array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

إحياء المشروع العربي لتحصين المنطقة والمشاركة في النظام العالمي الجديد

الإثنين، 29 أيار 2023

شهدت المنطقة العربية خلال العقد المنصرم العديد من الأزمات والصراعات، حيث أصبحت منطقتنا العربية بيئةً خصبةً للنزاعات المسلحة والتدخلات الخارجية، وقد تزامن ذلك مع تفشي ظاهرة الإرهاب، وأخيرًا ما خلفه اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية من تداعيات على البلدان العربية. وتتباين الأزمات العربية من حيث طبيعتها وظروفها والأسباب التي أدت إلى نشأتها وتطورها، إلا أنه من الجلي أن معظم تلك الأزمات ما هي إلا نتاج لظاهرة الفراغ الاستراتيجي الذي نجم عن التحولات التي شهدتها العديد من الدول العربية، فيما يعرف بـ"ثورات الربيع العربي" وما تلاها. وما يلفت الانتباه، أن التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها تلك الأزمات تجاوزت دولها لتنعكس في مجملها على الأمن القومي العربي، وعلى العمل العربي المشترك، وعلى ضعف التأثير العربي داخل محيطه الإقليمي، خاصة في مواجهة دول الجوار الإقليمي التي تسعى لإحياء مشروعاتها القومية على حساب انزواء المشروع العربي وتقوقعه، ومنها "المشروع الإيراني" الذي يهدف إلى إقامة حزام شيعي في المنطقة، فهو مشروع ظاهره اقتصادي وديني، وباطنه زعزعة استقرار المنطقة العربية، و"المشروع التركي" وحلم الرئيس التركي "أردوغان" باستعادة النفوذ العثماني في المنطقة، منطلقًا من التدخل في شؤون الدول العربية بما يتوافق مع مصالحه وأهدافه، و"المشروع الإسرائيلي" المسمى بـ "إسرائيل الكبرى" الذي يهدف إلى السيطرة من النيل إلى الفرات؛ واللاتي أخذت جميعها -أي تلك المشرعات- في التمدد داخل المنطقة العربية.

أزمات عربية حالية:

تواجه الدول العربية أخطارًا وتحديات مشتركة، والتي من المفترض أن توحد أطراف أي نظام إقليمي لمواجهتها، فالاتحاد الأوروبي لم يتشكل ويزدهر إلا لمواجهة تداعيات حقبة الحربين العالميتين ومحاولة تجب اندلاع الثالثة، إلا أن التحديات التي تشهدها المنطقة العربية دائماً ما شكلت منطلقًا لمزيد من الانقسامات؛ حيث أهدرت الحكومات العربية العديد من الفرص للتضامن والتكامل؛ فقد أُضيعت فرصة الاتحاد في مواجهة العدو المشترك المتمثل في الخطر الإسرائيلي، وأُضيعت فرصة الاتحاد من أجل مواجهة تحديات العولمة، ولم تستطع الدول العربية استخدام إمكاناتها الاقتصادية وقدراتها الجيوبوليتيكية ومواردها الطبيعية لبناء تكتل اقتصادي كان بمقدوره أن يكون بناءً اقتصادياً عالمياً منافساً، يحد من استنزاف الثروات العربية. وفي الآونة الأخيرة، يواجه عدد الدول العربية صراعات وأزمات داخلية، وتفاشي ظاهرة الإرهاب والمليشيات المسلحة والخلافات الطائفية والإثنية، وهو ما زاد من التدخلات الأجنبية في المنطقة.

  • في سوريا:

بدأت الأزمة عام 2011م، ولازالت تتجه نحو مزيد من التعقيد؛ إذ فاقمت التدخلات الإقليمية والدولية من حالة الفوضى، وخلقت صعوبات أمام فرص التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الأزمة. ومع تراجع قدرة الأطراف الداخلية المتصارعة في حسم النزاع منفردة، أضحت مصالح الأطراف الإقليمية والدولية هي العامل الحاسم في تحديد مصيره، وبخاصة روسيا، وتركيا، وإيران. وقد أدت تدخلات لك الدول إلى زيادة الانقسامات في الموقف العربي، وانتفاء الدور العربي في الأزمة مع تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، فضلاً عن بروز التحالفات في المنطقة. ومع ذلك، استمرت الدول المنطقة العربية في تلقى تلك التأثيرات بشكل سلبي، ودون أن يكون لها استراتيجية واضحة للرد أو التكيف، سواء على المستوى القطري أو القومي.

  • في اليمن:

لا تقتصر أبعاد الأزمة على كونها محاولة لاستعادة شرعية النظام من قبضة الحوثيين، بل تتعداها لتشكل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي العربي. فما يحدث في اليمن من مواجهات عسكرية وتدهور للأوضاع الإنسانية يشكل تهديدًا لأمن الخليج خاصة، وأمن المنطقة العربية بشكل عام. فالأزمة اليمنية تشهد تدخلات إيرانية من خلال دعم وتسليح الحوثيين؛ وهو ما كان له تداعيات أمنية إقليمية. كما أن تباين المواقف بين دول المنطقة حيال الأزمة اليمينة له بالغ الأثر على مستقبلها؛ ما بين مؤيد للحكومة الشرعية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب اليمني، وبين داعم لجماعة الحوثيين، وبين مساند للمجلس الانتقالي الجنوبي الداعي إلى الانفصال.

  • في ليبيا:

منذ 2011م، تشهد ليبيا تطورات متتابعة وضعتها ضمن دائرة الدول التي توصف بـ "الفاشلة"، لاسيما مع تزايد الصراعات الداخلية على السلطة وانتشار الميلشيات المسلحة والجماعات الإرهابية؛ ففي الوقت الذي كان مأمولًا مع سقوط نظام القذافي وتدخل المجتمع الدولي أن يتحقق انتقالاً سلمياً للسلطة، أظهرت تطورات الأحداث حقيقة فحواها أن مؤسسات الدولة الليبية بكل أجهزتها قد تهاوت. وما يزيد من تعقيد المشهد الليبي هو تعدد الأطراف الإقليمية والدولية المتداخلة في الأزمة وتعارض مصالحها بشكل يجعل أي حديث عن تسوية محتملة أمرًا صعبًا، وكذلك الحال بالنسبة للحسم العسكري، بالإضافة إلى تبدلات مواقف تلك الأطراف من فترة لأخرى. فالأزمة الليبية لم تتفاقم فقط بفعل التدخل العسكري لحلف الناتو، والذي أضر المشهد الليبي بشكل كبير، بل بسعي أطراف إقليمية أخرى، وتحديداً تركيا، للتواجد عسكرياً في الأراضي الليبية؛ في إطار سعي أنقرة لبسط المزيد من النفوذ في المنطقة لفرض نموذجها، مستغلة ضعف النموذج العربي في حل أزمات دوله.

  • في السودان:

مر الخرطوم -على مدار السنوات الماضية-بعدة خلافات بين قيادة الجيش من جهة وقيادة قوات الدعم السريع من جهة أخرى، حتى تصاعدت تلك الخلافات إلى حد اندلاع صدام مسلح خطير منتصف أبريل الماضي، وهو ما قد يؤدي ليس إلى إشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في السودان فحسب، بل في المنطقة بأسرها، كما قد يتعداه لملفات أخرى تزيد من تعقيد أزمات دول المنطقة، كملف سد النهضة والسعي لمزيد من انتشار القوى الإقليمية والدولية في البحر الأحمر على سبيل المثال لا الحصر.

تداعيات الأزمات العربية على العمل العربي المشترك:

أثرت الأزمات التي مرت بها العديد من الدول العربية خلال السنوات الماضية على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والعسكرية للدول العربية؛ وهو ما انعكس بدوره على السياسات الخارجية للدول العربية تجاه القضايا والأزمات التي تواجهها المنطقة؛ حيث أدت تلك الأزمات إلى تشرذم العمل العربي المشترك.

فقد بدا التشرذم في الأزمة السورية واضحاً في مواقف الدول العربية منذ بداية الأزمة؛ حيث تباينت مواقفها تجاه نظام الرئيس "بشار الأسد" بين مقاطع ومساند ومتذبذب ومطبّع وغير واضح، كما لم تكن هناك استراتيجية عربية موحدة لحل الأزمة السورية خلال السنوات الماضية، وهو ما أدى إلى الاتفاق على تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وهو ما أدى لاحقاً إلى أفول الدور العربي عن المشهد السوري وبروز أطراف إقليمية ودولية. إلا أن الأمر بدأ -كما نأمل-أن يعود إلى نصابه الطبيعي مع قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بتاريخ 7 مايو الماضي بعودة دمشق -المشروطة-إلى الحاضنة العربية بعد أكثر من عقد على إبعادها، وعلى ضرورة لعب دور عربي رائد في جهود إنهاء الأزمة في سوريا.

وفي اليمن تباينت سياسات الدول العربية تجاه الأزمة اليمنية؛ حيث تدخلت المملكة العربية السعودية ردًا على هجمات جماعة الحوثي التي استهدفت مواقع استراتيجية مهمة للمملكة؛ حيث ترى السعودية في اليمن عمقًا حيويًا بالنسبة لها، وخصوصًا بسبب التواجد الإيراني في اليمن الذي يهدد المصالح السعودية. وعلى الرغم من محاولات الدول العربية -خاصة الخليجية-في تسوية الأزمة اليمنية قبل تفاقمها، سواء من خلال المبادرة الخليجية أو مؤتمرات الحوار الوطني التي احتضنتها الكويت، إلا أن تعقيدات الأزمة على المستوى الداخلي، وتباين مصالح الأطراف الداخلية، ووجود أطراف إقليمية ودولية داعمة لطرف منها على حساب الأطراف الأخرى؛ ولم تتمكن الدول العربية منذ ذلك الحين في توحيد جهودها من أجل استعادة الشرعية في اليمن والحفاظ على وحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية من خطر التفكك.

أما في الشأن الليبي، فقد حاولت جامعة الدول العربية التدخل لحل الأزمة بالوقوف إلى جانب الشعب الليبي في مواجهة حكومة القذافي، إلا أنها لم تتمكن من تحقيق مبتغاها. ويرجع العامل الأساسي الذي تسبب بشلل تام وعجز الجامعة العربية عن التحرك الفعال بالملف الليبي هو قرار الجامعة بإحالة الملف إلى مجلس الأمن، وهو ما نتج عنه القراران 1970 و1973م، وتدخل حلف شمال الأطلسي، وما تبعها من تباين مواقف العدد من الدول حيال طرفي النزاع وتداخل القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا، في ظل ضبابية موقف الدول العربية من هذا الصراع، ونأي أغلبها بالنفس عن الدخول فيه.

وفي السودان، تحاول الدول العربية بذل الجهد لحل تلك الأزمة، إلا أن جهود الدول العربية هي الأقل فعالية فيما يتعلق بالجهود الرامية لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في السودان. ولعل المحاولات الروسية والتركية السابقة للتواجد عسكرياً في السودان على سواحل البحر الأحمر قد تشكل أحد التهديدات على الأمن الإقليمي العربي؛ إذا ما تمكنت من استغلال أحد طرفي الصراع من أجل تحقيق مآربها في السودان وفي المنطقة بشكل عام.

بشكل عام، فقد تفاقمت الأزمات العربية واشتدت حدتها واتسع نطاقها وطال أمدها وأثرت على العمل العربي الجماعي؛ حتى أصبحت الأزمات هي القاعدة ودونها الاستثناء؛ حيث بات يسود الاعتقاد بأن غاية الممكن هو إدارة الأزمات وليس حلها، وأن المطلوب هو التكيف معها بدلًا من اقتلاعها. إلا أنه من الأجدر توفر قناعة مفادها أن إدارة الأزمة، وإن كانت تصلح لمعالجة أوضاع ممتدة وأزمات منخفضة الحدة، فإنها لا يمكن أن تمثل استراتيجية ناجعة لإطفاء النيران المشتعلة في المنطقة.

تصحيح المسار:

يُلاحظ من المشهد العربي وما تشهده المنطقة من تفاعلات إقليمية ودولية، وما تُعانيه من أزمات تتباين من حيث طبيعتها وظروف تطورها في ظل المتغيرات التي يشدها النظام الدولي، أن النظام الإقليمي العربي أضحى يعاني من حالة ضعف مثلت بؤرة جذب للقوى الدولية والإقليمية لتحويل المنطقة العربية إلى ساحة صراع وتنافس بينها، والتي كان لتلك التدخلات جل الأثر على العمل العربي المشترك وتهديد الأمن القومي العربي. ومن ثم، يمكن إرجاع تفاقم الأزمات التي تشهدها المنطقة إلى المتغيرات وحالة التخبط الاستراتيجي وعدم الاستقرار التي يمر بها النظامان الإقليمي والدولي منذ 2011م، والتي من أبرز آياتها  التراجع النسبي لدور ومكانة الولايات المتحدة مقابل تنامي دور روسيا والصين، وتحول بؤرة اهتمام الولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى آسيا الباسيفيك (قلب الأرض الجديد)، وزيادة نشاط بعض الفاعلين الإقليمين (إيران، تركيا، إسرائيل) بهدف توسيع دائرة نفوذها في المنطقة والمشاركة في صياغة معادلة التفاعلات الجديدة بما يتماشى مع مصالحها. ولا مراء أن عدم وجود استراتيجية عربية مشتركة للتحرك والتعاطي مع أزمات المنطقة، وغياب المشروع العربي مقابل تلك المشاريع هو ما خلق مساحة لتلك الدول للتحرك، وأخلى لها الساحة للتدخل وتنفيذ مشاريعها في المنطقة.

وانطلاقًا من كون النظام الدولي يمر بما يمكن تسميته بمرحلة إعادة الهيكلة، تقتضي تلك المتغيرات والمستجدات إعادة إحياء المشروع العربي؛ بحيث لا يتشكل أي نظام جديد دون الأخذ بعين الاعتبار الأهمية والوزن النسبي الذي تمثله المنطقة العربية. لذلك، فإن المشاركة في النظام العالمي الجديد يمثل تحديًا حقيقيًا للنظام الإقليمي العربي. فإما أن تطرح الدول العربية مشروعها وتشارك في تشكيل النظام الجديد، أو أن يتم فرض النظام الجديد عليها دون مراعاة مصالحها. وعليه، تقتضي الضرورة إحياء المشروع العربي في مواجهة المشاريع الإقليمية؛ بغية تحقيق حالة من التوازن تحفظ أمن واستقرار المنطقة من مخاطر المشاريع الإقليمية، وتحقق للدول العربية مصالحها.

 ويبقى التساؤل المطروح هو: كيف يمكن إعادة إحياء المشروع العربي من جديد؟ وكيف يمكن للنظام العربي الإقليمي أن يشارك في النظام العالمي الجديد؟

نحو مشروع عربي جديد:

أضحى العالم العربي في حاجة ماسة للخروج من هذا النفق، من خلال تبني نهج أكثر برجماتية يُعلي من المصلحة الجماعية للدول العربية. لذلك، تتمثل أولى الخطوات نحو مشروع عربي جديد في أولًا: الوقوف على الأسباب التي أدت إلى تراجع المشروع العربي في السنوات الأخيرة؛ والتي تعود في مجملها إلى التحديات الاقتصادية المشتركة، والنزاعات الداخلية، وضعف التعاون والتنسيق بين الدول العربية بسبب الانشغال بالأوضاع الداخلية وتعارض الرؤى تجاه بعض القضايا والملفات، وتشتت الجهود وعدم التركيز على الأهداف المشتركة، فضلًا عن طبيعة وبنية النظام العالمي التي ألقت بظلالها على النظام الإقليمي العربي. ثانيًا: وضع الترتيبات وتبني السياسات اللازمة لإحياء المشروع العربي، وإعادة صياغة نمط ومعادلة التفاعلات الإقليمية والدولية في المنطقة؛ بهدف تهيئة البيئة الإقليمية والدولية لاستيعاب الدور العربي الجديد، والتي نسوق منها على سبيل الذكر:

- تبني استراتيجية عربية مشتركة للتحرك والتعاطي مع الأزمات: إذ يُمثل وجود رؤية عربية موحدة، تقوم على تغليب لغة الحوار والحل السياسي والسلمي للنزاعات، اللبنة الأولى التي يمكن البناء عليها؛ تمهيدًا لتصفير الخلافات، والتخفيف من وقع هذه الأزمات على المنطقة.

- تطوير التعاون في المجال الاقتصادي: تمتلك الدول العربية موارداً اقتصادية ضخمة تتمثل في الطاقة (بشقيها النفطي والغاز الطبيعي)، والثروة المعدنية، والزراعية، وغيرها، والتي تعد حجر أساس يرتكز عليه النظام الاقتصادي العالمي. ومن ثم، يمكن أن يمثل القطاع الاقتصادي العربي نقطة الانطلاق لبناء النظام الإقليمي العربي؛ عبر تعزيز الاستثمارات في المحيط العربي، وتطوير الابتكار وتوطين التكنولوجيا للاستفادة من التقنيات الحديثة، وتحسين بيئة الأعمال والتجارة الدولية، وإنشاء السوق العربية المشتركة، وإدخال الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة؛ بما يُمكن من إيجاد موطئ قدم للدول العربية كمنافس في الأسواق العالمية.  

- دعم وتعزيز التعاون الإقليمي: كما تمتاز المنطقة العربية بوحدة العوامل الجغرافية والتاريخية واللغوية والدينية، التي تضع الدول العربية في قالب مشترك يفرض عليها وحدة المصلحة والمصير، فإنها تمتاز بتنوعها الثقافي والاقتصادي؛ وهو ما يمثل أولى الخطوات نحو التعاون والتكامل، ويُحتم عليها التحرك الجماعي في مواجهة العالم الخارجي الذي يزداد تكتلًا يومًا بعد يوم.

- تعزيز الحضور والانخراط العربي في المجتمع الدولي: من خلال تطوير الرؤى الاستراتيجية العربية، وبتبني سياسات أكثر انفتاحاً واهتمامًا بقضايا المجتمع الدولي كالتغير المناخي، والأمن الغذائي، وغيرها، على أن تكون تلك السياسات جماعية، وأن يتم ترجمتها من خلال تحركات جماعية في إطار جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي؛ بهدف إيجاد دور أكثر فعالية لتلك المؤسسات في المجتمع الدولي، من خلال عقد مؤتمرات واجتماعات وورش عمل تُتيح للمنظمات والتكتلات الأخرى المشاركة فيها.

- تعزيز التنسيق السياسي والتعاون العسكري بين الدول العربية: وذلك لمواجهة التحديات الأمنية، سواء الخارجية التي تفرضها المشاريع الإقليمية للدول الأخرى، أو الداخلية الناجمة عن النزاعات المحلية ومشكلات الإرهاب؛ وهو ما يمكن تحقيقه من خلال تفعيل معاهدة الدفاع المشترك، وما تتضمنه من إنشاء مجلس الدفاع المشترك.

- تعزيز القدرات الدبلوماسية والتفاوض: أصبح للقوة الناعمة دور أكثر فعالية في ظل تنامي الميل للخيار العسكري. لذلك، يستوجب النظام الإقليمي العربي امتلاك أدوات دبلوماسية تمهد له الطرق وتعبر عن سياساته بحكمة واعتدال من خلال عمليات التفاوض والوساطة على الصعيد الدولي. ولعل الخطوات التي اتخذتها جامعة الدول العربية بتشكيل مجموعة اتصال وزارية عربية لبحث سبل المساهمة في جهود الوصول لتسوية سياسية سلمية للأزمة الأوكرانية، ومؤخراً مجموعة الاتصال العربية بشأن الأوضاع في السودان، تعد خطوة إيجابية لصالح لعب الدول العربية -بشكل جماعي-دور الوساطة في الملفات الإقليمية والدولية ذات التأثير المباشر على المنطقة.

- إيجاد دور أكثر فعالية لجامعة الدول العربية: عبر إجراء مجموعة من الإصلاحات فيما يتعلق بتحديث ميثاق الجامعة، وإيجاد آلية إلزامية، مع إحياء فكرة القوة العربية المشتركة، وتوفير الدعم المادي الكافي ليُتاح للجامعة التصدي للمخاطر الخارجية بشكل سريع. وقد يكون من بين تلك الأفكار إحياء "غرفة إدارة الأزمات والإنذار المبكر" التي تأسست داخل جامعة الدول العربية عام 2012م، وتم إلغاؤها عام 2022م؛ على أن يتم تدارك الأسباب التي أدت إلى عدم قدرتها على القيام بدورها على الوجه الأكمل خلال فترة عملها، والذي كان يقتصر آنذاك على رصد الأحداث دون وجود آليات حقيقية للإنذار المبكر وإدارة الأزمات.

خاتمة:

إن كثيراً من سلبيات الواقع العربي الراهن ترجع إلى تواري الهُوية العربية الجامعة التي تتخطى المستوى القومي لتُعلي من مصلحة الجماعة، والإرادة السياسية الموحدة، والرؤية العربية الشاملة تجاه قضايا المنطقة. فالمرحلة المقبلة ستمثل امتدادًا لجملة التحولات التي بدأت إرهاصاتها منذ عام 2011م، لاسيما مع استمرار حالة الاضطراب والتخبط الاستراتيجي في وضع النظام الدولي والتي كان لتداعياتها جُل الأثر على ميكانيزمات التفاعل الإقليمي داخل المنطقة. ولعل السبيل الوحيد لبقاء المنظومة العربية ضمن سلم توازنات القوى على المستويين الإقليمي والدولي، وضمان تحقيق مصالحها، والحفاظ على النظام الإقليمي العربي؛ فإنه على الدول العربية أن تدفع نحو إحياء المشروع العربي من أجل الحفاظ على الأمن القومي العربي، وتحصين المنطقة من مخاطر المشاريع الإقليمية التي تستهدف المشروع العربي في عقر داره، والأهم، أن يشارك المشروع العربي في النظام العالمي الجديد الذي يعاد تشكيله في المرحلة الحالية.

مقالات لنفس الكاتب