array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

ضرورة مأسسة الشراكة حتى لا تكون رد فعل تكتيكي لأزمة الطاقة الأوروبية

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

في خطوة "غير مسبوقة" من أجل إرساء علاقات استراتيجية طويلة الأمد بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، أصدرت المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي بيانًا مشتركًا بعنوان "شراكة استراتيجية مع الخليج" في 18 مايو 2022م، ويحدد هذا البيان المهم عدة مجالات لتعزيز التعاون الخليجي -الأوروبي، ومن أبرزها: أمن الطاقة والتحول الأخضر، والتجارة والاستثمار والتنويع الاقتصادي، والاستقرار الإقليمي والأمن العالمي، والتحديات الإنمائية، وغيرها من القضايا.

ووفقًا للمجلس الأوروبي، تعد هذه الشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي "ضرورة" و"أولوية رئيسية" من أجل توفير إمدادات طاقة مستدامة وميسورة التكلفة وآمنة للمستهلكين الأوروبيين، وبالتالي تحقيق انتعاش اقتصادي قوي في دول الاتحاد. ولضمان التنفيذ الفعّال والسريع لهذه الشراكة الاستراتيجية الجديدة مع دول الخليج، تعهد الاتحاد الأوروبي باستخدام جميع أدواته، بما في ذلك الصفقة الخضراء The Green Deal، من أجل تعزيز ودفع التعاون مع الدول الخليجية في المستقبل.

 

آفاق جديدة للتعاون الطاقوي

وفي هذا الإطار، كشفت الوثائق الأوروبية المتعددة، التي صدرت بعد بيان 18 مايو 2022م، أن شراكة الطاقة الأوروبية ـ الخليجية سوف تشمل تعزيز التعاون بين الجانبين في عدة مجالات، لعل من أبرزها: زيادة واردات الغاز المسال إلى أوروبا من خلال التوصل إلى عقود إمداد جديدة فورية ومستقبلية، وزيادة مشاركة شركات الطاقة الأوروبية العملاقة في مشروعات إنتاج الغاز والنفط في الدول الخليجية، والتعاون من أجل تثبيت أسعار النفط العالمية.

وبالإضافة إلى ذلك، تسعى شراكة الطاقة المقترحة من الجانب الأوروبي إلى فتح آفاق جديدة للتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في مشروعات العمل المناخي و"تحول الطاقة" أو "الانتقال الطاقوي" نحو مصادر الطاقة الخضراء، مع اعتبار هذه المشروعات بمثابة "المحور المركزي الجديد" للعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في قطاع الطاقة. فبعد أن حددت الدول الخليجية أهدافًا طموحة للوصول إلى "صافي صفر انبعاثات كربونية" في العقود القادمة، ومع دبلوماسيتها البيئية النشطة بشكل متزايد، بما في ذلك استضافة الإمارات لمؤتمر قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 28) في نوفمبر 2023م، واستثمارات الدول الخليجية المتزايدة في مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر في الداخل والخارج، أصبحت هذه الدول من أكثر الشركاء الدوليين جاذبية للدول الأوروبية من منظور العمل المناخي الهادف إلى مواجهة تغير المناخ العالمي، وتأثيراته الكارثية المدمرة على كوكب الأرض.

كما تضع الجهود المتسارعة والمتزايدة للتنويع الاقتصادي ومواجهة التغير المناخي العالمي في دول الخليج الست أيضًا كثير من الشركات الأوروبية في وضع يسمح لها بأن تصبح "شريكًا أساسيًا" في مشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، واستخدام وتخزين الكربون، والحد من مخاطر الكوارث البيئية.

ومن ناحية أخرى، يتوق الاتحاد الأوروبي أيضًا إلى الاستفادة من إمكانات الطاقة المتجددة الهائلة التي تقدمها دول الخليج للمساعدة في تسهيل انتقال أوروبا إلى مستقبل خالٍ من انبعاثات الكربون، خاصة وان الدول الخليجية، تعد من "المزودين الموثوقين" للغاز الطبيعي المسال في الأسواق الدولية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.

ومن جهة ثانية، تكشف المقترحات الأوروبية الجديدة لتعزيز شراكة الطاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي عن رغبة أوروبية واضحة في حث الدول الخليجية على أن تصبح "مستثمرًا رئيسيًا" في مشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. حيث يريد الاتحاد الأوروبي الاستفادة من الفوائض المالية لدول الخليج من أجل مساعدة الدول النامية والفقيرة، بشكل مشترك، على تنفيذ هذه المشروعات، من خلال الاستفادة من القدرات المالية والاستثمارية لدول الخليج، مع إشراك القطاع الخاص الأوروبي لإطلاق التكنولوجيا الملائمة والخبرة اللازمة. وللمساعدة في تحقيق ذلك، اقترح الأوروبيون آليات مختلفة من مجموعات العمل والحوار لتحديد المشروعات المحتملة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، مشيرين إلى أن البوابة العالمية The Global Gateway يمكن أن تمثل إطارًا مفيدًا في هذا الخصوص.

ومن جهة ثالثة، تكشف المقترحات الأوروبية لدفع شراكة الطاقة مع الجانب الخليجي عن حماس أوروبي شديد من أجل الاستفادة من الإمكانات الخليجية الهائلة في أن تصبح مصدرًا رئيسيًا للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، مؤكدة على ضرورة استكشاف كيفية بناء أسواق أوروبية للهيدروجين الأخضر، من خلال تعزيز التعاون الإقليمي مع أطراف ثالثة، استنادًا إلى شراكة الهيدروجين الأخضر في البحر المتوسط Mediterranean Green Hydrogen Partnership، بالإضافة إلى البناء على المشروعات القائمة في شرق وجنوب البحر المتوسط، والتي تهدف إلى إقامة شبكات مستدامة لنقل الغاز والكهرباء والهيدروجين، فضلاً عن إقامة مرافق تخزين الهيدروجين والبنية التحتية للموانئ في كل من الاتحاد الأوروبي ودول الخليج. وفي هذا السياق، أكدت المقترحات الأوروبية على أن أطر مثل المبادرات الخضراء في السعودية والشرق الأوسط يمكن أن توفر آليات مهمة للحوار والتعاون في هذا الخصوص بين الجانبين الخليجي والأوروبي. كما كشفت المقترحات الأوروبية أيضًا عن أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على تعزيز التعاون الثلاثي في المستقبل، وفقًا للنموذج الناجح الذي قدمه مشروع تحليه المياه وتوليد الكهرباء النظيفة بين إسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة.

 

دوافع أوروبية ملحة للشراكة مع الخليج

تأتي المقترحات الأوروبية المذكورة لتعزيز شراكة الطاقة مع الخليج في وقت يتزايد فيه القلق في بروكسل من مواجهة الأوروبيين لأخطر أزمة طاقة منذ "صدمة البترول الأولى" في عام 1973م، نتيجة اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية ومساعي الأوروبيين لتقليل اعتمادهم على واردات النفط والغاز من روسيا عقابًا لها على شن العمليات العسكرية في أوكرانيا، وهو الأمر الذي قابلته موسكو باستخدام "سلاح الطاقة" في مواجهة الأوروبيين، وذلك من خلال قطع إمدادات الغاز والنفط، أو التهديد بقطعها، تجاه عدد من الدول الأوروبية. وقد ترتب على ذلك معاناة دول الاتحاد الأوروبي من ارتفاع "تاريخي" في فواتير منتجات الطاقة المختلفة (خاصة الكهرباء وغاز التدفئة ووقود المواصلات وغيرها)، بعد سنوات من أسعار الطاقة المنخفضة، لاسيما بين عامي 2014 و2020م، مما تسبب في مستويات "غير مسبوقة" من التضخم، فضلاً عن زيادة معدلات البطالة والفقر بشكل مؤلم في معظم الدول الأوروبية. وقد قادت هذه التطورات المتسارعة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي الأوروبي لدرجة أن بعض الدول اتجهت نحو ركود حاد في عام 2022م.

وفي هذا الإطار، أبرزت أزمة الطاقة الأوروبية (خلال العام الماضي واستمرارها المتوقع في المدى المنظور) أهمية دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها من أهم الدول التي يمكن للاتحاد الأوروبي الاعتماد عليها من أجل التعامل الناجح مع هذه الأزمة، بسبب قربها الجغرافي من أسواق الطاقة الأوروبية من ناحية، ومواردها الهائلة من النفط والغاز الطبيعي ومصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من ناحية أخرى. لذلك، لم يكن غريبًا، أن تعلن المفوضية الأوروبية أيضًا، في نفس اليوم الذي صدر فيه بيان "شراكة استراتيجية مع الخليج" في 18 مايو 2022م، عن خطة بعنوان "العمل الأوروبي المشترك من أجل طاقة أكثر أمانًا واستدامة وبأسعار معقولة"، أطلق عليها اسم "REPowerEU". وقد حددت هذه الخطة التزامًا سياسيًا قويًا من قادة الدول الأوروبية لتقليل اعتمادهم المفرط على واردات الطاقة الروسية من خلال تنويع الإمدادات، وكفاءة الطاقة، وتعزيز مصادر الطاقة المتجددة وغيرها من الحلول منخفضة الكربون (مثل الهيدروجين والميثان الحيوي). ومن أجل تنفيذ هذا الالتزام على أرض الواقع، تضمنت هذه الخطة ركيزتين أساسيتين، وهما:

الركيزة الأولى: التخلي الكامل عن واردات الطاقة الروسية (النفط والغاز والفحم) بحلول عام 2027م، ويشتمل ذلك على خفض واردات الغاز الطبيعي من روسيا بمقدار الثلثين بحلول نهاية عام 2022م، (أي حوالي101 مليار متر مكعب من إجمالي 155 مليار متر مكعب في عام 2021م).

الركيزة الثانية: تسريع تحول الطاقة بشكل كبير من أجل تحقيق أهداف أعلى للطاقة المتجددة بحلول عام 2030م، وللقيام بذلك، اقترحت المفوضية الأوروبية زيادة الحصة المستهدفة من الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الأوروبي الإجمالي لتصبح 45 في المائة بحلول عام 2030م، ارتفاعًا من 40 في المائة في حزمة "Fit for 55" المقترحة في عام 2021م. وتتضمن هذه الركيزة أيضًا زيادة الاعتماد على الهيدروجين والميثان الحيوي، خاصة في القطاعات المعروفة باسم القطاعات "الصلبة"، أو التي يصعب أن يتم إزالة الكربون منها عن طريق استخدام الكهرباء، مثل: قطاع الصناعات الثقيلة (كالصلب والأسمنت والزجاج)، وقطاع النقل (كالشاحنات وسفن الشحن البحري).

 

اتفاقات جديدة بالجملة في مجال الطاقة

ومن أجل تنفيذ خطة "شراكة استراتيجية مع الخليج" وخطة "REPowerEU"، سارع معظم قادة الدول الأوروبية الكبرى إلى زيارة الدول الخليجية الغنية بالنفط والغاز في محاولة لكسب ودها، وتوقيع عقود إمدادات فورية أو مستقبلية، ومناشدتها لزيادة إنتاج وتصدير النفط والغاز الطبيعي من أجل تخفيف حدة أزمة الطاقة الأوروبية. وفي هذا السياق، تم التوصل إلى كثير من الاتفاقات بين الجانبين الخليجي والأوروبي. فعلى سبيل المثال، قررت قطر، في 29 نوفمبر 2022م، مد ألمانيا بمليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا على مدى 15 عامًا على الأقل. وقال وزير الطاقة القطري، الذي يشغل أيضًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة "قطر للطاقة"، سعد بن شريدة الكعبي، إن شركة "قطر للطاقة"، وهي شركة "كونوكو فيليبس" الأمريكية، ستتولى توريد الغاز من مشروعي حقل الشمال الشرقي وحقل الشمال الجنوبي، اعتبارًا من عام 2026م، إلى محطة برونزبوتل للغاز الطبيعي المسال التي يتم تطويرها في شمال ألمانيا. وفي سبتمبر 2022م، توصلت ألمانيا إلى اتفاقية مهمة مع الإمارات، تنص على تزويد أبو ظبي الدولة الأوروبية بالغاز المسال والديزل في عامي 2022 و2023م. وفي 18 يوليو 2022م، وقعت الإمارات وفرنسا أيضًا على اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة للطاقة"، والتي تشتمل على تعزيز التعاون بين الدولتين في مجالات الطاقة التقليدية والطاقة المتجددة والهيدروجين وغيرها، مع تعميق التعاون في التنقيب عن الغاز خصوصا عبر شركة توتال الفرنسية. ومن جهة أخرى، كانت شركات إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية وشل الهولندية من أوائل الشركات الفائزة التي تم الإعلان عنها بحصص في التوسع الهائل لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في قطر. كما توصلت شركة بريتيش بتروليوم البريطانية إلى اتفاقيات للتعاون الاستراتيجي بشأن الهيدروجين الأخضر مع شركة بترول أبو ظبي الوطنية وشركة مصدر للطاقة النظيفة.

 

تحديات مهمة في الأفق

رغم أن المقترحات الأوروبية لتعزيز شراكة الطاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وما نجم عنها من اتفاقات بالجملة لتعزيز التعاون بين الجانبين في المدى المنظور، تمثل "خريطة طريق" لمستقبل "مشرق وواعد" للعلاقات بين الجانبين، إلا أن فريقًا من المراقبين أشار إلى وجود عدة "تحديات مهمة" قد تعرقل إتباع هذه "الخريطة" في الفترة القادمة. حيث يتشكك أنصار هذا الفريق في جدية الجانبين في إقامة "شراكة استراتيجية طويلة الأمد"، مشيرين إلى أن الدافع الحقيقي وراء شراكة الطاقة المقترحة من الأوروبيين مع الجانب الخليجي هو "التعامل التكتيكي السريع" مع الأزمة العنيفة التي طرأت على قطاع الطاقة الأوروبي عقب اندلاع الأزمة الأوكرانية. ويدلل هؤلاء على صحة وجهة نظرهم بالتأكيد على صعوبة التغلب على الخلافات السياسية القائمة بين الجانبين الأوروبي والخليجي، والتي يأتي على رأسها مقاربة الأوروبيين المهادنة لإيران، وحظر تصدير الأسلحة إلى بعض الدول الخليجية بذريعة الحرب في اليمن. هذا فضلاً عن إدانة أعضاء البرلمان الأوروبي في عدة مناسبات انتهاكات حقوق الإنسان في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما في قطر والسعودية والإمارات. ومن جهتها، قاومت دول الخليج الست الضغوط الغربية لقطع العلاقات مع روسيا، العضو في تحالف "أوبك+"، والذي وافق في أكتوبر2022م، على تخفيض الإنتاج النفطي، رغم تكرار المطالب الغربية لزيادة الإنتاج من أجل كبح جماح ارتفاع أسعار النفط العالمية.

كذلك، يرى عدد من الخبراء الخليجيين أن مقترحات شراكة الطاقة الأوروبية لا تلبي كثيرًا من احتياجات الدول الخليجية في المدى المتوسط والطويل، لكونها تهدف بالأساس إلى تلبية الاحتياجات الأوروبية من النفط والغاز على المدى القصير (في ظل التراجع الحاد في الاعتماد على واردات الطاقة الروسية) مع تحقيق الهدف الأوروبي طويل المدى المتمثل في التخلص الكامل والنهائي من استخدام الهيدروكربونات (النفط والغاز والفحم). ومما يؤكد ذلك أن هذه المقترحات قد تجاهلت، بقصد أو دون قصد، عدد من المجالات المفيدة للدول الخليجية في المستقبل، مثل إزالة القيود على الوصول إلى الأسواق الأوروبية، والتطوير المشترك للتكنولوجيا المرتبطة بمشروعات الطاقة الجديدة، وإنشاء سلاسل إمداد منخفضة الكربون، والتوصل إلى اتفاقات طويلة المدى لشراء النفط والغاز الخليجي.

بعبارة أخرى، تمحورت المقترحات الأوروبية لتعزيز شراكة الطاقة مع دول الخليج حول "مصالح" الاتحاد الأوروبي بقوة، مؤكدة على "منح" دول مجلس التعاون الخليجي "فرصة" للانضمام إلى مؤسسات وبرامج ومبادرات الاتحاد الأوروبي، و"التعلم" من أفضل ممارسات الاتحاد الأوروبي في قطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. وفي حين أن هذا أمر منطقي من منظور الاتحاد الأوروبي، ويتوافق مع الصورة الذاتية للاتحاد الأوروبي كـ "قوة تنظيمية عظمى"، إلا أنه لا يعكس المزاج الحالي في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، والتي تعتبر أن قواعد وأنظمة الاتحاد الأوروبي "تمييزية" و "مقيدة" ولا تتناسب مع "الخصوصية الخليجية" في صنع وتنفيذ السياسات، وهي الخصوصية التي تؤكد على أولوية تحقيق الأهداف بسرعة وكفاءة بعيدًا عن "القيود البيروقراطية والمؤسساتية الصارمة" التي يتبعها الاتحاد الأوروبي.

ومن ناحية أخرى، لم تطور هذه المقترحات أيضًا رؤية أو مسارًا سياسيًا واضحًا للعلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، ولم تحدد أهدافًا ملموسة. وبدلاً من ذلك، وبأسلوب الاتحاد الأوروبي التقليدي، غاصت هذه المقترحات في التفاصيل الفنية للحوارات والمبادرات، وهي تفاصيل كثيرة قد تؤدي إلى عزوف الشركاء المحتملين في دول الخليج العربية.

ومن جهة أخرى، ركزت هذه المقترحات على التعاون في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر والكهرباء المنتجة من مشروعات الطاقة المتجددة في الدول الخليجية وتصديرها إلى أوروبا، وهي أمر يتجاهل البعد الجغرافي النسبي لهذه الدول، وغياب البنية التحتية اللازمة للنقل والتخزين، مقارنة بدول عربية أخرى كمصر والمغرب على سبيل المثال، مما يجعل هاتين الدولتين في وضع أكثر جاذبية للأوروبيين في هذا المجال.

 

توصيات للمستقبل

من أجل التغلب على أية عراقيل قد تقف أمام "خريطة الطريق" المقترحة لإقامة شراكة الطاقة بين الأوروبيين والخليجيين، يجب النظر إلى هذه الشراكة باعتبارها "قاطرة" لعلاقات أعمق بين الطرفين، وباعتبارها "نقطة انطلاق" جديدة لإحياء العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، خاصة وأن هذه الخريطة ترقى إلى مستوى اعتراف دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين بالأهمية الاستراتيجية الخليجية المتزايدة، وبالتالي يمكنها المساعدة في "تخفيف التوترات المستمرة" بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، مع إعادة تركيز الانتباه على "الاهتمامات المشتركة". وفي هذا الإطار، قد يكون من المفيد تعهد الاتحاد الأوروبي بلعب دور سياسي وأمني أكبر في الخليج، يأخذ في الاعتبار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، فضلاً عن خطورة ترسانة الأسلحة الإيرانية على أمن المنطقة والعالم، خاصة فيما يتعلق بالبرامج النووية والصاروخية والطائرات المسيرة. كذلك، من المهم تعزيز التعاون الخليجي الأوروبي في مجالات الأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة التطرف العنيف، والأمن السيبراني.

ومن ناحية أخرى، يجب تقريب وجهات النظر الخليجية والأوروبية في العديد من القضايا الشائكة، سواء تعلق الأمر بالحوثيين في اليمن، أو الحرب الأهلية الليبية، أو غزو روسيا لأوكرانيا، فقد كان من الصعب على الاتحاد الأوروبي والخليج إيجاد منظور مشترك تجاه هذه القضايا في السنوات الأخيرة. وفي هذا الإطار، قد يكون من المفيد أن تعزز دول مجلس التعاون الخليجي من تواجدها الدبلوماسي لدى المفوضية الأوروبية في بروكسل. ففي الوقت الحالي، لا توجد بعثة دبلوماسية منفصلة لدول مجلس التعاون الخليجي لدى الاتحاد الأوروبي، كما لا يزال عدد الدبلوماسيين الخليجيين المعتمدين لدى الاتحاد الأوروبي محدودا نسبيًا.

كما قد يكون من الضروري أيضًا تنفيذ مقترحات المفوضية الأوروبية بشأن شراكة أمن الطاقة والتحول الأخضر مع الدول الخليجية، والتي من أبرزها:

  • إنشاء فريق من مجموعة خبراء الطاقة والمناخ بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والدول الصديقة، لتكثيف حوار السياسات بشأن التحول الأخضر على المستويين الإقليمي والثنائي.
  • عقد اجتماع وزاري سنوي بين الجانبين الخليجي والأوروبي حول التحول الأخضر، كذلك يمكن تشجيع مبادرات القطاع الخاص ذات الصلة (مثل إقامة منتدى للأعمال الخضراء)، من أجل اقتراح المزيد من المبادرات المشتركة الملموسة.
  • تطوير المشاركة الخليجية الأوروبية في التمويل المستدام، بما في ذلك الشراكة بين المؤسسات المالية الأوروبية والخليجية.
  • إنشاء مؤسسة علمية متخصصة تسمح بتبادل الخبرات في مجال السياسات المتعلقة بالتحول الأخضر والاقتصاد الدائري ونماذج النمو المستدام.
  • عقد ندوة رفيعة المستوى، بمشاركة خبراء عرب وأوروبيين، حول الانتقال الأخضر قبل قمة المناخ القادمة في أبو ظبي COP28.
مقالات لنفس الكاتب