array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 187

المنطقة تتجه للتوافق وقمة جدة تعزز تمكين العرب من الاضطلاع بدور إقليمي

الخميس، 22 حزيران/يونيو 2023

استضافت المملكة العربية السعودية، في19 مايو 2023م، اجتماعات الدورة العادية الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية، لدعم الجهود العربية على جميع المستويات لخدمة المصالح العربية العليا، إيمانًا بأن الاستقرار العربي يعتمد على وحدة الرؤى وهو أمر يتطلب تنقية الخلافات السياسة وتنميةَ العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية لتصفير أزمات المنطقة السياسية والاقتصادية.

 

وفي ظل المتغيرات الجذرية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط في مختلف المجالات، نميل نحو إنهاء الخصومة، وتخفيف التوترات، وإغلاق الملفات الساخنة. شرق أوسط أكثر استقراراً وأكثر استعداداً للحوار بين عواصمه بدلاً من الخصومة التي استنزفت واتهمت الجميع خلال السنوات العشر الماضية، تعاملت القمة العربية مع هذه المتغيرات بالاهتمام الذي تستحقه. ففي السنوات الماضية لم تكن التوازنات الدولية والإقليمية في مصلحة الدول العربية، لذلك كان لابد من تبني مسار جديد في العلاقات مع الأطراف الفاعلة، وكان من الحكمة تكوين علاقات استراتيجية متوازنة  في العلاقات العربية ـ العربية من جهة، ومع الدول الكبرى من جهة أخرى كتجسيد حقيقي لنظرية المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية من خلال العمل على التأكيد على  أهمية مصالح الدول العربية في سياساتها الخارجية التي تعكسها وعلاقاتها مع الدول المؤثرة في الإقليم وتوازن القوى والتي تأخذها بعين الاعتبار وخاصة في تنويع العلاقات والشركات الاستراتيجية بين الدول العربية والكيانات والتكتلات والدول الأخرى.

 

وانعقدت القمة امتثالاً لميثاق جامعة الدول العربية وأهدافها وغاياتها للتعامل مع مجموعة من القرارات والتوصيات في عدد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونتج عنها توصيات في القضية الفلسطينية، والأزمة في السودان، والتطورات في سوريا والأحداث في اليمن وليبيا، والعلاقات العربية مع دول الجوار والتعاون الاقتصادي والمشاريع الثقافية والمبادرات الاجتماعية.

ومن المعلوم إلى أن هذه القمة عقدت في ظل تطورات الأحداث الجارية في العالم أجمع، وبالتزامن مع الجهود الإقليمية الهادفة إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. وفي هذا السياق، وفي إطار الإعداد للقمة قامت المملكة العربية السعودية بعدد كبير من المبادرات والاستشارات الإقليمية والدولية التي تسعى إلى إيجاد حلول سياسية فعالة وشاملة للأزمات، وتهدئة النزاعات في المنطقة. مع الإيمان بضرورة إرساء العلاقات العربية-العربية على أسس صلبة من التعاون السياسي والاقتصادي وبحيث تلمس الشعوب العربية النتائج وهو أمر يحصن هذا التعاون ضد التباينات التي قد تظهر بين حين وآخر.

 

 وبقراءة الخطابات العربية التي ألقاها القادة العرب لعكس مواقفهم وأفكارهم تجاه  مجمل القضايا  التي تهم العالم العربي  يتضح أنها كانت عقلانية وواقعية، وكانت موحدة حول قضايا فلسطين والسودان واليمن وسوريا ولبنان وليبيا، وكذلك حول قضايا أخرى  شكلت سلسلة من التحديات تحتاج معالجتها إلى تعاون وثيق وعميق وعلى قاعدة الفائدة المتبادلة، كمشكلة تحفيز الاقتصاد وتطويره لتوفير فرص عمل لأجيال جديدة والتكامل والتنمية الاقتصادية، ومسألة تطوير الإدارة والإصلاح بشكل عام ومحاربة الفساد ومشكلة اللاجئين والمياه والأمن والارتقاء بمستوى التعليم والخدمات الصحية فضلًا عن المشكلات البيئية وعكست تطلعات الدول  العربية في الأمن والسلام والنماء والوئام واحترام ميثاق ‫الأمم المتحدة والقانون الدولي في معالجة مختلف القضايا الإقليمية والدولية.  

ونظرًا لجوهرية القضية الفلسطينية التي كانت الموضوع الرئيسي لعدد من القمم العربية، جاء إعلان جدة للالتزام بمبادرة السلام العربية لحل القضية الفلسطينية، وإدانة الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ورفض تجزئة الأراضي الفلسطينية. وأعطى إعلان جدة زخماً إيجابياً لحل قضية فلسطين سلمياً. على سبيل المثال، يمكننا أن نرى أنه في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هذا الشهر، نتج عنه إدانة واستنكار من جميع أنحاء العالم العربي، ولعبت مصر وقطر عدة مرات دورًا إيجابيًا في وقف إطلاق النار بين الجانبين.

 

وبالحديث عن إعلان جدة والمضمون الذي تناوله بخصوص قضية فلسطين في الإعلان، فهو موضوع يتعلق بموقف كل عربي من معاناة الشعب الفلسطيني وفي دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وتعزيز صموده. ويتوافق هذا مع موقف الدول العربية بصفة عامة في إدراكها تمام الإدراك أن تهدئة الأوضاع في المنطقة تكون من خلال الملف الفلسطيني أولاً وترتيب الأوضاع الفلسطينية الداخلية وإنهاء الانقسام وإعادة الوحدة الوطنية.

وتم مناقشة عدد كبير من القضايا المحورية الساخنة على مستوى القمة خاصة القتال في السودان. منذ اندلاع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل الماضي، والذي سرعان ما تطور الوضع السوداني إلى بؤرة ساخنة جديدة ذات أبعاد إقليمية ودولية، ما دفع العديد من دول العالم إلى إجلاء مواطنيها من السودان، وهو الأمر الذي دفع مئات الآلاف من السودانيين إلى الفرار إلى البلدان المجاورة فضلاً عن الخسائر الفادحة الناتجة عن الصراع في الأرواح والممتلكات في البلاد.

 

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، بادرت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة لوضع اتفاقية وقف إطلاق النار قصير الأمد بين الأطراف المتنازعة في السودان والتركيز على الترتيبات الإنسانية، ودعي لهذه الاتفاقية الأطراف السودانية لوضع احتياجات الشعب السوداني في المقام الأول والالتزام بشروط الاتفاقية بهدف حماية المدنيين وتيسير وصول المساعدات الإنسانية وتيسير عمل الخدمات الأساسية، ونتج عنها تقدم والتزام من الطرفين بشروط الاتفاقية. ورغم استمرار القتال والخلاف بين الطرفين فإن الأمل هو بسرعة حل هذا النزاع من أجل مصلحة الشعب السوداني واستقرار هذه المنطقة.

واتصالاً بذلك، أولت الدول العربية والجامعة العربية أهمية كبيرة للبحث عن حل مبكر للأزمة السودانية، لا يتماشى مع تطلعات الشعب السوداني فحسب، بل يخدم المصالح المشتركة للدول العربية ككل.  وكان صوت القادة العرب، هو تطلعهم إلى أن تكون لغة الحوار هي الأساس في السودان والدعوة إلى وقف فعلي وسريع لإطلاق النار، ويعود ذلك إلى مخاوف من امتداد تأثير الأزمة السودانية إلى العديد من دول الجوار، وأن يصبح السودان أرضًا خصبة للتنظيمات الإرهابية نتيجة إطالة أمد هذه الأزمة السودانية.

 

ومن الملاحظ أن القمة أظهرت زخمًا نحو المصالحة، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بمنهجية المصالحة في الشرق الأوسط إلى مستوى جديد، ومن المرجح أن يكون للالتزام بوقف إطلاق النار، تأثير فعال على الأزمة السودانية ومدتها لاحتواء الأزمة الحالية لإنهاء القتال في السودان.

 

من جهة أخرى، قرر مجلس جامعة الدول العربية، على المستوى الوزاري، تشكيل فريق اتصال وزاري عربي يضم: المملكة العربية السعودية ومصر والأمين العام لجامعة الدول العربية لإجراء الاتصالات. مع الأطراف السودانية والدول المؤثرة إقليميًا ودوليًا، والمنظمات والتجمعات الدولية ذات الصلة، لتسوية الأزمة في السودان، وبذل الجهود للتوصل إلى وقف إطلاق نار كامل ومستدام، والعمل على معالجة أسباب الأزمة بالشكل الذي يلبي تطلعات الشعب السوداني وتطلعاته إلى الاستقرار والأمن. بالإضافة إلى ضرورة الاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، والتعامل مع الأزمة الحالية على أنها شأن سوداني داخلي، والحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع انهيارها، ومنع أي تدخل خارجي فيها لتلافي تأجيج الصراع وتهديد السلم والأمن الإقليميين.

 

بالانتقال إلى الأزمة اليمنية، ظهرت الجهود المحورية التي تبذلها المملكة العربية السعودية لإيجاد حلول للأزمات في اليمن، من خلال دعمها للهدنة في اليمن، وشددت الدول العربية على أهمية استمرارها وتقدمها لتحويلها إلى دولة مستقرة. بالإضافة إلى التأكيد على تحقيق الهدنة واستمرارها بهدف إنهاء الحرب في اليمن، ودعوة المجتمع الدولي لاتخاذ موقف موحد يطالب الحوثيين بالعودة إلى محادثات السلام، سيدعم الاتفاق السياسي بين الأطراف اليمنية هو ضمان لحل هذا الصراع بشكل دائم.

 

وانتهت الجهود العربية لتشمل أحد أهم القرارات الأخيرة وهو دعوة المملكة لدولة سوريا لاستئناف عضوية سوريا في جامعة الدول العربية من أجل تضامن ووحدة الوطن العربي.

اختارت جامعة الدول العربية المصالحة مع سوريا، لأن التضامن العربي الشامل ينسجم مع مصالح جميع الدول العربية ويمثل طريقًا مهمًا لتحقيق التنمية المستدامة حيث أدركت الدول العربية أن الاعتماد على الذات يتوافق مع مصلحة العالم العربي.

 فقد تضافرت جهود المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم لسوريا فترة الزلزال المدمر لتمكين المجتمعات المتضررة من الزلزال المدمر من أجل مساعدتهم على التعافي والصمود وهذا مثال حي يجب الإشادة به ومحاولة تكراره في العالم العربي بهدف دعم وسائل الأخوة المجتمعية العربية ووسيلة لتطوير أحد جذور العمل العربي المشترك.

 

ولابد من الإشارة إلى أن التوافق كان هو السمة الرئيسية لكافة القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تم اعتمادها من القمة العربية وبالتالي:

 

- ستكون دفعة للعمل العربي المشترك، لا سيما أنها تتضمن إسهامات جيدة فيما يتعلق بتسوية النزاعات القائمة والتخفيف من وقعها وتتجه لمرحلة جديدة لحل الخلافات.

 

-ومحطة مهمة لتعزيز الحوار العربي المشترك والجهود المتضافرة التي تجمع الدول العربية، بهدف إحداث تداعيات عملية إيجابية وطويلة الأمد، ليس إقليمياً فحسب، بل على منطقة الشرق الأوسط والعالم.

 

- وتمثل بداية جديدة لتعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والقيم والمصالح المشتركة وتوحيد الصف ومعالجة عربية خالصة لكافة القضايا ووقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية.

 

وسيكون نجاح التفعيل والتطبيق الميداني لما تسمح به الظروف السياسية والتنموية العربية والإقليمية والدولية بالشراكة الفعلية ما بين الشعوب العربية وحكوماتها في كل دولة خاصة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والرقمية الدور الريادي الذي اضطلعت به المملكة العربية السعودية لضمان نجاح القمة العربية، والذي من شأنه أن يعزز أواصر التضامن والتعاون في المنطقة ويعطي دفعة جديدة للجهود المبذولة لإيجاد الحلول المناسبة لمجمل القضايا والتحديات التي تواجهها، والتأسيس لعهد عربي جديد، فيه من التوافق ما هو أكثر من التنازع. المنطقة العربية تتجه نحو التوافق، وقمة جدة ستعزز هذا المسار التوافقي العربي وتمكن الدول العربية للقيام بدور إقليمي بكفاءة وفاعلية تضاهي وتوازي القوى الإقليمية والدولية.

 

 وسيساعد كل ذلك على الحفاظ على جامعة الدول العربية وسيعزز التعاون والتكامل وتبادل المنافع بين الدول العربية وكافة دول العالم استناداً إلى الموروث الحضاري للأمة العربية وتاريخها وما قدمته للبشرية في مختلف العلوم والمعارف، كما سيثبت أن الدول العربية قادرة على أن تخطو إلى آفاق أرحب ازدهارًا ونماءً وتمضي في مكانتها بين الأمم.

مقالات لنفس الكاتب