array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 190

تخطط السعودية لتشجيع توطين الأسلحة الأمريكية وتصنيع الأسلحة المتطورة على أراضيها

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2023

تعد المنطقة الخليجية نقطة مُضيئة في ظلام الركود العالمي خلال مرحلة ما بعد جائحة (كوفيد -19)، على الرغم من أزمة غلاء المعيشة العالمية والغزو الروسي لأوكرانيا. حيث حقق الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي نموًا بنسبة 7.3 % خلال عام 2022م، الذي طغت عليه الضبابية الاقتصادية، ونسب التضخم المرتفعة، وتزايد وتيرة الأزمات الجيوسياسية، إلى جانب انعدام أمن سلاسل التوريد العالمي. وبرغم من تباطؤ التعافي الاقتصادي للبلدان الخليجية خلال عام 2021م، إلا أن انتعاش أسعار السلع الأساسية، وزيادة الإنتاج النفطي على مدار عام 2022م، بالتوازي مع زخم الأنشطة غير الهيدروكربونية، جميعها عوامل ساهمت في دفع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول الخليجية إلى ما هو أبعد من تلك التي حققتها الدول ذات الدخل المرتفع في عام 2022م.

في الوقت ذاته، أظهرت الاتجاهات الاقتصادية في قطاعي التصنيع والخدمات بدول الخليج أداءً قويًا، عاكسة حجم التوسع الاقتصادي والمناخ الإيجابي للأعمال، وهو ما يعد مثار إعجاب بشكل خاص، كونه يأتي في وقت يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤا في النمو فضلًا عن ارتفاع أسعار الفائدة. من ناحية أخرى، ساهم الأداء القوي للقطاعات الهيدروكربونية وغير الهيدروكربونية في دعم مسيرة تعافي الاقتصادات الخليجية منذ بداية 2022م، وذلك بالتزامن مع تعافي أسعار النفط أوائل العام ذاته (2022) من أدنى مستوياتها خلال أزمة تفشي الوباء مُستفيدة من العقوبات الغربية المفروضة على صادرات النفط الروسي بسبب غزو أوكرانيا. وهو ما ساهم في انتعاش أسعار المعدن الأسود خلال معظم فترات 2022م.

ورغم تراجع العائدات النفطية خلال معظم فترات عام 2023م، على خلفية قرار تحالف "أوبك بلس" بخفض الإنتاج في ضوء حالة عدم اليقين المُخيمة على الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة، إلا أن الأداء القوي للقطاعات غير الهيدروكربونية، لاسيما التعافي الملحوظ في قطاعات مثل البناء، والتصنيع، والبيع بالتجزئة، والسياحة، ساهم في تعويض هذا التراجع مدعومًا بتخفيف تدابير التباعد الاجتماعي والقيود الخاصة بمكافحة انتشار فيروس كورونا.

 مع ذلك، ظلت معدلات التضخم الخليجية ضعيفة نسبيًا مقارنة بالبلدان ذات الدخل المرتفع.  حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة وقوة العملات إلى تقييد انتقال أثر ارتفاع أسعار الواردات إلى المستهلكين والشركات بدول مجلس التعاون الخليجي. ذلك بالإضافة إلى بعض التدخلات من قبل الحكومات الخليجية لاحتواء تبعات أزمة ارتفاع أسعار السلع العالمية، وهو ما ساهم في إبقاء الأسعار المحلية تحت السيطرة. ومن العوامل التي ساعدت أيضًا في كبح جماح التضخم، الدعم الحكومي للوقود والكهرباء في غالبية دول مجلس التعاون الخليجي من خلال الرقابة على أسعار المواد البترولية إلى جانب وضع ضوابط على أسعار الإيجارات مثلما فعلت الحكومة في كل من الإمارات والمملكة العربية السعودية.

 وقد ساهم ارتفاع أسعار النفط والتعافي الاقتصادي المتواصل في تدعيم الموقف المالي والاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي. فوفقًا للبيانات الصادرة عن البنك الدولي، حقق ميزان المالية العامة الإقليمي فائضًا خلال عام 2022م، يعد الأول من نوعه منذ عام 2014م. هذا الأداء المالي القوي لم تقتصر أسبابه على ارتفاع العائدات النفطية، المدعوم بصعود أسعار الطاقة والغاز، بل جاء مدفوعًا أيضًا بالتعافي المستمر في الأنشطة غير النفطية. في الوقت ذاته، يواصل سوق العمل الخليجي تعافيه بفضل ارتفاع ثقة الأعمال وعودة نشاط التوظيف لمستويات ما قبل تفشي جائحة كوفيد-19.

على صعيد المملكة العربية السعودية، يواصل عدد المواطنين السعوديين العاملين في القطاع الخاص نموه، حيث تستثمر الحكومات الخليجية بشكل مستمر في تنمية الرأس المال البشري ودعم توظيف المرأة. وقد انعكس نجاح هذه الجهود من خلال الزيادة الملحوظة في مشاركة الإناث بالقوى العاملة داخل البلدان الخليجية والتي تعد أعلى نسبيًا مقارنة بغيرها من دول الشرق الأوسط. خلاصة القول، لقد آتت الإصلاحات الخليجية ثمارها سواء فيما يتعلق بتحسين مناخ الأعمال، أو تدعيم القدرة التنافسية، كذلك التطوير الشامل فيما يتعلق بمشاركة المرأة في القوى العاملة داخل البلدان الخليجية، لاسيما في المملكة. في حين لاتزال ثمة حاجة إلى بذل مزيد من الجهد من أجل تنويع مصادر الدخل وهو ما يجرى عليه العمل حاليًا.

من جانبه، صرح الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، الشيخ جاسم محمد البديوي، أن القطاع الصناعي يحظى باهتمام بالغ من قبل دول المجلس وذلك في إطار حرصها على تنويع اقتصاداتها الوطنية. ويشار إلى أن نسبة مساهمة القطاع الصناعي بالناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الخليجية تتجاوز 11.5%، من ثم، ليس من قبيل الصدفة أن يولي قادة الدول الخليجية اهتمامًا كبيرًا بالجهود الرامية إلى دمج الأنشطة الصناعية بين دول مجلس التعاون الخليجي الست. وعليه، أقر المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي قانون التنظيم الصناعي الموحد في جلسته الثالثة والأربعين (ديسمبر 2022).

الاقتصادات الخليجية: على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة، استطاع صانعو السياسات الخليجية التخفيف سريعًا من وطأة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الأزمات المتداخلة سواء أزمة تفشي جائحة كوفيد-19، أو صدمة أسعار النفط. وبرغم ارتفاع أسعار السلع، ظلت التقديرات المتعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي الست إيجابية. مع ذلك، فرض العدوان الروسي على أوكرانيا والأوضاع العالمية المالية المُشددة، تحديات جديدة قد يكون تأثيرها المباشر محدودًا على الاقتصادات الخليجية التي استفادت من ارتفاع أسعار المواد الهيدروكربونية، وإن كانت لا تزال متقلبة.  مع ذلك، لا يزال شبح العديد من المخاطر يطارد التوقعات المستقبلية على رأسها تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي. إذ تُشير أحدث تقارير صندوق النقد الدولي -الصادر في (يوليو 2023) -إلى تراجع النمو العالمي من 3.50% في 2022 إلى 3.00 % خلال عامي 2023 و2024م، في حين من المرجح أن تشهد منطقة العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" تباطؤ أكثر حدة. حيث سَيتواصل الضغط على الأنشطة الاقتصادية نتيجة سياسة رفع أسعار الفائدة المعتمدة من قبل البنوك المركزية العالمية من أجل كبح جماح التضخم.

 يستدعي ذلك ضرورة الحفاظ على نفس وتيرة الإصلاحات التي بدأ العمل عليها خلال فترة تدني أسعار النفط-أياً كانت أسعار المواد الهيدروكربونية. ومن الضروري أن يكون ذلك مدعومًا بالعمل على حشد الإيرادات غير النفطية، وإلغاء الدعم الحكومي للطاقة بصورة تدريجية، إلى جانب احتواء أجور القطاع العام، ورفع كفاءة الإنفاق. وعليه فإن سياسات النمو الاقتصادي المستدام بقيادة القطاع الخاص إلى جانب مساعي التنويع الاقتصادي تمثل أهمية محورية حاليًا أكثر من أي وقت مضى. بما يستلزم ضرورة العمل على تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية الجارية، والحد من الانحرافات والاختلالات. ويشمل ذلك؛ تدعيم مشاركة المرأة في القوى العاملة، إظهار مزيد من المرونة مع العمالة الوافدة، رفع جودة التعليم، مواصلة الاستفادة من التقنيات الحديثة والرقمنة، تعزيز الأطر التنظيمية، تعزيز المؤسسات والحوكمة، تعميق أوجه التكامل الإقليمي، معالجة أزمة التغير المناخي.

أدى التأثير الناجم عن ارتفاع أسعار النفط والقفزة في معدلات الطلب على الغاز الطبيعي غير الروسي في تعظيم دور مُنتَج النفط الخليجي على صعيد تدفق إمدادات الطاقة العالمية. من ثم، شهدت الاقتصادات الخليجية تعافيًا اقتصاديًا واسع النطاق، مع تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 3.5% و7.7% خلال عامي 2021 و2022م، على التوالي، ممزوجًا بالنجاح إلى حد بعيد في إبقاء نسب التضخم تحت السيطرة. وتُشير التقديرات على المدى المتوسط، إلى تراجع نسب التضخم الخليجية إلى نحو 2 % مع انحسار الضغوط التضخمية العالمية.  فضلًا عن، محدودية التبعات المباشرة للحرب الروسية-الأوكرانية على الاقتصادات الخليجية نظرًا إلى قلة روابطها التجارية والمالية مع روسيا وأوكرانيا. وباستثناء الخسائر المحدودة المُحتملة في عدد قليل من استثمارات صناديق الثروة السيادية داخل روسيا، يمكن المجادلة بأن التأثير الأولي المباشر للحرب الأوكرانية قد جاء داعمًا للاقتصادات الخليجية التي استفادت حتى الآن من ارتفاع أسعار الطاقة في تحسين أوضاعها المالية والخارجية.

في الوقت ذاته، تعد الواردات الخليجية من القمح والسلع المماثلة من جانب روسيا وأوكرانيا محدودة نسبيًا. ورغم أن المنطقة الخليجية لا تقف بمعزل عن تطورات أزمة الأسعار العالمية، إلا أنها تمكنت حتى الآن من احتواء أزمة تضخم أسعار مواد الغذاء. بشكل عام، يعتبر وضع المنطقة الخليجية أفضل على صعيد الأمن الغذائي مقارنة بدول أخرى، لكنها تعتمد إلى حد كبير على استيراد المواد الغذائية، التي تصل نسبتها من إجمالي الواردات الخليجية نحو 12 %. كذلك تستورد دول مجلس التعاون الخليجي 85 % من إجمالي قيمة استهلاكها الغذائي، فيما تتجاوز وارداتها من الحبوب 90%، وتعتمد على استيراد ما يقترب من إجمالي استهلاكها من محصول الأرز.

غير أنه لا زال هناك مخاطر وشكوك عدة تحوم حول التقديرات المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الجانب المشرق، هناك من العوامل ما قد يساعد على تحسين الآفاق المستقبلية على رأسها: الإنتاج النفطي الذي فاق التوقعات، الإسراع في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، إلى جانب تدفق الاستثمارات. أما على الجانب المظلم، ثمة العديد من المخاطر المحُدقة بما في ذلك، عودة ارتفاع إصابات كورونا في الداخل أو الخارج، تراجع أسعار النفط نتيجة انخفاض النشاط العالمي -في حال خلفت الحرب الأوكرانية أثرًا دائمًا، الضغط في اتجاه إنفاق المكاسب غير المتوقعة من مبيعات النفط، والحياد عن سياسة التحوط والترشيد المالي، وغيرها من المخاطر التي تهدد أجندة الإصلاح المتبعة. من المحتمل أيضًا أن يتسبب المزيد من الضغوط التي تتعرض لها سلاسل التوريد العالمية في تقييد عبور الواردات من المعدات الرأسمالية (معدات الإنتاج)، وبالتالي، عرقلة تنفيذ استراتيجيات التنويع والاستثمار. ومع تحول العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة على المدى الطويل، فإن الطلب على الوقود الأحفوري سيكون في طريقه للانخفاض بطبيعة الحال، مما يفرض تحدياً إضافًيا لدول مجلس التعاون الخليجي.

على صعيد المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، تظهر دول مجلس التعاون الخليجي أداء أفضل مقارنة بنظيرتها في الجوار الإقليمي يكاد يقترب من أداء الاقتصادات المتقدمة. فيما أضحى التوسع في خدمات الحكومة الإلكترونية داخل المنطقة الخليجية واقعًا ملموسًا. فضلًا عن، ارتفاع عدد المواطنين الذين يتمتعون بإمكانية الولوج إلى شبكة الإنترنت إلى أكثر من 95% على مستوى كافة دول مجلس التعاون الخليجي، وهو مستوى يفوق متوسط المعدلات بالدول ذات الدخل المرتفع (89.6%). خلاصة القول، من الأهمية بمكان الحفاظ على زخم الإصلاحات التي تم تحقيقها مؤخرًا، وضمان عدم حيادها عن مسارها تحت ضغط ارتفاع أسعار المواد الهيدروكربونية.

 

الولايات المتحدة والازدهار الاقتصادي ومساعي التنويع بالبلدان الخليجية: يتمتع الحليف الأمريكي بتاريخ طويل وحافل من العمل إلى جانب شركائه في مجلس التعاون الخليجي من أجل دعم جهودهم لتنويع مصادر الدخل وتقليص اعتمادهم على العائدات النفطية. تشمل هذه الجهود أيضا مشاركة متزايدة من قبل القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية. في سبتمبر 2022م، وقع ممثلون عن الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون على "الاتفاقية الإطارية للتعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري والفني". حيث أعرب الجانبان عن حرصهما لتطوير وتحسين مستوى التعاون الثنائي في المجالات المُشار إليها على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة. كما اتفق الجانبان على التشجيع على تبادل المعلومات والخبرات التقنية اللازمة في تلك المجالات استنادًا على الأسس المتفق عليها.

 في أوائل عام 2014م، تم إطلاق مبادرة الأعمال المشتركة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي والتي تزامنت مع مشاركات وتفاعلات بين الغرفة الأمريكية وكبار المديرين التنفيذيين للأعمال من أكثر من 20 شركة ومؤسسة داخل إمارة أبو ظبي، ودبي، والشارقة، والرياض. أعقب ذلك توقيع الغرفة الأمريكية مذكرات تفاهم مع كل من مجلس الغرف السعودية، ومركز دبي للسلع المتعددة، وهيئة الشارقة للاستثمار والتطوير. تعمل الغرفة على توسيع نطاق عملها لإشراك دول مجلس التعاون الخليجي بهدف تعميق التجارة والاستثمارات الثنائية. تمتد فرص التفاعل التجاري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي لتشمل مجموعة واسعة من القطاعات، من الطاقة والرعاية الصحية والتعليم، إلى الثقافة والدفاع. فيما تُعنى مبادرة الأعمال المشتركة بين الجانبين بالعمل على تطوير وتوسيع هذه الشراكات الرئيسية.

 ينوط بمبادرة الأعمال أيضًا إدارة العلاقات الاقتصادية الثنائية المهمة مع دول مجلس التعاون الخليجي الست، بالإضافة إلى التواصل مع كبار المسؤولين بالأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي الذين يعملون في التجارة والتبادل التجاري بمختلف أنحاء المنطقة الخليجية. كما تتعاون المبادرة بشكل وثيق مع المؤسسات التجارية والاستثمارية في المنطقة، مُستفيدة من شراكاتها المتعددة ووجود تسع غرف تجارية أمريكية داخل البلدان الخليجية. علاوة على ذلك، تعمل المبادرة على استكشاف السبل من أجل خفض أو بالأحرى إزالة الحواجز أمام التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، كما تسعى لإيجاد وسائل لتسهيل تدريب وتطوير الموارد البشرية الوطنية بمختلف القطاعات الاقتصادية، وتشجيع التبادل العلمي والأكاديمي في المجالات الاقتصادية، والنقل الطوعي للتكنولوجيا، وزيادة الشراكات بين القطاع الخاص على مستوى الجانبين الأمريكي والخليجي.

في ضوء هذه الخلفية، عُقد الحوار التجاري والاستثماري الرابع بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة أوائل مارس 2023م، بمقر مجلس التعاون في العاصمة السعودية الرياض. ناقش الاجتماع التحديات والفرص التجارية والاستثمارية المتاحة، إلى جانب مستقبل التعاون التجاري، والضوابط والقوانين الحاكمة للشراكة بين الجانبين. كذلك تطرق الاجتماع إلى التجارة الإلكترونية والمعايير التي يقوم عليها هذا النوع من التجارة، بالإضافة إلى خطة العمل المشترك لتنفيذ الاتفاقية الإطارية الموقعة بين الجانبين عام 2012م.

تمتلك المملكة العربية السعودية ثالث أكبر ميزانية دفاعية على مستوى العالم-بعد الولايات المتحدة والصين. وتتضمن رؤية المملكة 2030 هدفًا صريحًا بشأن تقليص اعتمادها على الأسلحة الأمريكية من خلال العمل على بناء وتدعيم صناعة أسلحة محلية قادرة على إنتاج الأسلحة التقليدية لاستخدامها داخل المملكة أو لتصديرها إلى الخارج. كما تخطط المملكة إلى استغلال ميزانيتها الدفاعية الضخمة لتشجيع مصنعي الأسلحة الأمريكية على إنشاء وجود لهم بالمملكة وتصنيع الأسلحة على أراضيها.

الآفاق المستقبلية: يعيش الاقتصاد السعودي فترة ازدهار بفضل ارتفاع أسعار النفط والطفرة المشهودة في الاستثمارات الخاصة والإصلاحات المنفذة. بالتزامن مع تحقيق فائض الحساب الجاري للمملكة أعلى مستوى له في 10 أعوام ونجاح الحكومة في كبح جماح نسب التضخم. مع ذلك، تتطلب حالة الضبابية الغالبة على الاقتصاد العالمي-والتي تؤثر على الأوضاع المالية وأسعار النفط-بذل جهود متواصلة لبناء هوامش أمان وتنويع الاقتصاد. من الآن فصاعدًا، من شأن الإصلاحات المالية المتواصلة والمعايرة الدقيقة لبرامج الاستثمار، أن تسهم في تدعيم الاستدامة المالية والخارجية، بينما تُساعد أجندة الإصلاح الهيكلي المثيرة للإعجاب في خلق نمو اقتصادي قوي، وشامل، وأكثر استدامة.

في الوقت ذاته، تعتبر المملكة العربية السعودية أسرع الاقتصادات نموًا داخل مجموعة العشرين خلال عام 2022م، حيث بلغ النمو الإجمالي المُحقق 8.7%، عاكسًا قوة الإنتاج النفطي، كما سجل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نموا بنسبة 4.8% مدفوعا بزيادة معدلات الاستهلاك الخاص والاستثمارات الخاصة غير النفطية بما في ذلك المشروعات الكبرى (Giga projects). في حين تعتبر قطاعات مثل تجارة الجملة والتجزئة، والبناء والنقل، محركات رئيسية للنمو غير النفطي. وفقا لصندوق النقد الدولي، فإن الزخم الاقتصادي الذي تعيشه المملكة مستمر في عام 2023، وسط تقديرات تُشير إلى نمو غير نفطي يتجاوز 5 % خلال العام ذاته (2023). علاوة على ذلك، تعتبر معدلات البطالة داخل المملكة عند أدنى مستوياتها على الإطلاق، وذلك بدعم تنامي المشاركة في القوى العاملة بما أدى إلى انخفاض معدلات البطالة إلى 4.8% بحلول نهاية 2022م، مقارنة بـ 9% خلال فترة تفشي كوفيد-19. وهو ما يعكس عودة نمو عدد العاملين من المواطنين السعوديين في القطاع الخاص وارتفاع نسبة العمالة الوافدة (أغلبيتها في قطاع البناء والزراعة) لمستويات ما قبل تفشي جائحة كوفيد. فيما سجلت البطالة بين الشباب انخفاضًا إلى النصف على مدى العامين الماضيين، لتبلغ 16% في عام 2022م. في الوقت ذاته، بلغت مشاركة الإناث في القوى العاملة إلى 36% في عام 2022م، متجاوزة هدف 30% المدرج ضمن رؤية 2030.

الاستثمارات الضخمة التي تضخها المملكة في تطوير رأس المال البشري، والتعليم، والبحث العلمي تعد أمرًا مثيرًا للإعجاب بشكل خاص. فقد شهدت الفترة ما بين 2005 و2015م، تضاعف عدد الكليات والجامعات داخل المملكة (سواء على المستوى الخاص أو العام) من 17 جامعة فقط إلى نحو 34 جامعة، أنشأ العديد منها مراكز بحوث متخصصة. وتعتبر جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا من أهم الجامعات في هذه الفترة -وهي جامعة أبحاث خاصة على مستوى الدراسات العليا-تم تجهيزها ببعض من أحدث المنشآت المتقدمة وأكبر أجهزة الكمبيوتر العملاقة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وسرعان ما برزت منذ تأسيسها في عام 2009م، كصرح علمي إقليمي رئيسي. وفي ظل نظرة الكثيرين داخل المملكة إلى الغرب باعتباره مركزًا للإبداع ومهد التقنيات المتطورة، شهد عام 2021م، التوقيع على بروتوكول تمديد اتفاقية التعاون العلمي والتقني المبرمة مع الولايات المتحدة في عام 2008م، وذلك لمدة عشر سنوات إضافية.

على مدى عقود طويلة، كتب العديد من المحللين وصانعو السياسات وتحدثوا عن شراكة استراتيجية قوية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. وبرغم من بعض نقاط الخلاف بين الجانبين، لا تزال هذه الشراكة قوية ومتنامية. حيث يتبادل كبار المسؤولين من كلا الجانبين الزيارات فيما بينهم ويحرصون على المشاركة في حوار استراتيجي متواصل. كما يحافظ الجانبان على تنسيق رفيع المستوى على الصعيد الدبلوماسي، والسياسي، والأمني. وبنفس القدر من الأهمية، لطالما كانت الولايات المتحدة وستظل شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا لدول مجلس التعاون.  وإلى جانب الصين وأوروبا، تعتبر واشنطن شريكًا تجاريًا رئيسيًا أيضًا لمجلس التعاون سواء على مستوى التكتل الإقليمي أو بالنسبة لكافة الدول الأعضاء كل على حدة.

منذ أوائل الألفينات، برزت الولايات المتحدة كواحدة من أبرز المنتجين للنفط والغاز الطبيعي على مستوى العالم فيما يصطلح عليه ب “ثورة الصخر الزيتي "-وهو مزيج من التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي الذي مكن الولايات المتحدة من زيادة إنتاجها من الهيدروكربون بشكل كبير-وبالفعل أصبحت الولايات المتحدة منذ حينها مصدرًا للغاز الطبيعي على مدى أعوام عديدة وقامت بتصدير بعض من منتجاتها البترولية. مع ذلك لم يتسبب هذا التقدم الذي صنعته واشنطن، في تقليص أو إضعاف روابطها الاقتصادية المتينة مع دول الخليج. وباعتبارها الاقتصاد الأكبر عالميًا، لدى الولايات المتحدة مصلحة جوهرية في ازدهار الاقتصاد العالمي الذي يظل حتى عامنا هذا (2023) معتمدًا على مصادر الطاقة التي تساهم دول الخليج في كثير من إنتاجها. فضلًا عن، مشاركة شركات النفط الخاصة الأمريكية، بخبرتها الواسعة وتقنياتها المتفوقة، في استكشاف وتطوير النفط والغاز بمنطقة الخليج على مدى العقود الماضية. أخيرًا، يتم استثمار حصة كبيرة من العائدات النفطية في السوق الأمريكية. كما تعد صناديق الثروة السيادية الخليجية مثل صندوق الاستثمارات العامة (المملكة العربية السعودية)، وهيئة أبو ظبي للاستثمار، وهيئة قطر للاستثمار، والهيئة العامة للاستثمار الكويتية من كبار المستثمرين في السوق المالية الأمريكية والعديد من القطاعات الاقتصادية. وتحقق هذه الاستثمارات عائدًا مرتفعًا وتساهم في خلق آلاف من فرص العمل. بمعنى آخر، تعتبر الشراكة الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي اقتراحًا مُربحًا للجانبين فضلًا عن كونها شراكة كبيرة، ومتنامية، وأقل إثارة للجدل بكثير من العلاقات الاستراتيجية.

في الوقت ذاته، سطع نجم المارد الصيني منذ أوائل الألفينات كشريك تجاري رئيسي لكافة دول مجلس التعاون الخليجي وأحد أكبر المستوردين للإنتاج الخليجي من النفط والغاز. فيما تعمل شركات تكنولوجيا المعلومات الصينية بنشاط على بناء البنية التحتية لشبكة الإنترنت داخل العديد من بلدان الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا ينبغي النظر إلى هذه العلاقات الاقتصادية القوية والمتنامية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي على أنها تأتي على حساب الشراكة مع الحليف الأمريكي، فلم تعد العلاقات الاقتصادية الدولية لعبة محصلتها صفر. ففي نهاية المطاف، تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي دول ذات سيادة، ولها الحق في صياغة الاستراتيجيات الاقتصادية الخاصة. لذلك تتقاسم كل من الصين، وروسيا، والولايات المتحدة، وأوروبا وقوى عالمية أخرى الحرص والاهتمام بالازدهار الاقتصادي لمنطقة الخليج وبقاع أخرى حول العالم.

أخيرًا، إن المكانة المهيمنة التي تحظى بها العملة الأمريكية (الدولار) باعتبارها عملة عالمية رئيسية، فضلًا عن النفوذ الذي تنعم به الولايات المتحدة داخل العديد من المؤسسات المالية الدولية، وقوتها الناعمة الساحقة خاصة في مجال التعليم والبحث العلمي، جميعها عوامل تٌشير إلى أن الشراكة الاقتصادية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي ستظل قوية ومن المؤكد أنها ستشهد نموًا أكثر عمقًا خلال العقود القادمة. ومن شأن مثل هذا التطور أن يخدم المصالح الاقتصادية والسياسية لكلا الجانبين، بل والعالم أجمع.


 

مقالات لنفس الكاتب