array(1) { [0]=> object(stdClass)#12972 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

إيجاد آلية مؤسسية عربية وإقليمية ودولية لإدارة شؤون أمن الممرات الملاحية في المنطقة

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

أصدر المنتدى الاقتصادى العالمى دافوس التقرير الثامن عشر من تقرير المخاطر العالمية، وقد صدر التقرير في ضوء توترات جيوسياسية إقليمية ودولية مستعرة ومخاطر اجتماعية واقتصادية متصاعدة نتيجة الأزمات التي يعاني منها النظام الدولي حاليًا.

ووفق التقرير فإن أزمة تكلفة المعيشة تعد من أخطر المخاوف العالمية خلال العامين المقبلين وفى ظل الضغوط التضخمية التي تواجه العالم حتى ما قبل جائحة كوفيد 19، ويساهم فيها الاضطرابات التي أصابت سلاسل الإمداد الدولية خاصة التي تعتمد بالأساس على الممرات الملاحية الاستراتيجية، حيث ارتفعت أسعار الغذاء والطاقة نتيجة جائحة كوفيد 19، ثم ارتفعت مرة أخرى فيما بعد الجائحة في عام 2022م، بسبب الاضطرابات المستمرة لتدفقات الغذاء والطاقة من روسيا وأوكرانيا بفعل الحرب بين البلدين.

ومن جانب آخر استشرف التقرير المخاطر التي تتعلق بحالة التكيف مع المناخ والأمن البشري من حيث نشوب صراعات جديدة والتنافس على اختراع أسلحة جديدة، في ضوء ما يعانيه النظام الدولي من حالة مواجهة جيوسياسية بين قواه الكبرى والإقليمية فرضت حالة من سباق تسلح عالمي تقوده التقنيات الناشئة على مدار العشر سنوات القادمة.

أولًا: علاقة مفهوم المخاطر العالمية بأمن واستقرار الممرات الملاحية

وفق تعريف التقرير للمخاطر العالمية فقد أشار إلى إنها إمكانية وقوع حدث أو ظرف من شأنه أن يؤثر سلبًا على قيم الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أو على الشعوب والموارد الطبيعية، ومن ناحية أخرى فقد قام التقرير بالتركيز على نموذج تحليل يقوم على احتمال "polycrisis"، والذي يتعلق بحالة النقص في الموارد الطبيعية مثل الغذاء والماء والمعادن وما يرتبط بتلك الحالة من تداعيات اجتماعية واقتصادية وبيئية خلال السنوات القادمة.

ويرتبط تأمين إمدادات الغذاء والطاقة، ومواجهة حالة النمو الاقتصادي المتعثرة حاليًا ارتباطًا وثيقًا باستقرار سلاسل الإمداد الدولية التي تتولى توفير الغذاء والموارد الطبيعية لدول العالم، والتى تعد الممرات الملاحية خاصة الاستراتيجية منها الأكثر تأثيرًا على حدة تلك الأزمات، والأكثر تأثرًا بها أيضًا نتيجة دخولها في أتون التنافس والصراع الإقليمي والدولي في ضوء المواجهات الجيوسياسية بين قواه الكبرى والإقليمية والتي ستؤدي فيها التقنيات العسكرية الجديدة دورًا كبيرًا على مدى العشر سنوات القادمة.

ثانيًا: قواعد تحكم النظام الدولي حاليًا أوردها تقرير المخاطر وترتبط بأمن واستقرار الممرات الملاحية.

ركز تقرير المخاطر العالمية على مفهوم تفوق الجغرافيا السياسية على الاقتصاد، وبما يوضح أثر التغيرات الإقليمية والدولية على الموقع الجغرافي وإدارة التنافس بين الدول من خلال الربط بين السياسة والرقعة الأرضية من علاقات، ووفق هذا المفهوم يتضح أهمية الممرات الملاحية في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر، فالموقع الاستراتيجى وفر أهم الخوانق البحرية في العالم كما يتضح في الشكل رقم (1)، وهم مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، بالإضافة إلى الطبيعة الجغرافية للبحر الأحمر والذي يشبه الأنبوب له مخرجان إذا تأثر أحدهما تتعطل الملاحة الدولية في ذلك الممر الملاحي، هذه الطبيعة الجغرافية جعلت تلك الممرات الملاحية تتأثر بأى حدث عالمى ومشاركة في فعلياته، ومن ناحية أخرى الأكثر استهدافًا من القوى المختلفة.

الشكل رقم (1)

كذلك أكد التقرير على قاعدة أن الحرب الاقتصادية باتت سمة النظام الدولي حاليًا، وبرز ما يطلق عليه العقوبات الاقتصادية الدولية للضغط على الدول بهدف تقييد سياساتها.

ولعل نموذج العقوبات الاقتصادية التى قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الغربية تجاه الصين وروسيا ودول أخرى أو نموذج تهديد سلاسل الإمداد الدولية للبضائع والطاقة والتى ترتبط بالممرات الملاحية الاستراتيجية مثلما يحدث في منطقة الخليج العربي والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهي أمثلة توضح أهمية الممرات الملاحية وتوضح أثر توظيف عامل الاقتصاد في تحقيق مصالح القوى المختلفة.

ثالثًا: علاقة أمن واستقرار الممرات الملاحية بالمخاطر التي أوردها تقرير المخاطر العالمية.

  1. مثلث الغذاء والطاقة والأمن

وفق نموذج التحليل الذي اعتمد عليه تقرير المخاطر العالمية والقائم على احتمال "polycrisis"، والذي يتعلق بحالة الإخلال بتوفر الموارد الطبيعية مثل الغذاء والماء والمعادن، فقد عاد مثلث الغذاء والطاقة والأمن إلى واجهة المخاطر العالمية مرة أخرى، ولا يمكن إغفال أن المضائق والممرات الملاحية الرئيسة والقنوات المائية تمثل جزءًا مهمًا من أمن الغذاء والطاقة العالمي والتي أكد تقرير المخاطر إنها الأكثر حدة خلال العامين القادمين، فنحو 61 % من إنتاج النفط والغاز ينقل عبر الطرق البحرية، ويعد مضيق هرمز ومضيق ملقا وباب المندب من أهم نقاط الوصل الاستراتيجية في العالم من حيث حجم نقل النفط.

ويوجد ارتباط واضح بين استهلاك الطاقة لإنتاج الغذاء واستهلاكها لنقل الحبوب والأسمدة وبما يشير إلى الارتباط الواضح بين معقل إنتاج النفط في العالم في الخليج العربى وبين الممرات الملاحية الاستراتيجية وإنتاج الغذاء على المستوى العالمي.

فجدير بالذكر أن الذرة والقمح والأرز تمثل وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) 60 % من استهلاك الطاقة الغذائية في العالم، ويتم في كل عام نقل ما يكفي من الذرة والقمح والأرز وفول الصويا لإطعام 2.8 مليار شخص، كما يتم نقل 180 مليون طن من الأسمدة، وأغلب عمليات النقل تلك تتم عبر الممرات البحرية.

وللدلالة على تشابك مصالح الممرات الملاحية الدولية، فإن مضيق ملقا مسؤول عن ربع صادرات فول الصويا العالمية بينما مضيق البسفور والدردنيل فهما يحتلان أهمية خاصة بالنسبة للقمح، حيث يمر خمس الصادرات العالمية عبرها كل عام، بينما مضيق هرمز وباب المندب مسؤولان عن النفط الذي يساهم في توفير الطاقة لإنتاج ونقل الغذاء.

فإغلاق أو تعطيل تلك الممرات المائية خاصة المضائق، ولو بشكل مؤقت يؤدي إلى زيادة كبيرة في إجمالي تكاليف الطاقة وأسعارها العالمية، والتي ستؤثر حتميًا على أسعار المنتجات المختلفة سواء تكاليف النقل أو الإنتاج لتلك المنتجات وبما يزيد من الأعباء التضخمية التي يشهدها العالم وهو أحد المخاطر التي رصدها التقرير خلال الأعوام القادمة.

ويعد المثال الأوضح لمدى أهمية استقرار سلاسل الإمداد الدولية خاصة الممرات البحرية حالة جنوح السفينة إيفن جرين في قناة السويس، فوفق تقرير الاونكتاد للنقل البحري لعام 2021م، زادت أشعار الشحن بمقدار أكبر بعد إغلاق قناة السويس في مارس 2021م، وأدى توقف سفينة الحاويات إيفن جرين إلى سد القناة وإلى تأخر السفن المتجهة إلى أوروبا، وإعادة توجيه بعض الرحلات لتمر عبر رأس رجاء الصالح وبما يضيف مسافة حوالي 7000 ميل وسبب أعباء مالية على أسعار المواد التي يتم نقلها وتأخير توقيت ورودها إلى مناطق المستهلكين وبالتالي زيادة في تكلفة المعيشة.

  1. أثر تصاعد المخاطر الجيوسياسية على أمن واستقرار الممرات الملاحية وفق تقرير المخاطر العالمية.

تصاعد الصراعات الجيوسياسية في مناطق العالم سيلقي بآثاره على أمن واستقرار الممرات الملاحية في الخليج العربي والبحر الأحمر، فمثلًا، فبسبب وقوع بحر الصين الجنوبي جغرافيًا في نقطة إلتقاء طرق المواصلات البحرية الأكثر كثافة في العالم، إذ أن نصف ناقلات النفط العالمية يمر عبر هذا البحر وأغلبية هذه الناقلات تحمل المواد الأولية كالنفط الآتي من الخليج العربي إلى دول جنوب شرق آسيا، وتقصد السلع القادمة من دول جنوب شرق آسيا إلى خليج عدن فالبحر الأحمر وصولًا إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس، وبالتالي توجد علاقة ارتباط بين عوامل المخاطر التي تتعلق بتلك الممرات الملاحية فكل منهم يؤثر فى الآخر ويتأثر به.

فتهديد استقرار إمداد النفط من الخليج العربي سيؤثر على الممر الملاحي فى بحر الصين الجنوبي وعلى استقرار اقتصاديات دول المنطقة، ولعل هذا ما جعل الصين تعمل على تعميق علاقاتها بالأطراف المختلفة في منطقة الخليج العربي مثل القمة العربية الصينية التي أحتضنتها المملكة العربية السعودية مؤخرًا وبما يشير إلى إدراك الصين للأهمية الاستراتيجية للمنطقة.

بالإضافة إلى ما يلقيه البرنامج النووى الإيراني من تحديات جيوسياسية في المنطقة ألقت بآثارها على أمن وأستقرار الممرات الملاحية نتيجة عامل التهديد بأمن واستقرار الممرات الملاحية كمضيق هرمز وباب المندب من قبل إيران والتي استهدفت الموانئ الإماراتية وناقلات نفط سعودية، بالإضافة إلى التجاذبات الإيرانية مع عدد من الدول العربية خاصة المملكة العربية السعودية ومع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل داخل تلك الممرات الملاحية، وبما يؤشر على أن الصراعات الجيوسياسية ألقت بأثرها على أمن المنطقة الاستراتيجية.

  1. مخاطر سباق التسلح العالمي في التقنيات الناشئة على أمن واستقرار الممرات الملاحية في المنطقة.

أحد المخاطر التي رصدها التقرير الارتفاع بوتيرة أسرع على مدى العقد المقبل في الإنفاق العسكري في التقنيات الناشئة، وستكون هذه الاستثمارات في قطاعات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، ومن ذلك تقنيات الطائرة المسيرة (درون) المقاتلة، وظهور ما يطلق عليها "المسيرات البحرية" والتي يمكن أن تقوم بتنفيذ مهام متعددة في الوقت نفسه بتكلفة منخفضة نسبياً بالمقارنة بتكلفة الأنظمة البشرية، وهي تقنية وأن كانت محدودة التأثير حاليًا فمن المُتوقع الاتجاه وبقوة إلى تسليح المُسيّرات البحرية مستقبلاً، وبما يزيد من مخاطر الأمن البحري في المنطقة وتهديد سلاسل الإمداد.

وقد أطلق البنتاغون برنامجًا للمسيّرات البحرية والذكاء الاصطناعي لمراقبة مياه الخليج، لجمع بيانات وصور ترسل بعدها إلى مراكز مقامة في المنطقة لتحليلها، في حين أثبتت المسيرات الجوية المتطورة قدراتها على تهديد الممرات البحرية والمناطق الاستراتيجية.

وقامت إيران بتدشين أول وحدة بحرية للطائرات المُسيّرة وكشفت البحرية الإيرانية النقاب عن الوحدة البحرية الأولى من حاملات الطائرات المُسيّرة التابعة لها.

وحسب تقدير خبراء الأمم المتحدة وآخرين فإن جماعة الحوثيين المدعومة من إيران يستخدمون نماذج درون تعتمد على التقنية الإيرانية إلى حد بعيد والتي تعتمد نموذج طائرة مسيرة كاميكازي، لترتطم بالهدف وتتحول هي وشحنة المتفجرات التي تحملها إلى قنبلة.

  1. مخاطر التكيف مع التغيرات المناخية.

عدم التخفيف من حدة تغير المناخ يؤثر على قطاع النقل البحري، حيث سيُجبر قطاع النقل البحري على توفير موارد سعيًا إلى النقل البحري الأخضر المنخفض الكربون واستبدال السفن القديمة بسفن أكبر حجمًا وأكثر كفاءة في استهلاك الوقود.

فسلاسل الإمداد الدولية تعتمد على النقل البحري، ومن المتوقع أن يتضاعف حجم عمليات الشحن ثلاث مرات بحلول عام 2050، وتعد مخاطر انبعاثات الكربون نتيجة اعتماد العديد من السفن على وقود الصهاريج وهو أكثر أنواع الوقود المستخدم تلويثاً للبيئة أحد مخاطر البيئية التي ركز عليها تقرير المخاطر العالمية.

لذلك استحدث البنك الدولي نهج الاقتصاد الأزرق، الذي يركز على الإدارة المستدامة والمتكاملة للمناطق الساحلية والبحرية في إطار سلامة المحيطات، والتي تبلغ مساهمتها في الاقتصاد العالمي 1.5 تريليون دولار سنوياً، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم إلى 3 تريليونات دولار بحلول عام 2030م.

رابعًا: أدوات الحد من تأثير المخاطر العالمية على أمن الممرات الملاحية في المنطقة

التجمع العربي له مصالحه الخاصة التي تتعلق بالإقليم خاصة مناطق الخليج العربي والبحر الأحمر، وقد وضح هذا في أكثر من لقاء قمة عربي لدرء المخاطر التي تتعرض لها الممرات الملاحية في المنطقة وعملت الدول العربية على تحقيق الأمن العربي والمصالح القومية العربية في الخليج العربي والبحر الأحمر سواء من خلال مجلس التعاون الخليجي أو من خلال جامعة الدول العربية أو إنشاء تجمعات إقليمية من الدول ذات المصلحة في استقرار الممرات المائية في المنطقة.

ومن ذلك مؤتمرات جدة في أعوام 1956 -1972 -1976– 1985م، وكذلك اجتماع قادة القوات البحرية لدول الخليج والدول المطلة على البحر الأحمر والذي عقد في عام 2009م، وعرف هذا الاجتماع لاحقاً بإعلان الرياض، والذي أعلن الدعوة إلى إنشاء قوة بحرية عربية من دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية المطلة على البحر الأحمر.

وأخيرًا مبادرة مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن 2020م، والتي تم الإعلان عنها بمدينة جدة السعودية، ويضم المجلس الدول المتشاطئة بالبحر الأحمر وخليج عدن وهي 8 دول عربية وإفريقية وتتمثل في السعودية ومصر والأردن والسودان واليمن وإريتريا والصومال وجيبوتي.

وفي ضوء تقرير المخاطر العالمية والذي أشار إلى تصاعد أزمات الغذاء والطاقة والصراع الجيوسياسي بين القوى الدولية والإقليمية وبما يلقي بمخاطر على تلك الممرات و في ضوء أهميتها الاستراتيجية، لذا قد يتم التحرك في عدة مسارات لدرء المخاطر عن تلك المنطقة الاستراتيجية وذلك كالتالي:

  • التحوط تجاه توظيف أزمات المخاطر التي أوردها تقرير المخاطر العالمية كعامل ضغط على الحكومات للاستجابة لمصالح عدد من القوى والتنظيمات الإرهابية التي قد تستغل المخاطر الدولية لتحقيق مصالحها.

فبطبيعة الحال سيشكل التلويح أو الاستهداف عامل ضغط على الحكومات للاستجابة لمصالح عدد من القوى والتنظيمات الإرهابية التي تستغل المخاطر الدولية لتحقيق مصالحها، وهي تهديدات يجب التحوط تجاه مخاطرها بالعمل على الاستعداد لمواجهة أزمات تتعلق بتهديد إرهابي مثلًا في الخوانق البحرية في المنطقة أو قناة السويس على سبيل المثال.

لذا فإنه قد يرى تضمين وإدارة نقاشات تتعلق بالمخاطر التي تتعلق بأمن الممرات الملاحية في المنطقة في ضوء تقرير المخاطر العالمية على أجندة اجتماعات متخذي القرار في تلك المؤسسات الإقليمية، بالإضافة إلى دعم الأطر الأمنية التي تتواجد في المنطقة مثل قوة المهام المشتركة (153) والتي تتمثل مهامها في مكافحة أعمال التهريب، والتصدي للأنشطة غير المشروعة خاصة الأنشطة الإرهابية في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

  • دعم سياسات بناء نموذج للتعاون الاقتصادي وحفظ الأمن

واجهت نماذج التعاون البحري التي تم المبادرة بها العديد من التحديات السياسية والأمنية، سواء بعدم إحداث حالة من التوافق بين مصالح الدول في المنطقة أو عدم القدرة على مواجهة التحديات الأمنية التي تواجه الممرات الاستراتيجية بالإضافة إلى التدخلات الخارجية لإفشال أي نسق تعاوني لحفظ الأمن وتحقيق عامل الاستقرار فيها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن دعم سياسات بناء نموذج للتعاون الاقتصادي وحفظ الأمن في الممرات الملاحية الاستراتيجية في المنطقة يعد أمثل الحلول لمواجهة مهددات الأمن البحري وأثاره المختلفة على المنطقة، وأن النماذج البحرية التي اعتمدت على التعاون والتفاهم بين الدول في العديد من المناطق البحرية في العالم قد ساهمت في تحقيق قدر من الأمن بل وتعزيز وتشابك المصالح المختلفة للدول المنضمة للإقليم البحري، مما يرجح معه استخدام نظام الإقليم البحري خاصة أن القانون الدولي قد حفز مثل هذا التعاون مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار والمحيطات لعام 1982م، والتي نصت في المادة 123 على تعاون الدول المتشاطئة لبحار مغلقة أو شبه مغلقة.

وتأتي مبادرة مجلس الدول العربية والإفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن 2020م، في هذا الإطار، تلك المبادرة التي احتضنتها المملكة العربية السعودية لجعل منطقة الممرات الملاحية منطقة سلم مستقرة، والبعد عن الصراعات الدولية، وذلك بتفضيل حل الصراعات في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن في نطاقها الإقليمي.

كذلك الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات وعمل البلدان على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني وإجراء محادثات بشأن تعزيز العلاقات الثنائية، والذي يدعم الحلول التوافقية تجاه قضايا المنطقة وتحقيق قدر من الأمن في تعزيز وتشابك المصالح المختلفة للدول المنضمة للإقليم البحري.

وتحتاج تلك المبادرات إلى تفعيلها ودعمها تحسبًا للمخاطر التي يحتمل تعرض الممرات الملاحية الاستراتيجية للمنطقة والتي أوردها تقرير المخاطر العالمية خاصة عامل التوظيف لها للضغط على حكومات دول المنطقة وتهديد الاستقرار الاقتصادي والأمني الدولي.

  • إيجاد آلية مؤسسية عربية وإقليمية ودولية لإدارة شؤون أمن الممرات الملاحية في المنطقة.

إذا كانت المخاطر العالمية التي أوردها تقرير المخاطر العالمية تُحفز عامل التوظيف للخوانق البحرية في المنطقة للإضرار بالاقتصاد الدولي والضغط على الحكومات فهي أيضًا تحفز عامل التشارك بين دول المنطقة والهيئات والدول التي يهمها استقرار الممرات الملاحية بالعمل على وضع حد لسلوكيات الدول والمنظمات الإرهابية التي قد تبادر بتهدد الممرات الملاحية في المنطقة وذلك من خلال التالي:

  • تبنى مفهومًا واسعًا للأمن البحري، بحيث يشمل الدول ذات المصالح القائمة في الخليج العربي والبحر الأحمر وإن كانت لا تطل عليه مباشرة، فالخصائص الجغرافية والجيوسياسية للممر الملاحي للبحر الأحمر وخليج عدن والخليج العربي تجعل التنسيق مع الأطراف ذات المصلحة، سواء المطلة عليه بصفة مباشرة أو خارج نطاقه الجغرافي، من أسباب تدنى نسب المخاطر التي قد تتعرض لها المنطقة لوجود توافق دولي وإقليمي وتعاون مشترك لحفظ الأمن في المنطقة.
  • يرتبط بالعامل السابق، العمل على عامل تقاطع مصالح مجموعة كبيرة من القوى الدولية والإقليمية التي لها مصلحة مؤكدة في استقرار الأمن في المنطقة، ولعل تقاطع المصالح الاقتصادية الصينية مع دول المنطقة إذ يعد البحر الأحمر جزءًا من ممر طريق الحرير، وأيضًا أهمية استمرار الإمداد بالطاقة من قبل الدول الأوروبية في ضوء الصراع الروسي الأوكراني، مما يُظهر الحاجة الماسة نحو ضرورة تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي، بين المنطقة العربية وهذه الدول والتي يدخل ضمن إطارها حفظ أمن الممرات الملاحية في المنطقة.

ختامًا:

 يعد تقرير المخاطر العالمية أداة استشراف لأنواع المخاطر التي قد تواجه أمن الممرات الملاحية في المنطقة، وبعضها يؤثر على مصالح أطراف متعددة والتي بالتعاون المشترك قد تتحقق مصالحها ويقود ذلك وجود رغبة دولية على تعميق التعاون مع المنطقة العربية ككل وتحقيق استقرار سلاسل الإمداد واستقرار وأمن الخوانق البحرية الاستراتيجية، والتي تحتوي المنطقة العربية على ثلاثة منها

ومن ناحية أخرى تتصاعد تحديات التوظيف للمخاطر العالمية بتهديد الممرات الملاحية في المنطقة لتحقيق مصالح بعض القوى والتنظيمات الإرهابية وكعامل ضغط على الحكومات للاستجابة لمصالح تلك القوى، ولعل إحداث حالة من التوافق حول مفهوم الخطر الذي يهدد أمن المجرى الملاحي وعدم سيطرة مفهوم الأمن القطري على التعاون وتحقيق المصالح المشتركة لدول الإقليم قد يساهم في تفعيل مبادرات التعاون المشترك لحفظ الأمن والاستقرار في الممرات البحرية الاستراتيجية.

مقالات لنفس الكاتب