array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

حسابات الصين في الملف النووي الإيراني

الأحد، 01 أيار 2011

للصين مصالح ضخمة وكبيرة مع إيران، ولا بدّ أن ينعكس ذلك أيضاً على الملف النووي للأخيرة، الذي يتم تداوله حالياً في مجلس الأمن من دون الوصول إلى قرار حاسم بشأنه. وما نستطيع قوله في هذا المجال، هو أن الموقف الصيني حرج للغاية، ذلك أن الصين بحاجة إلى الموازنة بين علاقاتها الحيوية مع الولايات المتّحدة من النواحي السياسية والاقتصادية ومصالحها الاستراتيجية مع إيران، لا سيما من الناحية النفطية.

الصين تعي أن الولايات المتّحدة تحاول حالياً إحكام سيطرتها على ما تبقى من أماكن إنتاج النفط الواقعة خارج نفوذها العالمي، وذلك بهدف الحد من قدرات الدول الأخرى (من بينها الصين) على منافستها، ذلك أن الذي يسيطر على النفط يستطيع أن يتحكم في اقتصادات الدول الكبرى.

لقد خسرت الصين في العام 2003 استثماراتها في العراق إثر احتلاله من قبل أمريكا قبل ثلاث سنوات، وقبول الصين بأن تقوم الولايات المتّحدة بفرض عقوبات على إيران أو ضربها عسكرياً، يعني أن الصين أصبحت تعاني من مشكلة استراتيجية تهدّد إمداداتها النفطيّة ومصالحها الاقتصادية. فإيران تشكل ثاني أكبر مصدّر للنفط إلى الصين بعد المملكة العربية السعودية، وقد وقعت الصين معها قبل سنوات عدة اتّفاقية ضخمة لاستثمار النفط والغاز الإيراني بمبلغ 70 مليار دولار لمدة 25 سنة.

وتؤيد الصين وفقاً لتصريحات مسؤوليها، الحق القانوني لإيران بالبحث والتطوير النووي لأغراض سلمية إذا كان ذلك يتطابق مع اتفاقية عدم الانتشار النووي ولا يخرج عن إطارها، وهي تؤيد حل النزاع النووي الإيراني عن طريق الحوار والتشاور في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتعارض استخدام القوة أو حتى التهديد باستخدامها ضد إيران، على أساس أن ذلك لن يحل المشكلة أبداً وسيعقدها، حيث تصرّ على موقفها القاضي بحل النزاعات في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لكن توافق جميع القوى الدولية على إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن يحرج الصين كثيراً، فهي إلى وقت قريب كانت تضع روسيا في الواجهة، على اعتبار أن روسيا ترفض الأطروحات الأمريكية، وبالتالي ليس هناك داع من أن تدخل الصين حالياً على خط المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، طالما أن روسيا تقوم بالمطلوب. ففي محاولة منها لتخفيف الضغوط وكسر حلقة التهديدات، قامت روسيا بمبادرة لتخصيب اليورانيوم على أراضيها، وبالتالي فهي استنفدت كافة قدراتها الدبلوماسية وحان الوقت لمعرفة قدرات الصين في هذا المجال، لا سيما أن الموضوع النووي الإيراني أصبح في مجلس الأمن هذه المرّة.

كما أن الصين، لا تريد أن تبرز بمظهر الذي يكيل بمكيالين، فموقفها من الملف النووي الكوري الشمالي مشابه لموقفها من الملف النووي الإيراني، مع فارق أنه ليس هناك من مظاهر صدام مع الولايات المتحدة الأمريكية في الملف النووي الكوري الشمالي، في حين أن الموقف من الملف النووي الإيراني أقرب إلى المواجهة، وإن لم يظهر التوتر على الطرفين الأمريكي والصيني حالياً.

من يسيطر على النفط يستطيع أن يتحكم في اقتصادات الدول الكبرى

وبالنسبة للإيرانيين، فهم يعتمدون بشكل أساسي على الطرفين الروسي والصيني، لكن لا يبدو أنهم يدركون معضلة الموقف الروسي والصيني خاصة. فالإيرانيون يريدون دعماً مفتوحاً، وهذا ما ظهر واضحاً من خلال رفضهم كافة الاقتراحات واعتمادهم سياسة المماطلة وتضييع الوقت.

لقد ظلت إيران تستخدم هذه السياسة وتوظفها لصالحها بشكل جيد حتى وقت قريب، لكن على الإيرانيين أن يدركوا الآن أن التعنت لن ينفع طويلاً، وعليهم اتخاذ خطوة واضحة المعالم في اتجاه كسر الدائرة التي يدور فيها الملف حالياً في مجلس الأمن، ويبدو لي أن المقترح الروسي هو السبيل الأفضل في هذا الإطار، وأعتقد أن الإيرانيين سيقبلون به لاحقاً أو بشيء مماثل له مقابل مكافأة كبيرة طبعاً.

وتنفرد الصين عن بقية الدول الكبرى في موقفها المتشدد حيال فرض عقوبات جديدة على إيران، وقد يعزو البعض هذا الموقف إلى مجموعة المشاريع المشتركة بين الصين وإيران، خصوصاً في مجال تصنيع البتروكيماويات، أو اعتماد الصين على استيراد 400 ألف برميل من النفط الإيراني في اليوم الواحد، مشكلة ما نسبته 14 في المائة من إجمالي واردات الصين من النفط.

قد يكون هذا صحيحاً، لكن لا أظن أن الصين يمكن أن تضحي بتجارة يصل حجم تداولها إلى 333.7 مليار دولار في العام، وبفائض تجاري بلغ 266 مليار دولار سنة 2008 في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة، مقابل تجارة يصل حجمها إلى مجرد 20 مليار دولار فقط مع إيران، خصوصاً أنها خفضت في الآونة الأخيرة من طلبها على النفط الإيراني والسعودي لصالح مزيد من الطلب على النفط من مصادر إفريقية.

إن القضية من وجهة نظري أبعد من ذلك بكثير، ولم تبدأ من اليوم، لكن منذ احتلال أفغانستان والعراق في بدايات العقد الحالي، فقد استشعرت الصين الخطر، فاستغلت انشغال أمريكا وحلفائها بالحرب، بل إنها صمتت تقريباً تجاه أفعالهم في الدولتين المحتلتين، وشغلت نفسها فيما هو أهم، وأعني بذلك بناء تحالفات اقتصادية جديدة في المنطقة العربية وإفريقيا، ولقد نجحت الصين فعلاً في ترسيخ موطئ قدم لها في المنطقة، فعقدت تحالفات مصلحية كبيرة مع السعودية، وطورت علاقاتها الاقتصادية مع إيران، بل شاركت أيضاً في اقتسام كعكة النفط العراقي من خلال فوز تحالف تقوده شركة (سي إن بي سي) الصينية بنسبة 50 في المائة، وشركة (توتال) الفرنسية، و(بتروناس) الماليزية بنسبة 25 في المائة بعقد استخراج النفط من حقل (حلفايا) الذي تبلغ احتياطياته المؤكدة 4.09 من النفط الخام، لكن الاختراق الأكبر كان في إفريقيا، حيث أصبح السودان من أهم الدول المصدرة للنفط إلى الصين

ليس هذا فحسب، لكن المفاوضات الدائرة منذ زمن بين الصين وإيران وعدة دول أخرى لإعادة تشغيل طريق الحرير التاريخي بأدوات وأساليب جديدة كجسر بري يربط آسيا بأوروبا، والمفاوضات على بناء خط أنابيب بين إيران والهند مروراً بباكستان، وربما يصل في مرحلة لاحقة إلى الصين، يمكن النظر إليها كمصادر خطورة متنامية على المصالح الأمريكية والأطلسية في المنطقة.

موقف الصين من الملف النووي الكوري مشابه لموقفها من ملف إيران

وبالطبع فإن كل هذا لم يفت على المخطط الاستراتيجي الأمريكي، فسارع إلى سحق المقاومة في العراق، ونقل ثقل القوات المتحالفة العسكري إلى أفغانستان، وألهب شمال باكستان، ولجأ إلى تكثيف قواته البحرية في مضيق باب المندب وبحر العرب بدعوى محاربة القراصنة الصوماليين.

وبالتالي لا يمكن توقع أي انسحابات عسكرية غربية قريبة من المنطقة قبل النجاح في تغيير الواقع الجديد الذي أحدثته الصين في المنطقة، والتأكد من إلغاء كافة المشاريع الاستراتيجية المخططة، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه. وبحكم أن إيران هي العامل المشترك في الاستراتيجية الصينية بحكم موقعها على طريق الحرير، وسيطرتها على مضيق هرمز الذي يحكم علاقاتها التجارية مع العراق ودول الخليج، والدولة التي سينطلق منها خط أنابيب النفط الآسيوي، وبصفتها القوة المعارضة للوجود الغربي في المنطقة، فإن الصين ترى فيها حليفاً استراتيجياً مثالياً يمكن توظيفه في تثبيت المصالح الصينية في المنطقة، ومزاحمة الولايات المتحدة بالأسلوب نفسه الذي توظف فيه أمريكا كلاً من تايوان، وكوريا الجنوبية، واليابان بمزاحمة الصين في شرقي آسيا.

لقد ارتفع الصوت في الغرب الآن في الحديث عن محور بكين طهران، وإمكانية الدخول في حرب باردة تتطلب من الغرب حشد قواه العسكرية في المنطقة وتغيير سياساته الاقتصادية والتصالحية مع الصين باتجاه الحد من صادراتها باتجاه أسواقه، وتعزيز التحالفات في جوارها واستفزازها بتقوية مراكز تايوان واليابان وكوريا الجنوبية الاقتصادية والعسكرية.

الصين تنظر إلى إيران كحليف استراتيجي مثالي يمكن توظيفه في تثبيت مصالحها بالمنطقة

لقد تركت الولايات المتحدة إيران وشأنها فترة طويلة من الزمن، بل إنها تحالفت معها سراً في سبيل تثبيت وجودها في العراق في مرحلة من المراحل، ومازالت تساند أعوان إيران في تسيير دفة الأمور في العراق، لكنها الآن في وضع لا تحسد عليه بعد اتضاح صورة التحالفات الجديدة والمحتملة الآخذة في الميل نحو الصين مع مرور الزمن. ولذلك هي تسعى إلى تغيير سلطوي هيكلي في إيران مهما كلف الأمر، وما شماعة الخشية من تسلح نووي إيراني إلا واحدة من شماعات أخرى عدة سيتم توظيفها تباعاً لتحقيق هذا الهدف.

ولذلك يمكن الجزم بأن الحرب الباردة بين أمريكا وحلفائها من جانب والصين وروسيا من جانب آخر قد بدأت وأصبحت في حكم الأمر الواقع فعلاً بعد دخول روسيا للمرة الأولى على خط الإمدادات النفطية الكثيفة في آسيا، وميوعة مواقفها تجاه إيران وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى إمكانية تعزيز قواها في جوارها بعد ضرب جورجيا وعجز الأطلسي عن حمايتها، واحتمال ضم أوكرانيا مرة أخرى إلى معسكر المعارضين للتفرد الأمريكي في القرار العالمي بعد فوز المعارضة الأوكرانية المؤيدة لروسيا في الانتخابات الأخيرة.

وتعلم الصين أن تنازلها في الشأن الإيراني سيجبرها على مزيد من التنازلات التي لن تتوقف حتى تفقد في فترة وجيزة من الزمن كافة مكاسبها من الاختراق الجيوسياسي الذي حققته على مدى سنين طوال من خلال الدبلوماسية الهادئة التي أعادت رسم خريطة التحالفات الدولية في المنطقة وعلى المستويين الآسيوي والعالمي، وجعلت منها عاملاً مشتركاً في التجاذبات والأحداث كافة التي تشكل مستقبل العلاقات الدولية خلال القرن الحادي والعشرين.

أخيراً إن ما يجري حولنا من تمترس لقوى متنافرة هو البداية فقط في تشكل محور قوة (أورو- آسيوي) متعدد الرؤوس يلتف حول الصين وروسيا، وقد ينجح في استعادة التوازن المفقود في نظام الأمن العالمي ذي القطب الواحد، فهل تتمكن أمريكا من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بقدر ما تشاء، أم أن التاريخ لا يعود إلى نقطة تجاوزها مرة أخرى؟

مقالات لنفس الكاتب