array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 190

الاستثمار في ثورة الذكاء الاصطناعي يضع دول الخليج في المراكز الأولى للسباق العالمي

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2023

منذ بداية القرن الواحد والعشرين، بدأت موجة ازدهار التقنيات الرقمية وتسارعت عملية تغلغلها واستخدامها في مختلف المجالات. وعززت هذه التقنيات، بالإضافة لتكاملها العميق مع الابتكار، إلى دخول العالم حقبة الاقتصاد الرقمي. ولقد أطلقت الموجة الرقمية ثورة علمية وتكنولوجية عالمية، وهي تعمل بهدوء على تعزيز تغيير الهيكل الصناعي عالمياً. كما وتعمل التقنيات الرقمية على تغيير المزايا التنافسية لمختلف الدول مما سينتج عنه إعادة بناء للنمط الاقتصادي العالمي. إن الجمع والتكرار والتكامل والابتكار بين التكنولوجيات الرقمية وعوامل الإنتاج التقليدية لم يؤدي فقط إلى تحسين وتحويل عوامل الإنتاج وتحقيق اختراقات جماعية منهجية وثورية، بل أدى أيضاً إلى ظهور تكنولوجيات جديدة ورأس مال جديد وعمالة جديدة. وأصبحت البيانات عاملاً رئيسياً جديداً للإنتاج في الصناعة التحويلية، ومحركاً جديداً لإطلاق إمكانات النمو الاقتصادي، وتسريع نشر المعرفة، وتحسين تخصيص الموارد.

ليس هناك من شك أن التكنولوجيات الرقمية تعمل على تغيير الصناعات والأعمال عالميًا بما في ذلك الدول العربية بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص. وفي المقابل، أحدثت هذه التكنولوجيات تأثيراً هائلاً على الطريقة التي نعيش بها ونعمل بها، حيث أصبح العديد من الأشخاص يقضي وقتاً طويلاً في استخدام الأدوات الرقمية المتنوعة، كأجهزة الحاسوب المحمولة والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية والساعات الذكية. وفيما يتعلق بالأعمال، تشهد جميع الصناعات الرئيسية تقريباً تغييرات متسارعة مدفوعة بالتقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي (AI) وإنترنت الأشياء (IoT) والروبوتات والواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والتكنولوجيا المالية.

 

إن كافة أشكال الصناعات أصبحت مهيأة لثورة حقيقية. حيث أدى وصول التقنيات الرقمية إلى إعادة النظر في نظام الإنتاج بأكمله، وحتى طريقة تصميم المنتجات. وسيؤدي تجاور الابتكارات التكنولوجية المبني على التكنولوجيات الرقمية إلى خلق بيئة مادية إلكترونية تؤدي إلى إعادة التفكير بشكل كامل في طريقة عمل الأصول والعمليات الصناعية. وستكون صناعة المستقبل، في ظل الثورة الرقمية، قادرة على الإنتاج بشكل أكثر ذكاءً وكفاءة وسرعة أكبر وأكثر أماناً ونظيفة للبيئة.

أثر التكنولوجيات الرقمية على الصناعة

تشير الدراسات أن الثورة الرقمية الحديثة المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة لها أربع تأثيرات رئيسية على العالم الصناعي وهي: (1) تحسين الأداء، (2) زيادة الإنتاجية، (3) إعادة تنظيم واسعة النطاق لسلاسل التوريد، (4) التخصيص الشامل وتعزيز التنافسية.

  1. 1. تحسين الأداء:

نظرًا لإمكانية ترابط وتجاور التقنيات الرقمية، فلن تكون وسائل الإنتاج قادرة فقط على التنظيم الذاتي من خلال الاستجابة الفورية لأية مشاكل، ولكن أيضاً على المراقبة الذاتية من خلال الصيانة الوقائية التي أصبحت ممكنة بفضل أجهزة الاستشعار المتعددة، مما سينتج عنه انخفاضاً كبيراً في الأحداث والتأخيرات العشوائية. وكما سيتمكن المصنعون من البدء في الإنتاج حسب الطلب من خلال السيطرة الكاملة على نظام الإنتاج الخاص بهم، والهدف هنا الوصول إلى "صفر مخزون" والذي يؤدي في المقابل إلى تخفيض كبير في التكاليف الناتجة عن المنتجات غير المباعة.

  1. 2. زيادة الإنتاجية:

من خلال أتمتة عمليات التصنيع واستخدام الروبوتات في التصنيع، يمكن للشركات خفض التكاليف والحفاظ على قدرتها التنافسية في الصناعة التحويلية، بما في ذلك توفير حلول برمجية لجدولة العمليات ومتابعة المخزون ومراقبة سير العمل. هذا بالإضافة إلى تقليل الأخطاء وتوفير منتج عالي الجودة بمعدل أسرع وأدق. كما سيؤدي استخدام الروبوتات إلى زيادة إنتاجية المشغلين بشكل كبير وتحسين سلامتهم ورفاهيتهم. فعلى سبيل المثال: سيساهم استخدام الروبوتات في صناعة الطيران إلى نقل وتركيب الأجزاء الضخمة والثقيلة للطائرات بسرعة أكبر ودون الإضرار بسلامة العاملين مما سينتج عنة زيادة في الإنتاج وتحسين الجودة وتحسين معايير السلامة. 

  1. 3. إعادة تنظيم واسعة النطاق لسلاسل التوريد:

يدعم استخدام التكنولوجيات الرقمية في زيادة الرشاقة (agility) والمرونة (Flexibility) لسلاسل التوريد. من حيث الرشاقة، تكمن بعض الفوائد الضمنية في السرعة وتحسين التكلفة والمخزون في الوقت الفعلي وزيادة قابلية التوسع. كما ويُمكِن للمنصة الرقمية، بين شركاء سلسلة التوريد من المنبع إلى المصب، توفير معلومات في الوقت الفعلي، مثل معلومات الطلبات والمخزون والإنتاج. كما يعمل الابتكار الرقمي على تحسين قدرة الشركة على التعاون مع الجهات الفاعلة في سلسلة التوريد لديها بسلاسة لتنفيذ الخطط بشكل أكثر دقة وفي الوقت المناسب وبطريقة فعالة في سوق متقلب عالمياً. ومن حيث المرونة، توفر المرونة التكنولوجية قدرة كبيرة للمصانع والشركات على إدارة سلسلة التوريد الخاصة بها في بيئة ديناميكية ومعقدة. كما تعمل التكنولوجيا الرقمية على تحسين قدرة نظام المعلومات في هذه المؤسسات، مما يؤدي إلى مرونة سلسلة التوريد في بيئة الأعمال المتغيرة. علاوة على ذلك، فإن لاعتماد تكنولوجيا المعلومات في إدارة سلاسل التوريد تأثير كبير على كفاءة العمليات والإجراءات وتوفير المعلومات الدقيقة والموثوقة وتعزيز التنسيق والتعاون المشترك، وبالتالي زيادة مرونة سلسلة التوريد. بالإضافة إلى زيادة الرشاقة والمرونة، سيساعد استخدام التقنيات الرقمية الحديثة في تغيير آلية الإنتاج والتوريد. حيث تعتمد نماذج الإنتاج التقليدية الحالية على نقل المنتج أو المصانع من بلد إلى آخر لتوفير الاحتياج المحلي للدول من المنتجات المطلوبة. إلا أن التكنولوجيات الرقمية الحديثة ستسهل على الكثير من الدول إنشاء مصانع محلية صغيرة لتصنيع بعض المنتجات محليًا عوضًا عن استيرادها، بالإضافة لإمكانية إصلاح هذه المنتجات دون الحاجة للتخلص منها أو إعادتها للمصنع. فعلى سبيل المثال، ستمكن الطباعة ثلاثة الأبعاد هذه المصانع /أو الشركات المحلية من صيانة وإصلاح العديد من السلع محلياً. مما يعني أنه في المستقبل، وفي حال الحاجة إلى قطعة غيار للسيارة، فيمكن أن يتم إنتاجها مباشرة في مصنع محلي صغير أو في أقرب مرآب سيارات، عوضًا عن طلبها واستيرادها من المصنع الرئيسي في دولة أخرى. وهذا سيكون له كبير الأثر على الاقتصادات المحلية للدول، بما فيها دول الخليج العربي.

  1. 4. التخصيص الشامل وتعزيز التنافسية:

تعتمد صناعات المستقبل على مبدأ التخصيص الشامل والذي يتم من خلاله الاستجابة في الإنتاج بناء على الطلب. فعلى سبيل المثال، ستسمح تقنية الواقع الافتراضي (VR) من طلاء سيارة بناء على طلب العميل بعد أن يكون قد تمكن/تمكنت من معاينة لون السيارة في الواقع الافتراضي، وبذلك يتم توفير المنتج بناء على طلب العميل وليس على رغبة المُصنِع. وفي عصرنا الحالي، فإن التحول الرقمي لهياكل الأعمال والعمليات والنماذج وبيئات العمل قد مكن العديد من الشركات الصناعية وغيرها من الشركات من الانتقال من المنتجات التقليدية إلى المنتجات ذات التنافسية العالية التي تدمج المنتجات مع خدمات رقمية تعمل على تحسين تشغيل المنتج، أو تسهيل الوصول إلى البيانات في الوقت الفعلي، مما ساهم في إعادة التشكيل المستمر للمنتج وخدماته لصالح تجربة المستخدم/العميل. بمعنى آخر، أصبحت الخدمات المصاحبة للعديد من المنتجات الصناعية مصدراً للابتكار الرقمي الذي يمكن تجديده بالكامل فيما يتعلق بخصوصيات الخدمة ونتائجها المتوقعة بناء على تجربة الاستخدام وحاجة المستخدم/العميل.  

 

أثر الذكاء الاصطناعي على الصناعة

في واقعنا الحالي، أصبح الذكاء الاصطناعي ينظر له كأداة داعمة للإجراءات التشغيلية وبشكل كبير من خلال تقدير استخدام المواد الخام، وتوقيت الإجراءات، وإدارة الجودة، ودعم أو اتخاذ قرارات المشغل في العمليات المختلفة. ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع العمليات الصناعية، سوف تكتسب المصانع والشركات ميزة تنافسية أكبر وتتسارع وتيرة النمو التدريجي لها وبشكل مستدام.

ويوفر الذكاء الاصطناعي العديد من الفرص للعديد من المؤسسات إذا تم تنفيذ تقنياته بالطريقة الصحيحة. حيث يمكن أن تساعد هذه التقنيات على تحسين عمليات العمل وتحسين المبيعات الإجمالية والاستفادة من القوى العاملة. ولهذا السبب يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في العديد من الصناعات في جميع أنحاء العالم، مثل الرعاية الصحية والتمويل والتصنيع والزراعة والتنقل وغيرها من المجالات. بالإضافة لاستخدامه في فروع متعددة ولاحتياجات مختلفة، مثل التعلم العميق، ومعالجة الصور، ومعالجة اللغات الطبيعية، والشبكات العصبية، والتعلم الآلي، وما إلى ذلك. وتتمثل بعض المزايا الرئيسية للذكاء الاصطناعي في العمليات الصناعية بالنقاط التالية:

 

  1. 1. الأتمتة

تعد الأتمتة من أهم وأشهر مزايا الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا. وكان لها تأثير كبير على صناعات الاتصالات والنقل والمنتجات الاستهلاكية والخدمات. ولا تؤدي الأتمتة إلى ارتفاع معدلات الإنتاج وزيادة الإنتاجية في هذه القطاعات فحسب، بل إنها تعمل أيضًا على تمكين الاستخدام الأكثر كفاءة للمواد الخام، وتحسين جودة المنتج، وتقليل المهل الزمنية، وتحسين السلامة بشكل واضح. كما أن البرامج المبنية على الذكاء الاصطناعي، كبرنامج تشات جي بي تي (CahtGPT)، جعلت عملية كتابة البرامج الإلكترونية التي تساعد في أتمتة الأعمال أكثر سهولة. حيث أصبح بالإمكان استخدام مثل هذه البرامج لتسريع عمليه كتابة البرامج الإلكترونية بناء على الطلب والاحتياج وبزمن قياسي.

 

  1. 2. المساعدة في اتخاذ القرارات الذكية

يمكن لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي تنسيق تسليم البيانات، وتحليل الاتجاهات، وبناء اتساق البيانات، وتوفير التنبؤات، وتحديد أوجه عدم اليقين لاتخاذ أفضل القرارات للأعمال. حيث تمكن أصحاب القرار المصنعين اتخاذ قرارات مبنية على الاحتياج والطلب الفعلي العالمي والبيئة التجارية السريعة التأثر والتغير والواقع الاقتصادي بناء على معطيات مأخوذة في الوقت الفعلي. وطالما أن الذكاء الاصطناعي غير مبرمج لتقليد المشاعر البشرية، فإنه سيظل محايدًا بشأن المسألة المطروحة وسيساعد في اتخاذ القرار الصحيح لدعم كفاءة الأعمال والإنتاجية.

  1. 3. حل المشاكل المعقدة

لقد تمكنت التطورات في تقنيات الذكاء الاصطناعي، من التعلم الآلي الأساسي وحتى نماذج التعلم العميق المتقدمة، من حل المشكلات المعقدة، بدءاً من اكتشاف الاحتيال والتفاعلات الشخصية مع العملاء وحتى التنبؤ بالطقس والتشخيص الطبي. كما يساعد الذكاء الاصطناعي المصانع والشركات في العثور على الحلول المناسبة لمواجهة تحدياتها بشكل أفضل بناء على تحليل عميق للمشاكل التي تعاني منها مع اقتراح آليات لتجاوز هذه المشاكل بما يتلاءم مع إمكانيات هذه المؤسسات وقدراتها التشغيلية والإنتاجية. وهذه السمة التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي تساهم في زيادة الكفاءة في حل المشكلات المعقدة والذي ينتج عنه ضمناً إنتاجية أعلى وتكاليف أقل.

 

  1. 5. إدارة المهام المتكررة

إن أداء مهام العمل المتكررة لا يستغرق وقتًا طويلًا فحسب، بل قد يكون أيضًا رتيبًا ويقلل من إنتاجية الموظف أو العامل مع مرور الوقت. يمكن لأدوات أتمتة العمليات الآلية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تعمل على أتمتة التفاعلات بين أنظمة الأعمال المختلفة وتجعل العمل الشاق أسهل بالنسبة للمصانع والشركات. حيث يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي محاكاة تصرفات البشر داخل الأنظمة الرقمية في أقسام العمل المختلفة، مثل الموارد البشرية أو خط الإنتاج أو التسويق أو المبيعات، لتنفيذ أي عملية تجارية بسرعة دون الحاجة إلى أي جهد يدوي.

 

  1. 6. رفع الكفاءة التجارية

يمكن أن تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي في ضمان توفر الخدمات على مدار الساعة (24 ساعة في 7 أيام) مع ضمان تقديم نفس الأداء والاتساق على مدار الساعة للجميع ودون تباطئ في تقديم هذه الخدمات. كما أن الاهتمام بالمهام المتكررة لن يجعل أدوات الذكاء الاصطناعي متعبة أو تشعر بالملل وعدم الرغبة في العمل. يمكن أن يساعد ذلك في تحسين كفاءة العمل والإنتاج وتقليل الضغط على الموظفين والعاملين، وبذلك يوفر إمكانية إعادة هذه الأصول البشرية الهامة لأداء مهام عمل أكثر تعقيدًا وتتطلب تدخلًا يدويًا.

 

  1. 7. تقليل الخطأ في العمليات الصناعية المعقدة والحساسة

أحد الفوائد الأخرى من استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يتمثل في قدرتها على تقليل فرص حدوث أخطاء يدوية، خصوصًا في الصناعات المعقدة والحساسة. ونظرًا لأن أدوات أتمتة العمليات الروبوتية تهتم بمهام إدخال البيانات ومعالجتها، فإنها يمكن أن تجعل الأنظمة الرقمية أكثر كفاءة وأقل احتمالية لمواجهة أو خلق مشاكل بسبب أخطاء معالجة البيانات. وهذا النوع من الحلول الرقمية يعتبر مفيدًا بشكل خاص في الصناعات التي لا يمكن أن تحتمل ارتكاب حتى أدنى الأخطاء فيها وفي نتائج مخرجاتها، مثل صناعة الطائرات والصناعات الفضائية والصناعات الحربية وصناعات أجهزة القياس الطبية وما إلى ذلك.

  1. 8. التقدم الطبي وتسهيل الرعاية الصحية

أصبح استخدام حلول الذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية أكثر شيوعًا في أيامنا هذه، خصوصًا بعد ما واجهه العالم من تفشي لفايروس كوفيد-19 وكيف تمت الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي للحد من انتشاره ومراقبة المناطق الموبوءة وتوفير الخدمات للمرضى والبحث عن مطعوم للفيروس. كما نتج عن الاستخدام الكثيف والفعال للذكاء الاصطناعي توفير تقنيات تسمح لمقدمي الرعاية الصحية بمراقبة المرضى عن بعد وبإجراء التشخيص السريري بسرعة واقتراح العلاجات دون مطالبة المريض بزيارة المستشفى بشكل شخصي. كما ويمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا أيضًا في مراقبة تطور الأمراض المعدية وحتى التنبؤ بآثارها ونتائجها المستقبلية.

دول مجلس التعاون الخليجي والذكاء الاصطناعي

في السنوات الأخيرة، اتخذت اقتصادات دول الخليج العديد من المبادرات رفيعة المستوى لتعزيز تطوير صناعة وسوق الذكاء الاصطناعي. ووفقًا لدراسات إقليمية، من المتوقع أن تتجاوز المساهمة الاقتصادية للذكاء الاصطناعي في دول الخليج 277 مليار دولار بحلول العام 2030، مع استمرار الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي كما هو موضح في الشكل 1.

           (المصدر: برايس واتر هاوس 2023)

الشكل 1: الأثر الاقتصادي المقدر للذكاء الاصطناعي في دول الخليج بحلول عام 2030 (مليار دولار) 

 ووفقًا لتقرير مؤشر أكسفورد إنسايت لجاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي 2020م، والذي يعتمد على قدرة الحكومات على تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في الخدمات العامة، فقد تم تصنيف خمسة من اقتصادات دول الخليج ضمن أفضل 50 اقتصادًا في العالم كما هو موضح في جدول 1.

 

جدول 1: بعض المؤشرات الرئيسية المتعلقة والمؤثرة على تطور صناعة وسوق الذكاء الاصطناعي في دول الخليج

 

تتمتع تقنيات الذكاء الاصطناعي بالقدرة على تغيير الطريقة التي تعمل بها الحكومات والشركات في دول الخليج، مما شكل عامل دفع للبدء في الاستثمار وبكثافه في تطوير وتطبيق هذه التقنيات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، شرعت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة في رحلة تحويلة شاملة لتصبح مركزًا عالميًا للعلوم والتكنولوجيا، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة. ويعتبر هذا التحول جزءًا من رؤية السعودية للعام 2030 التي يقود تنفيذها ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، لغايات تقليل اعتماد البلاد على النفط وتنويع اقتصادها. كما وتخطط المملكة لاستثمار 2.5% من ناتجها المحلي الإجمالي، أي ما يقارب 16 مليار دولار، في عام 2030م، للبحث والتطوير، مع التركيز على مجالات بحثية لها علاقة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية والشيخوخة. ويعتبر مشروع نيوم على البحر الأحمر، والذي تبلغ تكلفته الإنشائية التقديرية 500 مليار دولار، أحد أهم المشاريع التي من المتوقع أن تكون القلب النابض لاستخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي وتقنيات المستقبل في المنطقة. كما شهدت الدولة أيضًا إطلاق العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل برنامج الكشف المبكر عن سرطان الثدي.

 

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة في صدارة سباق الذكاء الاصطناعي في المنطقة، وذلك بسبب البدء المبكر في استخدام هذه التقنيات في عدة مجالات كالصحة والفضاء والطاقة المتجددة والنقل والمياه والتعليم والبيئة وغيرها من المجالات. ففي مجال الرعاية الصحية، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لغايات الكشف المبكر عن سرطان الثدي. كما يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الهيدروكربون للكشف عن تسريب النفط، وفي الزراعة في التلقيح واكتشاف الأمراض. بينما يستخدم الذكاء الاصطناعي في العدادات الذكية في قطاعي الكهرباء والمياه. كما واستثمرت الإمارات في تقنيات أخرى للذكاء الاصطناعي، مثل السيارات الذاتية القيادة التي تم اختبارها في سيارات الأجرة في شوارع العاصمة أبو ظبي، لغايات تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على عائدات النفط والغاز.

 وعلى الرغم من اعتماد الذكاء الاصطناعي وتقنياته المختلفة والتي ستساهم في توفير العديد من الفرص لمنطقة الخليج العربي، من دفع النمو الاقتصادي وتعزيز الكفاءة وخلق فرص عمل جديدة وإيجاد حلول لبعض القضايا الملحة، مثل ندرة المياه واستهلاك الطاقة والازدحام المروري، إلا أن هذا الاعتماد يصاحبه أيضًا العديد من التحديات. وتشمل هذه التحديات الحاجة إلى استثمارات كبيرة في البنية التحتية، ونقص المتخصصين المهرة في مجال الذكاء الاصطناعي، والمخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، واحتمالية إزاحة الوظائف بسبب الأتمتة. ولقد أشار تقرير المخاطر العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2023 إلى أن أكبر المخاطر التي تواجه دول الخليج في استثماراتها في التكنولوجيات المتقدمة تتمثل في الأمن السيبراني. ويتطلب هذا الأمر العمل على توفير الحماية اللازمة لكل ما يتم تبادله من بيانات في الفضاء السيبراني لضمان أمن وسلامة المستخدمين والحكومات وأصول دول الخليج الرقمية من الهجمات الإلكترونية الحتمية.

 

وأخيرًا، يعد الجانب القانوني أمرًا بالغ الأهمية في اعتماد الذكاء الاصطناعي وتقنياته المختلفة. ونظرًا لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي غالبًا ما تعتمد على كميات كبيرة من البيانات، فإن هناك حاجة ملحة إلى سن قوانين ولوائح قوية لحماية البيانات في كافة دول الخليج. وهناك أيضًا حاجة إلى أطر قانونية لمعالجة القضايا المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مثل المسؤولية والمساءلة.

 

الخـــــاتمة

هناك العديد من المزايا التي يمكن أن تقدمها التكنولوجيات الرقمية، وخصوصًا الذكاء الاصطناعي، في العمليات الصناعية، بدءًا من استكشاف الفضاء إلى التقدم في أنظمة الدفاع وتوفير سلاسل إنتاج بناءً على الطلب والاحتياج ورفع الاقتصادات المحلية للدول. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع حتى الآن التنبؤ بما سيحدث في المستقبل أو مقدار الذكاء الاصطناعي الذي سيكون جزءًا من الشعوب، إلا أنه يمكننا التأكد من أنه سيتم وضعه في طليعة الوسائل التي يمكن استخدامها وتطويرها لتحسين نوعية حياة الناس وتوفير الخدمات لهم وبما يتناسب مع رغباتهم واحتياجاتهم.

سيؤدي اعتماد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في دول الخليج إلى رفع القدرة التنافسية للصناعات المحلية، مما سينعكس إيجابًا على اقتصادات هذه الدول. وعلى الرغم من أن ثورة الذكاء الاصطناعي لا زالت في بداياتها، إلا أن الاستثمار بها سيساهم في مساعدة دول الخليج على تربع المراكز الأولى في هذا السباق العالمي الذي لا مفر منه.


 

مقالات لنفس الكاتب