array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 190

اتفاق صيني ـ سعودي لتسريع المواءمة بين مشاريع الدولتين وتوظيف المزايا لتحقق المنفعة والتنمية

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2023

في الوقت الذي بدأ فيه التعاون الصيني العربي يزداد ويتعمق، كان لدول مجلس التعاون الخليجي الحصة الأكبر في هذا التعاون. الرئيس الصيني شي جينبينغ دعا العام الماضي إلى بذل جهود مشتركة مع دول مجلس التعاون الخليجي لتوسيع مجالات جديدة للتعاون في مجال الابتكار والعلوم والتكنولوجيا. وأشار الرئيس شي إلى أن الصين مستعدة لبذل جهود مشتركة مع دول مجلس التعاون الخليجي لبناء مجموعة من حاضنات الابتكار والشركات الناشئة، مؤكدًا أنّ الصين ترغب أيضًا في إنشاء آلية تعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في علوم وتكنولوجيا الأرصاد الجوية، وعقد ندوات مشتركة حول تغير المناخ. كما أكدّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي أنّ الصين تريد "ضخ زخم جديد" في تحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وتسريع المناقشات حول إنشاء منطقة تجارة حرة. هو نوع جديد من التعاون برز في زمن صعب ومهم يُعاد فيه تشكيل العالم من جديد لإنشاء نظام عالمي متنوّع، وقد يقدّم هذا التعاون بما يحتويه من خصائص ومزايا نموذجًا مثاليًا للتعاون في عصر التعدد القطبي، نموذج يقوم على مبدأ الربح المشترك لجميع الأطراف بما يضمن حقوق الشعوب.

الشراكة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي وتأثيراتها الإيجابية على القطاع الصناعي

خلال القمة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي التي حصلت في ديسمبر من العام الماضي قال الرئيس الصيني شي جينبينغ: "إنّ الصين تتمتّع بسوق استهلاكية واسعة ومنظومة صناعية متكاملة، بينما يتميز الجانب الخليجي بموارد الطاقة الغنية والتطور المزدهر لتنويع الاقتصاد، فيعدّ الجانبان شريكين طبيعيين للتعاون". وبالفعل مع مرور الوقت بدأ التعاون في المجال النفطي يأخذ منحى جديدًا ويتوسّع بشكل أكبر، إلا أنّ هذه الشراكة باتت تعد اليوم بمثابة تعاون تقليدي، فعلى الرغم من أهمية التعاون في مجال الطاقة، إلا أنّ الصين وعلى ما يبدو تعمل على إقامة تعاون مع دول الخليج قائم على تنمية الصناعات غير النفطية، مما يساهم في إيجاد حلول لمشاكل عالمية برزت مؤخرًا، وهو جزء مما ترغب بكين بمشاركته مع الدول الأخرى، من خلال تقديم خبرتها في التجارب التي مرّت بها في مختلف أنواع الصناعات سواء الثقيلة أو التكنولوجية والرقمية. هذا بالإضافة إلى أنه وفي ظل المتغيرات القائمة في عالم اليوم على مختلف الأصعدة بدأت تبرز تحديات جديدة، الأمر الذي يتطلّب أن يتم التعامل معها بشكل مختلف، ومن هنا فإن التعاون الصيني مع دول الخليج سيلبي الاحتياجات المختلفة لكلا الجانبين بما فيها احتياجات الطاقة.

عمليًا، يوجد تآزر كبير بين حكومة الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في مجالات التنمية المشتركة، مثل: السياحة، والاتصالات، والطاقة المتجددة، والمدن الذكية، والذكاء الاصطناعي، والشركات الموجهة نحو التكنولوجيا. فإذا أخذنا المجال الصناعي كمثال على عمق تعاون يمكن ذكر الأمثلة التالية: في عام 2007، توصلت شركة الألومنيوم الصينية إلى اتفاقية مع شركات ماليزية وسعودية لبناء مصنع للألمنيوم بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ "مليون" طن باستخدام التكنولوجيا والمعدات الصينية في مدينة "جازان" الاقتصادية في المملكة العربية السعودية. كما قامت الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) وشركة البترول والكيماويات الصينية (سينوبيك) بتأسيس مشروع مشترك ألا وهو شركة سينوبك وسابك (تيانجين) للبتروكيماويات، بنسبة 50:50 من الأسهم. هذا بالإضافة إلى أنّ آرامكو السعودية وشركة "فوجيان" للبتروكيماويات وشركة "إكسون موبيل" قاموا بالاستثمار بشكل مشترك في إنشاء مشروع تكامل للمصفاة والبتروكيماويات في "فوجيان" الصين.

وبذلك فإنّ التعاون الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي هو بمثابة فرصة للانتقال نحو مرحلة أخرى تلبّي تطلعات كل دولة في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، وفقًا لرؤية كل بلد. إذ سيعمل هذا التعاون على تدعيم نقاط التكامل بين ما تعمل الصين على مشاركته مع دول العالم، ومع ما ترغب تلك الدول في تطويره من جوانب. ففي دول الخليج العربي لا تزال صناعة النفط والغاز تولّد الجزء الأكبر من إيرادات القطاع العام، إذ كان هناك نقص مستمر في وجود تنوع اقتصادي، مما أدى بدوره إلى الاعتماد على موارد الطاقة بشكل أساسي، ولكن اليوم فإنّ مختلف دول الخليج العربي باتت تضع خططها للعقود القادمة بالاعتماد على تنويع الاستثمارات، ولعلّ من أهم وأحدث التوجهات الحالية في المشاريع القادمة لدول الخليج ستكون متعلّقة بالرقمنة والبيئة الخضراء، وهو ما يتداخل مع ما تدعو إليه الصين لمواجهة التحديات القائمة في عالم اليوم والتي من أخطرها التغيّر المناخي.

وفي خضم هذا التعاون الصناعي لا بد من الإشارة إلى أنه بالرغم من حجم الإنتاج الصناعي الكبير في الصين، إلا أنّ الحكومة الصينية وضعت خطة "صنع في الصين 2025" وذلك من أجل الارتقاء بالقطاع الصناعي، زيادة القدرة التنافسية، تعزيز القدرة على الابتكار التكنولوجي تحسين الهيكل الصناعي وتحسين المنظمات الإنتاجية، الإسراع في تكامل المعلومات والتصنيع، وتوسيع التعاون الدولي وغيرها من المجالات المعنية. ولعلّ التعاون الصناعي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي هو خير مثال على الالتقاء المشترك لأهداف الصين المستقبلية مع دول الخليج، من خلال تحقيق المزيد من تبادل الخبرات في مختلف الجوانب الصناعية، فلكلا الجانبين أهدافه المستقبلية في تطوير الصناعة وفقًا للاحتياجات الوطنية لكل دولة، وعليه فإنّ هذا التعاون كفيل بأن يساهم في سد أي فجوة تخلق في العملية الصناعية لأي جانب.

التعاون الصيني ــ الخليجي تنويع للشراكات وجذب للاستثمارات وتوطين للصناعة

"توطين الصناعة" هي كلمة مفتاحية قادرة على خلق دول تعتمد على ذاتها لتصبح قوية، ومن ثم تنطلق لمساعدة الآخر في نقاط ضعفه. وهو المبدأ الذي يفضي بطريقة أو بأخرى إلى تنويع الشراكات مع مختلف الدول بعيدًا عن مبدأ الاحتكار، وهو ما يؤدي إلى جذب استثمارات استراتيجية. فالصين تعي تمامًا أهمية تنويع الشراكات بعيدًا عن وضع البيض في سلة واحدة، بما يجذب استثمارات متعددة ويضمن إقامة شراكات متنوعة مع مختلف الدول. كما تدرك أهمية توطين الصناعات، خاصة وأنّها دولة طوّرت من اقتصادها باعتماد مبدأ "التوطين".

في إطار التجربة الصينية يمكن القول إنّ الصين تعلّمت من خبرات دول العالم في مختلف المجالات الصناعية والعلمية، ومن ثم طبقّت تجارب الدول الأخرى على أراضيها وفقًا لما يناسب الصين وبخصائص صينية، ولذلك فإنّ الصين غالبًا ما تدعو مختلف الدول إلى اكتشاف مسارات التحديث الخاصة بها، مع الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، ومن ثم إقامة نوع من المواءمة ما بين تلك التجارب والظروف الوطنية لتلك الدول. وهو ما اعتمدته دول الخليج في السنوات الأخيرة، إذ تعمل على تطوير دولها وفقًا لما يناسب أوضاعهم وشروطهم. ولذلك فإن التعاون الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي هو تعاون سيفضي إلى توطين تلك الصناعات، من خلال تدريب وتأهيل كوادر تصبح قادرة على العمل بشكل مستقل مستقبلًا، مما يساهم بشكل أو بآخر في تطوير تلك البلدان، وبذلك سيكون لمبدأ "توطين الصناعة" الذي تعتمده الصين في تعاملاتها مع الدول أهمية كبرى، بما يؤدي إلى خلق صناعات محلية في دول مجلس التعاون الخليجي تناسب المستهلك الخليجي الذي سيكون قلب العملية الإنتاجية، وهو ما يتوافق مع المبدأ الذي تدعو إليه الصين بأن يكون لكل دولة خصائصها الخاصة انطلاقًا من ظروفها المحلية، فتوطين الصناعات في دول الخليج سيؤدي إلى تعميق الخصائص الصناعية الخاصة بتلك الدول، بما ينسجم مع احتياجاتها ورؤاها في المراحل القادمة. وعمومًا يمكن القول إنه تاريخيًا، وبعد أن اكتسبت الصين خبرات في مختلف المجالات بالاعتماد على ذاتها، فإنها تعمل على مشاركة هذا الأمر مع الدول الأخرى، من خلال العمل على إقامة تعاون في المجالات المختلفة الصناعية والاقتصادية والتجارية. ولعلّ أكبر دليل على العلاقات الصينية الخليجية الوثيقة هو ارتفاع حجم التعاون بين الجانبين، فقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 180 مليار دولار عام 2019م، بينما كان حجم التبادل التجاري عام 1990م، أي في السنة التي تأسست فيها العلاقات الدبلوماسية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي حوالي أقل من مليار ونصف.

وقد يكون أكثر ما يكرّس أهداف دول الخليج العربي في توطين الصناعات وتنويع الشراكات هو ما قامت كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي بتطوير "رؤيتها" الخاصة، على سبيل المثال: الرؤية السعودية 2030، رؤية الكويت 2035 "كويت جديدة"، رؤية أبو ظبي 2030، رؤية قطر الوطنية 2030، رؤية عمان 2040، الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030. كل هذا في الواقع هو بمثابة خيارات وطنية لمشاريع تنويع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، أي مشاريع الانتقال من النموذج الريعي باستغلال مورد هيدروكربوني واحد، إلى نموذج "ما بعد النفط" حيث يصبح الاستثمار الأجنبي المباشر عنصرًا هامًا في هذا النوع من الاقتصاد. وكان قد تم التوقيع على 15 مذكرة تفاهم ثنائية عام 2016م، تتعلق بشأن رؤية المملكة 2030 لتنويع اقتصادها. وسيكون للمبادرات التي تطلقها الصين، والتي تتشارك بها مع رؤى الدول الخليجية، مثل النقاط المشتركة بين مبادرة "الحزام والطريق" ورؤية المملكة 2030 دورًا كبيرًا في تمتين وتعميق التعاون. وقد تضمّن البيان المشترك في ختام القمة الصينية ـ السعودية العام الماضي، ما يلي: " يجب العمل على تعميق التعاون المشترك في مبادرة "الحزام والطريق"، والترحيب بانضمام المؤسسات السعودية المعنية إلى شراكة الطاقة والاستثمارات المختلفة في إطار "الحزام والطريق"، وتعزيز موقع المملكة كمركز إقليمي للشركات الصينية لإنتاج وتصدير منتجات قطاع الطاقة بالإضافة إلى الاستثمار المشترك في مشاريع الطاقة في دول المنطقة والدول المستهلكة لمنتجات الطاقة في أوروبا وإفريقيا، بما يسهم في تطوير المحتوى المحلي السعودي، ويحقّق للصين الاكتفاء الذاتي في قطاع البتروكيماويات خلال استثماراتها ذات الصلة في المملكة". وهو ما سيؤدي بدوره إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية كشريك وحيد لدول الخليج ويكرس مبدأ التعدد القطبي. الأمر الذي تحرص بكين على تكريسه من خلال إقامة تعاون مع مختلف الدول في مختلف المجالات والقطاعات، وهو جزء من مبادرة "الحزام والطريق" الذي يتضمن تعاونًا في مجالات متعددة تبدأ بالتجارة وتمر بالشؤون الثقافية وتنتهي بالرقمنة.

ويُظهر تقرير تتبع الاستثمار العالمي في الصين الصادر عن معهد "المشاريع الأمريكي" اهتمامًا صينيًا مستمرًا بالاستثمار في اقتصادات الخليج. إذ بلغ إجمالي الاستثمارات ومشاريع البناء الصينية بين عامي 2005 إلى 2021م، ما يقارب 43.47 مليار دولار في السعودية، و36.16 مليار دولار في الإمارات، و11.75 مليار دولار في الكويت، و7.8 مليار دولار في قطر، و6.62 مليار دولار في عمان، و1.42 مليار دولار في البحرين. ووفقًا لما ورد في كلمة الرئيس الصيني شي جينبينغ فإنّ مجالات التعاون بين الصين ودول مجلس التعاون، ستمتد لتشتمل على المجالات التالية والتي هي مجالات تشكّل أولوية: " بناء معادلة جديدة للتعاون الشامل الأبعاد في مجال الطاقة، الدفع بتحقيق تقدم جديد للتعاون في مجالي المالية والاستثمار، توسيع التعاون الابتكاري والتكنولوجي إلى مجالات جديدة، تحقيق اختراقات جديدة للتعاون في مجال الفضاء، وخلق نقاط بارزة جديدة للتعاون اللغوي والثقافي".

الصين تقدّم الدعم في استيراد التكنولوجيا المتقدمة وتأهيل وتدريب الخبراء

في السنوات الأخيرة، تطور الاقتصاد الرقمي في الصين بسرعة وأصبح تدريجيًا إحدى القوى المهمة في خطة التنمية الوطنية. لم تجعل الصين الاقتصاد الرقمي حجر الزاوية في تنميتها الوطنية المستقبلية فحسب، بل قدمت أيضًا العديد من مبادرات الاستراتيجيات الرقمية لتحقيق هذا الهدف (على سبيل المثال، طريق الحرير الرقمي ومبادرة البناء المشترك لمجتمع رقمي ذي مستقبل مشترك). في يناير 2022م، أصدر مجلس الدولة الصيني خطة لتطوير الاقتصاد الرقمي للبلاد، تهدف إلى زيادة حصة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي الوطني، من 7.8 % عام 2020 إلى 10 % عام 2025 م، من خلال دفع تقنيات مثل 6G وبناء مراكز البيانات الضخمة، ولعلّ أحد أبرز أهداف التعاون الصيني الخليجي هو تحقيق تعاون في المجال الرقمي، فقد كان الاهتمام المتزايد من قبل دول مجلس التعاون الخليجي والصين بمواصلة التعاون الاقتصادي الرقمي واضحًا في مؤتمر الإنترنت العالمي الذي عقد في "ووتشن" في ديسمبر 2017م، عندما وافقت عدة دول، بما في ذلك السعودية والإمارات ، على توحيد الجهود مع بكين، وتحفيز تطوير التجارة الإلكترونية وغيرها من المعايير ذات الصلة.

على مدى السنوات القليلة الماضية، تمتّعت الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بعلاقات قوية، وأصبحت التكنولوجيا والابتكار جزءًا حاسمًا من التعاون بينهما. لقد ازداد استخدام مصطلح "الاقتصاد الرقمي" يومًا بعد يوم، وأصبحت الرقمنة الآن المحرك الدافع للنمو الاقتصادي والتحول في دول مجلس التعاون الخليجي. إذ تشهد اقتصاداتها الرقمية وحدها نموًا أسرع بمرتين من نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة. وعلى الرغم من أن الطاقة ستظل في المستقبل القريب الركيزة الأساسية للتجارة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن قطاع التكنولوجيا برز كمجال جديد وواعد للتعاون، خاصة وأنه بمثابة محرك متزايد الأهمية للنمو الاقتصادي العالمي، ويلعب دورًا مهمًا في تسريع التنمية الاقتصادية، وتعزيز إنتاجية الصناعات القائمة، وتنمية أسواق وصناعات جديدة، وتحقيق نمو شامل ومستدام.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى المكانة المهمة التي يحتلها الشرق الأوسط بتوسطه موقعًا مركزيّا بين ثلاث قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهو ما يعطيه مكانة بارزة في تنفيذ طريق الحرير الرقمي، والذي هو أحد مكونات مبادرة "الحزام والطريق"، إذ تسعى بكين من خلاله إلى تشكيل قاعدة عالمية رائدة في مجال الابتكار التكنولوجي، مما يساعد على إطلاق التنمية الرقمية العالمية.

وقد دعت الحكومة الصينية الشركات الصينية إلى توسيع بناء البنية التحتية الرقمية وحصتها في أسواق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلدان المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق". على سبيل المثال، وقعت شركات الاتصالات في البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عقودًا ضخمة لتقنية الجيل الخامس مع شركة هواوي. كما وقّعت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي اتفاقية مع شركة "علي بابا كلاود" لتصميم المدن السعودية وفقًا لمبادئ ذكية. كما سيعمل المركز الوطني للذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية (NCAI) مع شركة هواوي لتدريب مهندسي الذكاء الاصطناعي المحليين لضمان توفير المهارات اللازمة لدعم الاقتصاد المتنوع والقائم على البيانات. وفي المقابل، ستدعم تقنيات "علي بابا كلاود" طموحات المدينة الذكية في المملكة العربية السعودية. كما تقوم شركة هواوي ببناء مشروع مجمع مراكز البيانات المعيارية في مطار دبي الدولي، وتعاونت مع هيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA) لدعم إنشاء البنية التحتية للألياف الضوئية والمراقبة بالفيديو. هذا بالإضافة إلى أنّ الأكاديمية الرقمية السعودية وقّعت مذكرة تفاهم مع شركة هواوي بشأن تطوير المواهب المحلية، وسيتم العمل على دراسة الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والأمن السيبراني، واستخدامات الإنترنت على وجه التحديد.

الفوائد المتبادلة من الاتفاقيات الموقّعة

تعددت الاتفاقيات الموقعة بين الجانب الصيني ودول مجلس التعاون، ولعلّ أفضل ما يعزّز تلك الاتفاقيات هو حجم المواءمة والانسجام بين الجانبين، فمثلًا وإذا أخذنا مبادرة الحزام والطريق ورؤية المملكة 2030، فهناك اتفاق بين الجانبين الصين والسعودية على تسريع وتيرة المواءمة بين مشاريعهما في البلدين، وتوظيف المزايا المتكاملة، وتعميق التعاون العملي بين الجانبين بما يحقق المنفعة المتبادلة والتنمية المشتركة. كما رحب الجانبان بالتوقيع على 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم حكومية للتعاون في مجالات الطاقة الهيدروجينية، والفضاء، وتعليم اللغة الصينية، والإسكان، والاستثمار المباشر، والإذاعة والتلفزيون، والاقتصاد الرقمي، والتنمية الاقتصادية، والتغطية الإخبارية، والإدارة الضريبية، ومكافحة الفساد. بالإضافة إلى توقيع 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين القطاعين الحكومي والخاص، وتوقيع 25 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الشركات في البلدين.

غالبًا سيشكّل التعاون الصيني مع دول مجلس التعاون الخليجي فرصة مشتركة للجانبين الصيني والعربي، لتطوير مزاياهما بشكل تكاملي، بما يؤدي إلى الارتقاء بالشراكات إلى مستويات أعلى، فتلك الشراكة التي تصنّف اليوم على أنها شراكة استراتيجية، قد تصبح مستقبلًا مع تعميق الربح المشترك "شراكة استراتيجية عالية الجودة" وذلك بالتناغم مع المرحلة الجديدة التي تدخل بها الصين مرحلة "التنمية عالية الجودة"، والتي تستهدف فيها الانتقال من الانتشار الأفقي إلى الانتشار عموديًا وعميقًا في مختلف المجالات. هذا بالإضافة إلى أن تلك الشراكات الموقعة بين الصين ودول الخليج تحفّز باقي الدول على تقديم الأفضل في سبيل تطوير حجم التعاون بما يفضي إلى تطوير نتائج هذا التعاون، خاصة إن كان قائمًا على مبدأ الربح المشترك لجميع الأطراف بعيدًا عن المحصلات الصفرية التي كانت قد سيطرت على النظام العالمي لعقود طويلة.

خاتمة

في ظل الانتقال نحو عالم متعدد الأقطاب، تعمل الصين على تقديم نموذج تعاوني جديد مع مختلف دول العالم. ولعلّ لدول مجلس التعاون الخليجي أهمية كبرى في هذا التعاون، لا سيما بعد أن اعتمدت تلك الدول مبدأ تنويع الشراكات، والتوجه نحو شراكات استراتيجية مع مختلف الدول على رأسها الصين، ولعلّ أبرز ما سيؤدي إلى ترسيخ هذا التعاون هو التقاء المصالح الخاصة لكل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي مع ما تطلقه الصين من مبادرات إلى مختلف دول العالم. ولهذا التعاون الصيني الخليجي في العصر الجديد أثره المباشر ليس فقط على الجانب السياسي بما يعني الخروج من دائرة الأحلاف التقليدية نحو تنويع الشراكات مع العديد من الدول، بل له أثره الإيجابي في التوجه نحو مستقبل ما بعد النفط، وتعميق تطوير الصناعة بما يؤدي إلى توطينها عبر تأهيل وتدريب كوادر مهنية خبيرة قادرة على خلق مستقبل أفضل لتلك الدول. وهنا لا بدّ من ذكر ما قاله الرئيس الصيني في كلمته التي ألقاها العام الفائت في قمة الرياض: " تقع على عاتق كل من الصين ودول مجلس التعاون الخليجي رسالة شريفة لتنمية الأمة ونهضتها، وتتميز العلاقات الصينية الخليجية بتاريخ طويل ومستقبل واعد. لنعمل يدًا بيد على متابعة المسيرة الماضية والتقدم يدًا بيد إلى الأمام لخلق مستقبل جميل للعلاقات الصينية الخليجية"


 

مقالات لنفس الكاتب