامل الداعمة لإقامة المشروعات الصناعية، ويحتاج الأمر إلى إقامة مراكز للبحوث والتطوير، وتبادل الخبرات بين دول المجلس، والاستفادة من العلاقات الجيدة مع الدول الصناعية، والتعرف على تلك الميزات التي تتوفر في كافة دول المجلس وتدعم التوجه نحو الصناعة العسكرية.
  • مع سعي دول الخليج إلى تنويع خياراتها بالتعامل مع أكثر من طرف دولي وأكثر من شركة رائدة، فإنها تصطدم ببعض الالتزامات التي تعيق ذلك مثل إجبار بعض الدول العربية التي تتلقى مساعدات أمريكية ألا تشتري أسلحة ومعدات غير أمريكية.

وبالمقارنة بين الفرص المتاحة والتحديات القائمة التي تواجه دول الخليج، وتحول بينها وبين تنمية قدراتها الدفاعية، فإن الفرص التي يوفرها الموقع الاستراتيجي والقدرات الاقتصادية لهذه الدول، كفيلة بأن تمكنها من تعزيز القدرات الدفاعية لتحقق الاكتفاء الذاتي والأمني أولًا، ولتدخل قطاع التنافس الدولي في مجال الصناعات العسكرية في مرحلة لاحقة. وقد يبدو النشاط المتنامي لبعض هذه الدول في مجال الصناعات العسكرية، أشبه بِرَدَّةِ فعل تجاه التقلبات التي صبغت السياسة الأمريكية في المنطقة في السنوات الأخيرة؛ لكن التغيرات السياسية الكبيرة التي فرضتها مجريات الغزو الروسي لأوكرانيا، قد تدفع الدول الخليجية للانخراط في هذا النشاط بشكل فاعل على غرار السعودية والإمارات، ويبقى التحدي الحقيقي أمام هذه الدول في كيفية ترتيب أولوياتها، والموازنة بين احتياجاتها الحقيقية وعلاقاتها الاستراتيجية، وبين قدرتها على الاستفادة من التغيرات الإقليمية والدولية في تعزيز وتنويع قدراتها الدفاعية.

تفعيل اتفاقيات دفاع مشترك

يتعهد الاتحاد الأوروبي بلعب دور سياسي وأمني أكبر في الخليج. سيتم دعم تعيين ممثل خاص للاتحاد الأوروبي لأمن الخليج من خلال حوار سياسي سنوي مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومشاورات حول القضايا متعددة الأطراف. يتصور الاتحاد الأوروبي آلية تعاون جديدة بشأن الأمن البحري، ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والأمن السيبراني. وقد حدد بيان الاتحاد الأوروبي بشأن الشراكة الاستراتيجية مع الخليج عدة مجالات لتعزيز التعاون منها، وأضاف المجلس الأوروبي أن التعاون بين الجانبين يشمل عدة مجالات منها الطاقة والتحول الأخضر وتغير المناخ، بالإضافة إلى التجارة والتنويع الاقتصادي والاستقرار الإقليمي والأمن العالمي والتحديات الإنسانية والإنمائية. ويأتي ذلك في وقت يتزايد فيه القلق في بروكسل وواشنطن بشأن التوجه المستمر في الخليج نحو الصين وروسيا، ولكنه يمثل محاولة لصقل صورة الاتحاد الأوروبي في الإقليم واستعادة دوره كشريك استراتيجي لدول الخليج.

من المقرر أن يتضاعف تمثيل الاتحاد الأوروبي بشكل فعَّال، بإرسال الوفود وتعيين سفير للاتحاد الأوروبي في دول مجلس التعاون الخليجي وترشيح ممثل خاص لأمن الخليج لمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أفضل في قضايا الأمن الإقليمي. وتُقدِّم استراتيجية الشراكة دَفعةً إيجابية للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والخليج، وتُعتبَر جهود الاتحاد الأوروبي لتعزيز وجوده والانخراط بشكل أكبر سياسيًّا في الخليج خطوة في الاتجاه الصحيح.

المجالات العسكرية والفاعلية القابلة للتطبيق

 

أصبح التعامل مع البيانات والتقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي ذا أهمية متزايدة في الحفاظ على القدرة التنافسية العسكرية وتطوير قدرات عسكرية جديدة أو مُعزِّزة مثل الأسلحة السيبرانية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والمُسَيَّرات والأسلحة والمركبات والروبوتات والأدوات الاستخباراتية والتحذيرية. كل ذلك من شأنه إحداث نقلة كبيرة في العمليات العسكرية والاستراتيجية. وتتسع المجالات التي تعكس اهتمامات مؤثرة لِتَضُمَّ أنشطة التدريب والبعثات، والمناورات المُشتَركة، وتبادل الخبرات والمعلومات، وأعمال الاستطلاع والإنذار المبكر، والصفقات، واتفاقيات الحماية والتأمين والقواعد العسكرية.

ما بين عامي 1999 و2021م، ارتفع الإنفاق الدفاعي المشترك للاتحاد الأوروبي بنسبة 20٪ مقارنة بـ 66٪ في الولايات المتحدة، و292٪ في روسيا و592٪ في الصين. وتوافقت دول الاتحاد على المزيد من الإنفاق الدفاعي الذي يجب أن يُوَجَّه في المقام الأول إلى مبادرات تعاونية ويتماشى مع التزامات أعضاء الاتحاد الأوروبي في الناتو. ويحتاج الاتحاد الأوروبي إلى زيادة تعزيز البحث والتطوير التكنولوجي والابتكار في مجال الأمن والدفاع، لتلبية طموحه في أن يصبح فاعلًا أمنيًا قادرًا.

واقع الإمكانيات العسكرية الأوروبية

في محاولة للتعاطي مع أزمة نقص مخزون الأسلحة بدأت معظم الدول الغربية، خصوصاً الدول الأوروبية، تلجأ إلى "التسوق الأمني والعسكري" كما تصفه بعض الدوائر، في إشارة إلى اللجوء إلى استيراد الأسلحة من بعض الدول؛ فعلى سبيل المثـال، شهد الطلب على الأسلحة الإسرائيلية من الدول الأوروبية ارتفاعاً ملحوظاً، وهناك أسلحة مثل الطائرات المُسَيَّرة وأنظمة التحكم والمراقبة وبعض أنظمة القتال الإلكتروني، تستحوذ على اهتمام كبير من جانب دول أوروبية مثل ألمانيا والسويد ورومانيا والتشيك وبلغاريا. وَتَرَتَّب على عدم قدرة الدول الأوروبية على تلبية الاحتياجات العسكرية الوطنية، أن وَجَّهَت أولوياتها لدعم عمليات إعادة هيكلة المنظومة العسكرية، وبناء القدرات الوطنية.

حذرت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبرشيت من نفاد مخزون الأسلحة الألمانية وقالت إن ألمانيا وصلت إلى حدود ما يمكن تقديمه. صرح "توني راداكين" رئيس أركان الدفاع البريطاني، بأن استعادة مخزون المملكة المتحدة من الأسلحة إلى مستويات ما قبل الحرب الأوكرانية قد يستغرق عدة سنوات؛ بسبب القيود المفروضة على القدرة الصناعية للمملكة المتحدة، وأنه لا يمكن بلمسة سحرية الإنتاج السريع للأنواع المتطورة من الأسلحة. وأشارت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، إلى أن الغرب يعاني نقصاً في الأسلحة؛ مما يؤثر على قدرته على إمداد أوكرانيا باحتياجاتها من السلاح. تعاني الدول الغربية من أزمة ذات بُعدَيْن في هذا الصدد: البعد الأول يتمثل في نقص مخزون الأسلحة والذخائر والمعدات بدرجة مقلقة، والبعد الثاني يتمثل في الصعوبات التي تواجه شركات الدفاع فيما يتعلق بعمليات إنتاج أسلحة جديدة خلال مدى زمني قصير.

قدرة دول الاتحاد الأوروبي على تسليح دول الخليج ومنافسة الولايات المتحدة:

علقت إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في مطلع 2021م، بيع أسلحة للمملكة العربية السعودية، ومقاتلات إف-35 للإمارات العربية المتحدة. وجرى إلغاء صفقات تم الاتفاق عليها إبان ولاية الرئيس السابق "دونالد ترامب" بقيمة 650 مليون دولار، وشملت صواريخ أمريكية الصنع. تهاوت ثقة أصدقاء الولايات المتحدة بوعودها مما أجبرهم على محاولة تطوير أسلحتهم بأنفسهم. كثفت دول الخليج جهودها في تطوير صناعاتها الدفاعية والسعي لتنويع شراكاتها، من خلال إقامة معارض الصناعات الدفاعية بغرض التعرف على الأسلحة النوعية، واستعراض قدراتها التصنيعية العسكرية، وعقد صفقات مع مختلف شركات الصناعة الدفاعية المشاركة.

الآن وبعد استنزاف مخزون السلاح لدى الغرب، والرغبة في تعويض الإنفاق السخي لدعم أوكرانيا في حربها مع الروس، يريد الغرب أن يستعيد قدراته الدفاعية، وأن يستمرَّ في تطوير التقنيات الحرجة. وفي هذا الإطار يبدو التعاون مع دول الخليج ذات الإمكانات المادية الوفيرة سبيلاً مبشِّراً للاستجابة لتطلُّعات كل الأطراف. على دول الخليج أن تختار جيداً شركاءها الآخرين، باعتبار مدى التزامهم بنقل تفاصيل التقنيات الحرجة، وما يتعلق بها من تدريب جادٍّ، وضرورة استكمال تطوير الأنظمة حتى الوصول إلى المُنتَج النهائيِّ، واختباره وإقراره، وينبغي أن يكون شعار "التوطين" هو العنوان الرئيس لمشروع التعاون الأوروبي الخليجي.

شراكة من أجل الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي

يمثل الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار في منطقة الخليج الأوسع أولوية رئيسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ومصلحة مشتركة مهمة مع دول مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه والشركاء الدوليين والإقليميين الآخرين. يؤثر عدم الاستقرار في منطقة الخليج الأوسع تأثيرًا مباشرًا على المصالح الأمنية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي. ومع تزايد نشاط دول الخليج في منطقتها وفي الشرق الأوسط الكبير وما وراءه، فإن الاستقرار الدائم في الجوار الأوسع للاتحاد الأوروبي سيتطلب تعاونًا وثيقًا مع الخليج.

ينسق الاتحاد الأوروبي الجهود لضمان التنفيذ الكامل والفعال لخطة العمل المشتركة الشاملة، والتي يمكن أن تسهم في الجهود الدائمة لضمان بقاء منطقة الخليج خالية بشكل دائم من الأسلحة النووية ويمكن أن تساعد في حد ذاتها في معالجة القضايا الإقليمية الأخرى. ويمكن للاتحاد الأوروبي العمل على الحوار والشفافية وتدابير بناء الثقة وتبادل الخبرات في مجالات مثل السلامة والأمن البحريين، ومنع النزاعات والوساطة والتأهب للكوارث والاستجابة لها، والسلامة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، ومكافحة الإرهاب، والأمن السيبراني والتصدي للمعلومات المضللة. ويمكن للحوار السياسي العسكري مع دول مجلس التعاون الخليجي أن يُسهل تبادل المعلومات حول التدريبات العسكرية والسياسات والميزانيات، والتدابير الطوعية لتحسين الشفافية في التسلح، وترتيبات الحد من التسلح وتفعيل اتفاقيات عدم الانتشار. يمكن للاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي تبادل الممارسات الجيدة في الوقاية من الكوارث والاستعداد لها، لا سيما من خلال تحسين التعاون بين مركز تنسيق الاستجابة للطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي ومركز إدارة الطوارئ في دول مجلس التعاون الخليجي. يواصل الاتحاد الأوروبي أيضًا العمل مع دول الخليج لتعزيز فضاء إلكتروني عالمي ومنفتح ومستقر وآمن مع التركيز بشكل خاص على الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية الحيوية من الهجمات الإلكترونية. يتعين أيضًا التعاون بشكل فعال لمواجهة تحديات الهجمات الإرهابية باستخدام المُسَيَّرات والصواريخ.

تتداخل الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية لدول الخليج لتجعل من هذه الدول ذات مكانة وأهمية للأمن العالمي، نظرًا لثقلها الاستراتيجي في مجال الطاقة على مستوى العالم، فلديها 54% من الاحتياط العالمي من النفط، و23% من الاحتياط العالمي من الغاز؛ ولهذا سارعت القوى الكبرى إلى تثبيت وجودها في هذه المنطقة من خلال مختلف الوسائل، أو التأثير عليها من خلال دعم حلفائها في المنطقة، فضلًا عن حرصها على تأمين طرق نقل النفط منها، خصوصًا من مضيق هرمز الذي يُعَدُّ شريانًا استراتيجيًّا لتأمين حركة النفط على مستوى العالم.

تعد الصناعات العسكرية والدفاعية إحدى أهم الروافد التي تعمل على تطور الجيوش، بعدم تبعيتها للخارج في مجال التقنية والسلاح والمعدات. ويُمَثِّل شقها التكنولوجي رافدًا اقتصاديًا مهمًا للدول، من حيث تحقيق الاكتفاء الذاتي، وخفض الإنفاق الخارجي للحصول على الأسلحة، وتنمية اقتصاد الدول من خلال تصنيع أسلحة نوعية وفاعلة تنفتح لها أسواق الدول الأخرى. وفي حين تُرَكز الأولويات الأمنية على ضرورة إعداد الجيش وتوفير المعدات اللازمة لحماية الدولة، يفرض واقع التطور التكنولوجي ضرورة استيعاب التغيرات التي يفرضها على طبيعة الأسلحة من جهة، وعلى طبيعة التهديدات من جهة أخرى، مما يتطلب اهتمامًا خاصًا لتحديث الاستراتيجيات الدفاعية لدول الخليج، وتدريب قواتها العسكرية. وفي هذا السياق فقد باتت الحروب السيبرانية وأسراب المُسَيَّرات من الأخطار الخارجية التي ينبغي الاستعداد لها.

تنتهج دول الخليج خططاً واستراتيجيات نوعية منها تطبيق ما يسمى بـ”الأوفست”، الذي يقتضي نقل جزء من تقنيات الأسلحة التي يتم شراؤها إلى الدولة المستوردة؛ حتى تتم الصفقة، وتجميع شركات التصنيع العسكري تحت إطار إدارة واحدة، وتنويع خارطة التحالفات، دون الاقتصار على طرف دون آخر، من أجل الوصول للأسلحة النوعية، دون افتقادها بسبب التغيرات السياسية للدول المصدِّرة. جرى في كل من الرياض ودبي تنظيم معارض للتسليح ضمت شركات دولية هامَّة، وانعقدت خلالها ندوات وورش عمل. وقدمت الشركات المحلية منتجات تنافسية مثل ناقلات "نمر" المدرعة، ويمكن لدول الخليج أن تستفيد من علاقاتها القائمة في تطوير صناعاتها الدفاعية القائمة، وهي بحاجة إلى شراكات متعددة، وإضافة إلى الشركات الأمريكية فقد عمدت السعودية والإمارات إلى الانفتاح على التعاون الدفاعي مع مجموعة واسعة من الشركاء من جميع أنحاء العالم، وبعض الشركاء الغربيين والروس، وشركات أخرى إيطالية وصربية وأوكرانية، تملك خبرات كافية وقادرة على تطوير قطاع الصناعة الدفاعية في دول الخليج.

تتطلب الصناعة العسكرية توفير قدرات بشرية في قطاع التكنولوجيا، ويستلزم ذلك إقامة مراكز للبحوث والتطوير، وتبادل الخبرات بين دول المجلس، والاستفادة من العلاقات الجيدة مع الدول الصناعية، والتعرف على الميزات المتوفرة في كافة دول المجلس التي تدعم التوجه نحو الصناعة العسكرية. ويمكن القول بأن الفرص التي يوفرها الموقع الاستراتيجي والقدرات الاقتصادية لدول الخليج، كفيلة بأن يمكنها من تعزيز قدراتها الدفاعية لتحقق الاكتفاء الذاتي والأمني أولًا، ولتدخل قطاع التنافس الدولي في مجال الصناعات العسكرية في مرحلة لاحقة.

خاتمة وتوصيات

ينبغي دعم جهود إنتاج أسلحة نوعية قادرة على الوصول للأسواق العالمية، بـتأهيل خبراء وفنيين قادرين على صناعة وصيانة هذه الأسلحة وتطويرها، والوصول إلى شركات عالمية من أجل الاستفادة من خبراتها وقدراتها. ويحتاج توطين الصناعات الدفاعية إلى مزيد من التركيز والابتكار، وعدم الاكتفاء بنقل جزءٍ من التقنية، والتوافق مع الشركات المصنعة لنقل كامل التقنية، ثم البناء عليها. ومن الضروري التنويع في الشراكات الدفاعية، حتى لا يرتبط أمن واستقرار دول الخليج بالظروف السياسية للدول الأخرى.

مقالات لنفس الكاتب