array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

المخاطر تقترب من اللاعودة وتتطلب العمل الجماعي برؤية طويلة الأجل لعالم أكثر إيجابية

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

قراءة أولية: تكتنف العالم حالة من ضبابية الرؤية، مع بداية هذا العام، فوفقًا لتقرير المخاطر العالمية لعام 2023م، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس"، فإن أهم المخاطر الحالية هي أزمة الطاقة والغذاء والتضخم، وزيادة التكلفة الإجمالية للمعيشة، التي يبدو أنها لن تغادر مربع الأزمة في وقت قريب. فعلى مدى العامين المقبلين، ظلت تكلفة المعيشة هذه التهديد الأول، تليها الكوارث الطبيعية والحروب التجارية والتدخلات السلبية للتكنولوجيا في انتظام حياة المجتمعات الإنسانية. وقد تبدو الكثير من هذه المخاطر جديدة تمامًا، وفي الوقت ذاته، لا يخالطنا الشك في أنها مألوفة بشكل مخيف، إذ ما فتئت تطل برأسها كلما ظننا أنها اختفت. فقد شهدنا عودة المخاطر "القديمة"؛ مثل، التضخم، وأزمات تكلفة المعيشة، والحروب التجارية، وتدفقات رأس المال الخارجي من الأسواق الناشئة، والاضطرابات الاجتماعية المنتشرة، والمواجهة الجيوسياسية، وشبح الحرب النووية، التي لم يكن هناك سوى القليل من قادة الأعمال من هذا الجيل، وصانعي السياسة العامة من ذوي الخبرة، الذين يستطيعون التعامل معها، وإعدادنا للتكيف مع نتائجها وانحرافات آثارها، ملهون عنها بغيرها من مستجدات. إن هذه المستجدات، التي يجري تضخيمها من خلال التطورات الجديدة نسبيًا في مشهد المخاطر العالمية، بما في ذلك المستويات غير المستدامة للديون، وعصر جديد من النمو المنخفض، والاستثمار العالمي المتدني، وانحسار عنفوان العولمة، وتراجع التنمية البشرية بعد عقود من التقدم، والتطورات السريعة وغير المقيدة للتقنيات ذات الاستخدام المزدوج "المدنية والعسكرية"، والضغط المتزايد لتأثيرات وطموحات تغير المناخ في نافذة تتقلص باستمرار للانتقال إلى عالم 1.5 درجة مئوية، هي ما يتحكم في رؤيتهم للعالم الآن.

 لهذا، فإن هذه العناصر تتقارب معًا لتشكل عَقدًا فريدًا، وغير مؤكد ومضطرب قادم، إذ يستكشف تقرير المخاطر العالمية 2023م، بعضًا من أشد هذه المخاطر، التي قد نواجهها خلال العقد المقبل. وبينما لا نزال نقف على حافة غير قليل من الاضطراب والقلق، فإن المقايضات الأكثر صرامة تخاطر بتقويض العمل المناخي والتنمية البشرية والقدرة على الصمود في المستقبل، لأنه سرعان ما تعطلت العودة إلى "الوضع الطبيعي الجديد" في أعقاب جائحة الفيروس التاجي "كورونا" بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا، مما أدى إلى سلسلة جديدة من الأزمات في الغذاء والطاقة، وأثار مشاكل سعت عقود من التقدم إلى حلها. وكل هذه القضايا ليست غائبة عن الإدراك العربي، إذ أكد سمو الأمير الحسن بن طلال، رئيس المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، في المملكة الأردنية الهاشمية، أهمية ترجمة العلوم المتعلقة بالمياه، والطاقة، والغذاء، والنظم البيئية لسياسات فعّالة ومستدامة من أجل تعزيز الأمن الإنساني. ودعا إلى ضرورة إيجاد مراكز بحثية بالمشرق لتعزيز مشاركة البيانات والأفكار حول الحلول المستدامة، وإشراك المجتمعات في صنع القرار لبناء القدرات وتمكين وتفعيل المجتمعات. وذلك خلال رعاية سموه، يوم الاثنين 13 مارس 2023م، أعمال المنتدى الدولي الثالث عشر للشبكة الإسلامية لتنمية وإدارة مصادر المياه، التي جاءت بعنوان: "ترابط المياه، والطاقة، والغذاء، والنظم البيئية كمحفز لصنع السياسات والتعاون الإقليمي في بلاد الشام والخليج وإفريقيا"، بمشاركة محلية، وإقليمية، ودولية، واسعة. ولفت الأمير الحسن انتباه المشاركين في المنتدى إلى أهمية التعاون في المشرق لإدارة الموارد المائية المشتركة لمواجهة التحديات المتعلقة بندرة المياه والتغير المناخي.

الأطر الزمنية:

بالعودة إلى تقرير المخاطر العالمية 2023م، نجد أنه قد استخدم في عرضه لنتائج أحدث مسح لتصور هذه المخاطر، ثلاثة أطر زمنية بغرض فهمها. وتوزع استعراضها في ثلاثة فصول وخاتمة؛ إذ نظر الفصل الأول في الأثر المتصاعد للأزمات الحالية، التي تتكشف بالفعل، على أشد المخاطر العالمية، والتي يتوقع الكثيرون حدوثها على المدى القصير (سنتان). ويتناول الفصل الثاني مجموعة مختارة من المخاطر، التي من المحتمل أن تكون أشد خطورة على المدى الطويل (10 سنوات)، ويستكشف المخاطر الاقتصادية والبيئية والمجتمعية والجيوسياسية والتكنولوجية الناشئة حديثًا، أو المتسارعة باضطراد، والتي يمكن أن تصبح أزمات في الغد. بينما يتصور الفصل الثالث منتصف المدة المستقبلية، واستكشاف كيف يمكن أن تتطور الروابط بين المخاطر الناشئة الموضحة في الفصول السابقة بشكل جماعي إلى "أزمة متعددة" تتمحور حول نقص الموارد الطبيعية بحلول عام 2030م، ويختتم التقرير من خلال النظر في تصورات الحالة المقارنة للتأهب لهذه المخاطر وتسليط الضوء على العوامل التمكينية لرسم مخطط يسعى إلى عالم أكثر مرونة. وبرز في النتائج الرئيسة للتقرير هيمنة تكلفة المعيشة على المخاطر العالمية في العامين المقبلين بينما يهيمن فشل العمل المناخي على العقد المقبل. إذ أنه سوف يتسم بأزمات بيئية ومجتمعية، مدفوعة بالاتجاهات الجيوسياسية والاقتصادية الكامنة، تتجلى في تصنيف "أزمة تكلفة المعيشة" على أنها أخطر المخاطر العالمية خلال العامين المقبلين، وستبلغ ذروتها على المدى القصير.

ولهذا، يُنظر إلى "فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام الإيكولوجي" على أنه أحد أسرع المخاطر العالمية تدهورًا على مدار العقد المقبل، وتندرج تحته جميع المخاطر البيئية الستة في أعلى 10 مخاطر على مدى السنوات العشر القادمة. وقد ظهرت تسعة أخطار في أعلى 10 تصنيفات على المديين القصير والطويل، بما في ذلك "المواجهة الجيواقتصادية" و"تآكل التماسك الاجتماعي والاستقطاب المجتمعي"، إلى جانب اثنين من الداخلين الجدد إلى أعلى التصنيفات، وهما: "انتشار الجرائم الإلكترونية وانعدام الأمن السيبراني" و"الهجرة غير الطوعية، أو القسرية، على نطاق واسع". ومع انتهاء حقبة اقتصادية، سوف يجلب العصر التالي المزيد من مخاطر الركود والتباعد والضيق، وأدت الآثار الاقتصادية لـ"كورونا"، والحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع حاد في التضخم، وتطبيع سريع للسياسات النقدية، وبدأت حقبة منخفضة النمو وتراجع الاستثمار. ولذلك، قد تواجه الحكومات والبنوك المركزية ضغوطًا تضخمية عنيدة على مدار العامين المقبلين، على الأقل بالنظر إلى احتمالية حرب طويلة الأمد في أوكرانيا، واستمرار الاختناقات، والحرب الاقتصادية، التي تحفز فصل سلسلة التوريد. كما تلوح في الأفق مخاطر سلبية على التوقعات الاقتصادية، إذ سيؤدي سوء التقدير بين السياسات النقدية والمالية إلى زيادة احتمالية حدوث صدمات في السيولة، مما يشير إلى استمرار الانكماش الاقتصادي وضيق الديون على نطاق عالمي. يمكن أن يؤدي استمرار التضخم المدفوع بالعرض إلى تضخم مصحوب بركود، وقد تكون عواقبه الاجتماعية والاقتصادية وخيمة، بالنظر إلى التفاعل غير المسبوق مع المستويات المرتفعة تاريخياً للدين العام. يمكن أن يساهم التفتت الاقتصادي العالمي والتوترات الجيوسياسية وإعادة الهيكلة في تفاقم أزمة الديون على نطاق واسع في السنوات العشر القادمة.

بؤرة الأزمات:

تمتلك إفريقيا أفضل الخيارات، التي تتجه إليها أنظار العالم الآن بحثًا عن فائض الموارد الطبيعية، أو ما تبقى منها، ولكنها تظل، إلى جانب دول الخليج وبقية الشرق الأوسط، في بؤرة هذه المخاطر المُشار إليها في التقرير. ونظرًا لأن الأزمات الحالية تحول هذه الموارد عن المخاطر الناشئة على المدى المتوسط ​​إلى المدى الطويل، فإن الأعباء على النظم البيئية الطبيعية في القارة ستزداد، وذلك بالنظر إلى دورها، الذي لا يزال مُقَيَّمًا بأقل من قيمته الحقيقية في الاقتصاد العالمي وصحة الكوكب بشكل عام. إن فقدان الطبيعة وتغير المناخ مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، ولذلك، فإن أي فشل في أحد المجالات سوف ينتقل إلى الآخر، وستكون إفريقيا؛ بقلة بدائلها التقنية، والشرق الأوسط، الذي بدأ يقترب منها أكثر، تأمينًا لمستقبل غذائه، سيكونان معًا أول الضحايا. وقطعًا، فإنه بدون تغيير، أو استثمار كبير في السياسات الاقتصادية؛ على مستوى العالم بأثره، سيؤدي التفاعل بين تأثيرات تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والأمن الغذائي واستهلاك الموارد الطبيعية إلى تسريع انهيار النظام الإيكولوجي في إفريقيا والشرق الأوسط، وتهديد الإمدادات الغذائية وسبل العيش في الخليج العربي، وكل الاقتصادات المعرضة للمناخ، وتضخيم آثار الكوارث الطبيعية، والحد من المزيد من التقدم، الذي يستهدف التخفيف من حدة المناخ. ومن المؤكد أن أزمات الغذاء والوقود وتكلفة المعيشة، ستؤدي إلى تفاقم ضعف المجتمع بينما يؤدي انخفاض الاستثمارات في التنمية البشرية إلى تآكل القدرة على الصمود في المستقبل.

إن الأزمات المتفاقمة يُقَدَّرُ لها أن تؤدي إلى توسيع تأثيرها عبر كل المجتمعات، وتضر بسبل عيش قطاع أوسع بكثير من السكان في المنطقة، وقد تزعزع استقرار اقتصادات دول الخليج، التي يُنظر إليها كمالكة لمفاتيح أكثر الحلول نجاعة في العالم، مقارنة بالمجتمعات الضعيفة تقليديًا والدول الهشة في إفريقيا. بناءً على المخاطر الأكثر خطورة المتوقع أن تؤثر في عام 2023م، بما في ذلك "أزمة إمدادات الطاقة"، و"ارتفاع التضخم"، على القارة السمراء أكثر من غيرها، بينما يتعمق تأثير "نُدرة المياه" و"أزمة إمدادات الغذاء"، في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها دول الخليج. فقد بدأ الشعور بأزمة تكلفة المعيشة العالمية بالفعل؛ لا تستثنى في ذلك دول الخليج الغنية، أو بقية الدول الفقيرة في الشرق الأوسط وإفريقيا. وفي حين تُتخذ الترتيبات للتخفيف من الآثار الاقتصادية من قبل البلدان الخليجية، التي تستطيع تحمل ذلك، لكن العديد من البلدان الأخرى منخفضة الدخل في المنطقتين تواجه أزمات متعددة، يُفاقمها ثِقَل الديون، وتغير المناخ، والأمن الغذائي. وتؤدي الضغوط المستمرة على جانب العرض إلى المخاطرة بتحويل أزمة تكلفة المعيشة الحالية إلى أزمة إنسانية أوسع نطاقًا خلال العامين المقبلين في العديد من الأسواق المعتمدة على الاستيراد، التي تشمل غالب دول الشرق الأوسط وإفريقيا. والنتيجة الأخطر، أنه لن يتم احتواء الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي المرتبطة بهذه الأزمات في الأسواق الناشئة في المنطقتين، حيث تستمر الضغوط الاقتصادية في تفريغ شريحة الدخل المتوسط. ويشكل تزايد إحباط المواطنين من الخسائر في التنمية البشرية وتدهور الحراك الاجتماعي، إلى جانب اتساع الفجوة في القيم والمساواة، تحديًا وجوديًا للأنظمة السياسية في الشرق الأوسط وإفريقيا، كما قد يكون عليه الحال في جميع أنحاء العالم. 

في قراءة أخرى للتقرير، تقول بعض الآراء إن انتخاب قادة أقل وسطية، أو اختيار قادة ضِعَاف، أو انقلابيين، فضلاً عن الاستقطاب السياسي بين القوى الاقتصادية العظمى، قد يؤدي على مدى العامين المقبلين، إلى مزيد من تقليل المساحة لحل المشكلات الجماعية، وتقسيم التحالفات، ويؤدي إلى ديناميكية أكثر تقلباً. ومع أزمة تمويل القطاع العام في معظم دول الشرق الأوسط وإفريقيا، والمخاوف الأمنية المتنافسة في أكثر بلد عربي وإفريقي، تتقلص قدرتنا على استيعاب الصدمة العالمية التالية، إلا إذا بعمل جماعي، ليس فقط بين إفريقيا، وإنما استثمار العلاقات المشتركة مع دول الشرق الوسط الغنية، وخاصة الخليج. إذ إنه، على مدى السنوات العشر القادمة، سيكون لدى عدد أقل من البلدان الإفريقية والعربية؛ غير الخليجية، المجال المالي للاستثمار في النمو المستقبلي، والتقنيات الخضراء، والتعليم، والرعاية وأنظمة الصحة المثلى لمواجهة ما يمكن أن يطرأ من أوبئة وأخطار. وقد يكون التدهور البطيء للبنية التحتية والخدمات العامة في كل من الأسواق الإفريقية والشرق الأوسطية؛ النامية والمتقدمة، خفيفًا نسبيًا، ولكن الآثار المتراكمة ستكون شديدة التأثير على تآكل قوة رأس المال البشري، وما يُدَّخَرُ للتنمية، وهو عامل حاسم للمخاطر الأخرى، التي تواجهها المنطقتين. وعليه، يجب أن تتحرك الدول الإفريقية والعربية معًا، في الوقت الحاضر، بخطط مشتركة على المدى القصير، وتتخلى عن تقاعس العقليات المدفوعة بالأزمات، والسياسات الفردية، لمعالجة هذه المخاطر معًا، وأن تستصحب المخاطر القديمة على خلفية مخاوف جديدة مُعِيقة لتقدمها المستقبلي.

ماذا نتوقع:

بدا جليًا أنه، حتى لو تعرضت بعض الاقتصادات لهبوط اقتصادي أكثر ليونة، فإن نهاية حقبة أسعار الفائدة المنخفضة من المتوقع أن يكون لها تداعيات كبيرة على الحكومات والشركات والأفراد. وستشعر الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع والدول الهشة بالآثار غير المباشرة بشكل أكثر حدة، مما يساهم في زيادة الفقر والجوع، والاحتجاجات العنيفة، وعدم الاستقرار السياسي، وحتى انهيار الدولة. وستؤدي الضغوط الاقتصادية أيضًا إلى تآكل المكاسب، التي حققتها الأسر ذات الدخل المتوسط، مما يؤدي إلى الاستياء والاستقطاب السياسي والدعوات لتعزيز الحماية الاجتماعية في جميع أنحاء العالم. وستستمر الحكومات في مواجهة عملية توازن خطيرة بين حماية قطاع عريض من مواطنيها من أزمة تكاليف المعيشة المطولة دون تضمين التضخم، وتغطية تكاليف خدمة الديون حيث تتعرض الإيرادات لضغوط من الانكماش الاقتصادي، وهو انتقال مُلِح بشكل متزايد إلى أنظمة طاقة جديدة، وبيئة جيوسياسية أقل استقرارًا. وسيؤدي التشتت الجيوسياسي إلى حرب جغرافية اقتصادية ويزيد من خطر نشوب صراعات متعددة المجالات. وقد يكون العصر الاقتصادي الجديد الناتج عن ذلك هو عصر الاختلاف المتزايد بين البلدان الغنية والفقيرة، وأول مؤشرات التراجع في التنمية البشرية منذ عقود.

لقد وضح بما لا يدع مجالًا للشك أن الحرب الاقتصادية أصبحت هي القاعدة، مع تزايد الاشتباكات بين القوى العالمية وتدخل الدولة في الأسواق على مدى العامين المقبلين. لذلك، سيتم استخدام السياسات الاقتصادية بشكل دفاعي لبناء الاكتفاء الذاتي والسيادة من القوى المتنافسة، ولكن سيتم أيضًا نشرها بشكل عدواني بصورة متزايدة لتقييد صعود الآخرين. وسوف يسلط تسليح الاقتصاد الجغرافي المكثف الضوء على نقاط الضعف الأمنية، التي يشكلها الترابط التجاري والمالي والتكنولوجي بين الاقتصادات المتكاملة عالمياً، مما يهدد بحدوث دورة متصاعدة من انعدام الثقة، ومن ثم الفصل الحاد فيما بينها. ومع تفوق الجغرافيا السياسية على الاقتصاد، يصبح من المرجح حدوث ارتفاع طويل الأجل في الإنتاج غير الفعال وارتفاع الأسعار. كما أن النقاط الساخنة الجغرافية ذات الأهمية الحاسمة للتشغيل الفعال للنظام المالي والاقتصادي العالمي، ولا سيما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تشكل أيضًا مصدر قلق متزايد. لذلك، يتوقع المجيبون على مسح تصور المخاطر العالمية، الذي وضع على أساسه التقرير، أن تظل المواجهات بين الدول ذات طبيعة اقتصادية إلى حد كبير خلال السنوات العشر القادمة. ومع ذلك، فإن الارتفاع الأخير في الإنفاق العسكري وانتشار التقنيات الجديدة لدى مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح عالمي في التقنيات الناشئة. ويمكن تحديد مشهد المخاطر العالمية على المدى الطويل من خلال النزاعات متعددة المجالات والحرب غير المتكافئة، مع النشر المستهدف للأسلحة ذات التكنولوجيا الجديدة على نطاق يحتمل أن يكون أكثر تدميراً مما شهدناه في العقود الأخيرة.

لكل ذلك، يجب أن تتكيف آليات الحد من التسلح عبر الوطنية بسرعة مع هذا السياق الأمني ​​الجديد، لتقوية التكاليف الأخلاقية والسياسية والسمعة المشتركة، التي تعمل كرادع للتصعيد العرضي والمتعمد، لأنه من المتوقع أن تؤدي التكنولوجيا إلى تفاقم عدم المساواة، بينما ستظل مخاطر الأمن السيبراني مصدر قلق دائم. إذ من المؤكد أن قطاع التكنولوجيا سيكون من بين الأهداف المركزية لسياسات صناعية أقوى وتدخل الدولة المعزز. وكونها مدفوعة بالمساعدات الحكومية والإنفاق العسكري، فضلاً عن الاستثمار الخاص والبحث والتطوير في التقنيات الناشئة، سوف تستمر هذه التكنولوجيا في التطور بوتيرة متسارعة على مدار العقد المقبل، مما يؤدي إلى تطورات في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الحكومية والتكنولوجيا الحيوية، من بين تقنيات أخرى. بالنسبة للبلدان، التي تستطيع تحمل تكاليفها، ستوفر هذه التقنيات حلولاً جزئية لمجموعة من الأزمات الناشئة، من معالجة التهديدات الصحية الجديدة وأزمة قدرة الرعاية الصحية، إلى توسيع نطاق الأمن الغذائي والتخفيف من آثار المناخ. وبالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون، سوف تنمو اللامساواة والاختلاف بينهم وبين المقتدرين، وتتسع الهوة بين مصادر القوة. بينما ستجلب هذه التكنولوجيا، في جميع الاقتصادات، أيضًا مخاطر جَمَّة، تتراوح بين توسيع المعلومات المضللة إلى التغيير السريع بشكل لا يمكن السيطرة عليه في وظائف ذوي الياقات الزرقاء والبيضاء، وعموم الموظفين.

ومع ذلك، فإن التطور السريع ونشر التقنيات الجديدة، والتي غالبًا ما تأتي مع بروتوكولات محدودة تحكم استخدامها، تشكل مجموعة من المخاطر الخاصة بها. إن التداخل المتزايد باستمرار للتكنولوجيات مع الأداء الحيوي للمجتمعات يعرّض السكان لتهديدات محلية مباشرة، بما في ذلك تلك، التي تسعى إلى تحطيم الأداء المجتمعي. إلى جانب ارتفاع معدلات الجريمة السيبرانية، ستصبح محاولات تعطيل الموارد والخدمات الحيوية المدعومة بالتكنولوجيا أكثر شيوعًا، مع توقع الهجمات ضد الزراعة والمياه والأنظمة المالية والأمن العام والنقل والطاقة والبنية التحتية للاتصالات المحلية والقائمة على الفضاء وتحت سطح البحر. لا تقتصر المخاطر التكنولوجية على الجهات المارقة فقط. التحليل المتطور لمجموعات البيانات الأكبر سيمكن من إساءة استخدام المعلومات الشخصية من خلال الآليات القانونية المشروعة. مثلًا، فقد جرى إعداد جهود التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه من أجل مقايضة محفوفة بالمخاطر، بينما تستمر الطبيعة في التدهور. فالمخاطر المناخية والبيئية هي المحور الأساس لتصورات المخاطر العالمية على مدى العقد المقبل، وهي ذات المخاطر، التي نرى أننا الأقل استعدادًا لها. إذ كشف الافتقار إلى تقدم عميق ومتضافر بشأن أهداف العمل المناخي الاختلاف بين ما هو ضروري علميًا لتحقيق صافي صفر، وما هو ممكن سياسيًا. وستؤدي الطلبات المتزايدة على موارد القطاعين العام والخاص، مع الأزمات الأخرى، إلى تقليل سرعة وحجم جهود التخفيف على مدى العامين المقبلين، إلى جانب عدم كفاية التقدم نحو دعم التكيف المطلوب لتلك المجتمعات والبلدان، التي تتأثر بشكل متزايد بآثار تغير المناخ.

خواتيم:

يعكس الموضوع الشامل، الذي تقوم عليه قائمة المخاطر الأعلى لعام 2030م، مخاوف المسؤولين السياسيين والتنفيذيين من مواجهة عقد لا يَعِدُ سوى بتغيير غير مسبوق ومتسارع، بحيث أن الابتكارات التكنولوجية على مدى السنوات العشر القادمة قد تغير سلوك الناس والمجتمعات بشكل جذري. فمن المرجح أن يثبت ولاء المواطنين للسلطات السياسية والتربوية والدينية، والمؤسسات الثقافية والاقتصادية أنه سريع الزوال؛ مع تطور التفضيلات والتحولات الديموغرافية المختلفة. ومن المتوقع أن تعمل القوى "المؤدلجة" والحركات الدينية على محاولة تجنيد موالين لها في كل المجتمعات، وحتى الأسواق والمنافسون الجدد، الذين يقدمون منتجات وخدمات بديلة سيجتهدون أكثر في توسيع نطاق اختيار العملاء بطرق يمكن أن تؤثر على جدوى نماذج الأعمال الحالية والمبادرات الاستراتيجية المخطط لها. لذلك، فإن رسالة العقد القادم هي "اربطوا أحزمة الأمان"، لأن أحد المخاطر الـ36، التي صنفها المشاركون في الاستطلاع ترتبط بالسرعة الفائقة للابتكارات "التخريبية، التي تم تمكينها بواسطة التقنيات الجديدة والناشئة. على سبيل المثال، الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، والتعلم الآلي، والمنصات شديدة التوسع، وزيادة النطاق الترددي من خلال نقل بيانات 5G) و/ أو قوى السوق الأخرى، التي تفوق قدرة المؤسسة على المنافسة و/ أو إدارة التغيير بشكل مناسب دون إجراء تغييرات كبيرة على نموذج أعمالها، والتي كشفت بالفعل عن فجوة بين ما هو ضروري علميًا ومطلوب اقتصاديًا، وما هو مُرحبُ به ثقافيًا ومتوائم اجتماعيًا ومستساغ سياسيًا. 

إن هذا الواقع يُثيرُ قلقًا استراتيجيًا ذا صلة بأن الدول الإفريقية والعربية لن تكون قادرة على مواكبة السرعة الهائلة للابتكار التخريبي. ويتطلب الأمر قدرات ومواهب للقيام بذلك، ومن دون إمكانات تتصدرها دول الخليج، ومن تيسر لهم الحال في المنطقتين، والعمل الجماعي بشكل أفضل وأذكى، من المستحيل مواجهة هذا المستقبل المزعج بثقة كافية. إذ لا أحد يتوقع أن تتضاءل أخطار أمن البيانات والأمن السيبراني، خاصة وأن خصوصية البيانات والتهديدات السيبرانية تُعَدُّ مرة أخرى من بين أكبر 10 أخطار على الأعمال منذ عام 2021م، وهي أيضًا على قائمة العشرة الأوائل لعام 2030م، ولا تزال التهديدات السيبرانية هدفًا متحركًا، وتعد مخاوف خصوصية البيانات بأن تصبح أكثر تعقيدًا مع استمرار تقدم العصر الرقمي، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذه الحقائق ستتغير. لذلك، فإن وجود ثقافة مبتكرة قائمة على الثقة يمكن أن تصبح ممكنة فقط بفضل التمسك بالأصالة والتعاطف الجماعي في القمة السياسية والقاعدة الاجتماعية، والعمل بقصد للالتزام الهادف بالتنوع والشمول، وتعزيز الشفافية، التي تسهل المرونة التنظيمية لكل شؤون المنطقتين. فإن حدث ذلك، فإنه وعلى الرغم من كل ما تقدم، سنجد أنه لا تزال هناك نافذة لتشكيل مستقبل أكثر أمانًا لدول إفريقيا والشرق الأوسط، من خلال التقارب والتعاون، والاستعداد الجماعي الأكثر فعالية.

وكما تقدم، فإن السنوات القادمة ستطرح مقايضات صعبة للحكومات، التي تواجه اهتمامات متنافسة للمجتمع والبيئة والأمن، التي تستدعي الحاجة إلى عمل جماعي متسارع، وبشكل كبير بشأنها، غيرها، جميعًا. وفي الوقت نفسه، قد تؤدي الاعتبارات الأمنية وزيادة الإنفاق العسكري إلى ترك مجال مالي أقل للتخفيف من آثار أزمة التكلفة المعيشية الطويلة. لذلك، فإنه من دون تغيير في المسار الحاضر، يمكن للبلدان الضعيفة في المنطقتين أن تصل إلى حالة أزمة دائمة حيث تكون غير قادرة على الاستثمار في النمو المستقبلي والتنمية البشرية والتقنيات الخضراء. ومن المؤكد أن تعمل معالجة تآكل الثقة في العمليات المتعددة الأطراف على تعزيز قدرات هذه الدول الجماعية على منع الأزمات الأمنية الناشئة عبر الحدود والاستجابة لها وتقوية الحواجز، التي تضعها للتصدي للمخاطر الراسخة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تعزيز الترابط بين المخاطر الإقليمية إلى توسيع نطاق تأثير أنشطة التخفيف منها، إذ يمكن أن يكون لتعزيز المرونة في أحد المجالات تأثير مضاعف على الاستعداد العام للمخاطر الأخرى ذات الصلة. ونظرًا لأن الآفاق الاقتصادية المتدهورة تجلب مقايضات أكثر صرامة للحكومات، التي تواجه مخاوف اجتماعية وبيئية وأمنية متنافسة، يجب أن يركز الاستثمار الجماعي للقدرات في المرونة على الحلول، التي تعالج أخطار متعددة. على الرغم من أن بعض المخاطر الموصوفة في التقرير هذا العام تقترب من نقطة اللاعودة، مما يحتم على هذه الدول الاقتناع بأن هذا هو الوقت المناسب للعمل بشكل جماعي وحاسم، وبرؤية طويلة الأجل لتشكيل مسار إلى عالم أكثر إيجابية وشمولية واستقرارًا.

مقالات لنفس الكاتب