array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 187

النهوض بالمنطقة يتطلب تجاوز الاختلالات إلى تعاون يحقق المصالح والتنمية لشعوبها

الخميس، 22 حزيران/يونيو 2023

تشهد المنطقة العربية العديد من التحديات التي تواجهها الدول داخليًا أو في إطار العلاقات البينية الخلافية حول قضايا متعددة، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة بعض المستجدات الإقليمية المرتبطة بالعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى هناك دينامية متصلة باتفاق المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران عبر الوساطة الصينية والتي تُوجت بإعادة فتح السفارة الإيرانية في العاصمة الرياض، علاوة على عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية .. وذلك لتوفير مناخ سليم لعقد القمة (إدريس لكريني: القمم العربية ومستقبل الجامعة، صحيفة الخليج، دار الخليج، الإمارات العربية المتحدة، منشور بتاريخ 26 مايو 2023م) وضخ دماء جديدة في المنطقة في ظل وجود العديد من العوامل المشتركة كاللغة، الدين، التاريخ والجغرافيا .. التي بإمكانها الإسهام في حل العديد من الإشكالات التي لا زالت تتخبط فيها المنطقة أمنيًا، اقتصاديًا واجتماعيًا .. عكس دول الاتحاد الأوروبي التي مرت دولها من حروب تاريخية طاحنة بين بعض الدول كفرنسا وألمانيا .. إلا أنها لم تمنع دول هذا التكتل من التعاون والتضامن في العديد من المحطات والمجالات من أجل مواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة التي تزايدت حدتها وتعقدت قضاياها، بمعنى أنها تعاملت بمنطق براجماتي راعت فيه مصالح دول التكتل الأوروبي وتجاوزت الصراع الذي ساد خلال فترات تاريخية سابقة وعملت على طي صفحات الماضي والنظر للمستقبل في إطار التعاون لتقوية العمل المشترك.

تزامن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورتها العادية 32 المنعقدة في جدة بتاريخ 18و19 مايو 2023م، مع تحديات دولية مرتبطة باستمرار الحرب الروسية ـ الأوكرانية وتداعياتها الأمنية والاقتصادية .. على مختلف دول العالم، وفي هذا الصدد حضر الرئيس الأوكراني زلينسكي وألقى كلمته خلال القمة، وتعتبر زيارته الأولى لمنطقة الشرق الأوسط منذ انطلاق الحرب الروسية ـ الأوكرانية والرامية إلى تقوية العلاقات الأوكرانية ـ العربية والحصول على الدعم العربي لبلده في الحرب الجارية ضد روسيا.

وفي هذين السياقين الإقليمي والدولي المليء بالعديد من القضايا المعقدة إلى أي حد يمكن لمخرجات قمة جدة أو ما سمي بـ "إعلان جدة" أن يلعب دورًا مهمًا في لم شمل الدول العربية وتحقيق التكامل بينها وتسوية خلافاتها البينية والإقليمية؟ وكيف ستنجح مخرجات قمة جدة في توحيد جهود الدول العربية في ظل وجود العديد من الأزمات (القضية الفلسطينية، الأزمة السورية، الأزمة السودانية، الأزمة اللبنانية، الأزمة اليمنية والأزمة الليبية ..) وتباين مواقف الدول العربية منها؟ وهل في هذه الظروف يمكن حماية الأمن القومي العربي من التدخلات الأجنبية من جهة؟ ومن جهة أخرى مواجهة التحديات الأمنية المرتبطة بظاهرة الإرهاب ومختلف الجرائم العابرة للحدود؟

أولًا: المملكة العربية السعودية والنظام الإقليمي العربي  

عملت المملكة العربية السعودية في توجهاتها منذ تأسيسها إلى مساهمتها الهامة في المنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية التي تعد المملكة من الدول العربية السبع التي أسستها ودعمتها ودعمت وحدة الصف العربي بعد الموافقة عليها بشكل رسمي في أحضان الجامعة عام 1945م، وانضمامها إليها بعدما وقعت على ميثاق الجامعة من أجل التعاون والتضامن العربي المشترك، فضلًا عن الدفاع عن القضية الفلسطينية التي تحظى بأولوية كبرى في سياستها الخارجية .. ومحاولة انسجام مواقفها مع الأهداف التي أكد عليها ميثاق الجامعة. (مفيد الزيدي: دور المملكة العربية السعودية في المنظمات الإقليمية: الجامعة العربية نموذج مجلة آراء حول الخليج العدد 147، مارس 2020م).

قبل انعقاد القمة العربية يومي 18 و19 مايو 2023م، سبقتها اجتماعات تحضيرية على مستوى كبار المسؤولين والوزراء تمهيدًا لانعقاد القمة، وفي هذا السياق اتفق الوزراء العرب في اجتماع سابق في شهر أبريل من عام 2023م، في جدة على إعادة سوريا للحاضنة العربية - وقبل ذلك كانت هناك نقاشات في قمة الجزائر ديسمبر 2022م- بعدما تم تعليق عضويتها في نوفمبر 2011م، كمحاولة لإنهاء مشاكلها الإنسانية وتأمين وصول المساعدات لمختلف المناطق السورية ومحاولة إعادة اللاجئين إلى مناطقهم بهدف تحقيق المصالحة الوطنية، ومن ثم الاستقرار في سوريا ومحاولة قطع الطريق على التدخلات الأجنبية التي تنهب ثرواتها وتؤجج النزاعات وتخدم مصالحها بشتى السبل، إذ لم يتم الاقتصار على هذا الاجتماع لمناقشة عودة سوريا لحضنها الطبيعي بل الأمر ارتبط أيضًا باجتماع آخر لدول مجلس التعاون الخليجي شاركت فيه بعض الدول الأخرى غير الأعضاء في التكتل كمصر، العراق والأردن لتحقيق تسوية سياسية للأزمة السورية من شأنها أن تعيد الأمن والاستقرار بعد الدمار الذي لحقها جراء الحروب بين المكونات التابعة لكل من النظام والمعارضة، فضلًا عن الدعم الخارجي للمكونين معًا سياسيًا وعسكريًا..

تواصلت المملكة العربية السعودية مع العديد من الدول من أجل إقناعها بضرورة إعادة النظر في موقفها من نظام بشار الأسد والقبول بعودته إلى جامعة الدول العربية، وقد تواصل في هذا الصدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد بوريطة من أجل تعزيز العلاقات بين البلدين وتقويتها ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك من جهة، ومن جهة أخرى محاولة وزير خارجية المملكة العربية السعودية إقناع المغرب بضرورة عودة سوريا للجامعة مقابل إيجاد حل شامل للأزمة، في حين أن للمغرب قضية مصيرية مرتبطة بوحدته الترابية والتي تعد خطًا أحمر، خصوصًا وأن نظام بشار الأسد له علاقة مع النظام الإيراني وحزب الله هذين الأخيرين اللذين سبق لهما تمويل ودعم جبهة البوليساريو بالسلاح والعتاد، الأكثر من ذلك هناك لجنة وزارية رباعية عربية ضمن هياكل جامعة الدول العربية معنية بإيران، فقد سبق لهذه اللجنة التضامن مع المغرب بعدما تم التدخل في شؤونه الداخلية وتهديد وحدته الترابية، لذلك فتجاوب المغرب مع المملكة العربية السعودية بخصوص عودة نظام بشار الأسد كان رهينًا باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وهما مبدآن نص عليهما ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة ومختلف الصكوك الدولية الأخرى، كما لا ننسى أن هناك قوى دولية كبرى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعترض على عودة سوريا إلى أسرتها العربية، علمًا أن القرار يهم النظام الإقليمي العربي وخاص  باستقلالية قرار النظام العربي من عدمه.

أما الأزمة اليمنية قامت فيها جماعة أنصار الله الحوثي بلقاء وفد سعودي ترأسه سفير المملكة العربية السعودية لدى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا في العاصمة اليمنية صنعاء وقد أُجريت الجولة الأولى من المفاوضات خلال الفترة الممتدة ما بين 8-13 أبريل-نيسان 2023م، إذ حاولت المملكة العربية السعودية إنهاء الأزمة اليمنية من خلال مبادرتها التي أكدت على الوقف الشامل لإطلاق النار بتنسيق مع منظمة الأمم المتحدة، إلى جانب احتضان الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي بعض المشاورات واللقاءات التي غاب عنها الحوثيون والتي تمخض عنها تشكيل مجلس قيادي يتكون من 8 أشخاص حُوّلت إليه سلطات الرئيس عبد ربه منصور هادي بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد، وفي مقابل ذلك أتاحت هذه الإجراءات الانطلاق في مفاوضات بين السعودية والحوثيين في عاصمة سلطنة عمان مسقط في النصف الثاني من سنة 2022م، لمناقشة بعض القضايا الأمنية بالمناطق الجنوبية الغربية للمملكة العربية السعودية وكذا ما يتعلق بملف الأسرى (آفاق المفاوضات بين السعودية والحوثيين نحو اتفاق لإنهاء الحرب اليمنية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، 20 نيسان/ أبريل 2023م)، وهكذا يمكن للأزمة اليمنية أن تعرف انفراجًا بعد اتفاق المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران خصوصًا وأن هذه الأخيرة تدعم الحوثيين وقد تتدخل لتصفية الأجواء اليمنية وتحقيق الأمن والاستقرار.

تشهد السودان حربًا قوية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إذ خلفت هذه الحرب خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات بعد ما امتدت الحرب إلى مناطق أخرى، وفي هذا الصدد دعت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق هدنة لوقف إطلاق النار بين الطرفين والعمل على تنفيذها، لأنه سبق وأن تم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لكن لم يتم احترامه والالتزام بمضامينه، ولا ننسى أيضًا أن السودان يزيد انقسامًا يومًا بعد يوم بعد انفصال الجنوب عن شماله سنة 2011م.

قامت المملكة العربية السعودية بمبادرات هامة في سبيل تصفية الأجواء في العديد من المناطق العربية رغم أن هذه الأخيرة مليئة بصراعات داخلية وبينية ذات أبعاد متباينة (طائفية، عقائدية، عرقية، اقتصادية واجتماعية) والتي تزيد من صعوبة تحقيق الرفاهية والتنمية في المنطقة.

وهكذا بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة قُبيل تنظيم القمة العربية المنعقدة في جدة -والتي سبقتها قمة الجزائر في ديسمبر 2022م- كمنطلق أول لحل مشكل عدم انتظام انعقاد القمم العربية بشكل سنوي بعدما تم التأكيد على الانعقاد السنوي للقمم في مارس من كل سنة في قمة القاهرة عام 2000 (أحمد يوسف أحمد، قمة جدة بين استقلالية القرار العربي ومتطلبات تعزيز الفاعلية، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الإمارات العربية المتحدة، 23 مايو 2023م)، لأن هذا الانتظام في انعقاد القمم العربية من شأنه أن يسهم في تكثيف ودعم العمل العربي المشترك في مختلف المجالات وبخاصة المجال الاقتصادي (هبة محمد العيني، مصطفى كافي، خالد رسلان، المنظمات الدولية والإقليمية، دار الحامد للنشر والتوزيع، مكتبة طريق العلم، عمان-الأردن، الطبعة الأولى 2016م، ص 183-184)،  ثانيًا لمواجهة مختلف التحديات الأمنية والاجتماعية.. التي تعانيها المنطقة العربية وثالثًا كبداية أيضًا لتحسين وتقوية العلاقات العربية-العربية.

ثانيًا: قراءة في مخرجات قمة جدة 32

أكد إعلان جدة مركزية القضية الفلسطينية لدى الدول العربية وإدانته لمختلف الممارسات والانتهاكات التي تحصل للفلسطينيين في أجسادهم وممتلكاتهم من قبل الإسرائيليين، فضلاً عن الإقرار بأهمية التسوية الشاملة التي ترتكز على أساس حل الدولتين وفقًا للقرارات الدولية ومبادرات السلام العربية ومبادئ القانون الدولي بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية بحدود عام 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية".

أشار الإعلان أيضًا إلى الأوضاع الداخلية في البلدان العربية من خلال ما يقع في السودان من حروب والتي لا زالت تكلفتها وتداعياتها خطيرة على مختلف الأصعدة بعد التقسيم الذي طال هذا البلد العربي. وفي ظل ما يجري في دولة السودان تم التأكيد على أهمية الحوار والجلوس على طاولة المفاوضات بدل الاقتتال الذي تشهده العاصمة الخرطوم، والذي امتد إلى مناطق مجاورة أخرى، أما بخصوص الأزمة اليمنية فقد تم الإقرار بضرورة تحقيق أمن اليمن واستقرارها من خلال المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

لا ننسى أيضا أن هناك صراعات حدودية عديدة بين الدول العربية كقضية الصحراء المغربية التي تلعب فيها أطراف عربية دورًا مهمًا من خلال الدعم الذي تقدمه لجبهة البوليساريو، إلى جانب النزاع المصري ـ السوداني على منطقة حلايب وشلاتين، وسد النهضة، كذلك النزاع الكويتي ـ العراقي على منطقة خور عبد الله التي تقع بين جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين وشبه جزيرة الفاو العراقية، إلى جانب النزاع الليبي ـ التونسي على منطقة الجرف القاري الحدودية فضلًا عن النزاع الحدودي الجزائري ـ التونسي.

يتضح من خلال مضمون إعلان جدة أن الواقع العربي مليء بالعديد من التحديات التي تعرفها المنطقة العربية سواء ما يتعلق بالخلافات الداخلية (ليبيا، السودان، اليمن، سوريا ..) وما يتصل بهذه الصراعات من تدخلات أجنبية شتتت جهود دول المنطقة وسمحت للقوى الدولية الكبرى والصاعدة بخدمة مصالحها العليا. كما رفض الإعلان رفضًا مطلقًا دعم الميليشيات التي تتناقض مع مؤسسات الدولة ومصالحها لأن ذلك سيزيد من تفاقم أزمات الشعوب العربية.

تزامن انعقاد القمة مع مستجدات مهمة قد تسهم في تصفير المشكلات التي تعانيها المنطقة عبر تجاوز الخلافات التي أدت إلى غياب الاستقرار، كالاتفاق الإيراني ـ السعودي الذي تمت رعايته من قبل الصين، كذلك التوجه الذي ساد في إعلان جدة والمرتبط بمنع التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للدول العربية، خصوصًا وأننا نلحظ أن هذه التدخلات الخارجية واقع لا يمكن التنصل من قول حقيقته في مختلف الأزمات والمشاكل الواقعة في المنطقة (ليبيا، السودان، اليمن وسوريا..)، الأكثر من ذلك أن طموح قادة الدول العربية لم يقف عند حد حل الخلافات ولكن تجاوزها لتحقيق التنمية المستدامة بمختلف أشكالها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية ومكافحة الجرائم والفساد الإداري والمالي، فضلًا عن فكرة إحداث الحاضنة الفكرية للبحوث والدراسة في الاستدامة والتنمية الاقتصادية بهدف تحقيق التكامل وتقوية التعاون في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك كالتعاون الأمني لمواجهة ظاهرة الإرهاب ومختلف الجرائم العابرة للحدود.

تعتبر الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998م، الإطار القانوني الذي ينظم جامعة الدول العربية في هذا الشأن، وقد تم إقرار هذه الاستراتيجية العربية من قبل مجلس وزراء الداخلية العرب بتاريخ عام 1997م، لتنسيق الجهود وتحديد أسس التعاون العربي لمكافحة الإرهاب. وقد برزت فيما بعد بعض الإشكالات المتصلة بالمادتين 2و3 من الاتفاقية السالفة الذكر. إذ اعتبرت المادة 2 أنه:" لا تعد جريمة، حالة الكفاح المسلح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الاحتلال الأجنبي والعدوان"، فهذه المادة لم تربط الكفاح المسلح بحق الشعوب، عكس اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي التي أكدت على حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي والنظم الاستعمارية..، ثم المادة 3 من الاتفاقية التي تخرقها بعض الدول العربية، عبر الحسابات السياسية لبعض دول المنطقة بمشاريعها المتباينة والمتناقضة مع ميثاق جامعة الدول العربية والأمن القومي العربي أو لهشاشة الدولة وتفككها كما يقع في ليبيا بعد تنامي التنظيمات والميليشيات الإرهابية المدعومة من دول غربية مما يهدد دول الجوار.(مازن شندب، استراتيجية جامعة الدول العربية لمكافحة الإرهاب-قراءة تحليلية نقدية- التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، منشور بتاريخ 19 يونيو2022م).

لا زالت بعض الإشكاليات تعتري عمل جامعة الدول العربية وبخاصة أن القرارات تصدر وفقًا لقاعدة الإجماع مما يَصعُب معه العمل في ظل هذه الإجراءات المعقدة والظروف الإقليمية والدولية المعقدة، الأكثر من ذلك لم تستطع النظم العربية أن تتنازل عن جزء من سيادتها لفائدة مصالح شعوبها خصوصًا وأن الاتحاد الأوروبي خطى خطوات كبيرة في هذا الصدد، الأكثر من ذلك الأدوار الهامة التي أضحى يلعبها هذا التكتل الأوروبي على المستوى الدولي ليصبح قوة فاعلة وضاربة في النظام الدولي الراهن، فالوعي بالمخاطر الدولية الكثيرة العابرة للحدود يفرض التنازل عن هذه السيادة لخدمة المنطقة العربية والسير قدمًا نحو مواجهة مختلف التحديات الأمنية كظاهرة الإرهاب، ومختلف الأمراض والأوبئة العابرة للحدود كوباء كورونا الذي شل حركة العالم وأثر على النظام الاقتصادي العالمي برمته والذي لن تتعافى منه الدول إلا بعد مرور مدة وبخاصة بعض الدول في المنطقتين العربية والإفريقية لأن مجموعة من الدول لا تتوفر على إمكانيات تسمح لها بمواجهة كل المخاطر التي تهددها بشكل انفرادي.

إن الخلافات البينية القائمة بين الدول العربية من بين أكبر التحديات التي تواجهها المنطقة فهذا الأمر سيقف حجر عثرة أمام أي عمل يروم نحو التعاون الإقليمي لتحقيق التنمية الشاملة الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، وهذا ما دفع بعض الباحثين سابقًا بالتأكيد على وجود بعض التناقضات المتصلة بموضوع جامعة الدول العربية ودورها في النظام الإقليمي العربي، وهل الجامعة وسيلة لتحقيق "الفكرة القومية" أم عامل يشكل عائقًا لها لتكريس "التجزئة العربية"( مطر جميل، هلال الدين علي، النظام الإقليمي العربي: دراسة في العلاقات السياسية العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الخامسة سبتمبر 1986م،  ص 175)

كل هذه التحديات تفرض على دول المنطقة العربية التخلي عن المنطق القطري الأحادي الضيق في القضايا ذات الاهتمام المشترك لأن عالم اليوم هو عالم التكتلات لمواجهة قضايا شائكة ومعقدة، وبالتخلص من هذه المعادلة ستنجح جامعة الدول العربية في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة.

ثالثًا: مستقبل جامعة الدول العربية بعد إعلان جدة

تنتظر جامعة الدول العربية تحديات كبيرة رغم الطموح الذي أبداه قادة الدول خلال القمة المنعقدة في جدة والأدوار السياسية والدبلوماسية التي قامت بها المملكة العربية السعودية تمهيدًا لقمة جدة، علاوة على خطة جامعة الدول العربية في تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030م، التي قامت بإعدادها الأجهزة التابعة للجامعة من مجالس ومنظمات عربية ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة العاملة في المنطقة العربية .. والرامية إلى 15 أولوية سعت إلى تحقيقها بعد عام 2015م، والمتمثلة فيما يلي:

 القضاء على الفقر والبطالة، تحقيق الأمن الغذائي والتغذية السليمة، ضمان التعليم الجيد للجميع ، تأمين الخدمات الصحية الشاملة، تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات، توفير الحماية الاجتماعية للأطفال والقضاء على كل أشكال العنف، ضمان الحق في السكن اللائق للجميع، ضمان الحصول على المياه والصرف الصحي للجميع، تطوير المعرفة العلمية وتشجيع البحث العلمي والابتكار والتقدم التكنولوجي، ضمان الحصول على خدمات الطاقة المستدامة، مكافحة التصحر وتدهور التربة وحماية التنوع البيولوجي، تعزيز النزاهة والحوكمة، توفير بيئة تمكينية لتحقيق التنمية المستدامة وحشد الموارد المالية اللازمة ثم تعزيز التماسك الاجتماعي بين مختلف فئات المجتمع (للمزيد من التفاصيل أنظر جهود جامعة الدول العربية في تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030م، الأمانة العامة لجامعة الدول العربية)، مما يؤكد أن جامعة الدول العربية ينتظرها الكثير من العمل في سبيل تطوير وتعزيز العمل العربي المشترك  في ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، الأكثر من ذلك ينبغي القيام بوقفة لتقييم عمل الجامعة وإعادة النظر في مجموعة من الأمور في ميثاق جامعة الدول العربية وطريقة واستراتيجية التعاون بين الدول بهدف تمتين العلاقات العربية-العربية والوقوف أمام التدخلات الأجنبية التي فرّقت دول المنطقة وسهّلت عملية التحكم في قراراتها.

خاتمة:

لعبت المملكة العربية السعودية أدوارًا مهمة من خلال الوساطات التي قامت بها في العديد من الأزمات قُبيل انعقاد قمة جدة وذلك في سبيل الخروج من الأوضاع المقلقة في المنطقة العربية. لكن أعتقد أن تجاوز المشاكل السالفة الذكر تتطلب تضافر الجهود من كل الدول لأن الدول العربية احتلت مراتب متقدمة في الفساد الإداري والمالي "في تقرير لمنظمة الشفافية الدولية" وكذا مؤشر الدول الفاشلة أو الهشة سنة 2019م.

تطمح الدول العربية لكي تشكل قمة جدة انطلاقة جديدة وحقيقية لعمل جامعة الدول العربية رغم أن إعلان جدة أشار في مضمونه إلى العديد من الأزمات والمشاكل التي تعتري نهضة وتنمية المنطقة العربية، هذا لا ينفي بطبيعة الحال المجهودات التي تبذلها الجامعة على المستويين الإقليمي والدولي. وفي مقابل ذلك لا يمكن النهوض بالمنطقة إلا بعد تجاوز الاختلالات الداخلية والبينية العربية إلى علاقات يطبعها التعاون والتضامن لتحقيق المصالح المشتركة وتحقيق التنمية الشاملة المنشودة لشعوبها.

مقالات لنفس الكاتب