array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 189

استراتيجية مقترحة من 13 بندًا لتنمية الشراكات الخليجية الدولية في قطاع الطاقة

الثلاثاء، 29 آب/أغسطس 2023

في وقت يشهد فيه العالم تعقيدات جيوسياسية وتعثرات اقتصادية وأزمات طاقية متعددة كالتذبذبات العالمية في (الأسعار والإمدادات)، واستخدام الطاقة كسلاح أحيانًا، وما يرتبط بذلك من اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، وفي ظل الجهود الدولية المتسارعة لمواجهة تغير المناخ العالمي، تبرز أهمية الشراكات الخليجية مع دول العالم المختلفة، خاصة بعدما أصبح تعزيز أمن إمدادات الطاقة وموثوقيتها واستدامتها وتيسير تكلفتها، وكذلك التعامل مع تحديات التغير المناخي، أولويات اشضيستراتيجية مشتركة بين معظم دول مجلس التعاون الخليجي وغالبية دول العالم.

فمن ناحية، أصبحت الشراكات الخليجية مع الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز مهمة للغاية لتحقيق التوازن والاستقرار في قطاع الطاقة العالمي من خلال تعزيز التعاون والتنسيق الدائم بين هذه الدول في ظل الاضطرابات والمستجدات الأخيرة في سوق الطاقة العالمية. فعلى سبيل المثال، تهدف الشراكة الخليجية مع دول تحالف "أوبك بلس"، الذي يشكل نحو 40 % من مجمل الإنتاج العالمي للنفط، إلى تحقيق الأمن والاستقرار في سوق الطاقة العالمي من خلال التحوط من السيناريوهات المحتملة في المستقبل، والمبادرة في التعامل مع هذه السيناريوهات. وهو الأمر الذي كشف عنه بوضوح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في كلمة ألقاها خلال منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة مؤخرًا، قائلاً إن أهداف "أوبك بلس" هي "اليقظة والمبادرة والتحوط مما قد يأتي في المستقبل".

ومن ناحية أخرى، تساهم الشراكات الخليجية مع الدول المستهلكة والمستوردة للنفط والغاز في العالم على العمل بشكل مشترك ليس فقط لضمان الاستقرار وتوازن العرض والطلب في الأسواق العالمية للطاقة، وإنما أيضًا تعزيز الجهود العالمية المتسارعة لمواجهة التداعيات الكارثية لظاهرة تغير المناخ العالمي، خاصة فيما يتعلق باستبدال مصادر الطاقة التقليدية بطاقة نظيفة مستدامة، ضمن استراتيجيات مواجهة التغيرات المناخية العالمية.

ومما قد يساهم في نجاح مثل هذه الشراكات أن الدول الخليجية، لديها فوائض مالية كبيرة يمكن استثمارها في هذا المجال، كما أنها تشارك بنشاط في عدد من المنظمات والمنتديات الدولية التي تُعنى بالتغير المناخي العالمي، مثل منتدى الحياد الصفري للمنتجين، والميثان العالمية، والمنتدى القيادي لفصل واحتجاز وتخزين الكربون، ومهمة الابتكار في مجال الطاقة. وتؤكد مثل هذه المشاركات دور الدول الخليجية الفاعل، على المستوى الدولي، في مواجهة آثار التغير المناخي، والإسهام في الجهود الدولية الرامية إلى خفض الانبعاثات، من خلال تنويع مزيج الطاقة المستخدم فيها، وتعزيز استخدام تقنيات نظيفة لجميع مصادر الطاقة، بما فيها المتجددة والمواد الهيدروكربونية.

الدول الخليجية شريك موثوق فيه من الغرب والشرق

ومن جهة أخرى، يعزز من أهمية الشراكات الخليجية مع دول العالم المختلفة، وآثارها الإيجابية على قطاع الطاقة العالمي، أن معظم هذه الشراكات مستمرة منذ أكثر من نصف قرن، وتتميز بالرسوخ والموثوقية، والحرص على تنميتها وتنويعها بما يحقق المصالح المشتركة، والمنافع المتبادلة، ويدعم تنمية واستقرار قطاع الطاقة والاقتصاد على مستوى العالم. فمن ناحية، تجد كثير من الدول الغربية في الدول الخليجية شريكًا يمكن الاعتماد عليه في مواجهة التداعيات السلبية المحتملة لأزمات الطاقة المتفاقمة في العالم، ولتخفيف عبء فاتورة الحرب الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير 2022م، في ظل العقوبات الغربية الكاسحة التي فرضها على روسيا من أجل دفعها للانسحاب من أوكرانيا. وفي هذا السياق، تسعى الدول الغربية، التي فرضت حظرًا كاملًا على النفط الروسي ووضعت قيودًا مشددة على الغاز الروسي، باعتبارهما المصدر الرئيسي لتمويل العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلى استثمار علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي لضمان إمداداتها من جهة، ومواجهة التضخم المتسارع نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي، والذي ينعكس سلبا على اقتصادها ومستويات معيشة شعوبها من جهة أخرى. لذلك لم يكن غريبًا في الفترة التي تلت نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في بداية عام 2022م، أن يتوافد قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وغيرها على العواصم الخليجية المختلفة، خاصة الرياض وأبو ظبي والدوحة، لتعزيز ودفع التعاون في مجالات الطاقة المختلفة، سواء التقليدية أو المتجددة. وربما يرجع هذا الأمر إلى أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة (والعراق أيضًا) من الدول القلائل في العالم، التي تستطيع ضخ المزيد من النفط في السوق العالمية. أما الدول الأخرى المنتجة والمصدرة للنفط في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أو في تجمع "أوبك بلس"، فهم إما قد بلغوا أقصى طاقتهم الإنتاجية، أو أنهم تحت طائلة العقوبات كما هو الحال بالنسبة إلى إيران وفنزويلا.

وفي هذا الإطار، ربما كانت الشراكة السعودية ــ الفرنسية في مجال الطاقة أحد الأمثلة المهمة التي تعكس بوضوح التداعيات الايجابية المتنوعة للشراكات الخليجية الدولية على قطاع الطاقة العالمي. حيث أكدت الرياض وباريس، التزامهما بهذه الشراكة من خلال توقيع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة في 2 فبراير 2023م. وقد كشفت هذه الوثيقة عن أن المملكة وفرنسا وضعتا الهيدروجين الأخضر والكهرباء التي يتم إنتاجها من مصادر الطاقة المتجددة في صميم عملية تحول الطاقة لكلا البلدين، كما اتفقتا على توحيد الجهود في البحث عن حلول مبتكرة لإنتاج الهيدروجين بأكثر الطرق فاعلية وتنافسية، ولتطوير استخدامه في الصناعة، والنقل، وتوليد الكهرباء، والمباني والتطبيقات الأخرى ذات الصلة. كما اتفقت الدولتان أيضًا على "خريطة طريق" للتعاون في مجالي الهيدروجين والكهرباء المولّدة بالطاقة المتجددة، تعتمد على ثلاث ركائز أساسية تتلخص في: تطوير تقنيات الإنتاج والنقل والتحويل في مراكز الطلب، وتعزيز التعاون التجاري في مجال الهيدروجين الأخضر، وتحقيق التوافق والانسجام في السياسات واللوائح المطبقة في كلتا الدولتين في هذين المجالين.

ومن جهة أخرى، اتفقت السعودية وفرنسا أيضًا على تعزيز التعاون في مجال الكهرباء النظيفة، وتبادل الخبرات في مجال توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، ومشروعات الربط الكهربائي، وتشجيع مشاركة الشركات الخاصة في مشروعات الكهرباء، بما في ذلك تقنيات توليد الكهرباء، ونقلها، وتوزيعها، وتخزينها، وتقنيات أتمتة الشبكات. كما اتفق البلدان أيضًا على بذل جهود مشتركة لتعزيز كفاءة الطاقة، وتعزيز التعاون في مجال الطاقة النووية، ضمن إطار عمل سلمي وآمن، وإدارة النفايات الإشعاعية والتطبيقات النووية، وتطوير القدرات البشرية. واتفقت الرياض وباريس أيضًا على التعاون في تعزيز تقنيات وحلول التغير المناخي، ومنها التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، من القطاعات ذات الانبعاثات التي يصعب تخفيفها، مثل قطاعات الإسمنت، والطيران، والبحرية، والبتروكيماويات، وغيرها. هذا، وقد أسفرت الشراكة السعودية ــ الفرنسية في قطاع الطاقة عن وجود كثير من المشروعات السعودية ــ الفرنسية المشتركة، أبرزها: مصفاة "ساتورب" المشتركة بين شركتي "أرامكو السعودية" و"توتال إنرجيز" الفرنسية، وشركة "إي دي إف" الفرنسية للطاقة المتجددة التي ترأس ائتلاف تطوير مشروع مزرعة الرياح في محافظة دومة الجندل (شمال السعودية).

وبالإضافة إلى ذلك، مثلت الشراكات الخليجية مع القوى الاقتصادية الآسيوية الكبرى كالصين واليابان والهند أهمية كبيرة لتحقيق الاستقرار والتوازن في قطاع الطاقة العالمي. فعلى سبيل المثال، وجدت الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة وأكبر دولة مستهلكة للنفط عالميًا، في الشراكات مع الدول الخليجية دعامة أساسية لتحقيق أمنها الاقتصادي والطاقوي، خاصة مع التزايد المستمر والمتواصل في الطلب على النفط بعد انتهاء عمليات الإغلاق الاقتصادي الناجمة عن أزمة كوفيد 19. ويؤكد كثير من المراقبين على أن الشراكات الخليجية ــ الصينية ستعزز في المدى المنظور نتيجة عوامل متعددة، من أبرزها: التكامل بين "مبادرة الحزام والطريق" الصينية والعديد من الرؤى التنموية والإصلاحية في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بينها "رؤية المملكة 2030" السعودية، وتوافق وجهات النظر بين الجانبين الخليجي والصيني حيال قضايا الطاقة المختلفة، مثل: اتفاقهما على أهمية دعم استقرار وتوازن أسواق البترول العالمية؛ من خلال تشجيع الحوار والتعاون بين الدول المنتِجة والمستهلِكة، والحاجة لضمان أمن الإمدادات لجميع مصادر الطاقة في الأسواق العالمية، بما يخدم مصالح جميع الأطراف، ويحقق النمو الاقتصادي العالمي المستدام.

وفي هذا السياق، تعددت أبعاد الشراكة الخليجية الصينية في قطاع الطاقة في السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، تشارك الشركات الصينية المملوكة للدولة في شركات النفط بعدد من الدول الخليجية وتستثمر فيها لتلبية احتياجاتها النفطية. كما سعت بكين أيضًا بشكل متزايد إلى تنويع استثماراتها في عدد من هذه الدول، بما يتجاوز النفط، من خلال الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة والبنية التحتية والتمويل والاتصالات وغيرها من القطاعات. وبالتزامن مع ذلك، زادت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في مشروعات الطاقة الخضراء بالصين للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة من خلال إنشاء مزارع الرياح، والاستثمار في مشروعات الهيدروجين الأخضر، والطاقة النووية، والطاقة الشمسية. كما ارتفع اعتماد الدول الخليجية على بكين أيضًا من حيث استيراد الأجزاء الخاصة بالألواح الشمسية، وذلك في إطار السياسات الخليجية الطموحة للتحول إلى الطاقة المتجددة. هذا بالإضافة إلى أن الشراكة الخليجية ــ الصينية امتدت لكي تصبح بعض الدول الخليجية مراكز إقليمية للشركات الصينية لإنتاج وتصدير منتجات قطاع الطاقة بالإضافة إلى الاستثمار المشترك في مشروعات الطاقة في دول المنطقة والدول المستهلكة لمنتجات الطاقة في أوروبا وإفريقيا.

ومن ناحية ثانية، تعد الشراكة السعودية ــ اليابانية مثالاً آخر يحتذى به على صعيد الشراكات الخليجية الدولية وتأثيراتها المتنوعة على قطاع الطاقة العالمي. فعلى سبيل المثال، تستمر الرياض، انطلاقًا من التزامها بالعلاقة الاستراتيجية مع اليابان في مجال الطاقة، في تحقيق أمن الإمدادات النفطية لليابان، من خلال تخزين النفط الخام السعودي في مرفق الخزن الاستراتيجي في جزيرة أوكيناوا، وكذلك من خلال الحفاظ على كونها الشريك والمصدر الأكثر موثوقية لإمدادات النفط الخام لطوكيو. هذا، وقد أصبحت السعودية في عام 2021م، أكبر مُورِّد للنفط إلى اليابان، بتوريدها ما نسبته حوالي 40 % من احتياجات اليابان.

ومن جهة أخرى، اتفقت الدولتان على تعميق التعاون في مجال الهيدروجين النظيف وتطبيقاته، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية لتطبيقات الاقتصاد الدائري للكربون، ضمن إطار مذكرتي التعاون في مجالَي الهيدروجين النظيف ووقود الأمونيا ومشتقاتها، والاقتصاد الدائري للكربون وتدوير الكربون، اللتين جرى توقيعهما بين وزارة الطاقة السعودية، ووزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية. وبناء على ذلك، وصلت أول شحنة من الأمونيا النظيفة المنتجة في السعودية، والحاصلة على شهادة معتمَدة من جهة محايدة، إلى اليابان لاستخدامها وقودًا لتوليد الكهرباء، وهو الأمر الذي يمثل علامة فارقة في مسيرة تطوير حلول الطاقة النظيفة في العالم، ويأتي ثمرة تعاون فعال بين جهات عدة في المملكة واليابان.

ومن ناحية أخرى، وصلت مشتريات المملكة من اليابان في قطاع الطاقة ما يقارب 12 مليار ريال، خلال السنوات الخمس الماضية. ويتمثل أغلبها في قطاعات الغاز، والبترول، والبتروكيميائيات، والطاقة التقليدية؛ حيث شملت المشتريات التوربينات والمضخات والصمامات والضواغط، وعدداً من الخدمات المتنوعة التي شملت الخدمات الهندسية واللوجستية والإدارية وغيرها.

كما يؤكد قادة البلدين أيضًا على وجود فرص استثمارية مشتركة في مجالات البتروكيمياويات، في إشارة إلى ما أعلنت عنه المملكة مؤخرًا، من خطط طموحة لزيادة طاقة إنتاج البتروكيمياويات فيها، من خلال تحويل السوائل إلى مواد كيميائية، وزيادة التكامل بين جميع مراحل سلسلة القيمة، بالإضافة إلى فرص واعدة للتعاون الاستثماري بين الرياض وطوكيو في مجالات السيارات الكهربائية والكهرباء المولدة من مصادر متجددة كالشمس والرياح، وكفاءة الطاقة، والابتكار والبحث والتطوير، ونشر التقنية لتمكين التحول إلى أنظمة طاقة نظيفة، وعلى وجه الخصوص التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وإلى أنواع جديدة من الوقود النظيف مثل: الأمونيا، والهيدروجين النظيف، واستخدام تقنيات التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه.

شراكة حيث توجد المصلحة

على أية حال، يمكن القول إن الشراكات الخليجية الدولية تكشف حرص دول مجلس التعاون الخليجي على أن تكون منفتحة على التعامل مع كافة دول العالم، بما في ذلك الدول الغربية، وروسيا، والصين، واليابان، وغيرها، وذلك من أجل تحقيق المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وبالتالي تحقيق الاستقرار والتوازن في قطاع الطاقة العالمي. ومما يلفت الانتباه في هذا الخصوص أن الدول الخليجية لديها طموحات كبيرة في الاستفادة من فرص الاستثمار القائمة في مشروعات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، من خلال تكوين شراكات مع أوروبا والولايات المتحدة والصين والهند واليابان وفرنسا وغيرها من أجل تصدير الكهرباء والهيدروجين النظيف إلى العالم، خاصة مع تمتع الدول الخليجية بموقع جغرافي متميز يعزز وصولها إلى كثير من الأطراف، فضلًا عن الفوائض المالية التي تمكنها من ضخ استثمارات مالية كبيرة في هذه المشروعات. وفي هذا الإطار، يشار، على سبيل المثال، إلى أن المملكة العربية السعودية تسعى إلى أن تصبح من الدول الرائدة عالميًا في تصدير الهيدروجين النظيف والكهرباء المولّدة من المصادر المتجددة (كالشمس والرياح)، مستفيدة من مواردها من الطاقة المتجددة، والغاز الطبيعي وأحواض الكربون. وقد رصدت الرياض، وفقًا لوزير الطاقة السعودي، استثمارات بقيمة تريليون ريال (266 مليار دولار) لتحقيق هدف توليد وتصدير طاقة أنظف إلى العالم، وإضافة خطوط نقل وشبكات توزيع جديدة للطاقة وتسريع عمل مرافق تحويل السوائل إلى كيماويات لزيادة المواد الأولية للبتروكيماويات.

ومن ناحية أخرى، تكشف الشراكات الخليجية الدولية في قطاع الطاقة أيضًا عن أنها لا تميل إلى الانحياز لطرف دولي على حساب طرف دولي آخر، وإنما تقوم على توسعة هذه الشراكات مع كافة القوى الاقتصادية الكبرى (خاصة الصين واليابان وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والهند) في إطار تحقيق المصالح الإقليمية والقطرية لدول مجلس التعاون الخليجي. وهذه الشراكات سوف تقود على الأرجح، على المدى البعيد، في تعزيز الأمن والاستقرار في محيط الخليج والعالم العربي. ولا شك أن ذلك سوف يساهم بشكل ملموس في تحقيق الاستقرار الجيوسياسي، الذي يعتبر "المفتاح الأهم" لأمن الطاقة العالمي، حسب ما أكد عليه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي، المنعقد في دافوس 2023.

تحديات مهمة

ومع ذلك، ورغم الجهود المستمرة لتوطيد الشراكات الخليجية الدولية في قطاع الطاقة إلا أن كثير من المراقبين يؤكدون على أن هذه الشراكات تواجه عددًا من التحديات والعقبات المهمة، والتي من أبرزها ما يلي:

  • إصرار عددًا من الدول ومؤسسات التمويل الدولية على حجب الاستثمارات في المشروعات الجديدة في قطاع النفط والغاز، بحجة مواجهة التداعيات "الكارثية" لتغير المناخ العالمي، الأمر الذي قد يتسبب في تقلبات شديدة بأسواق الطاقة العالمية على المدى الطويل، ويهدد النمو الاقتصادي العالمي.
  • تعرض العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وعدد من الدول الغربية، ومن بينها الولايات المتحدة، لانتكاسة بسبب اتخاذ دول المجلس قرارات مستقلة، منها خفض إنتاج النفط بالتعاون مع روسيا في ظل تحالف "أوبك بلس"، ورفض الطلبات المتكررة من جانب الإدارة الأمريكية وعدد من العواصم الغربية لزيادة إنتاج النفط من أجل خفض أسعاره العالمية، والموقف الخليجي المحايد "نسبيا" من حرب أوكرانيا. هذا فضلا عن مقاربة عدد من الدول الغربية المهادنة لإيران وحظرهم تصدير الأسلحة إلى بعض الدول الخليجية بذريعة الحرب في اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان.
  • عدم وجود سياسة خارجية موحدة لدى دول مجلس التعاون الخليجي، رغم تعدد العوامل المشتركة.
  • القوانين والإجراءات البيروقراطية الحالية المطبقة في الدول الخليجية، والتي تعرقل سرعة تطوير الشراكات الخليجية مع عدد من دول العالم المهمة، ومنها الصين على سبيل المثال.
  • قلة عدد الباحثين المتخصصين والمهتمين بالشؤون الدولية المرتبطة بالطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة تلك المتعلقة بالصين واليابان وفرنسا وألمانيا.
  • ضعف اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي باللغات الآسيوية، مثل الصينية واليابانية.
  • محدودية الاهتمام بالتعاون الثقافي والإعلامي بين دول مجلس التعاون الخليجي وكثير من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، والذي لا يرتقي إلى مستوى العلاقات والمصالح الاقتصادية بين الدول الخليجية وهذه القوى.
  • عدم وجود سياسات واضحة بخصوص قطاع الهيدروجين الأخضر في كثير من دول العالم.

استراتيجية مقترحة لتنمية الشراكات الخليجية الدولية في قطاع الطاقة:

من أجل التغلب على هذه التحديات الصعبة، قد يكون من الضروري والمفيد اتباع العديد من الخطوات والسياسات والإجراءات، لتفعيل الشراكات الخليجية الدولية في قطاع الطاقة، وذلك من خلال إتباع ما يلي:

على المدى القصير:

  • ضرورة الإسراع بإطلاق آلية الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وكل من الصين، واليابان، والهند، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريكس، وتنشيط الدبلوماسية الرسمية من خلال الاتصال المستمر بين وزارات الخارجية والسفارات المقيمة في هذه الدول والتكتلات الدولية لتبادل الأفكار بشأن تعزيز التعاون في قطاع الطاقة العالمي.
  • التركيز على العمل المناخي ومشروعات "تحول الطاقة" أو "الانتقال الطاقوي" نحو مصادر الطاقة الخضراء كمحور مركزي جديد للشراكة الخليجية الدولية في قطاع الطاقة. فبعد أن حددت دول مجلس التعاون الخليجي أهدافًا للوصول إلى "صافي صفر انبعاثات كربونية" في العقود القادمة، ومع دبلوماسيتها البيئية النشطة بشكل متزايد، بما في ذلك استضافة الإمارات لمؤتمر قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 28) في نوفمبر 2023م، واستثمارات الدول الخليجية المتزايدة في مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين في الداخل والخارج، أصبحت دول الخليج أكثر الشركاء في العالم جاذبية من منظور العمل المناخي الهادف إلى مواجهة تغير المناخ العالمي، وتأثيراته الكارثية المدمرة على كوكب الأرض.
  • إنشاء فريق من مجموعة خبراء الطاقة والمناخ بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول الصديقة لتكثيف حوار السياسات بشأن التحول الأخضر على المستويين الإقليمي والثنائي. كذلك، يمكن عقد اجتماع وزاري سنوي بين وزراء الطاقة في الدول الخليجية ودول العالم الأخرى حول التحول الأخضر
  • ضرورة تشجيع مبادرات القطاع الخاص ذات الصلة بتطوير مشروعات تحول الطاقة (مثل إقامة منتدى للأعمال الخضراء)، من أجل اقتراح المزيد من المبادرات المشتركة الملموسة.
  • العمل على إقناع صانعي القرار في عدد من دول العالم والمنظمات الدولية بأن مواجهة تغير المناخ العالمي تتطلب التركيز على تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بدلا من استبدال شكل من الطاقة بآخر، والتأكيد على أن هناك حاجة لضخ استثمارات كبرى في كل قطاعات الطاقة، بما في ذلك قطاعات النفط والغاز الطبيعي.
  • حث الدول المتقدمة على دعم جهود الدول الخليجية في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والبحث عن مصادر أكثر استدامة للطاقة، وذلك من خلال الدخول في شراكات لبناء محطات لتوليد الطاقة باستخدام الألواح الشمسية، وتكثيف التعاون البحثي لابتكار مزيد من البدائل التكنولوجية للطاقة المتجددة، فضلاً عن التعاون للاستفادة من الخبرات الدولية في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية.
  • تشجيع حركة السياحة العالمية إلى الدول الخليجية من خلال تنشيط المكاتب السياحية والإعلام السياحي.
  • تطوير العلاقات بين المؤسسات الرسمية الاقتصادية والتعليمية والتقنية والثقافية والإعلامية الخليجية مع الجهات المماثلة في دول العالم المختلفة.
  • تبادل البعثات العلمية، وإنشاء مراكز لتعليم اللغات الآسيوية، وخاصة اللغة الصينية وتشجيع حركة الترجمة باللغتين العربية والصينية.

أما على المدى الطويل:

  • ضرورة العمل على وضع رؤية خليجية مشتركة لدفع وتطوير الشراكات الدولية والإقليمية في قطاع الطاقة، مع تحديد "خريطة طريق" واضحة بشأن تطبيق هذه الرؤية، مع تحديد جهات التنفيذ والمديات الزمنية والآليات المناسبة التي يمكن استخدامها في هذا الخصوص.
  • أهمية اعتماد الدول الخليجية على بورصة شنغهاي للطاقة لتداول خامات النفط، كخطوة نحو تسعير عقود النفط بالمنطقة باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي. وتشجيع البنوك العربية لإصدار سندات مالية باليوان، وهو توجه انتهجته عدة بنوك بالفعل في المنطقة مؤخرًا. ومن شأن هذه الجهود أن تعزز تدويل اليوان الصيني.
  • توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج والصين: فمن شأن هذه الاتفاقية، المساهمة في إضفاء طابع مؤسسي على الشراكة الاقتصادية بين الجانبين، وتهيئة الطريق لتصبح هذه الدول مركزاً للتجارة الصينية خلال العقود القادمة، فضلاً عن أن توقيع الاتفاقية وتفعيلها سيعزز آفاق التعاون التجاري في مجالات غير النفط، لاسيما التقنيات والمنتجات التكنولوجية المتعلقة بالطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
  • تعزيز التعاون مع الدول الصناعية المتقدمة في مشروعات الطاقة المتجددة لزيادة دورها في مزيج الطاقة العالمي، وحث هذه الدول على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول المتضررة من التغير المناخي، وفقًا لاتفاقية باريس لمواجهة تغير المناخ لعام 2015، والتي تنص على قيام هذه الدول بإنفاق 100 مليار دولار سنويًا لمشروعات التكيف والتخفيف ومواجهة الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ العالمي.

مقالات لنفس الكاتب