array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

الخروج من الأزمات اللبنانية بالرجوع إلى الأساس السياسي والدستوري الحاكم وهو اتفاق الطائف

الإثنين، 29 أيار 2023

تعد الحالة اللبنانية حالة فريدة من نوعها، ليس فقط في حجم ما بها من تنوع وإنما أيضاً في حجم أزماتها المتلاحقة التي تجر الدولة إلى حافة السقوط، تلك الأزمات التي جعلت المواطنين يعيشون واقعًا مأساويًا ، واقعًا يفتقد لأبسط الحقوق والخدمات، مع صعوبة الإجماع على سبب واحد لما وصلت إليه الأوضاع اللبنانية؛ فالبعض يري أن السبب الرئيسي هو غياب الهوية الوطنية اللبنانية في مقابل إعلاء الهويات الطائفية المختلفة التي طغت مصالحها على مصلحة الوطن، والبعض الآخر يرى أن السبب وراء جميع الأزمات اللبنانية بأبعادها المختلفة يكمن في حجم التدخلات الخارجية ووجود لبنان في منتصف العديد من الأزمات الإقليمية التي أثرت بدورها على الداخل اللبناني؛ فأصبحنا أمام واقع شديد التعقيد وأزمة مكتملة الأبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية. فماهي أبرز محطات الأزمة اللبنانية وأبعاد الواقع اللبناني الحالي؟ وماهي الأسباب وراء هذه الأزمات المتلاحقة؟ وهل من الممكن أن يتم وضع حد لهذه الأزمات أم ستظل المصالح الضيقة وتوجهات الدول الأخرى متحكمة في مصير الدولة اللبنانية؟

محطات الأزمة اللبنانية:

لفهم أبعاد الواقع اللبناني الحالي، وما وصلت إليه الأوضاع الداخلية في لبنان، لابد في البداية من عرض أبرز محطات الأزمة اللبنانية، التي يمكن القول بأنها بدأت تأخذ منحى شديد الخطورة عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير عام 2005م؛ حيث مثّل اغتيال الحريري نقطة فاصلة في تاريخ لبنان الحديث، وظهرت تحالفات متنافسة ما زالت مستمرة حتى الآن ساهمت بشكل كبير في تعميق الأزمة اللبنانية.

تولى رفيق الحريري رئاسة الحكومة اللبنانية عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية لفترتين (1992-1998م) و(2000– 2004م)، واستطاع أن يضع بصمته الخاصة داخل لبنان بواسطة حزمة من القرارات الاقتصادية والمواقف السياسية التي كان أهمها الحفاظ على حق لبنان في المقاومة واسترجاع الأراضي اللبنانية من الإسرائيليين.

ولكن، ظل الوجود السوري في لبنان نقطة خلاف رئيسية بين الحريري ورئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، قدم على أثرها الحريري استقالته في أكتوبر 2004م، وعلى الرغم من تقديمه للاستقالة إلا أن الموقف ظل مشتعلاً خاصةً مع استمرار الوجود السوري في لبنان، ولإنهاء هذه الأجواء المشتعلة تم اغتيال رفيق الحريري في انفجار قنبلة ضخمة لدى مرور موكبه في بيروت، وهو ما أدى أيضاً لمقتل واحد وعشرون شخصاً آخرين. ومن هنا توالت سلسلة من الأحداث الهامة التي أفرزت الوضع اللبناني الحالي، وذلك كالتالي:

  • الخروج السوري من لبنان: الذي جاء نتيجة للاحتجاجات الشعبية التي ألقت مسؤولية اغتيال الحريري على النظام السوري مطالبين بالخروج السوري من لبنان، والضغوط الدولية التي أجبرت سوريا على سحب قواتها من لبنان بعد وجود عسكري دام منذ عام 1976م، وبذلك بدأ لبنان عصرًا جديدًا بعيداً عن الهيمنة السورية. ولكن لم يعن هذا استقرار الأوضاع بل في المقابل ظهر الانقسام الشديد على الساحة اللبنانية بين تيارين أساسيين وهما تيار (8 آذار) الذي يضم الأحزاب والقوى التي تدعم سوريا وأهمها حزب الله وحركة أمل وتيار المردة والتيار الوطني الحر، بالإضافة إلى الحزب الديمقراطي. وتيار (14 آذار) الرافض للوجود والهيمنة السورية والذي يضم تيار المستقبل والقوات اللبنانية بالإضافة إلى حزب الكتائب ومجموعة أخرى من الأحزاب والقوى الشعبية.
  • حرب تموز: وهي الحرب التي أنجرت فيها دولة لبنان نتيجة لقيام حزب الله بخطف جنديين إسرائيليين في يوليو 2006م، مما أشعل حرباً استمرت قرابة خمسة أسابيع وأسفرت عن مقتل مئات اللبنانيين؛ فأصبح الوضع اللبناني مشتعلاً نتيجة أسلحة حزب الله التي استطاعت أن تجعل من لبنان طرفاً في حرب دون داعٍ أو هدف واضح. بل اتجه حزب الله إلى استعراض قدرته على الحشد خلال اعتصام الوسط أواخر عام 2006م، من خلال تنظيم اعتصام استمر طيلة عام 2007م، وسط بيروت احتجاجاً على حكومة فؤاد السنيورة مطالبين باستقالة الحكومة. ولكن، حكومة السنيورة لم تستقل بل تابعت مسألة تشكيل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري، التي صدر قرار بإنشائها في مايو 2007م.
  • أحداث 7 أيار: التي كان من الممكن أن تتحول إلى حرب أهلية جديدة؛ حيث أقدمت حكومة السنيورة على اتخاذ مجموعة من القرارات التي أعتبرها حزب الله بداية حرب معلنة ضده في مايو 2008م، وتمثلت في حظر شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، مع محاولة عزل قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي الموالي للحزب. وبدوره رد حزب الله بالسيطرة على غرب بيروت الذي تقطنه أغلبية مسلمة. واستطاعت جهود الوساطة التي قادتها دولة قطر في توقيع اتفاق الدوحة الذي عمل على عودة الهدوء مرة أخرى ومنع انزلاق لبنان في حرب أهلية جديدة. وبمقتضى هذا الاتفاق تم التوافق على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، مع تشكيل حكومة وحدة وطنية.
  • الأزمة السورية: التي ألقت بظلالها على الأوضاع اللبنانية، وعززت الانقسام بين مؤيد لمساندة النظام السوري، ومعارض للتدخل في الشأن السوري. وظل الوضع يشهد العديد من التقلبات خاصةً مع سقوط أولى حكومات سعد الحريري عام 2011م، عقب استقالة حزب الله على خلفية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري.
  • فراغ رئاسي: استمر لأكثر من عامين ويعد أطول فراغ رئاسي عرفته لبنان؛ فبعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 24 مايو 2014م، ونتيجة لتعقد الحسابات السياسية والطائفية في لبنان، استمرت عملية انتخاب الرئيس الجديد لأكثر من عامين وجاء انتخاب ميشال عون رئيسًا للبلاد بعد 46 جلسة برلمانية بموجب تسوية سياسية بين الفرقاء السياسيين.
  • احتجاجات 2019م: اندلعت في أكتوبر عام 2019م، نتيجة إعلان الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري عزمها فرض رسوم مالية على اتصالات الإنترنت المجانية، وأظهرت هذه الاحتجاجات رفض الشعب اللبناني لجميع الرموز السياسية حيث رُفع شعار "كلن يعنى كلن"، وأقدم سعد الحريري على تقديم استقالته في محاولة لتهدئة جموع الشعب. وتسارعت وتيرة الأزمة الاقتصادية اللبنانية وتم تجميد أموال المودعين نتيجة لأزمة السيولة وانهيار العملة المحلية.
  • انفجار مرفأ بيروت: لم يستطع حسن دياب الذي تولى رئاسة الحكومة عقب سعد الحريري إدخال إصلاحات اقتصادية وتخلف عن سداد ديون لبنان السيادية، وصاحب ذلك حدث هام زلزل الأوساط اللبنانية وهو انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020م، نتيجة انفجار كمية كبيرة من نترات الأمونيوم مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وتدمير مساحات شاسعة من بيروت، وتفاقمت الأزمة اللبنانية بعد هذه الواقعة على وقع تبادل الاتهامات حول المسؤول عن هذه التفجيرات، وجمود التحقيقات في ظل حالة الانقسام.

ووفقاً لهذه المحطات، تدرجت الأزمة اللبنانية لتتحول من أزمة سياسية إلى أزمة مكتملة الأبعاد ذات بعد سياسي وبعد اقتصادي، بالإضافة إلى البعد الاجتماعي. وتتمثل أبرز ملامح الواقع اللبناني الحالي في:

  • فراغ رئاسي:

انتهت ولاية الرئيس اللبناني ميشال عون في 31 أكتوبر 2022م، وأخفق مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد للبلاد نتيجة لغياب التوافق بين الكتل النيابية. ووفقاً للدستور اللبناني، يحتاج أي مرشح للانتخابات الرئاسية إلى تأمين ثلثي مجموع الأصوات في مجلس النواب البالغ عددهم 128 عضواً في الجولة الانتخابية الأولى، أو الحصول على 65 صوتا في الجولة الثانية للانتخاب بنفس الجلسة شريطة وجود ثلثي أعضاء المجلس داخل الجلسة، وقد يبدو الأمر بسيطاً من الناحية النظرية، إلا أن الأمور أكثر تعقيداً عملياً؛ حيث لا يمتلك أي فصيل سياسي القدرة منفردًا على تأمين الفوز لمرشحه، والانقسام هو سيد الموقف بين الكتل السياسية.

  • انهيار اقتصادي:

تعيش لبنان أسوء أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي ضمن أكثر الأزمات حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. ولا تعد هذه الأزمة وليدة اللحظة وإنما جاءت نتاجاً لمجموعة من القرارات الاقتصادية الخاطئة وسياسة مالية ونقدية غير مدروسة؛ مما أدى -وفقاً لتقارير البنك الدولي-إلى وضع اقتصادي مأساوي يشهد فقدان العملة المحلية لأكثر من 95% من قيمتها، بالإضافة إلى أن الاختناقات في سلسلة التوريد ونقص الوقود، أدت إلى زيادة أسعار المواد الغذائية بشكل هائل بنسبة 483% في يناير 2022م، مقارنة بعام 2021م، وظلت مرتفعة عند 332% حتى يونيو 2022م. ومع نفاد احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، ورفع الدعم عن استيراد معظم السلع الحيوية ارتفعت أسعار الكهرباء، والمياه والغاز بنسبة 595% بين يونيو 2021م، ويونيو 2022م. ولازالت الأزمة الاقتصادية تزداد وطأة يوماً بعد يوم مع شغور منصب رئيس الجمهورية، ووجود حكومة تصريف أعمال، ومجلس نيابي غير قادر على انتخاب رئيس جديد أو تشكيل حكومة جديدة.

  • أزمات داخل بنيان المجتمع:

بالتبعية أدت المشكلات السياسية والاقتصادية إلى حدوث أزمات اجتماعية حادة؛ نتيجة لنقص الخدمات الأساسية المقدمة لجميع أفراد المجتمع من تعليم ورعاية صحية وغيرها؛ مما أدى إلى ارتفاع معدلات الطلاق والجريمة وظهور العديد من المشكلات الناتجة عن البطالة وانخفاض الحد الأدنى للأجور، وهي جميعاً مشكلات شديدة الخطورة تهدد استقرار المجتمع الهش بالأساس.

الأزمة اللبنانية ... البحث عن الأسباب

أصبح التساؤل الأساسي الذي يدور في الأذهان حول السبب وراء ما وصلت إليه لبنان في الوقت الراهن، فالبعض ألقى المسؤولية كاملة على نظام المحاصصة باعتباره السبب الرئيس لما وصلت إليه الأوضاع، بينما يرى فريق آخر أن السبب ليس داخلياً وإنما هي تدخلات الخارج التي عقّدت المشهد وجعلته عصياً عن الحل لاختلاف المصالح. ولكن بالنظر إلى مجمل الأحداث اللبنانية يمكن القول بأن السبب مزيج بين انقسام الداخل الذي ترتب عليه العديد من التداعيات، وتدخلات الخارج التي عمّدت إلى تعقيد المشهد.

انقسام الداخل:

لبنان دولة ذات تنوع طائفي ومذهبي كبير؛ حيث يبلغ عدد الطوائف المعترف بها رسمياً 18 طائفة، وهي إما طوائف إسلامية وتتمثل في (الــدروز، الســنة، الشــيعة، العلويــون، والاسمــاعيليون)، أو طوائف مسيحية وتتمثل في (الموارنـة، الـروم الأرثـوذكس، الروم الكاثوليـك، الأرمــن الكاثوليــك، الأرمن الأرثــوذكس، والســريان الأرثــوذكس، السريان الكاثوليك، الكلــدان، اللاتــيني، الإنجيليــون، الآشــوريون، الأقبــاط الأرثــوذكس، الأقباط الكاثوليك).

ومن المفترض أن يكون هذا التنوع ذات نتيجة وتأثير إيجابي على مجمل الواقع اللبناني بما يحتويه من ثراء حضاري وروحي، ولكن هذا لم يحدث في الحالة اللبنانية، والسبب الرئيس وراء ذلك لا يكمن في التعدد في حد ذاته، وإنما يرجع إلى غياب مفهوم واضح للطائفة، التي من المفترض أن تكون كيانًا اجتماعيًا ذا أساس ديني، ولكن الواقع اللبناني يشير إلى أن الطائفية فُرضت كإطار وحيد للعمل السياسي، والوسيط بين الفرد والدولة، فلم يعد هناك أحزاب بالمفهوم المتعارف عليه وإنما هي كيانات تستمد هويتها الصريحة من طائفة محددة أو المنطقة التي تسكنها الطائفة؛ فتحولت إلى طائفة سياسية تسعى للسيطرة على البنية السياسية لتوفير الخدمات لتابعيها. مما أدى إلى ظهور أزمة أعمق متعلقة بالهوية الوطنية؛ فمنذ نشأة دولة لبنان والطائفية هي المسيطر على انتماءات اللبنانيين مما أدى بالتبعية إلى أن تصبح هوية المواطنين طائفية أو مذهبية قبل أن تكون هوية لبنانية.

فضلاً عن أن النظام السياسي ذاته يكرس هذا الشكل من أشكال الطائفية المبنية على الانقسام وليس الوحدة؛ فوفقاً لدستور 1926م، وما لحقه من تعديلات عقب اتفاق الطائف 1989م، جرى توزيع المناصب العليا في الدولة على الطوائف الكبرى بحيث يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المارونية، ورئيس الحكومة من الطائفة السنّية، وأن يكون رئيس مجلس النواب من الطائفة الشيعية، وتُوزّع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، وبما يتناسب مع مختلف الطوائف، كما توزّع المقاعد بالتساوي بين الأقاليم. وبهذا التقسيم، أصبح من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات دون توافق الفرقاء الموزعين على أساس طائفي، مما عطل أجهزة الدولة.

تدخلات الخارج:

تعد لبنان ساحة خصبة للتدخلات الخارجية؛ حيث تحول الداخل اللبناني إلى انعكاس لديناميكية العلاقات بين الفواعل الدولية والإقليمية، وأسيراً لتوازنات المنطقة، وذلك يرجع إلى مجموعة من العوامل أهمها الطائفية السياسية، التي جعلت كل طائفة تبحث عن ظهير دولي أو إقليمي يدعمها ضد الطوائف الأخرى، بالإضافة إلى كون لبنان في قلب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، نتيجة لجوارها المباشر مع إسرائيل، فضلاً عن مقاومة حزب الله المباشرة للكيان الإسرائيلي، والتي أعطته الشرعية في حمل السلاح بالرغم من كونه فصيل سياسي له تمثيل في الحكومة والبرلمان.

كل هذا من جانب، والدور الإيراني الداعم الأكبر لحزب الله من جانب آخر، فطالما كانت هناك علاقة مميزة تربط بين شيعة لبنان وشيعة إيران، خاصةً وأن سياسة إيران تنطلق من فكرة كون الدولة في خدمة الشيعة أينما وجدوا، ومن هذا المنطلق تشكل حزب الله كذراع عسكري لدولة إيران، وأصبح أحد أهم أدوات إيران الخارجية خاصةً بعد أن أصبح قوة لا يستهان بها ليس داخل لبنان فقط ولكن في عموم المنطقة. فمن خلال حزب الله إضافةً إلى دعم حركة حماس والتحالف مع سوريا استطاعت طهران أن تصبح مهددًا رئيسًا لإسرائيل وأن تحقق هدفها في لعب دور رئيس إقليمياً ودولياً.

ولكن، هذا الدور صاحبه تأثير سلبي على الداخل اللبناني، نتيجة لاستدعائه بشكل غير مباشر لقوى أخرى لمواجهته ومنع توسعه، وبرزت أدوار فاعلين آخرين أبرزهم:

  • الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر حزب الله أداة بالغة الأهمية لتحقيق المصالح الإيرانية، وأدت في خضم حربها مع إيران لحماية أمن إسرائيل ومنع التفوق العسكري والنووي الإيراني إلى تعقيد الداخل اللبناني، وجعلت الأوضاع رهناً لمسار العلاقات الأمريكية الإيرانية.
  • المملكة العربية السعودية، التي سعت إلى تحقيق التوازن داخل لبنان بين جميع أطيافه، ولكن إيران وقفت ضد هذا التوازن وعمدت إلى زيادة نفوذ الشيعة على حساب غيرها من الطوائف، فأصبح على المملكة العربية السعودية أن تواجه نفوذ إيران المتنامي ليس فقط في لبنان وإنما أيضاً في اليمن وسوريا.

لبنان والخروج من المأزق:

من المرجح أن تتجه الأزمة اللبنانية إلى مزيد من التعقيد؛ حيث حذر صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في مارس 2023م، من أن لبنان يمر بلحظة خطرة للغاية، وأن التقاعس عن تطبيق إصلاحات ملحة من شأنه أن يدخل البلاد في أزمة لا نهاية لها نظراً إلى مستوى تعقيدها. ولكن، التساؤل الذي يتبادر إلى الأذهان يتعلق بكيفية إدخال الإصلاحات المطلوبة في ظل عدم وجود دولة بالمعني السياسي، دولة مؤسسات وقانون، فالواقع يشير إلى أن أداء سلطات الدولة الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) يتجه نحو الأسوأ؛ حيث مجلس النواب عاجز عن انتخاب رئيس للبلاد، وبالنسبة للسلطة التنفيذية، هناك فشل في تشكيل حكومة جديدة. ناهيك عن السلطة القضائية التي أصبحت عاجزة نتيجة محدودية استقلاليتها أمام الطوائف المسيطرة. وبالتبعية، أصبحت مختلف الإدارات العامة، التي تعاني الاستقطاب الحاد في تكوينها، عاجزة عن تقديم الخدمات الحيوية للشعب اللبناني مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والتعليم.

وطريق الخروج من هذه الأزمات المتلاحقة، يكمن في إعادة بناء الدولة اللبنانية بمؤسسات فاعلة قادرة على إدارة المشهد. وبالرجوع إلى الأساس السياسي والدستوري الحاكم في لبنان، وهو اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وشكلت بنوده الدستور اللبناني، الذي أيضاً اتهمه البعض بأنه الأساس في تكريس الطائفية السياسية. نجد أن اتفاق الطائف لم يكن في حد ذاته المشكلة، بل على العكس مهد اتفاق الطائف الطريق لحل الأزمة اللبنانية، كما أنه تضمن أحكام تضمن التعايش السلمي لمختلف الطوائف اللبنانية، وإنما المشكلة تكمن في عدم تنفيذ العديد من أحكامه، مما فاقم الأوضاع، حيث نص الاتفاق على:

  • إلغاء الطائفية السياسية، وذلك من خلال تأسيس هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية وتضم رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب مع أبرز الشخصيات الفكرية والاجتماعية في المجتمع، وتأخذ على عاتقها وضع المسار لإلغاء الطائفية السياسية، وبالتبعية إلغاء التمثيل الطائفي والاعتماد على الكفاءة والتخصص في الوظائف العامة وأجهزة القضاء وجميع المؤسسات.
  • بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية، وذلك بواسطة قواتها الذاتية، وهو ما يقودنا إلى ضرورة وضع استراتيجية للدفاع الوطني، تعمل على وضع حل لأزمة سلاح حزب الله، الذي تحول من أداة لمحاربة العدوان الإسرائيلي إلى أداة لبسط السيطرة والنفوذ، كما أنه من المفترض أن يصبح لدولة لبنان مؤسسة عسكرية قوية وقادرة على مواجهة أي عدوان خارجي محتمل.

وبالتالي، لكي تنجو دولة لبنان من أزماتها المتلاحقة لابد من تبني حلًا جذريًا، قائم على العودة إلى تنفيذ بنود اتفاق الطائف، لضمان انتهاء الطائفية السياسية وما استدعته من تدخلات خارجية، وليصبح للدولة اللبنانية مؤسسة عسكرية منوط بها حمل السلاح والدفاع عن الدولة، وليست طائفة من طوائف الدولة.

محصلة القول، وصلت دولة لبنان إلى حافة الهاوية نتيجة ما تمر به من أزمات متلاحقة ومتشابكة، تتسم في داخلها بالتعقيد الشديد، والتي بدأت منذ اغتيال الحريري عام 2005م؛ حيث بدأت مرحلة انقسام واضح بين الطوائف السياسية البارزة، مما أدى بدوره إلى مزيد من التدخلات الخارجية التي عمقت الانقسام في ظل أزمة اقتصادية خانقة. ومن الصعب الخروج من هذه الدائرة بحل مؤقت كما جرت العادة، وإنما لابد من حل جذري ، حل تنتهي معه الطائفية السياسية، وتُبنى دولة لبنان الحديثة التي تعلي الهوية الوطنية على أي هوية أخرى، وقادرة في ذات الوقت على احتواء الطوائف المختلفة.

مقالات لنفس الكاتب