array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

تثبيت الأمن في دول الربيع العربي يتطلب حلولًا واقعية وجهدًا جماعيًا عربيًا برؤية شاملة

الإثنين، 29 أيار 2023

مما لاشك فيه أن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تمر بها المجتمعات تلقي بظلالها على الوقع الأمني، فالسياسة والاقتصاد من جهة والأمن من جهة أخرى وجهان لعملة واحدة يتأثر كل منهما بالآخر سلبًا أو إيجابًا وليست المجتمعات العربية مستثناة من ذلك، بل أنه بسبب ما تتعرض له بعض الدول العربية من أزمات اقتصادية وسياسية وتدخلات خارجية تكون أكثر عرضة للانفلات الأمني حيث أن السياسات الخاطئة ينتج عنها أزمات اقتصادية تؤدي إلى عدم وجود استقرار في المجتمع ويستتبع ذلك زيادة معدلات الجريمة وظهور العديد من الجرائم الجديدة التي لم يكن يعهدها المجتمع من قبل، ناهيك عما تشهده منطقة الشرق الأوسط  منذ اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي من تدخلات أجنبية وصراعات مذهبية وعرقية وحروب إقليمية ودولية زادت من التوتر في الشارع ما أنهك المؤسسات الأمنية وأدى ذلك لحدوث سيولة أمنية وانفلات أمني.

وفيما يلي نستعرض بعض أوضاع المجتمعات العربية وما تمر به من أزمات سياسية و اقتصادية وتأثير ذلك على الوضع الأمني:

في اليمن، كشفت التقارير عن تفشي جرائم القتل بسبب انتشار السلاح بشكل كبير وعشوائي دون رقابة، حيث لم يعد لدى قوات الأمن اليمنية قدرة السيطرة على الأوضاع في البلاد وبسط نفوذها وتطبيق القانون ويرجع ذلك إلى اندلاع الحرب وسيطرة ميليشيات الحوثي على مخازن أسلحة الجيش اليمني ما ساهم في تفشي العديد من الجرائم كالسرقة، وسلب ونهب المحال التجارية، وجرائم القتل وقد دفع الخوف وتفشي الانفلات الأمني، وخروج الوضع عن السيطرة الكثير من أصحاب الشركات والمصالح والتجار إلى التسلح والاستعانة بأشخاص وتسليحهم لتوفير الأمن والحماية.

أما في سوريا، فيكفي أن نورد ما ذكره السيد مارتن جريفس وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ من أن الدمار الذي شهدته سوريا لا مثيل له في التاريخ المعاصر فقد قتل أكثر من 350 ألف شخص ونزح أكثر من 14 مليون شخص من ديارهم وتم تدمير جميع الخدمات الأساسية وولد أكثر من خمسة ملايين طفل منذ بداية الصراع لم يعرفوا شيئا سوي المشقة وعدم الاستقرار.

أحداث الأزمة السورية بدأت منذ شهر مارس 2011م، عندما خرجت مظاهرات في مدن سورية عدة للمطالبة بإطلاق الحريات وإخراج المعتقلين من السجون ورفع حالة الطوارئ بالبلاد وتزايدت حدة ووتيرة المظاهرات بالبلاد وفق رواية المعارضة تعرضت المظاهرات للقمع العنيف من قبل القوات النظامية مع تزايد الأزمة بدأت الانشقاقات في الجيش النظامي بالتزايد والتضخم، مطلع أغسطس 2011م، أعلن عن تأسيس الجيش السوري الحر ليدخل في معارك طاحنة مع الجيش السوري النظامي وأصبحت الأوضاع الأمنية غاية في التردي وباتت قوى الأمن منهكة ومفككة لا تقوى على القيام بمهامها ومع تردي الوضع الاقتصادي ازداد معدل الجريمة بشكل كبير غير مسبوق ففي عام 2018م، كشفت إحصائيات الفرع الجنائي في دمشق أنه تم ضبط 4274 جريمة فيما أشارت بيانات وزارة الداخلية إلى وقوع 570 جريمة قتل، وفي 2019م، صنفت سوريا كأكثر دولة عربية ارتفاعًا في معدل الجريمة وفي المرتبة 16 عالميًا من أصل 118 دولة، ازدادت معدلات الجريمة المنظمة في سوريا بسبب انتشار السلاح والميليشيات المتمثلة في قطاع الطرق والخارجين عن القانون ومرجع ذلك الأساسي هو الانفلات الأمني وعدم إحكام الشرطة قبضتها على أمن البلاد فانتشرت الكثير من الجرائم كالقتل العمد والسطو والسرقة بالإكراه والاغتصاب وتجارة السلاح والمخدرات والتهريب عبر الحدود ويكفي أن نشير إلى أن الزيادة في جرائم القتل في محافظة دمشق تجاوزت نسبة  4 أضعاف خلال عام 2011م، مقارنة بالعام 2010م، كما ذكر المحامي العام الأول في دمشق.

 

أما في السودان والتي عانت أيضًا من الانفلات الأمني فقد اتسعت دائرة الجرائم وخاصة العاصمة الخرطوم التي انتشرت فيها عصابات الخطف والسرقة تحت الإكراه فقد باتت ظاهرة الانفلات الأمني وتنامي النشاط الإجرامي هاجسًا للمواطنين ويعزي المتخصصون والمحللون هذا الانفلات إلى ضعف المؤسسة الأمنية بعد ما مرت به البلاد من ثورة واعتصامات واضرابات الأمر الذي سبب إجهادًا لقوى الأمن واستنزافًا لطاقتها فيما عزى آخرون الأمر إلى تأثير الأوضاع الاقتصادية وانتشار السلاح ووجود حركات تحمل السلاح داخل العاصمة والمدن وعدم وجود الإمكانيات الكافية لدى جهاز الشرطة لمواجهة هذه التحديات نظرًا للوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد وكذا لتفشي الظاهرة الإجرامية وعدم السيطرة عليها،

وقد زاد من صعوبة الأمر المواجهات المسلحة التي اندلعت بين قوات الجيش ومجموعات الدعم السريع وفي شبه حالة حرب أهلية للصراع على الحكم والتنافس على السلطة على حساب الشعب وأمنه واستقراره وأوضاعه الاقتصادية، وازداد الأمر سوءًا مع زيادة حدة القصف العشوائي وهروب أبناء الشعب السوداني إلى خارج الحدود واللجوء إلى دول الجوار، وفي حال طال أمد هذه المواجهات المسلحة وزيادة خروج المدنيين أو تعرضهم للحصار والجوع مع إغلاق المستشفيات ونقص الأدوية سيشكل الأمر كارثة إنسانية.

 وليست لبنان وما تشهده من أزمة اقتصادية طاحنة ببعيد، حيث تمر لبنان بأزمات حادة ومتعددة الأوجه، ومرجع هذه الأزمات المركبة في لبنان هو الوضع السياسي الخطير للبلاد حيث أن معظم الأحزاب السياسية تحمل هوية دينية وطائفية وأكثرها لها انتماءات لقوى خارجية وتعمل على تحقيق مصالح القوى الخارجية التي تحركها وليس مصالح لبنان وشعبه ومصالحه الوطنية العليا، وكل ذلك ألقى بظلاله على الوضع الأمني في لبنان  حيث انتشرت الجريمة بشكل ملحوظ، وقد كشفت مؤشرات أمنية صادرة من مجلة "الدولية للمعلومات" اللبنانية استنادًا إلى أرقام المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن ارتفاع في عدد جرائم السرقة والخطف والقتل خلال الأشهر الماضية من العام الجاري داخل لبنان مقارنة بالفترة ذاتها من الأعوام الماضية.

ومن خلال قراءة واقع العالم العربي وما يتعرض له من تحديات ومشاكل نجد أن المجتمعات التي تشكل الجريمة فيها ظاهرة من حيث الكم والكيف تتشابه جميعها في أسباب هذه الظاهرة وهذه الأسباب هي:

 

*المشاكل الاقتصادية وانتشار الفقر والبطالة وسوء الأحول المعيشية وعدم قدرة الدولة على توفير احتياجات مواطنيها.

*المشاكل السياسية والصراعات المسلحة التي تؤدي لنشوب حروب وصراعات داخلية في هذه الدول.

*انتشار الجماعات الإرهابية والتي تعمل على تنفيذ أجندات خارجية الأمر الذي يؤدي لاستنزاف جهود قوى الأمن ما يؤدي إلى الانفلات الأمني.

 

تطويق الأزمات الأمنية ودور مجلس وزراء الداخلية العرب

 

نظرًا لتشابه الظروف السياسية والاقتصادية وطبيعة المرحلة التي مرت بها المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط خاصة في الدول التي شهدت أحداث ما يسمى  بثورات الربيع العربي فإن العمل على إنهاء حالات الانفلات الأمني التي تعيشه بعض البلاد العربية يجب أن يتم في إطار عمل مشترك وجهود عربية مشتركة وجماعية، حيث أن الحلول قد تكون متشابهة في هذه الدول التي تشهد الصراعات والانفلات الأمني، الأمر الذي يقودنا لضرورة التنسيق والقيام بعمل عربي مشترك يسرع من وتيرة القضاء على حالة الانفلات الأمني  وتثبيت الأمن والعودة إلى المعدلات الطبيعية والعالمية لنسب الجريمة، هذا العمل المشترك لابد له من إطار تنظيمي وكذلك آلية تنفيذ  لهذا الإطار وهو مجلس وزراء الداخلية العرب المنبثق عن جامعة الدول العربية حيث يهدف هذا المجلس إلى تنمية وتوثيق التعاون، وتنسيق الجهود بين الدول العربية في مجال الأمن ومكافحة الجريمة، ويمارس المجلس الاختصاصات التي تمكنه من تحقيق أهدافه بما في ذلك ما يلي:

 1-تعزيز التعاون بين الدول العربية في مجال الأمن ووضع السياسة العامة التي من شأنها تنظيم وتطوير الأمن العربي المشترك.

2-إنشاء الهيئات والأجهزة اللازمة لتنفيذ الأهداف، وتشكيل لجان خاصة ممن يرى الاستعانة بهم من الخبراء لتقديم اقتراحات وتوصيات في الأمور الأمنية وإقرار المقترحات والتوصيات الصادرة عنها وعن مختلف الهيئات المشتركة العاملة في المجالات الأمنية.

3-العمل على تعزيز التعاون بين الدول العربية في مجال الأمن وتقديم الدعم التدريبي والتقني للأجهزة الأمنية ذات الإمكانيات المحدودة.

 4– تطوير التشريعات والقوانين والأنظمة المتعلقة بالأمن الداخلي والحفاظ على النظام العام. 5-تطوير قدرات المؤسسات الأمنية وتبادل الخبرات في هذا المجال.

 6-انشاء بنك للمعلومات الأمنية يتعلق بالجرائم العابرة للحدود كتهريب الأسلحة والمخدرات وغسل الأموال والهجرة غير الشرعية الخ، ويتضمن هذا البنك معلومات عن الجريمة والكيانات العاملة بها وأماكن تواجدها ومسارات التهريب المختلفة.

وفي النهاية فإن مواجهة الانفلات الأمني والجريمة المنظمة يتطلب تضافر الجهود، وكذلك تنسيق جهود جميع المؤسسات في الدولة الواحدة ولا يعتمد فقط على المؤسسة الأمنية، كما أنه يحتاج إلى تكاتف وتعاون الدول العربية معًا نظرًا لطبيعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية المشتركة وكذا نظرًا لطبيعة الجريمة المنظمة والعابرة للحدود والتي يطلق عليها الجرائم الدولية.

مقالات لنفس الكاتب