array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

ليبيا ساحة للمرتزقة الأجانب والهجرة غير الشرعية وتهريب الأسلحة والإرهابيين

الإثنين، 29 أيار 2023

شهدت ليبيا منذ انطلاق إرهاصات الحراك الثوري في فبراير عام 2011م، مجمُوعة من المخاطر والتحديات الأمنية والعسكرية، والتي تزايدت بشكل واضح في العقد الماضي، فكيان الدولة ذاته واجه تهديدات جسيمة، بعد سقوط نظام العقيد القذافي؛ بسبب الانقسام السياسي، ودعوات الانفصال بين الأقاليم التاريخية الثلاثة، بدعوى الشعور بالتهميش، وغياب العدالة في المناصب السياسية وتوزيع الثروات، ثم بروز التنظيمات الإرهابية، التي استغلت حالة الفوضى والتشرذم وضعف الدولة والتطاحن السياسي والعسكري في البلد، مما نتج عنه شن عمليات عسكرية في شرق ليبيا وغربها ضد تلك التنظيمات، الأولى سميت بعملية "الكرامة"(انطلقت في 16 مايو2014م من مدينة بنغازي بقيادة خليفة حفتر ضد الجماعات الإرهابية المتطرفة)، والثانية عملية "البنيان المرصوص"(أطلقها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ضد تنظيم داعش في سرت في: 5 مايو 2016م).. وبغض النظر عن أسباب ونتائج تلك العمليات، ودور الفاعلين الإقليميين والدوليين في دعم بعض الأطراف دون الأخرى، ومعطيات البيئة الأمنية والسياسية في تلك الفترة، فيمكن القول إنه تم القضاء على كثير من بؤر الإرهاب في ليبيا، ولم يعد هذا البلد يشكل ملاذًا مناسبًا للتنظيمات الإرهابية، وخصوصًا تنظيم "داعش"، وكان من التطورات المهمة آنذاك هو صدور القانون رقم (1) لسنة 2015م، من مجلس النواب، الذي نص على إعادة منصب القائد العام للجيش الليبي، وحدد اختصاصاته، تحت إشراف القائد الأعلى للجيش، حيث تم تكليف خليفة حفتر لهذا المنصب (القائد العام)، وترقيته لرتبة فريق، وهو ما يزال يشغـل هذا المنصب حتى الآن، ضمن هذا الإطار يتناول هذا المقال: "أبرز التطورات العسكرية والأمنية في الأزمة الليبية" خلال الفترة الحالية، من خلال التركيز على الجوانب التالية:   

أولًا: أبرز التحديات العسكرية والأمنية التي تواجه ليبيا خلال المرحلة الحالية.

ثانيًا: تشكيل لجنة (5+5) العسكرية ومهامها وأبرز التحديات التي تواجهها.

ثالثًا: خطـورة الأطـماع الإقـليميـة والدوليــة عـلى الأمـــن الوطـني الليـبي.

أولًا: أبرز التحديات العسكرية والأمنية التي تواجه ليبيا خلال المرحلة الحالية:

رغم توقيع الفرقاء الليبيين للاتفاق السياسي بالصخيرات المغربيَّة، برعاية الأمم المتحدة، في 17/ديسمبر/2015م، بعد جولات حوار طويلة وشاقة، لتشكيل المجلس الرئاسي، تمهيداً لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، ورغم مباركة المجتمع الدولي لهذا الاتفـاق، إلاَّ أن المخاطر التي تواجهها ليبيا ما تزال قائمة .. واتفاق الصخيرات يتكوَّنُ من سبعةٍ وستين مادَّة، بالإضافة إلى الأحكام الإضافيَّة (15) مادَّة، والملاحق السِّتَّة. ورغم أنَّ مجلس النواب أقرَّ الاتفاق في يناير 2016م، إلاَّ أنَّهُ ألغى المادة (8) من باب الأحكام الإضافيَّة، التي نقلت صلاحيَّات المناصب الأمنيَّة لمجلس رئاسة الوُزراء، ليُثير بذلك عُقدة الشق الأمنيِّ في الاتفاق، خاصَّة أنَّ إلغاء هذه المادَّة جاء حفاظًا من البرلمان على تحالُفاته مع المُشير حفتر، القائد العام للجيش الليبي التابع للبرلمان. كما برزت عراقيلُ أخرى في إنفاذ الاتفاق تجلَّتْ في عدم منح حُكُومة الوفاق الوطنيِّ الثقة من مجلس النواب، حيثُ بَدَا هذا الأخيرُ مُنقسماً على نفسه تجاه تشكيلة الحُكُومة، ولم يمنع ذلك فايز السراج (رئيس المجلس الرئاسي لحُكُومة الوفاق) من دُخُول طرابلس في نهاية مارس 2016م، مُعتمداً على تحالفاتٍ مناطقيَّةٍ في الغرب الليبيِّ مع مصراتة، إضافة إلى بيان تأييدٍ لمئة من أعضاء مجلس النواب، بعد فشل اكتمال نصابه أو انعقاده من الأساس أكثر من مرَّة للتصويت على الحُكُومة، إضافة إلى الدَّعم الدَّوليِّ.  

وبعـد إيفاد عـددٍ من المبعُوثين الأمميين إلى ليبيا تولَّت هذه المُهمَّة الأمريكيَّة ستيفاني ويليامز، (رئاسة البعثة بالإنابة)، في مارس 2020م، فراحت تعملُ على إكمال المسارات الثلاثة التي انتهى إليها «مُؤتمر برلين» في 19 يناير 2020م، وهي المساراتُ: العسكري (5+5)، والاقتصادي، والسياسي. ويوم 9 نوفمبر 2020م، احتضنت تونس أولى جلسات الحوار بين الفُرقاء الليبيين بإشراف الأمم المُتحدة، في مسعى للتَّوصُّل إلى تفاهُمات لإنهاء النِّزاع، والتَّرتيب لوضع مُؤسَّسات الحُكم الدَّائمة. وبدأت البعثةُ منْ خلال قائمةٍ ضمَّت: 75 اسماً، من مُختلف مُدُن ومناطق ليبيا، يُمثِّلُون التَّوجُّهات السِّياسيَّة والاجتماعيَّة كافَّة، العمل على اختيار السُّلطة التَّنفيذيَّة المُؤقَّتة. وقد جاءت اجتماعاتُ تونس عقب توقيع "اتفاق وقف إطلاق النار" من قبل الممثلين الليبيين للجنة العسكرية المشتركة (5+5) في جنيف في 23/أكتوبر/2020م. والذي اعتبر خطوة مهمة لتضمنه تدابير أخرى، مثل: عملية شاملة لنزع السلاح، وانسحاب جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب على الفور خلال تسعين يومًا.

وقد اعتبرت تلك المنجزات المهمة أولى الخطوات لتسوية الأزمة الليبية، باعتبار أن المسار العسكري يعد مسارًا حيويًا، ساهم بشكل واضح في نجاح الخطوات التالية، المتعلقة ببقية المسارات، وبناء الثقة بين أطراف النزاع.

وفي الخامس من فبراير 2021م، تم انتخاب عبد الحميد دبيبة، رئيساً للوُزراء للفترة الانتقاليَّة في ليبيا، وفاز السيد محمد المنفي برئاسة المجلس الرئاسيِّ، وذلك منْ قِبَلِ المُشاركين في الحوار بين الفُرقاء الليبيين في سويسرا برعاية الأُمم المُتحدة، تمهيداً للانتخابات التي كانت مُقرَّرة في شهر ديسمبر عام 2021م.

غير أنَّ فشل كافَّة الأجسام السِّياسيَّة الموجُودة في المشهد الليبيِّ في تحقيق الانتخابات أدَّى إلى مزيدٍ من التعقيد للأزمة الليبيَّة، فبعد منح الثقة للسيد فتحي باشاغا رئيساً للحُكُومة(10/2/2022م)، خلفاً لعبد الحميد الدبيبة، أعلن هذا الأخير أنَّهُ لنْ يُسلِّم السُّلطة إلاَّ لحُكُومةٍ مُنتخبةٍ، وأشار إلى خُطَّةٍ لإجراء انتخاباتٍ تشريعيَّةٍ قبل نهاية يونيو 2022م، موعد نهاية خارطة طريق "مُلتقى الحوار السِّياسيِّ". وتنُصُّ الخُطَّةُ على "إجراء الاستفتاء على الدستُور بالتزامُن مع الانتخابات البرلمانيَّة". وكان مجلسُ النواب قد اعتبر أنَّ ولاية دبيبة انتهت بحُلُول موعد انتخابات ديسمبر 2021م، ولهذا سعى لتعيين حُكُومةٍ مُؤقتةٍ جديدةٍ للإشراف على استفتاءٍ على دُستُورٍ انتقاليٍّ، وانتخاباتٍ جديدةٍ في غُضُون 14 شهراً. بينما يرى دبيبة أنَّ مجلس النواب نفسه انتهت شرعيَّتُهُ بعد نحو ثماني سنواتٍ من انتخابه، وأنَّ جدولهُ الأطول للانتخابات يهدفُ إلى إطالة بقائه في السُّلطة.

منْ جهته، أكَّد الناطقُ الرَّسميُّ باسم القيادة العامَّة للقُوَّات المُسلَّحة اللواء أحمد المسماري(27/4/2022م)، أنَّ تشبُّث رئيس حُكُومة تصريف الأعمال مُنتهية الولاية، عبد الحميد الدبيبة بالسُّلطة يُهدِّدُ بعودة لُغة السِّلاح، مُحذِّراً من انفلات الوضع جرَّاء مُحاولات بعض الجهات نقل الصِّراعات الإقليميَّة إلى ليبيا. فالجيشُ يُحاولُ الحفاظ على وقف إطلاق النَّار، رغم الانسداد الذي يُواجهُ لجنة (5+5)، مُشدِّداً أنَّ الجيش يُراقبُ الوضع، ولا يسمحُ بالانفلات الأمنيِّ. ودعا إلى عدم العبث بإنجازات اللجنة العسكريَّة التي قادت البلاد لوقف إطلاق النار، وأوضح أن الوضع في ليبيا خطير جداً، مع استمرار الميليشيات في نهب المال العام بإيعاز من الدبيبة، ممَّا قـد يُؤدِّي إلى انزلاقاتٍ خطيرةٍ لا تُحْمدُ عُـقباهـا.

وفي هذا الجانب، تسببت صراعات الحكومتين على السيطرة على العاصمة طرابلس في نشوب اشتباكات عنيفة في أماكن متفرقة من العاصمة في أغسطس 2022م، كما تواصل سوء الأوضاع الأمنية هناك حتى العام الحالي، ففي يناير الماضي اندلعت اشتباكات عنيفة في قصر بن غشير جنوب طرابلس، بين جهاز الردع برئاسة عبد الرؤوف كارة، واللواء 111 مُجحفل بقيادة عبد السلام الزوبي، كما اندلعت في ذات الفترة اشتباكات عنيفة بين مجموعات مسلحة في مدينة العجيلات غرب طرابلس، ما أدى إلى تعليق الدراسة خوفًا على حياة الطلاب، كما شهدت الزاوية اشتباكات مسلحة بعد مقتل شابين في منطقة ضي هلال. وباستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة اندلعت في (25/مارس/2023م) اشتباكات مسلحة بين عناصر ميليشيا "أسود تاجوراء" المتمركزين بمقر الجوية ‫بمنطقة تاجوراء وبين عناصر من ذات المجموعة المتمركزين في المقر القديم للمجموعة المسلحة في بئر الأسطى ميلاد٬ مما أضطر العديد من العائلات إلى ترك بيوتهم.

وخلال إجازة عيد الفطر (24/4/2023م) اندلعت اشتباكات عنيفة في الزاوية، سقط فيها أربعة قتلى، وتم اسعاف ستة جرحى، وإجلاء أكثر من عشرين عائلة، جرت الاشتباكات بالقرب من «مصفاة الزاوية» لتكرير النفط، بين مجمُوعاتٍ مُسلَّحةٍ تابعةٍ لحُكُومة الوحدة الوطنيَّة برئاسة الدبيبة، على خلفيَّة استهداف أحد قادتها، بينما تجاهلت حُكُومة الدبيبة هذه الاشتباكاتُ، ولمْ تُصدر بشأنها أيَّ بيَّانٍ. مما يعني استمرار سوء الأوضاع الأمنية في محيط العاصمة بسبب انتشار السلاح والميليشيات المسلحة الغير منضوية بشكل رسمي في إطار الدولة.

ثانيًا: تشكيل لجنة (5+5) العسكرية المشتركة ومهامها وأبرز التحديات التي تواجهها:

لجنة (5+5) تشكلت بموجب اتفاق في مؤتمر برلين حول ليبيا عام 2020م، من 5 أعضاء عسكريين من المنطقة الغربية، و5 عسكريين من الجيش الوطني الليبي في المنطقة الشرقية؛ لبحث توحيد المؤسسة العسكرية التي انقسمت عام 2014م، وإعادة الأمن. وقد نجحت اللجنة في حلحلة عدة ملفات، منها: فتح الطريق الساحلي الذي تغلقه المليشيات، والحفاظ على تماسك اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 2020م، كما أنها وضعت خطة لترحيل المرتزقة والمقاتلين الأجانب، إلا أن الصراعات بين الأطراف السياسية حول هذا الأمر عطَّلت تنفيذها.

وفي هذا الإطار، التقى في تونس يوم (8/12/2022م) رئيس الأركان العامة للجيش (التابع لحكومة الدبيبة) الفريق أول محمد الحداد نظيره بالمنطقة الشرقية عبد الرازق الناظوري، في إطار استكمال جهودهم في اللقاءات السابقة لتوحيد الجيش، حيث كانت هناك اجتماعات جمعتهم رفقة أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة كان آخرها في طرابلس في يوليو 2022م، وكان اللقاء الأول في 11/ديسمبر/2021م، ليلتقيا عقب ذلك بشهر واحد ويبحثا عددًا من الملفات العسكرية. وكان اللقاء الثالث بالعاصمة المصرية القاهرة، أواخر يونيو العام الماضي، ضمن اجتماعات أعضاء اللجنة العسكرية 5+5، اتفقا فيه على أهمية بناء جيش ليبي قوي بعيدًا عن الصراعات السياسية.

وبعد أن عقدت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) سلسلة من الاجتماعات والمباحثات المهمة داخل ليبيا وخارجها، قامت اللجنة بتنظيم اجتماع بحضور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، في:26/3/2023م، ضم عددًا من قادة الوحدات العسكرية والأمنية في المناطق الغربية والشرقية والجنوبية. وتم خلال الاجتماع مناقشة دور المؤسسات العسكرية والأمنية في توفير بيئة مناسبة للدفع بالعملية السياسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال هذا العام 2023م.

عُقد الاجتماع التالي في بنغازي، في (-7أبريل2023م)، بحضور الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وعدد من قادة الوحدات العسكرية والأمنية من المناطق الغربية والشرقية والجنوبية. واتفق المُجتمعُــون على مجمُوعةٍ من النِّقاط، منها: الالتزام الكامل بكل ما نتج عن الحوار بين اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 والقادة العسكريين والأمنيين في اجتماعي تونس وطرابلس. وأكد المجتمعون على استعدادهم لتقديم كافة أشكال الدعم لتأمين الانتخابات بكافة مراحلها. والحث على دعم جهود اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 ولجنة التواصل الليبية المنبثقة عنها في إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب. والبدء بإجراءات عملية للبدء بمعالجة مشاكل النازحين والمهجرين والمفقودين وضمان العودة الآمنة لهم بالتنسيق بين الأجهزة الأمنية المعنية في مختلف مناطق ليبيا. وتبادل المعلومات فيما يخص المحتجزين لدى الطرفين والبدء باتخاذ خطوات عملية لتبادل المحتجزين بأسرع وقت ممكن.

ثالثًا: خطـورة الأطـماع الإقـليميـة والدوليــة عـلى الأمـــن الوطـني الليـبي:

يعرف الأمن الوطني بأنه: "تأمين الدولة من الداخل، ودفع التهديد الخارجي عنها، بما يكفل لشعبها حياة مستقرة، توفر لها استغلال أقصى طاقاتها لتحقيق التطور والتقدم والنهوض". قديماً كان يرتبط مفهوم الأمن الوطني بالمجالات والآفاق الاستراتيجية والعسكرية التي تتعلق بمواجهة التهديدات المحتملة والمفاجئة ضد دولة ما، وأساليب مواجهتها، إلا أن هذا المفهوم تطور في العقود الأخيرة، ليشمل الجوانب الاقتصادية والبيئية والثقافية والاجتماعية وغيرها. والأمن الوطني هو ذلك الذي يتعلق بقدرة الدولة على حماية أراضيها وشعبها ومصالحها وعقائدها وثقافتها واقتصادها من أي عــدوان خارجي.

وتجدر الإشارة في هذا الجانب إلى أن من نتائج ما يعرف بالربيع العربي منذ بدايته هو انتشار السلاح والفوضى في العديد من الدول التي شهدت ذلك الحراك الثوري، مما انعكس بشكل سلبي على ضبط الأمن الوطني. وكشفت الأحداث التي شهدتها ليبيا منذ عام 2011م، ضبابية العلاقة بين المراكز الحضارية والدواخل، وبين المركز والأطراف، وهو ما اتضح في الأوضاع الأمنية المتدهورة في كثير من المدن؛ بسبب انتشار السلاح، وتكون الميليشيات المسلحة، والجريمة المنظمة، ثم تزايد ظاهرة الإرهاب والتطرف، وما نتج عنها آنذاك من خطف واغتيالات للنشطاء السياسيين والإعلاميين والحقوقيين والعسكريين وغيرهم، وكان هناك أيضًا تضاربًا بين الجماعات المسلحة والارتباطات التي تقوم بينها في الداخل، وتمتد لتتصل بما يجري في مناطق الحدود مع الدول المجاورة.   

وإذا أردنا معرفة وتوضيح خطـورة الأطـماع الإقـليميـة والدوليــة عـلى الأمـــن الوطـني الليـبي فيمكن الإشارة إلى الجوانب الرئيسية التالية:

- كما هُو معلُومٌ فإنَّ الأزمة الليبيَّة شهدت تدخُّلاتٍ خارجيَّةٍ واضحة مُنذُ بدايتها، بل كان إسقاطُ النِّظام السَّابق هُو في صُلب تلك التَّدخُّلات..، وبما أنَّهُ كان نظاماً مركزيّاً كليانيّاً، "الشُّمُولي"(totalitarian regime) ، يُسيطرُ على كُلِّ مفاصل الدَّولة، فإنَّ سُقُوطهُ المُدوِّي عام 2011م، واغتيال العقيد معمر القذافي بتلك الطريقة التي بثتها وسائلُ الإعلام آنذاك تسبَّب في هزَّةٍ عنيفةٍ للأمن الوطنيِّ والإقليميِّ، حيث حصل فراغٌ أمنيٌّ في ليبيا، وعـدم قُدرةٍ على حفظ الأمن الوطنيِّ، وإرباكٌ وتفكُّكٌ للأجهـزة العسكريَّة والأمنيَّة في الدَّولة.

- عمليَّةُ تأمين الحُدُود منْ أكبر التَّحدِّيات التي تُواجهُها البلادُ، ودُولُ الجوار أيضاً (وخُصُوصاً مصر والجزائر والسودان)، وهذا ما جعل من ليبيا مركزاً مُهمّاً لبيع الأسلحة وﺗﻬريبها عبر الحُدُود المُمتدة والواسعة، إلى جانب عمليات المُتاجرة غير المشرُوعة بالوقُـود، كما أصبحت ليبيا منطقةً لتسليح ومُرُور الشَّبكات الإرهـابيَّة التي باتت تُشكِّلُ خطراً ليس على ليبيا فقط، بل وعلى دول الجوار، وعلى الأمن الإقليمي والدولي أيضًا.

-الاختراق الأمني الخارجي منذ عام 2011م: بسبب انهيار الأجهزة الأمنية في تلك الأحداث، استغلت أطراف دولية وإقليمية ذلك الوضع الفوضوي عن طريق عملائها في جمع المعلومات والوثائق مما شكل خرقًا خطيرًا للأمن الوطني للدولة. 

- مشكلة الهجرة غير الشرعية: تمثل هذه المشكلة معضلة بالنسبة لليبيا ولدول الاتحاد الأوروبي، حيث عانت ليبيا وما تزال من جراء تلك المشكلة تداعيات اقتصادية، وسياسية، وأمنية، واجتماعية. إلى جانب انتشار الأمراض، والجريمة المنظمة، والشعوذة، وتزوير العملة، وتهريبها، وانتشار المخدرات، وظاهرة التسول، وتشكيل عصابات تهريب البشر، والتجارة في الأعضاء البشرية .. وتثير أوضاع آلاف المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا حاليًا مخاوف كثيرة، في بلد يملك حدوداً برية بنحو 4300 كيلومتر مع 6 دول، هي: مصر، والسودان، وتشاد، والنيجر، والجزائر، وتونس. وبينما تغيب إحصاءات رسمية دقيقة عن أعداد هؤلاء، أشارت المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا، في تقرير صدر في أغسطس 2022م، إلى وجود حوالي 650 ألف مهاجر ولاجئ داخل البلاد، ينحدرُون من أكثر من 44 جنسية، ومُعظمُهُم طُلقاءُ خارج مقارِّ الاحتجـــاز.

- التدخل التركي في ليبيا: أثار التدخل العسكري التركي المنفرد في ليبيا حفيظة قوى دولية وإقليمية مؤثرة في المشهد الليبي، وأفرز ردود أفعال واسعة ومتباينة تعكس مدى التخوف من تطور الأوضاع في ليبيا نحو الأسوأ في صورة عدم إيفاء تركيا بتعهدات اتفاق “برلين” المتعلقة بإنهاء التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية. ولم تخفِ الدول المطلة على البحر المتوسط امتعاضها من توقيع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج اتفاقًا مع الحكومة التركية بشأن السيادة على المنطقة البحرية، ورأت القوى الخارجية الفاعلة في تلك الخطوة التفافًا على دورها في ليبيا ومحاولة تركية؛ لاحتكار الملف الليبي، وسحب البساط من تحت أقدامها.

وقد تنامى التدخل التركي في ليبيا، وبدأ يأخذ طابعًا علنيًا منذ توقيع مذكرة التفاهم بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق الوطني في(27 نوفمبر 2019م)، بشأن السيادة على المناطق البحرية في مياه المتوسط، فضلًا عن التعاون في المجال الأمني والعسكري، سارعت تركيا بإرسال مستشارين وخبراء ومعدات عسكرية لمساعدة حكومة الوفاق، ما يشير إلى رغبة “أنقرة” في ترجيح كفة حكومة "السراج"، ربما لاستخدامها كأداة؛ لتطويع خصومها وتحديدًا المشير خليفة حفتر، فتركيا باتت ترى في الأخير تهديدًا لمصالحها من جهة، وأن تدخلها يقضي على حالة عدم الاستقرار في العاصمة طرابلس، التي توفر بيئة مناسبة لعمل الجماعات المتطرفة، وذلك ما يدفع إلى عمليات نزوح ولجوء جماعي، مما يؤثر مباشرة على مصالح تركيا الاقتصادية وأمنها القومي.

- التنافس الفرنسي الإيطالي في ليبيا: أصبحت ليبيا ساحة يحتدم فيها التنافس والصراع نتيجة تقاطع المصالح بين بعض الدول، وتحديداً فرنسا وإيطاليا، بهدف السيطرة والهيمنة على منابع النفط. وترى إيطاليا أن المنافسة الفرنسية لها تمثل تهديداً لمصالحها في المنطقة. وقد ازداد الاهتمام الفرنسي بالملف الليبي مع الرئيس ماكرون؛ فقد صرح وزير الخارجية الفرنسي لودريان، في يونيو 2017م: "أن ليبيا من أولويات الرئيس ماكرون". ويُمثِّلُ التنافُسُ الإيطاليُّ ـ الفرنسيُّ في ليبيا عاملًا مُهمّاً يُسْهمُ بفاعليَّةٍ في عدم تحقيق أيِّ تقدُّمٍ في مسار العمليَّة السِّياسيَّة؛ ما يضع هذه الأخيرة أمام تحديات تغذّيها صراعات القوى الإقليمية وتناقض مصالحها واستراتيجياتها، ويهدد الاستمرار تعزيز سيناريو انهيار الدولة الليبية.

- ظاهـرة الإرهـاب والتطرف وتهديد الأمن الوطني الليبي: كما أشرت سلفًا، فإن التنظيمات الإرهابية التي برزت في البلاد وزاد خطرها في أعقاب الأزمة والانقسام السياسي عام 2014م، مستغلة ظروف الفوضى والتشرذم، كانت من أهم مهددات الأمن الوطني الليبي، والسيادة، حيث أنها سيطرت على عدة مناطق وعاثت في الأرض فسادًا، واستهدفت تدمير الدولة، من خلال اغتيال منتسبي المؤسسة العسكرية، بل واستهدفت غيرهم من نشطاء وحقوقيين وإعلاميين، إلخ، وكان أخطر تلك التنظيمات الإرهابية "داعش"، الذي سيطر في أواخر 2014م، على مدينة درنة، وأصبح ملعب كرة القدم يستخدم للإعدامات العلنية، وفي 16 فبراير 2015م، شن سلاح الجو المصري غارات جوية على مواقع تنظيم داعش في ليبيا، بعد أن أصدر التنظيم فيديو بتاريخ: 15 فبراير 2015 م، يصور قطع رؤوس 21 من الأقباط المصريين، وخلال ساعات ردت القوات الجوية المصرية بضربات جوية ضد أهداف محددة مسبقًا انتقامًا للعمال المصريين.

وفي19/فبراير/ 2016م، قصفت طائراتٌ أمريكيَّةٌ مُعسكراً لتنظيم داعش الإرهـابي في مدينة صبراتة السَّاحليَّة غـرب ليبيا، ونتج عن القصف مقتلُ أكثر من (43) شخصاً من تنظيم داعش، من بينهم قياديٌّ في التنظيم يُدعى: نـور الديـن بن شـوشان (تونسي الجنسيَّة)، وأعلن الجيشُ الأمريكيُّ تبنِّيه لهـذه العمليَّة، حيثُ نَشَرَ (البنتاغـون) على موقعه الرَّسميِّ على شبكة الإنترنت إنَّ: "هـذه الضَّـربة الجويَّة تُوضِّحُ أنَّنا سنُلاحقُ تنظيم الدَّولة "داعش" في كُلِّ مكـانٍ، وسنستخدمُ كُلَّ الوسـائل المُمكنة لتحقيق ذلك". وذكرت بعضُ التقارير أنَّ هذه الضَّربة الجويَّة جاءت بعد وُرُود معلُوماتٍ استخباراتيَّةٍ حول وُجُود هذه المجمُوعة من التنظيم في مدينة صبراتة، وأنَّهَا تُعِدُّ لتنفيذ هجماتٍ إرهابيَّةٍ في عـدَّة دول أوروبيَّةٍ. إذا، كان وجود تلك الجماعات يمثل تهديدًا للأمن الوطني الليبي، وهدرًا لثروات البلاد، وتدميرًا للدولة، ناهيك عن الخسائر الفادحة في الأرواح من خلال الاغتيالات والاختطاف والهجمات المسلحة والتفجيرات التي نفذها التنظيم في أكثر من موقع داخل ليبيا. والتي دفعت الجيش الوطني الليبي إلى شن عملية عسكرية كبيرة ضد تلك التنظيمات تحت اسم "عملية الكرامة" عام 2014م، والتي كبدتها خسائر فادحة، وقامت بدحرها، ولم تعد ليبيا ملاذًا آمنًا لهم.

- وجود المرتزقة الأجانب في صفوف الميليشيات المسلحة: حيث كشف البنتاغون عن إرسال تركيا عددًا يتراوح ما بين 3500 و3800 مقاتل سوري مدفوع الأجر إلى ليبيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020م. وذكرت تقارير: أن تركيا قدمت أموالًا وعرضت الجنسية على آلاف المقاتلين مقابل المشاركة في النزاع بليبيا إلى جانب القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس. وتسعى تركيا للسيطرة على مدينة سرت، واشترطت في وقت سابق وقف إطلاق النار في ليبيا بانسحاب الجيش الوطني الليبي من المدينة والحقول الليبية، مما يكشف أطماعهم في ثروات البلاد النفطية، بيد أن هذه الأطماع تصطدم هذه المرة بمصر، التي سبق أن أكدت أن منطقة سرت-الجفرة خط أحمر.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد خلال لقائه مشايخ وأعيان القبائل الليبية يوليو 2020م: "إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة أي تهديد مباشر للأمن القومي المصري والليبي"، وذلك بعد أن طالب البرلمان الليبي القاهرة ذلك الأسبوع بالتدخل العسكري في الصراع. وأكد السيسي أنه "إذا تدخلت مصر في ليبيا ستغيّر المشهد العسكري بشكل سريع".

 

* الخـاتمـة:

نخلص مما تقدم إلى أن الأمن الوطني الليبي يواجه تحديات جسيمة، في ظل الانقسام السياسي والعسكري الذي تشهده البلد منذ فترة، من تلك التحديات: التدخلات الخارجية -الإقليمية والدولية-في الشأن الليبي، والاختراق الأمني الخارجي منذ عام 2011م، وصعوبات تأمين الحُدُود، ومشكلة الهجرة غير الشرعـية، التدخل التركي في ليبيا، وظاهـرة الإرهـاب والتطرف، وكذلك وجود المرتزقة الأجانب في صفوف الميليشيات المسلحة، وقد كان للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر دور كبير في القضاء على الإرهاب، والتنظيمات المتطرفة، وتأمين البلاد وحماية حدودها، وخصوصًا في الشرق والجنوب، وكذلك حماية الحقول والموانئ النفطية. رغم استمرار حظر السلاح على الجيش الليبي منذ عام 2011م؛ للحد من الانفلات الأمني وحدة الصراع الذي تشهده البلاد منذ التدخل العسكري الذي قام به حلف شمال الأطلسي وإسقاطه نظام العقيد معمر القذافي.

إن تسوية الأزمة الليبية الشائكة مرهونة بإرادات أطرافها الليبيين قبل حلفائهم الإقليميين والدوليين، وإذا كانت الجهود الأممية جادة في تحقيق التسوية فإنه يتعين التركيز بشكل جيد على المسار العسكري والأمني، جنبًا إلى جنب مع المسارات الأخرى، فجهود اللجنة العسكرية المشتركة مهمة، وخطواتها جيدة في طريق توحيد الجيش الليبي والمحافظة على الأمن والسلام، وتلك الخطوات يجب تشجعيها، وتوفير البيئة الملائمة لإنجاز مهامها، فبناء الدولة القوية ذات السيادة يبدأ من بناء جيش عصري قوي وموحد، قادر على حماية البلاد وصون أرضها وحدودها وشعبها، وحماية الاستحقاقات السياسية القادمة، كالانتخابات والاستفتاء على الدستور، وإنقاذ ليبيا من مخططات إفشالها، وعرقلة جهود التسوية والاستقرار والمصالحة الوطنية.

مقالات لنفس الكاتب