array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

الأمن في دول الخليج العربية.. بين (الأقلمة) والعولمة

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

إن استشراف المستقبل من أجل صياغة الاستراتيجية الأمنية أمر بالغ الأهمية فقد أصبح العالم أشبه برقعة شطرنج كما وصفها زبغنيو بريجنسكي أو على الأقل هكذا ينظر اللاعبون الجيواستراتيجيون الكبار إليه، فمن لا يحسن ويحكم خططه لربما وجد نفسه خارج اللعبة، واللعبة هنا مسألة أمن وكيان ووجود.

شهدت بدايات القرن الحادي والعشرين أحداثاً دراماتيكية على الساحتين الأوراسية والإفريقية، ويمكن توصيف المرحلة التي يمر بها العالم بعد نهاية الحرب العالمية الباردة بأنها مرحلة القطب الواحد، لكن سعة انتشار القوات الأمريكية مع ما تستوجبه من ميزانيات ضخمة والأزمات الاقتصادية وعمق المشكلات العالمية ونهوض قوى عالمية سرعت بالصيرورة نحو عالم أكثر تعددية مما يعزز نظام الشراكة العالمية، وتستدعي مواكبة المرحلة بالضرورة وضع استراتيجية تستشرف المستقبل على المستويين المتوسط والبعيد، فالعالم يشهد بداية حرب باردة جديدة، لكنها اقتصادية بامتياز، وقد تتغير كافة قواعد اللعبة على مستوى غير تقليدي، فهل أصبحت صياغة المنظومة الأمنية الإقليمية حاجة ملحة؟ أم أن ضمانات العولمة الأمنية لدول الخليج العربية كافية وآمنة في آن واحد؟

إن ظهور الاتحاد الأوروبي وتوسع حلف الناتو والدرع الصاروخية الأمريكية كلها مؤشرات نحو صياغة قواعد جديدة تفسر بأنها خطوات استباقية لاستراتيجية تستشرف حقبة جديدة، ولعل الهدوء الذي يشوب العالم هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، وليس بالضرورة أن تكون الحروب المستقبلية حروباً شاملة، لكنها حروب الاستنزاف والحروب بالوكالة والتنافس على المحاور الجيوبوليتيكية، ولعل أول مؤشر نحو ذلك هو التحول في عقيدة حلف الناتو من خلال بروز مفهوم استراتيجي جديد فقد تحول (الناتو) من منظمة تهتم فقط بالدفاع المشترك ضمن المجال الجغرافي إلى منظمة تعطي اهتماماً متزايداً لقضايا الأمن الجماعي، حيث يشارك (الناتو) في تدبير الأزمات وعمليات حفظ السلام، ويطور علاقات شراكة مع عدد من الدول غير الأعضاء ومنها دول الخليج العربية التي تعيش في الوقت الراهن لحظات حاسمة بشأن أمنها وكيفية المحافظة عليه، والخطط المستقبلية التي تكفل لها ردع المحاولات الهادفة إلى اختراقها أمنياً من الدول الإقليمية أو الخارجية، لكن يجب أن يفهم هنا أن الشراكة لا تقدم ضمانات الدفاع المشترك؛ وتختلف دول الخليج في نظرتها إلى هذه المبادرة، فالمملكة العربية السعودية لا ترى حاجة ماسة للانضمام إليها ما دام ما تقدمه من خدمات أمنية ودفاعية يمكن أن تحصل عليه في إطار اتفاقياتها الأمنية الثنائية، وليس بالضرورة مع منظمة (الـناتو)، فقد التزمت كافة السياسات المتعاقبة في صنع القرار الأمريكي بضم هذه المنطقة ضمن رقعة التفكير الأساسي التي تنطلق في خططها الاستراتيجية للمنطقة العربية عموماً، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف ارتبطت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعلاقات أمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأوجدت بيئة استراتيجية أكثر تعقيداً، مما حدا بالرئيس جورج بوش الابن إلى تأسيس ما يسمى (الحوار الأمني الخليجي-الأمريكي) في مايو 2006 كآلية لتعزيز التعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون، فضلاً عن مواجهة التهديدات الإرهابية ومخاطر الانتشار النووي، وإلى جانب هذا وذاك الاستجابة للتغيرات الطارئة على التوازن الاستراتيجي الإقليمي، ومن ثم يمثل هذا الحوار إطاراً للترابط الأمريكي مع دول مجلس التعاون في ستة مجالات أساسية: أولها تحسين القدرات الدفاعية لدول مجلس التعاون. وثانيها القضايا الأمنية الإقليمية. وثالثها الحد من الانتشار النووي. ورابعها الإرهاب ومعضلة الأمن الداخلي. وخامسها حماية البنية التحتية الخليجية. وسادسها العراق.


وعلى الرغم من أن القوة الأمريكية في الشرق الأوسط مأزومة، إلا أن الولايات المتّحدة لن تتخلّى عمّا تعتبره مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية في المنطقة في المستقبل المنظور، فهي ترى أن لديها مصالح استراتيجية في المنطقة، وبالتالي ستواصل رصد رأسمال سياسي وعسكري كبير لحماية هذه المصالح، فالطاقة هي المصلحة الأمريكية الأولى، فالمنطقة تحوي الجزء الأكبر من احتياطيات النفط والغاز في العالم، وتريد الولايات المتحدة ضمان التحكم في تدفق هذه الموارد تحت إشرافها إلى الأسواق العالمية، كما تريد أن تتأكد من أن أي قوة أخرى إقليمية أو عالمية لن تتمكن من التحكّم في هذا التدفق، وسعياً منها إلى تحقيق هذه الغاية، ستحافظ الولايات المتحدة على وجودها العسكري في الخليج العربي، وكذلك على تحالفاتها العسكرية مع العديد من دول الخليج العربية إلى أجل غير مسمى، من دون تحد كبير أو مباشر من قوى صاعدة أخرى، وهنا تجب الإشارة إلى أن إيران تنظر بعين الريبة والحذر إلى التمدد الأطلسي في المنطقة لأن وجود (الناتو) في أفغانستان والعراق ودول آسيا الوسطى وعلاقاته بدول الخليج يساهمان بالتأكيد في تضييق الخناق عليها.

ويدل هذا الموقف من الحلف الأطلسي على غياب الانسجام داخل مجلس التعاون الخليجي من المبادرات الخارجية التي تستهدف الأمن الخليجي ربما لكثرته،فكل هذه الدول تتفق على أن هناك خللاً في التوازن لصالح إيران وهذا يعكس عدم وجود رؤية أمنية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي مما يؤخر ظهور منظومة خليجية أمنية موحدة يكون لها طابع إقليمي وعدم الاكتفاء بمفهوم عولمة الأمن وإيجاد توازن بين هذين العاملين.

وعلى الرغم من تحوّل الثقل الاقتصادي العالمي تدريجياً من الغرب إلى الشرق يبقى السؤال: كيف ستتعامل دول المنطقة مع الإدارة الأمريكية؟ وكيف السبيل للتفاعل مع القوى الصاعدة الأخرى لما فيه خير المنطقة؟ هنا تبرز الدبلوماسية المرنة والقدرة على انتهاج التكتيكات السياسية التي تكسب أفضل الخيارات المتاحة، لكن الملاحظ أن كثيراً من القرارات العربية تأتي كردة فعل على المتغير السياسي أو الاقتصادي مما جعل الدول العربية دائماً متأخرة بخطوة على الأقل والذي غيب الرؤية الاستراتيجية هو التخطيط القطري بالنسبة للدول العربية عموماً التي طالما فضل الغرب التعامل معها كل دولة على حدة، لكن الحقيقة التي لا حياد عنها أن المنطقة العربية عموماً كيان واحد يتأثر بتأثر أي جزء فيه، فكل خلل يصيب دولة ما ينعكس بقوة على مجموع الدول الأخرى وإن بنسب متفاوتة، ولنضرب مثلاً على ذلك اليمن هذه الدولة العربية المهمة والتي تمثل العمق الأهم استراتيجياً بالنسبة لدول الخليج العربية وما تعيشه من واقع خطير، هل تتكافأ الاستراتيجية الموضوعة مع السيناريوهات المحتملة؟ وهل إن اليمن يسير على خطى السودان؟ وهل سيقسم اليمن ليصبح عدة دويلات؟ أين الزخم الدبلوماسي الموجه لتفادي هذا السيناريو الخطير الذي سينعكس سلباً على دول الخليج العربية؟ مع أن مخاطر سقوط اليمن في الفوضى ستكون لها انعكاسات سلبية على الدول الخليجية الأخرى.

إن السياسة العربية تتعامل مع المتغيرات بواقعية وتفهم ما يدور في العالم لا شك في ذلك، لكن استشراف المستقبل ووضع استراتيجية له أمر بحاجة إلى زخم فكري وقراءة متأنية للواقع والمتوقع، وقد تحسن دول الخليج العربية في تقييم مستقبل الطاقة وحاجة العالم ووضع الخطط التنموية الاقتصادية، لكن هل في ذلك كفاية لحفظ الكينونة وأخذ المناعة من الخطط التي ترسم وجهاً آخر للمنطقة برمتها كمشروع الشرق الأوسط الكبير على سبيل المثال؟ إن دول الخليج العربية تعيش حالة من التنافس نحو التطور والذي لا شك له تأثيرات إيجابية في سرعة نهوضها، لكن تبقى هنالك مسألة مهمة وهي إدراك الحجم الحقيقي لإمكانات كل دولة ولما يمكن أن تمثله هذه الدولة وفق إمكاناتها، فدول الخليج العربية متباينة في حجم سكانها ومساحتها وجغرافيتها وكلها تعتبر محاور جيوبوليتيكية، ولا يمكن لها أن ترقى إلى المحور الجيواستراتيجي إلا في حال كينونتها ضمن اتحاد واحد بالإضافة إلى اليمن مما يشكل سفينة جسمها المملكة العربية السعودية وأشرعتها بقية دول الخليج العربية ومرساتها اليمن. لقد آن الأوان لكي تتمتع دول مجلس التعاون بنظام موحد وعملة واحدة، مع أن تجارب العرب في تلك القضايا الوحدوية ليست مشجعة على المطلق ولها العديد من الأشكال السيئة. ومن هنا يرى كثير من المحللين أن الاستعجال قد يكون ضاراً، ويؤدي إلى نتائج عكسية، لكن في الخليج تجربة وحدوية ناجحة ألا وهي الإمارات العربية المتحدة، وقد تكون الظروف فقط هي التي حالت دون انضمام قطر والكويت والبحرين إلى ذلك الاتحاد في حينه، حينئذ تستطيع الدبلوماسية أن تكون أكثر جرأة وأعلى صوتاً.

إن الاندماج بين دول الخليج العربية أمر ممكن تشجعه سيرورة العالم نحو التكتلات الاقتصادية والسياسية. وتخلف دول مجلس التعاون الخليجي عن هذا الركب، حيث العملة المتفرقة والحدود الرسمية، والخصوصية السياسية والاقتصادية لكل دولة قد تشكل موانع طبيعية حول تسريع عملية التقارب أو الاندماج، ولكي تتحقق الوحدة الخليجية لابد من التروي والعمل المرحلي المتدرج، فدول الخليج تتميز بتباين في أنظمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لذا فحال تطبيق التوحد ستتولد إشكالية كبرى فيجب البدء من الآن باتخاذ خطوات تمهيدية كالتوحد في النظم العسكرية والتعليمية والاقتصادية شيئاً فشيئاً، والاستفادة من تجارب الأنظمة الفيدرالية في العالم، فعلى الرغم من وجود دول كبيرة مختلفة عن بعضها في عناصر اللغة والدين والعملة إلا أنها استطاعت التغلب على التحديات وكونت اتحاداً فيدرالياً شهد له العالم كله بالنجاح وهو الاتحاد الأوروبي، أما مجلس التعاون الخليجي بصغر دوله وتقاربها في الدين واللغة والعادات والتقاليد فإنه يفشل حتى الآن في الوصول إلى أي من أشكال ذلك الاتحاد، ودول الخليج أولى بذلك الانصهار لكونه يمثل شعباً واحداً، وهناك أنماط من الوحدة قد تتناسب في الوقت الحالي مثل الوحدة الاندماجية أو الكونفدرالية التي تبنى على التعاون في أنظمة الدفاع والسياسة الخارجية مع احتفاظ كل دولة بخصوصيتها في بقية المجالات، ويبقى الخيار الاستراتيجي والحتمي هو أن تتمكن تلك الدول من التحول الذاتي إلى مفهوم القوة الموازية، فدول الخليج لن تكون لها كلمة مسموعة، ولن يكون لها دور حقيقي على الساحة الدولية إلا إذا تكلمت بصوت واحد وفق استراتيجيات موحدة ومشتركة، وهذا يتطلب تعميق الحوار الخليجي بين النخب الحاكمة لتحقيق التوافق السياسي وإيجاد حلول لتضارب المصالح، وأن يكون الهدف من هذا الحوار هو بناء مشروع سياسي محدد الأبعاد يجعل من ركيزته بناء أمن ودفاع خليجي مشترك. والأجدى لدول الخليج أن تتجه إلى تسريع بناء القدرات الخليجية، وذلك ببناء صناعات دفاعية محلية للحد من الاستمرار في الاعتماد على الآخر في التسلح، آخذة في الاعتبار أن هذا الاعتماد يعتبر مكلفاً جداً من الناحيتين السياسية والمالية.

إن استمرار دول الخليج العربية في حالة الفردية وعدم الاتحاد يولد ضعفاً يصب في خدمة مصالح القوى الإقليمية والدولية مما يحتم اتخاذ خطوات جادة لإنهاء هذا الانقسام عن طريق البحث في أسباب هذا الانقسام، وتسوية الخلافات هي الخطوة الأولى والأكثر أهمية للتصدي لكافة مشروعات الهيمنة الخارجية، الإقليمية منها والدولية، والتي تشكل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار في المنطقة العربية. ورغم إدراكنا صعوبة إنهاء هذا الانقسام العربي؛ فإن الأمر لن يكون مستحيلاً إذا أدرك الجميع خطورة التحديات التي تتهدد هذه الأمة. إن مصير هذه المنطقة مرتبط ارتباطاً تاريخياً بمفهوم الأمة، وأن أي محاولة للانسلاخ من الترابط الأيديولوجي المشترك ما هي إلا تضييع وإهدار لقوة انطلاق وتأثير استراتيجية.

إن سياسة الانكماش والعزلة الإقليمية وضعف التأثير فتحت الباب على مصراعيه أمام القوى الإقليمية ذات الأحلام الإمبراطورية للتوسع على حساب المنطقة وحتى الهيمنة عليها، ولا شك في أن التصدي لمثل هذه المشاريع لا يكون إلا بمشروع مماثل يستند إلى معطيات تاريخية وذات أيديولوجيا واضحة للنفوذ إلى ساحة التأثير الدولية، حيث إن العالم يشهد تنفس الإمبراطوريات القديمة وإن كان هنتنغتون نظر إلى صراع حضاري جديد، لكنه في الحقيقة صراع إمبراطوري بوجوه وأدوات جديدة، لكن ضمن الأيديولوجيات القديمة نفسها، ولا يمكن لأمة أن تهرب من تاريخها، بل إن التاريخ عامل أساسي في صنع الاستراتيجية والمرجع الذي تنطلق منه مع الموجهات الجيوثقافية والجيوسياسية والجيو اقتصادية.

إن المنطقة العربية عموماً تعيش حالة من الانفصام في إدراك ذاتها، وتدخل في مرحلة التشويش الاستراتيجي عندما لا تدرك مشروعها الحضاري الحقيقي، فكيف الحال مع تعدد الرؤى بتعدد الدول؟ ومتى تواجه الدول العربية هذه الحقيقة؟ ومتى ستعالجها بعمق لتكون أسس النهضة قوية وباتجاه واحد؟ وهل لدينا الإرادة السياسية لولادة هذا المشروع الذي يحدد الهوية ويرسم الاستراتيجية ويعلن بداية العودة الحضارية؟

وأخيراً فإن دول الخليج مطالبة بجملة أمور عاجلة‏:

الأول‏:‏ ضرورة أن تكون دول الخليجطرفاً رئيسياً ضمن أية معادلات أمنية إقليمية مستقبلية‏، وعدم الاستسلام للتطورات المختلفة ومواكبة الأحداث زمنياً لكي لا تكون الأحداث وفق تداعيات تنتجها الإرادة الضعيفة.

الثاني:‏ الإسراع بإيجاد منظومة إقليمية خليجية أمنية موحدة يكون الانسجام فيها بدرجة عالية.

الثالث‏:‏أهمية تطوير مجلس التعاون الخليجي ليكون اتحاداً يؤسس استراتيجية فعالة تتناسب وما يشهده العالم من تغيرات بعيدة عن التخبط في تحديد الأهداف الاستراتيجية وفق مرونة سياسية وإعداد السياسات البديلة لأوقات الضرورة.

الرابع: صياغة معادلة القوة وترسيخ الثوابت الأيديولوجية باعتبارها حصن الهوية وروح الأمة وتعزيز الكفاءة في العنصر البشري على أن تتناغم هذه المعطيات ضمن استراتيجية واضحة وإرادة سياسية قوية.

الخامس: إيجاد وتطوير الصناعة الدفاعية من خلال تطوير الصناعة العسكرية باعتبارها أولوية وطنية.

السادس: تنمية الواقع الديموغرافي وتحصين البنية الداخلية للمجتمع من خلال تعزيز قيم المواطنة وتنمية الوعي الثقافي وعدم فتح الساحة للاعبين الإقليميين للعب على إثنيات المجتمع.

مجلة آراء حول الخليج