array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 188

القوة الاقتصادية شرط ضروري لتملك القوة الناعمة حتى بدون قوة عسكرية

الأحد، 30 تموز/يوليو 2023

شاع استخدام مفهوم القوة الناعمة بفضل جوزيف ناي عالم السياسة الأمريكي في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، باعتبارها القدرة على جعل الآخرين يقومون بتصرفات لم يكونوا ليقوموا بها لولا أثر القوة التي تم إخضاعهم لها، عبر الجاذبية والاحتواء، وليس عبر الإكراه. وحصر مصادر القوة الناعمة حينذاك في: الثقافة الشعبية والدبلوماسية وتصدير النموذج.

وبرزت إثر ذلك القوة الناعمة مشكلة الضلع الثالث لمثلث القوة الدولية: الأولى هي القوة العسكرية وتمنح صاحبها القدرة على تدمير الخصم وحماية الحلفاء (قوة الإكراه)، والثانية هي القوة الاقتصادية وتمنح صاحبها القدرة على مكافأة الحلفاء وحرمان الخصوم من المزايا والمنافع (قوة المكافأة)، والثالثة هي القوة الناعمة وتمنح صاحبها القدرة على التأثير غير المباشر عن طريق الثقافة والأخلاق والاحتواء (قوة الإلهام).

تمارس القوة العسكرية تأثيرها عبر مخاطبة غريزة البقاء، أما القوة الاقتصادية، فتمارس تأثيرها من خلال مخاطبة الحاجة إلى المال، وتمارس القوة الناعمة تأثيرها من خلال مخاطبة تطلع الإنسان للسمو والإلهام والمثل، من خلال التأثير على الصورة الذهنية للأمة بما يتخطى الدبلوماسية العامة، ويتجاوز الإعلانات أو الشعارات، وأبرز الأمثلة على ذلك نهج الولايات المتحدة، في تعزيز صورة العالم الذهنية عنها مدعومة باستثمارات واسعة في التعليم والتبادل الثقافي، والصحافة  والفنون ووسائل الإعلام، والمساعدات الإنسانية المقدمة من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).

كما سعت دول أخرى إلى تعزيز قوتها الناعمة من خلال استراتيجيات تحسين الصورة الذهنية التي تسلط الضوء على تميز بلادها، وقيمها وتقدمها الاقتصادي والثقافي، وما تتيحه من حريات وما تنتجه من سلع وخدمات متميزة، وما تقدمه من قيم ومثل ومباديء وثقافة وفن وتراث، بما يساعد على الوصول إلى الجماهير الدولية وإقامة روابط وجدانية وثقافية مع العالم تشكل في مجملها القوة الناعمة.

مفهوم القوة الناعمة وأهميتها الاقتصادية

تعددت تعريفات القوة الناعمة، نظرًا لتعدد أبعادها، إلا أننا سنستخدم مفهوم القدرة على التأثير على الآخرين وتحقيق الأهداف من خلال السمعة والصورة الذهنية، وتقديم النموذج وتصدير القيم والإقناع بدلاً من الإكراه. ويسهم في تشكيل القوة الناعمة للدولة مجموعة واسعة من الأبعاد، تضم ممارسات الأعمال والتجارة، والحوكمة، والعلاقات الدولية، والثقافة والتراث، ووسائط الإعلام والاتصالات، والتعليم والعلوم، وطابع الأمة وتعزيز قيمها. ومن المتوقع أن يتسع المفهوم مع الوقت، وهو ما نلاحظه في التقرير الأخير لمؤسسة براند فاينانس، حيث أضاف بعد الاستدامة البيئية، ضمن إطار القوة الناعمة التي تمكن البلدان من تشكيل تصورات ومواقف الدول الأخرى، وبناء الثقة والتعاون، وتعزيز مصالحها الخاصة دون اللجوء إلى القوة العسكرية.

ومن أشهر التقارير التي بلورت مفهوم القوة الناعمة غير الصلبة التقرير الصادر عن مؤسسة Brand Finance حيث طورت مؤشر القوة الناعمة العالمي الذي يتضمن مجموعة واسعة من المقاييس، والتي توفر مجتمعة تقييمًا متوازنًا وشاملًا للانطباع الذهني عن الدولة وسمعتها وتأثيرها على الساحة العالمية.

 ويتضمن مؤشر القوة الناعمة العالمي العناصر التالية:

  • الشهرة Familiarity: درجة شيوع العلامات التجارية للأمة التي يعرفها الناس بها كالعلم الوطني
  • التأثير Influence: درجة النفوذ الذي تتمتع به الدولة في دول العالم وكذلك على المسرح العالمي
  • السمعة Reputation: درجة تمتع البلد باطلاع ذهني قوي وإيجابي على مستوى العالم
  • التصورات Perceptions أي مستوى الادراك لعدد 8 من الركائز الأساسية للقوة الناعمة: (1) الأعمال والتجارة، ( 2) الحوكمة، (3 ) العلاقات الدولية (4 ) الثقافة والتراث ( 5) الإعلام والاتصال(6 )  التعليم والعلوم (7 ) الناس والقيم (8 )  المستقبل المستدام.

ويوضح جدول رقم (1) القوة الناعمة لدول الخليج بحسب مؤشر Brand Finance براند فاينانس

جدول رقم (1)

القوة الناعمة لدول الخليج بحسب مؤشر Brand Finance براند فاينانس

(8)

(7)

(6)

(5)

(4)

(3)

(2)

(1)

السمعة

التأثير

الشهرة

Score

Nation

Rank

5.9

4.4

4.1

4.2

4.6

6.1

5.2

6.5

5.5

6.8

6.1

55.2

UAE

10

5.1

3.9

3.3

3.8

3.9

5.8

4.4

5.7

5.4

6.2

6.3

51.3

SA

19

5.5

4.1

3.6

4.1

4.3

5.4

4.6

4.9

5.9

6.5

5.3

49.9

Qatar

24

4.7

4.0

3.0

3.5

3.5

4.7

4.0

5.0

4.5

6.1

4.7

44.3

Kuwait

35

4.4

4.3

3.0

3.5

3.5

4.2

4.2

4.6

3.9

6.0

3.5

40.7

Oman

46

4.4

3.9

2.9

3.5

3.4

4.1

3.8

4.5

3.9

5.9

3.5

40.0

Bahrain

50

المصدر: Global Soft Power Index 2023

 

القوة الناعمة إذًا أكثر من مجرد السمعة الدولية، أو الصورة الذهنية للدولة Brandوتهدف في نهاية المطاف إلى التأثير على المواقف والسلوك من خلال الجاذبية والإقناع بدلًا من الإكراه، ولكي تكون الأمة جذابة ونموذجًا يحتذي به الآخرون، يجب أن تكون سمعتها العامة إيجابية، بما يمنحها القدرة على كسب ولاء الدول بدلا من إكراهها، أو ببساطة "جعل الآخرين يريدون ما تريد"، من خلال نماذج القيم والمعايير.

وقد ساعدت التغيرات في السياسة العالمية الحديثة إلى رفع قيمة القوة الناعمة واقتراح الظروف التي تشجع صناع القرار على تبني استراتيجيات للقوة الناعمة وتوظيفها بفعالية، واستخدام "الموارد الناعمة" الرمزية غير المادية لممارسة التأثير على الآخرين، كوسيلة لحل النزاعات وتحقيق المصالح السياسية، وتعزيز قدرة الدول على تحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال الترويج للمنتجات الوطنية بالخارج، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز التجارة، وتشجيع السياحة، وجذب المواهب البشرية، الأمر الذي يدعم النمو الاقتصادي.

بهذا المفهوم تدعم القوة الناعمة العلاقات الاقتصادية الدولية، خاصة عندما تكون هناك توترات، أو شكوك، في العلاقات السياسية، فمن خلال إظهار حسن النية وتعزيز المصالح الاقتصادية المتبادلة، يمكن للبلدان أن تبني الثقة وتهيئ بيئة دولية أكثر استقرارًا وسلامًا، وبناء الثقة والتعاون، وتعزيز مصالحها الخاصة دون توفر القوة العسكرية وبما يسمح للبلدان بتحقيق أهدافها من خلال الوسائل السلمية والتي تعد من المزايا الرئيسية للقوة الناعمة.

علاقة القوة الناعمة بالقوة الاقتصادية

تاريخيًا توجد ثلاثة مصادر رئيسة للقوة التي تتمتع بها أية أمة على الصعيد العالمي، هي القوة الاقتصادية، والقوة العسكرية، أقدم المصادر، والقوة الناعمة، أحدث مصادر القوة. وتتصدر القوة الاقتصادية، هذه القوى من حيث الأهمية باعتبارها صانعة القوة العسكرية، بما توفره من موارد، وما يتحقق من تقدم تقني يمكن الدولة من تملك وإنتاج وسائل القوة العسكرية، كما أن معظم مكونات القوة الناعمة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقوة الاقتصادية، ويكفي دلالة على ذلك أن الدول العشر الأولى من حيث القوة الناعمة، تنتسب كلها إلى الدول المتقدمة اقتصاديًا، وكما تتصدر الولايات المتحدة دول العالم من حيث القوة الاقتصادية (الناتج المحلي الإجمالي) تتصدر قائمة دول العالم من حيث القوة الناعمة، كما يتضح من جدول (2)

جدول رقم (2)

ترتيب أعلى 10 دول من حيث القوة الناعمة والقوة الاقتصادية مقاسة بالناتج المحلي ومتوسط دخل الفرد

Ranking

Per capita income $

RANKING

GDP in BILLION

$

Index Score

 

NATION

Ranking

5

70,248.6

1

23,315

74.8

USA

1

23

46,510.3

6

3,131

67.3

UK

2

16

51,203.6

4

4,260

65.8

GERMAN

3

25

39,312.7

3

4,941

65.2

JAPAN

4

61

12,556.3

2

17,734

65.0

CHINA

5

24

43,659.0

7

2,958

62.4

FRANCE

6

19

51,987.9

9

1,988

60.7

CANADA

7

2

91,991.6

20

801

58.5

SWIZERLAND

8

27

35,657.5

8

2,108

56.7

ITALY

9

26

44,315.6

33

415

55.2

UAE

10

                  

 المصدر: بينات مؤشر القوة الناعمة: Global Soft Power Index 2023. بيانات الناتج ومتوسط دخل الفرد: البنك الدولي

مؤشرات التنمية في العالم 2023م.

وتدل نتائج عدد من الدراسات على أن القوة الاقتصادية للدولة وامتلاكها لجهاز إداري وإطار تنظيمي كفؤ وقادر على أن ينتج الثروة، هي شروط أساسية في تكوين القوة الناعمة، والأرجح أنه لا وجود للقوة الناعمة في غياب قدر مناسب من النجاح الاقتصادي، بجانب جهاز سياسي وإطار تنظيمي يقود المجتمع، بل يصعب تصور وجود القوة الناعمة، دونما توافر موارد مالية واقتصادية تدعم مؤشرات الأداء الرئيسية المتمثلة في الانتشار والسمعة والتأثير، وتحسين التصورات. وقد ساعدت وفرة الموارد المالية على دخول قطر قائمة أفضل 25 دولة للمرة الأولى، حيث احتلت المرتبة 24 في الترتيب العام للمؤشر، بفضل التحسينات المسجلة عبر مؤشرات الأداء الرئيسية الثلاثة خاصة مجالات الإعلام والثقافة والتراث التي أتاحها استضافة بطولة العالم لكرة القدم، وعرضت قطر أصولها الرئيسية من الثقافة العربية والتراث الخليجي أمام العالم كله.

وتأخذ القوة الناعمة سمات تختلف تمامًا عن سمات القوة الصلبة، الاقتصادية والعسكرية، إلا إنها أحيانًا تحل محلهما، وتنجح في تحقيق المصالح بأفضل مما لو استخدمت القوتين الصلبتين، خاصة عندما تحُول المعطيات بين الدول وتحقيق أغراضها باستخدام القوة العسكرية. وأشهر الأمثلة على ذلك الحرب الباردة، بين الغرب والشرق، والتي استمرت عقودًا، حال فيها توازن الرعب النووي بين استخدام القوة العسكرية لكسب الصراع، واستطاعت القوى الناعمة للغرب، إلحاق الهزيمة بالكتلة الشرقية وانهيار الاتحاد السوفيتي ونظامه الاشتراكي دون قطرة دم واحدة، ولعلها أفضل مثال لمدى قوة الوسائل الناعمة والمعنوية في التفوق على القوى الصلبة والترسانات العسكرية.

مجمل القول إن القوة الاقتصادية تعد شرطًا ضروريًا لتملك القوة الناعمة، حتى بدون قوة عسكرية، وتعكسه حالة كل من سويسرا واليابان وألمانيا، حيث تأتي جميعها في صدارة دول العالم من حيث القوة الاقتصادية، والقوة الناعمة معًا، رغم أنهم لا يمتلكون حاليًا القوة العسكرية التي تتناسب مع القوة الاقتصادية لكل منهم.

تأثير قوة الاقتصادات الخليجية على قوتها الناعمة

أدى تزايد الترابط بين دول العالم إلى إبراز دور القوة الناعمة كأداة مهمة يمكن للدول الاستفادة منها في تدعيم مركزها الدولي، وتحقيق أهدافها والحفاظ على مصالحها، وبما أن القوة الناعمة تدور حول كيفية خلق وضعية متميزة للدولة في المحيط العالمي، فقد  مثلت وفرة الموارد الاقتصادية لدول الخليج أحد الأصول المهمة التي مكنتها من الترويج لمكانتها الدولية، وتحقيق مصالحها، وجعلت منها مركزًا مؤثرًا في الساحة العالمية، وتدرك دول الخليج حاليًا وبشكل متزايد أهمية استخدام قوتها الاقتصادية في دعم قوتها الناعمة كأحد الأصول الوطنية، التي تحقق  أهدافها وتحفظ مصالحها.

وتتشابك مجالات القوة الناعمة مع مصادر القوة الاقتصادية للدول من خلال خمس مجالات رئيسية من بين مجالات القوة الناعمة وتشمل: المال والأعمال، والتجارة، والاستثمار، والسياحة، وجذب المواهب، ويؤدى الأداء المتميز في هذه المجالات الاقتصادية إلى تدعيم مستوى القوة الناعمة وتحسين الصورة الذهنية الوطنية، مما يؤكد على وجود علاقة ارتباط قوية بين مؤشر القوة الناعمة العالمي والأداء الاقتصادي.

فالاقتصادات القوية الخليجية وما تتميز به من موارد اقتصادية ومالية وفيرة، وما تحققه من أداء مالي مستقر (مقاسًا بالناتج المحلي الإجمالي) ومساهماتها في التجارة العالمية واستقرار الاقتصاد العالمي، ساعدت كل هذه النجاحات في إقامة علاقات متوازنة مع القوى الاقتصادية في العالم، وتقديم مساعدات سخية للدول النامية والأكثر فقرًا، ودعم مؤشرات قياس القوة الناعمة لدول الخليج، وتحقيق مستوى مرتفع في مختلف المؤشرات الفرعية، خاصة مجالات التجارة والأعمال، والتعليم والعلوم.

وقد شهدت دول الخليج ارتفاعًا في درجات مؤشر القوة الناعمة العالمية في عام 2023م، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مواقفها الإيجابية إبان أزمة الطاقة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا، بجانب زيادة مشاركتها في الأحداث الدولية، ودخلت دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن أفضل 10 دول لأول مرة، بناء على نجاح معرض إكسبو 2020م، دبي، وتطلعها لاستضافة COP 28 . وتبوأت السعودية مكانها بين أعلى عشرين دولة من حيث القوة الناعمة، تمشيًا مع مكانتها المعروفة ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصاديا في العالم، كما ساهمت استضافة قطر لكأس العالم لكرة القدم بشكل كبير في تدعيم الصورة الذهنية لقطر وانتشارها وتحقيق مزيد من التحسن في سمعتها ونفوذها عبر شعوب العالم واحتلت المركز 24 على مستوى العالم.

ومع العهد الجديد في السعودية، بدءًا من رؤية المملكة 2030م، شهدت الصورة الذهنية للمملكة في العالم تطورًا إيجابيًا ملحوظًا انعكس في  مؤشرات القوة الناعمة، وهو ما نتج عنه تحسن أداء المملكة في المؤشر؛ فقد احتلت المركز 39 في الثقافة والتراث، والمركز 27 في الحوكمة، والمركز 19 على مستوى العالم في المؤشر العام للقوة الناعمة عام 2023م، واستطاعت بفضل إنجازات اقتصادية حقيقية ومتتالية أن تحسن مركزها وصورتها الذهنية لدى شرائح واسعة من الرأي العالمي، وفي ضوء ما احتوته رؤية المملكة 2020م،  وانجازاتها حتى الآن  من المتوقع أن يستمر مركزها في التحسن مستقبلاً  .

وارتكزت نجاحات المملكة في مجال القوة الناعمة على مركزها الاقتصادي في العالم، حيث تعد موطنًا لربع احتياطيات النفط المعروفة في العالم، ولديها أكبر إنتاج للنفط على مستوى العالم، وقد صعدت إلى المرتبة 9 في تصنيف التأثير، ونظرًا لأن المملكة لعبت دورًا حاسمًا في توفير أمن الطاقة لبقية العالم، فقد ارتفع ترتيبها في "الاقتصاد القوي والمستقر" أيضًا إلى المرتبة 14 (بزيادة 7 مراتب)، مما أدى إلى تحسين درجة ركيزة الأعمال والتجارة بأكملها، وجاءت في المرتبة 19 في المؤشر العام لأول مرة.

كما أكدت رؤية 2030، التزام المملكة بالانتقال إلى اقتصاد أكثر استدامة، وقد شمل ذلك استثمارات كبيرة في الطاقة المتجددة، لا سيما من خلال تطوير صناعة الهيدروكربونات، وتتطلع السعودية إلى ما هو أبعد من النفط - حيث تطور جاذبيتها السياحية والتزامها بتنويع مصادر الدخل الوطني، ولديها رصيد ثقافي قوي حيث تحتل المرتبة 11 في العالم من حيث "التراث الغني" وتحتل مرتبة عالية في "الاستثمارات في الطاقة والتقنيات الخضراء" (25)، وكذلك "المدن المستدامة والنقل" (27) (Global Soft Power Index 2023).

وتواصل دولة الإمارات تفوقها على الدول الأخرى في درجة أداء الصورة الذهنية الوطنية، محتفظة بالريادة للعام الثاني، برصيد 83.5 نقطة، وترتكز القوة الاقتصادية للإمارات على الاحتياطيات المالية القوية، والسياسات الناجحة بشأن التنويع الاقتصادي، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وشكلت في مجملها العوامل الرئيسية وراء ريادة الإمارات، واستفادتها من أحد أهم أصولها لتعزيز التنمية الاقتصادية والأهداف الاستراتيجية للبلد على المدى الطويل.

وقد احتلت الإمارات المركز العاشر للمرة الأولى في تاريخها من حيث القوة الناعمة عالميًا، وقد حققت إدراكات إيجابية عالية في ركيزة الأعمال والتجارة مع تحسن خاص في سمة "إمكانات النمو المستقبلية" ، حيث تحتل المرتبة 3 عالميًا (بزيادة 8 مراتب)، ومما لا شك فيه أن العرض الناجح للإمارات كمركز تجاري عالمي بفضل معرض إكسبو 2020م، قد وفر دفعة كبيرة، كما تعد من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الخارجية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، واحتلت المرتبة الثالثة (بزيادة 7 مراتب)، وأدى زيادة الالتزام بالتنويع والابتكار والاستثمار في مستقبل أكثر استدامة إلى الحصول على درجات عالية نسبيًا حيث تحتل المرتبة 19 عالميًا (Global Soft Power Index 2023)

وشهدت قطر مكاسب مثيرة للإعجاب في مؤشر القوة الناعمة العالمي في عام 2022م، حين استضافت كأس العالم لكرة القدم الحدث الرياضي الأكثر مشاهدة على نطاق واسع في العالم، وقد أدى تنظيم هذا الحدث الرياضي الكبير إلى وضع صورة ذهنية وطنية جيدة لقطر على الخريطة، ومع التحسينات المسجلة عبر مؤشرات الأداء الرئيسية الثلاثة المتمثلة في الانتشار والسمعة والتأثير، دخلت قطر قائمة أفضل 25 دولة للمرة الأولى، حيث احتلت المرتبة 24 في الترتيب العام للمؤشر، على الرغم من الضغوطات المتباينة في الفترة التي سبقت الحدث.

مجالات الاستفادة من القوة الناعمة في دعم الأداء الاقتصادي

أصبحت القوة الناعمة وسيلة فاعلة لدعم الأداء الاقتصادي، وهناك أدلة على وجود علاقة ارتباط في الاتجاهين بين القوة الناعمة والأداء الاقتصادي، فكما تدعم القوة الاقتصادية مركز البلد في القوة الناعمة فإن القوة الناعمة بدورها  لها تأثير إيجابي على النشاط الاقتصادي عبر  عدد  من مؤشرات الأداء المختلفة، ومن هنا أصبح توظيف الدول الصغرى للقوة الناعمة في سياستها الخارجية أمرًا مألوفًا، خصوصًا أن بنية النظام الدولي الراهنة وتحديداً العولمة، قد أتاحت لتلك الدول منافذ عدة لتوظيف قوتها الناعمة بكفاءة، وأتاحت لها مساحات للتأثير والنفوذ في النظام الدولي مهما كان صغرها، من خلال التركيز على بعض السمات الرئيسية كالتميز في التقدم العلمي والتعليم، وامتلاك نظام تعليمي قوي، وتوفير بيئة مواتية للأعمال والتجارة، والاستدامة البيئية والحوكمة، والسعي لتوصيل ذلك للخارج على نطاق واسع.

وهناك فرص متاحة لدول الخليج كي تستفيد من نجاحاتها في تأسيس بنية تحتية متطورة وحوكمة عالية الكفاءة وأن تصبح من أكبر مراكز جذب الاستثمارات الأجنبية، ونموذجاً تنمويًا يحتذى به في العالم كله، بل أن كثافة الاستثمارات الأجنبية على أرض البلد يعمل على حماية أمنها القومي بشكل كبير.

من ناحية أخرى لا يمكن تجاهل أهمية القوة الناعمة في العلاقات الاقتصادية الدولية، من خلال تأثير العوامل غير ملموسة مثل السمعة والنفوذ والقيم، على سلوك المستهلكين وتفضيلاتهم، وأذواقهم، وهي محددات أساسية في الطلب على المنتجات المصدرة، خاصة مع سعي دول الخليج لتنويع مصادر الدخل الوطني والاهتمام بالتصنيع لغرض التصدير، وحاجتها لفتح أسواق أما م منتجاتها في الخارج، فضلًا عن تأثيرها على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والشعور بالثقة والأمان.

ويمكن تعظيم الاستفادة من التصورات الإيجابية لدول الخليج في دعم الأنشطة السياحية، التي لا يزال أمامها فرص واعدة، باعتباره قطاعًا حيويًا يساهم في النجاح الشامل للعديد من الاقتصادات، وتسجل كلًا من السعودية والإمارات نتائج قوية في كونها "مكان رائع للزيارة" ومن ثم يمكن تحويل هذه التصورات بشكل فعال إلى أداء سياحي قوي ضمن تصنيفات الصورة الذهنية الوطنية، ولا شك في أن استمرار تقديم مساعدات التنمية والإنفاق على التعليم والعلوم، شكلتا قوة دافعة وراء نجاحات دول الخليج في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية.

مجمل القول إن النجاحات التي حققتها دول مجلس التعاون في المجال الاقتصادي، وتطلعها لمزيد من القوة الاقتصادية على الصعيد العالمي، قد انعكست بشكل كبير على القوة الناعمة مؤكدة اهتمام الحكومات بمفهوم وممارسات هذه القوة ورغبتها في إدارة قوتها الناعمة بصورة منهجية وواضحة، ويتطلب الأمر مزيدًا من الجهد والسياسات المدروسة لضمان توفر عناصر تدعم وجودها في مكانة بارزة على هذا الصعيد وفي إيجاد تصورات ذهنية إيجابية لها بجانب قوتها الاقتصادية لتحقيق مصالحها.

مقالات لنفس الكاتب