array(1) { [0]=> object(stdClass)#13190 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

قراءات سياسية / اتفاق "جدّة" للهدنة في السودان: "قراءة في الحيثيات والأبعاد" - د. عبدالرزاق غراف

الإثنين، 03 تموز/يوليو 2023


مصدر الصوره

في خطوة تجاه تهدئة الصراع المستمر منذ خمسة أسابيع، توصّل ليلة أمس طرفي الصراع في السودان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بعد قرابة الأسبوعين من المفاوضات برعاية سعودية في مدينة جدّة، الإعلان جاء في بيان سعودي أمريكي مشترك، وقد لاقَى استحسانا كبيرا من المكونات المدنية السياسية في السودان. الاتفاق المبرم بوساطة ورعاية سعودية سيكون ساري المفعول لمدة سبعة أيام "قابلة للتمديد" وذلك بدءًا من الاثنين 22 أيار/ مايو، وهو ما يعدّ انفراجة مؤقتة لفئات واسعة من الشعب السوداني وبخاصة في العاصمة الخرطوم، حيث تشير الأرقام الى مقتل قرابة 1000 شخص وما يقارب 5000 جريح وأكثر من مليون لاجئ من بينهم زهاء 370 ألف طفل بدون مأوى أربعة نقاط رئيسية تمسّ جوهر الاتفاق هي: أولًا/ تجميد كل العمليات الحربية بين الطرفين وما ينطوي ضمنها من عسكرة لخطوط التماس، فضلا عن تلك المرتبطة بالتوقف عن الحشد والتجنيد والدعاية والتحريض القبلي والعرقي، ومعظم العمليات اللوجستية المرتبطة بالأعمال القتالية. ثانيًا/ سحب الطرفين لقواتهما العسكرية وشبه العسكرية من المرافق العمومية وفي مقدمتها المرافق الصحية، ثالثًا/ استعادة الخدمات الأساسية وتسريع الاغاثات الإنسانية وضمان توزيعها على الفئات الأشد تضرّرا من وراء الحرب، رابعًا/ توفير خطوط وممرّات إنسانية آمنة من الموانئ الى المناطق المتضرّرة. طبيعة المخرجات الحالية التي نصّ عليها الاتفاق، والتي كانت ذات طابع إنساني إغاثي في المقام الأول، توحي بأمرين: أولًا/ أن الجهود الحالية لم تكن مرتبطة بتحقيق اختراق سياسي يكون بادرة لتسوية الصراع السوداني، بقدر ما كانت مركّزة على الوصول لهدنة مؤقتة لدواعي إنسانية بالأساس، تكون مختلفة عن سابقاتها التي باء معظمها بالفشل من جهة، وتكون مقدمة يمكن البناء عليها نحو إرساء حلول ذات نمط مختلف مستقبلا (الحل السياسي). ثانيًا/ فمرتبط بصعوبة إيجاد أرضية للتوافق السياسي بين طرفي الصراع، وهو ما أبانت عليه حيثيات الاتفاق الذي تم التوصل إليه والتي لم تشر لا من قريب ولا من بعيد لأي محدّد من محدّدات تفعيل التسوية السياسية للأزمة السودانية، ما يعكس حجم التعقيد والتداخل الداخلي والإقليمي والدولي في الصراع والذي يتجاوز حتما مسألة احداث توافق بيني بين طرفي الصراع إلى ما يتعداه من أطراف مدنية سودانية أخرى فضلًا على الأطراف الإقليمية والدولية. البيان السعودي الأمريكي المشترك ذكّر بوقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب السودان، وطالب أطراف الصراع بالالتزام الكامل بما تمّ التوصل إليه في اتفاق "جدّة"، وهو ما يعبّر عن حرص المملكة العربية السعودية على لعب الدور المنوط بها في حل الأزمة، وهي صاحبة الثقل السياسي والاقتصادي والاستراتيجي في المنطقة، وأحد أكثر الأطراف استيفاءً لشروط الوسيط الحيادي والنزيه المتوفر على معايير القبول من كلا طرفي الصراع. دخول الولايات المتحدة على خط جهود الوساطة التي تقودها المملكة العربية السعودية، تُقرأ من جانبين: الأول/ أنها محاولة أمريكية للظهور بمظهر المحايد الراغب في حلّ الأزمة كون استمرارها وإمكانية توسعها لدول مجاورة ليس مصلحة أمريكية كما يُنظر إليها من بعض الأطراف، التي ترى في ردود الفعل الامريكية عقب اندلاع الأزمة وفي مقدمتها سرعة سحب الطاقم الدبلوماسي الأمريكي من الخرطوم على أنها إشارة على رغبة أمريكية في تأزيم الأوضاع أكثر. الثاني/ أن هذا الدور الامريكي يدخل في إطار استراتيجية أمريكية تسعى للتقليل من الدور الصيني الساعي للمزيد من النفوذ والراغب في تقديم نفسه على أنه البديل الذي يمكن التعويل عليه لحلّ أزمات المنطقة والمساهمة في استقرار الوضع الإقليمي، خاصة بعد نجاح الوساطة الصينية بين السعودية وإيران وما تبعه من حلحلة لأزمات المنطقة بداية بالأزمة في اليمن ثم عودة سوريا لحاضنتها العربية، الى جانب عرقلة الجهود الروسية الرامية لإقامة قاعدة عسكرية على ساحل السودان مع البحر الأحمر. مستقبل الاتفاق سيحدّد بشكل كبير معالم مستقبل الدور السعودي في الأزمة السودانية، وقدرة المملكة على تثبيت رؤيتها لحل الأزمة في السودان، بالنظر لما تكتنفه الأزمة من حسابات داخلية وإقليمية ودولية، ولا يخفى أن الأمن القومي والإقليمي للمملكة العربية والسعودية وبخاصة في البحر الأحمر أحد المستهدفين من ورائها. داخليا/ الاتفاق هو فرصة للفرقاء السودانيين لترجمة خطابهم السياسي الراغب ظاهريًا في تسوية الأزمة، والذي كثيرا ما يحمّل فيه كل طرف الطرف الآخر مسؤولية تفاقم تأزم الصراع، إلى حقيقة على ارض الواقع، كون هذا الاتفاق يعتبر مبدئيا خطوة في تجاه الحل إن صدقت النوايا، ولعّل قبول الطرفين لتمديده سيكون أول الإشارات الدالة على هذه الرغبة. إقليميا ودوليا/ يعدّ الاتفاق اختبارًا حقيقيًا أمام الأطراف الإقليمية والدولية المنغمسة في الصراع لصالح أحد الطرفين سواء كان مباشرًا أم غير مباشر، في العمل تجاه الدفع بطرفي الصراع نحو أفق الحلّ الغائب، وهو ما يعدّ عاملًا مساعدًا على التوصّل إلى التسوية السياسية المنشودة. <./p>

مقالات لنفس الكاتب