array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 188

ننتظر نتائج الاستراتيجيات الخليجية لنرى قفزة نتيجة حراك قوي حيوي في الخليج

الأحد، 30 تموز/يوليو 2023

اختزل الخليج العربي في صورة واحدة هي الجمل والصحراء، وهي صورة نمطية رسخها الغرب صحبتها رؤية فوقية، في حين أن الخليج ظل معتزًا بالجمل ولا ينكر الصحراء، بل يعتز بكونه إنسان روض الصحراء لكي تكون حياته بها أسهل وأيسر، وليس أدل على هذا من بيوت السدو التي تتحدى الرمال والحر الشديد.

كما مثل اكتشاف النفط في منطقة الخليج العربي مرحلة أخرى في بناء صورة نمطية للخليج العربي، لكن سرعان ما استطاع الخليج العربي بناء صورة مغايرة، فالثروة لا تعني الرفاهية المطلقة أو إنفاق المال بلا حدود ولا عائد، فعبر الصناديق السيادية واستثماراتها الجيدة، باتت هذه الصورة النمطية تأخذ منحى عكس المنحى السلبي الذي حاول الغرب أن يجسده، فصار يسعى لاستثمارات هذه الصناديق في بلاده وأعتبرها أساسية لدعم اقتصاداته.

إعادة الاكتشاف

إن جغرافيا منطقة الخليج العربي الممتدة من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، ليست صحراء فقط، بل هي بيئة متنوعة، مما يجعلنا نعيد بناء رؤيتنا لها عبر الجغرافيا الثقافية، ما بين الزراعة الحضرية في عسير واليمن والواحات، وبين موانئ تجارية مثل مسقط وصحار وجدة ومخا والحديدة ، وبين رعاية الإبل وزراعة النخيل إلى صيد اللؤلؤ وطقوسه، وبيئة صيد الأسماك، نحن هنا أمام مساحات من الثراء التراثي والثقافي، الجمل والصحراء هنا حضارة تقدم التحدي والإبداع عبر العصور ، فالعرب هجنوا من الجمال أنواع منها الذي يحمل طن ونصف لحمل بضائع للتجارة، أو السريعة التي تنقل البريد والتي شاعت بسببها مسابقات الهجن في الخليج العربي والتي بدأت كصورة غريبة على من لا يعرف الثقافة العربية الأصيلة، فمسابقات الهجن صارت تجذب الآن مشاهدين في تتابع ينبئ عن تحول هذه المسابقات إلى أحداث جاذبة للسياحة، البيئة القاسية في الخليج العربي جعلت الإنسان صاحب جلد صلب عتيًا على الانكسار، وهو ما ظهر جليًا في حركة الفتوحات الإسلامية .

بناء ثقافي جديد قديم

اكتشف العالم الخليج العربي في السنوات الأخيرة، حينما أراد الخليج العربي إعادة اكتشاف ذاته وتراثه بعد طفرة النفط التي طغت على كل مناحي الحياة، ويعود الفضل في ذلك إلى إعادة الاعتبار للعادات والتقاليد الشعبية، فتمسك النخب الخليجية بالزي الوطني كان دافعًا بمرور الوقت إلى إعادة الاعتبار للتراث والثقافة الوطنية، تجاور مع هذا تمسك الأجيال القديمة بتراث صيد اللؤلؤ ، فنرى كبار السن يرون بفخر عن حرف صيد اللؤلؤ فالطواشي مهنة من يقوم بشراء وبيع اللؤلؤ ، وهو الذي يسوقه في موانئ الهند وغيرها، والغواص أو " الغيض " الذي يغوص في الخليج لجمع المحار ، " السيب " الذي يقوم بسحب الغواص من مياه الخليج، " الجلاس " أو " اليلاس" وهو الذي يقوم بفتح المحار لاستخراج اللؤلؤ، " النهام " الذي يغني لطاقم السفينة، " السكوني" وهو الذي يمسك بدفة السفينة طبقًا لتعليمات قائدها، " " قائد السفينة، ظل جيل من النواجذ موجود إلي وقت قريب ووثقت حياة بعضهم، فعد توثيق صيد اللؤلؤ في أفلام وثائقية مادة ثرية ، قادت لتوثيق علمي ممنهج نراه في كتابات عالم الجغرافيا التاريخية الكويتي عبد الله يوسف الغنيم، لنصل إلى الوعي الخليجي المتنامي بالتراث الشعبي فأسس في عام 1981م، ( مركز التراث الشعبي لمجلس دول التعاون الخليجي ) والذي اتخذ من الدوحة مقرًا له منذ عام 1982م، إلى إغلاقه في 2005 م، بالرغم من قيامه بمجهودات متعددة ، أبرزها مجلته التي عدت سجلاً جيدًا لتراث الخليج العربي، حتي رأينا الآن دورًا متصاعدًا خليجيًا وعربيًا ودوليًا لـ ( معهد الشارقة للتراث ) فأنشطته الأكاديمية مميزة وكذلك جهوده في التوثيق ولكن أيضًا أنشطته المتفاعلة مع الناس خاصة المهرجانات والأيام التراثية .

هذا يقودنا إلى تجربة خليجية عربية كان لها دور في تقديم الوحدة والتنوع في التراث السعودي هي مهرجان الجنادرية، هذا أول مهرجان له دور في تقديم الوحدة والتنوع في الثقافة والتراث على أراضي السعودية، لكن مع تزايد الإدراك خاصة مع كوادر وطنية مدركة لأهمية التفاعل التراثي والثقافي على الصعيد الدولي، رأينا جهودًا متضافرة لوضع التراث اللامادي الخليجي على قائمة التراث العالمي، كان النجاح في عدد  من الملفات دافعًا للبحث عن هذا التراث بكثافة على شبكة الانترنت، وهو في حالة مثل القهوة العربي دافعًا للإقبال عليها حتى صارت بعض الفنادق الكبرى تقدم القهوة العربي، كانت كل من السعودية وعمان وقطر في عام 2015م، قدموا القهوة العربي كملف لتسجيله علي قائمة التراث العالمي ونجحوا في ذلك نجاحًا مبهرًا، كان عنوان الملف ( القهوة العربية رمزًا لكرم الضيافة) لا تعد القهوة مشروب بل طقوس اجتماعية وثقافية تعكس العراقة العربية، هنا نستحضر ملفًا آخر هو ( الصفارة ) سجلت تحت عنوان ( البيزرة تراث إنساني حي ) وذلك عام 2016 م، تشاركت في تقديم هذا الملف عدد من الدول هي : السعودية، الإمارات، قطر، سورية ، المغرب ، إسبانيا ، بلجيكا، التشيك، كوريا الجنوبية ، منغوليا ، النمسا ، إيطاليا ، باكستان، كازاخستان .. الخ، الصفارة هي استخدام الطيور الجارحة في الصيد، خاصة الصقور والنسور، صارت إرثًا ثقافيًا لمنطقة الخليج العربي، التي كان لها دور كبير في الحفاظ عليه، إن أكثر الملفات التي كان لها مردود اقتصادي فضلًا عن الثقافي كان تسجيل نخيل التمر الذي عنون ملفه (نخيل التمر: المعارف، المهارات، التقاليد، الممارسات) شاركت عدد من الدول العربية في تسجيل هذا الملف هي: السعودية، البحرين، مصر، العراق، الأردن، الكويت، موريتانيا، عمان، الإمارات، تونس، السودان، فلسطين .. الخ، لقد أعقب إعلان التمر ونخيله على قائمة التراث العالمي أن برز التساؤل عنه وتزايد الطلب على التمور والمنتجات الحرفية المرتبطة بنخيل التمر.

إن هذا كله لم يبرز في منطقة الخليج العربي من فراغ، بل من نتاج للتعليم الذي برز في البحرين والكويت مبكرًا، منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، هذا ولد عقلًا جمعيًا نشر الثقافة المعاصرة، لنرى دورًا للأندية الثقافية في أرجاء السعودية لنرى تيارًا متدفقًا من الأدب عبر الرواية الخليجية التي صارت تترجم الآن لعدد من اللغات، وإذا كانت الرواية جنس أدبي معاصر، فإن الشعر النبطي له حضوره في الساحة الثقافية في الخليج، هذا كله بلور لاحقًا العديد من المؤسسات الثقافية.

المؤسسات الثقافية

يومًا بعد يوم صار الخليج العربي في حاجة لمؤسسات ثقافية عصرية تقدم ثقافته وتراثه وتبني أجيالًا جديدة، هذه المؤسسات لابد أن يكون لها حيوية التفاعل على أصعدة متعددة عبر برامج غير تقليدية، لذا نرى الآن في الخليج العربي عددًا من هذه المؤسسات التي تلعب أدورًا متعددة، من هذه المؤسسات:

إثراء : إثراء، مركز الملك عبد العزيز الثقافي في الظهران يعد أحد أكبر المراكز الثقافية في العالم وأكثرها حداثة من حيث استخدام التقنيات، وبالرغم من عمره القصير فإنه نجح في رسم شخصيته، مساحته 80 ألف متر مربع ويتكون من عدة بنايات مصممة ببراعة تعبر عن صخور الصحراء من بعيد وتفاعلها مع البيئة المحيطة بها في عدة بنايات متجاورة تضم برج إثراء يتكون من 18 طابقًا، ومختبر الأفكار يتكون من 3 طوابق، ومكتبة من 4 طوابق، لنرى فيه معرض الطاقة ومتحف الطفل مسينا ومسرح ومساحات تقدم أنشطة مكثفة ، تتفاعل فيه لتجذب الأجيال الجديدة والأفكار ، صار إثراء مكانًا يزوره الآلاف لكي يستمتعوا ليس بروعة العمارة بل أيضًا بالأنشطة اليومية .

كثارا : كثارا أو الحي الثقافي في الدوحة مكان يقدم لنا اقتصاديات الثقافة عبر الدمج بين الأنشطة الفنية والثقافية والأنشطة الاقتصادية المصاحبة، هذه التجربة واعدة في معطياتها، فالزائر يشاهد معارض فنية تتغير على مدار العام لنرى معرض فن تشكيلي قادم من الإكوادور للفنان فرانز ديل ، ومعرض الكاباك نيان : طريق الاينكا العظيم ، ثم في جلسات الروايا في أيام الخميس والجمعة و السبت يستمع لحكايات من الحكي الشعبي ، فضلاً عن حفلات الموسيقى والغناء والمؤتمرات، ولا تستطيع أن تغادر كثارا دون أن تزور متحف الطوابع العربية .

مكتبة محمد بن راشد ( دبي ) : تعد أحدث المشروعات الثقافية في الخليج العربي، تضم أكثر من مليون كتاب ورقي ورقمي ، كما أن بها معارض وقاعات للمؤتمرات والأهم أنها صممت على شكل كتاب مفتوح يرمز إلى أن دبي تتلقى وتنتج المعرفة، هنا تبدو هذه المكتبة كمؤسسة ثقافية واعدة ، وتحولت في زمن قصير إلى مكان يرتاده زوار دبي ، فعدت نقلة نوعية لطبيعة السياحة في المدينة التي انتقلت من الترفيه إلى الصورة التي تعكس الثقافة والفنون، تضم 7 طوابق بها أكثر من 400 مخطوطة كلها من النوادر، فضلًا عن نوادر الكتب المطبوعة .

مركز جابر الأحمد: على شاطئ مدينة الكويت صرح معماري مستلهم من العمارة الإسلامية، هو مركز جابر الأحمد الثقافي والفني وهو بناية متعددة الوظائف البارز منها وظيفة دار الأوبرا، لكنك سترى المعارض والمحاضرات والمؤتمرات في المركز نشطة مما يجعله مركزًا محطة للإبداع والتنوير والتلاقح الثقافي والفني، وعنوانًا للكويت وهويتها.

دار الأوبرا السلطانية: في مسقط دار الأوبرا السلطانية التي تعد الآن على الصعيد الدولي من دور الأوبرا التي يجري البحث عن جدول حفلاتها على مدار العام، فبالرغم من أنها أول دار أوبرا في الخليج العربي، غير أنها سرعان ما تجاوزت ذلك لكي تكون صرحًا يحسب له الحساب في الأحداث الفنية، تتكون الدار من 8 طوابق على مساحة 80 ألف متر مربع منها 3 طوابق تحت الأرض، افتتحت الدار عام 2011 م، البناية بها روح فياضة من العمارة الإسلامية، أكبر قاعاتها تستوعب 1100 من الجمهور.

إن المؤسسات الثقافية المعاصرة في الخليج العربي تنقل الثقافة نقلة غير مرئية الآن فالعاملين بها حاليًا معظمهم من الشباب الخليجي الذي نال تعليمًا رفيع المستوى، هذا ما يعني ضمنًا أننا ننتظر جيلًا جديدًا من الكوادر المؤهلة التي تكتسب خبرات متراكمة لإدارة العمل الثقافي في المستقبل، لذا علينا أن ننتظر في العشر سنوات القادمة بروز أسماء من داخل هذه المؤسسات، يبرز هذا مثلًا في عدد من المكتبات في الخليج العربي مثل مكتبة الملك فهد في الرياض والتي تعد أفضل المكتبات الوطنية في المنطقة العربية حاليًا، ومكتبة قطر التي تعد صرحًا للمعرفة في الخليج العربي هو عنوان المكتبات في المنطقة بمشارعها المتعددة وشراكاتها الدولية .

على جانب آخر يحسب لصانع القرار في الخليج العربي أنه حين شيد مؤسساته الثقافية والتراثية، حرص على أن تكون معالم معمارية في المدن، بحيث صار التقاط الصور أمامها أو في قاعاتها معتادًا ومعتاد أيضًا أن يقوم الزوار بنشر هذه الصور ، هذا ما يشير إلى أن هذه المعالم نجحت في بناء صورة مميزة على غرار متحف لوفر أبوظبي بقبته وردهاته ، ومتحف الفن الإسلامي في الدوحة، إننا في هذا السياق نذكر بأن ساعة الحرم المكي المطلة عليه في برج مرتفع جعلها في أذهان المسلمين في كل أنحاء العالم تضاهي ساعة بج بن في لندن، بل لدينا معالم معمارية في الخليج تتكرر كصور ذهنية تعكس صورة الخليج الجديدة كمسجد الدولة في الكويت، أو مسجد كورنيش جدة، أو مسجد الشيخ زايد في أبوظبي، أو مسجد السلطان قابوس في مسقط وغيرها ، كل مسجد من هذه المساجد صار ملهمًا للمعماريين في تفاصيله الدقيقة حتى في توزيع الظل والضوء وهو ما تميز به مسجد السلطان قابوس وكذلك مسجد الكورنيش في جدة فعلى صغر حجمه فاز بجائزة الأغا خان للعمارة .

دبلوماسية وثقافة الجوائز

منذ سبعينيات القرن العشرين بدأ الخليج العربي يلتفت لفكرة الجوائز وقيمتها المحفزة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، حتى صار لدينا جائزتان مهمتان تمثلان في نتائجهما مؤشرًا على من يفوز بجوائز دولية أخرى، مثل جائزة نوبل في فروعها العلمية التي فاز بها عدد ممن حصلوا على جائزة الملك فيصل التي تتميز بصرامتها ، وكذلك جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ، لتتابع الجوائز وتتنوع لكننا هنا لابد أن نرى الجوائز الخليجية وقد تابعها الآلاف مثل جائزة الرواية ( البوكر ) التي هي حدث عربي سنوي ينتظره القراء لمعرفة من هو الفائز ، ثم جائزة كتارا للرواية والتي قدمت أقلامًا جديدة للساحة الأدبية ، لكن دبلوماسية وثقافة الجوائز تجاوزت هذا إلى ما هو أبعد فمكتبة الملك عبد العزيز العامة أطلقت في عام 2006 م، جائزة ( الملك عبد الله العالمية للترجمة ) وفروعها تتضمن الترجمة من وإلى اللغة العربية ، وفي مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية، كما تمنح جائزة للمؤسسات ولجهود الأفراد، لتطلق كتارا في قطر جائزة ( الشيخ حمد للترجمة ) وهي متعددة الفروع، الجائزتان من أهم جوائز الترجمة في الوطن العربي، ولعبتا دورًا في الحضور الثقافي العربي على الساحة الدولية .

دبلوماسية الثقافة لها حضورها فالسعودية تقود يوم اللغة العربية سنويًا في اليونسكو بباريس عبر أنشطة متعددة، هذا ما جعل حضور اللغة العربية واضحًا في ردهات هذه المؤسسة خاصة أن العربية هي إحدى اللغات المعتمدة في اليونسكو، هذا ما قاد السعودية لتأسيس مجمع الملك العالمي للغة العربية، والذي سرعان ما بلور عددًا من المشاريع الواعدة مثل مؤشر اللغة العربية وتقرير سنوي عن حال اللغة العربية، لكنه كان سباقًا في إقامة برامج عربية للذكاء الاصطناعي ومعالجة العلاقة بينه وبينها.

إن كل ما سبق بعض من كل فليس هو حصر للثقافة والتراث في الخليج العربي، بل هو إضاءات على حالة الثقافة والتراث في الخليج العربي، هناك حراك قوي حيوي لكن أيضًا نحن في انتظار نتائج عدد من الاستراتيجيات التي جرى وضعها مؤخرًا، لكي نرى قفزة وضعت لتحقيقها.

مقالات لنفس الكاتب