array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 190

7 شروط لنجاح مشروعات تصنيع وتوطين تكنولوجيات الطاقة المتجددة في الدول الخليجية

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2023

على مدى عقد من الزمن تقريبًا، واجهت صناعة الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي الست ـ السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، والبحرين، وعمان قضيتين رئيسيتين: الأولى هي اضطرابات الأسعار في سوق النفط العالمية منذ عام 2014م، مع عواقبها المؤلمة على صناعة الطاقة التقليدية (النفط والغاز الطبيعي) نتيجة اعتماد هذه الدول على عوائد هذه الصناعة بشكل رئيس. أما القضية الثانية فهي زيادة الوعي بالعواقب الكارثية لتغير المناخ العالمي، وتوجه العالم تدريجيًا، خاصة بعد التوصل إلى اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي العالمي في عام 2015م، نحو التخلي تدريجيًا عن حرق الوقود الأحفوري (النفط والغاز الطبيعي) لخفض الانبعاثات المسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو الأمر الذي إن حدث من شأنه توجيه ضربة قوية للدول الخليجية، لأنها تعتمد هيكليًا على عوائد تصدير النفط والغاز الطبيعي لحماية أمنها الوطني وتحسين مستوى معيشة شعوبها، من خلال الاستفادة من هذه العوائد في تكوين جيوش وطنية وتوفير وظائف مريحة للمواطنين في القطاع العام، ورعاية صحية مجانية وتعليمًا راقيًا، ووقودًا مدعومًا ومعاشات تقاعدية سخية. وبالتالي، الحفاظ على شرعية الأنظمة السياسية في الداخل، وتوسيع النفوذ على الساحتين الإقليمية والعالمية في الخارج.

وقد دفعت هاتان القضيتان الحكومات الخليجية إلى اتخاذ إجراءات مهمة في مجالين لهما علاقة وثيقة بصناعة الطاقة: الأول هو تسريع الإصلاحات الاقتصادية من أجل الحد من الاعتماد على صناعة الطاقة التقليدية المتمثلة في صناعة النفط والغاز؛ والثاني هو الاستعداد لسيناريو ما بعد النفط من خلال الجهود المبذولة لتنويع الاقتصادات الخليجية بعيدًا عن الوقود الأحفوري وزيادة الاعتماد على صناعات الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وغيرها.

ويمكن تعريف صناعة الطاقة الخليجية بأنها تشمل كافة الصناعات المعنية بإنتاج ونقل وبيع الطاقة، بما في ذلك: الصناعة النفطية، بما في ذلك صناعة إنتاج النفط ومصافي التكرير ونقل الوقود وبيعه في محطات التموين، وصناعة الغاز الطبيعي، بما في ذلك استخراج الغاز الطبيعي، وإنتاج الغاز الطبيعي المسال، فضلاً عن نقل الغاز وتوزيعه، وصناعة الطاقة المتجددة، وتشمل مشروعات توليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية.

ويؤكد كثير من الخبراء على أن صناعة الطاقة الخليجية قد تأثرت في السنوات الأخيرة بشكل ملموس من التحولات العالمية الضخمة في صناعة الطاقة، والتي كان من أبرز معالمها ارتفاع الاستثمارات في صناعات الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والبطاريات من 1.1 تريليون دولار في عام 2017م، إلى 1.44 تريليون دولار في عام 2022م، بينما انخفضت الاستثمارات في صناعات الطاقة التقليدية (النفط والغاز والفحم) من 886 مليار دولار في عام 2017 إلى 680 مليار دولار فقط في عام 2021، حسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة. وفي هذا الإطار، تجاوزت الاستثمارات في صناعات الطاقة المتجددة الاستثمار في صناعات الطاقة التقليدية منذ عام 2016م، مع اتساع الفجوة من 160 مليار دولار في عام 2019 إلى 615 مليار دولار في عام 2022م.

ضخ النفط والغاز لآخر قطرة وقدم مكعب

في ضوء هذه التحولات في صناعة الطاقة العالمية. حرصت دول مجلس التعاون الخليجي على الاستثمار في صناعة الطاقة التقليدية، مستفيدة من مزاياه النسبية الضخمة في هذه الصناعة. حيث تسيطر الدول الخليجية الست على نحو 30%من احتياطات النفط العالمي و21 % من احتياطيات الغاز العالمية. كما أنه من المتوقع أن تستمر صناعة الطاقة في هذه الدول في ضخ النفط والغاز الطبيعي عند مستويات الإنتاج الحالية لنحو 76 و98 عاماً على التوالي. ومن جهة أخرى، تمتلك الدول الخليجية أيضًا أكثر من 70 % من الطاقة الإنتاجية الفائضة للنفط في العالم. كذلك، تعد تكلفة إنتاج المواد الهيدروكربونية وكثافتها الكربونية في الدول الخليجية الست هي الأدنى على مستوى العالم، كما أن قدراتها الإنتاجية والتصديرية المحتملة هي الأعلى على مستوى العالم. فعلى سبيل المثال، تقدر تكاليف إنتاج النفط الخام في السعودية بأقل من 4 دولارات للبرميل، وكثافة حرق الغاز أقل من واحد في المائة من إجمالي إنتاج الغاز، وكثافة غاز الميثان 0.06 %.

وفي هذا الإطار، أعلن ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان أن المملكة ستزيد من إنتاجها النفطي إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول 2027م، مؤكدًا أن المملكة مصممة على ضخ النفط حتى "آخر قطرة". وكان ذلك إعلاناً ذا أهمية بالفعل في دولة تبلغ احتياطاتها النفطية نحو 265 مليار برميل بقيمة 22.5 تريليون دولار بالأسعار الحالية.

صعود صناعة الطاقة المتجددة والهيدروﭽين الأخضر

وبالتزامن مع استمرار الاهتمام بقطاع الطاقة التقليدي لأهميته القصوى، حدث تغير ملحوظ في توجهات الدول الخليجية تجاه صناعة الطاقة المتجددة في العقدين الأخيرين. فعند نهاية السنوات العشر الأولي من القرن الحالي كان إجمالي قدرات هذه الدول مجتمعة من صناعة الطاقة المتجددة–أي الكهرباء المولدة من المصادر المائية والشمسية والرياح– لا يكاد يذكر تقريبًا. وفي غضون العشر سنوات التالية زاد إجمالي القدرات من مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الدول الخليجية، بل ووضعت معظم الدول الخليجية أهدافًا طموحة لزيادة هذه القدرات، من أجل تحقيق هدف "الحياد الكربوني" بحلول منتصف القرن الحالي، وذلك في ظل الجهود الدولية المتسارعة لمواجهة تغير المناخ العالمي. وفي الوقت نفسه، بدأت شركات الطاقة الخليجية الوطنية، مثل أرامكو السعودية وأدنوك في أبو ظبي وقطر للطاقة، في المضي قدمًا في الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات الكربونية، وتعزيز الاستثمارات في المنتجات البتروكيماوية المستخدمة في الأسمدة والبلاستيك والمطاط والبوليمرات الأخرى.

ومن ناحيتها، أعلنت الرياض عن هدفها المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060م، كما أعلنت شركة أرامكو السعودية، أيضًا، أنها ستقوم بإزالة الكربون من عملياتها حول العالم بحلول عام 2050م، الأمر الذي من شأنه إعطاء دفعة قوية لصناعة الطاقة في المملكة من خلال ضخ استثمارات ضخمة في صناعات الطاقة المتجددة والطاقة النووية، وكذلك التحول من النفط إلى الغاز الطبيعي في صناعة توليد الكهرباء وتحلية المياه، واحتجاز الكربون وتخزينه CCUS من صناعة النفط والغاز، وإطار اقتصاد الكربون الدائري (CCE)، القائم على سحب الكربون من الهواء والانبعاثات وإعادة استخدامه في منتجات أخرى مثل الوقود والأسمدة. كذلك، دعت السعودية بشكل خاص وعلني إلى استخدام تقنيات احتجاز الكربون CCUS في صناعة الطاقة بدلاً من التخلص التدريجي السريع من صناعة الطاقة التقليدية، محذرة من أن الانتقال السريع إلى صناعة الطاقة المتجددة من شأنه أن يترك السكان الأفقر حول العالم دون إمكانية للوصول إلى الطاقة. وبالتوازي مع ذلك، طوّرت شركة أرامكو السعودية على مدار العشر سنوات الماضية دراسات متقدمة عن احتجاز الكربون من أجل تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى قيام أرامكو أيضًا بالتعاون مع شركة سابك السعودية بتطوير تقنية احترافية ومحفزات لتحويل النفط الخام إلى مواد كيميائية. وفي نفس السياق، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن رغبته في الوصول إلى نسبة 50 % من الكهرباء المتأتية من الطاقة المتجددة مع حلول عام 2030م، مقابل حوالي 0,1 % فقط في عام 2019، ما يعني زيادة هائلة بأكثر من 45000 % في غضون عقد.

وقد سارت الدول الخليجية الأخرى، على خطى مشابهة للسعودية، فيما يتعلق بالتحول نحو صناعة الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ستستقبل مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الثامن والعشرين للمناخ في عام 2023 (COP28) عن سعيها إلى بلوغ إنتاج طاقي مختلط، يتكون من صناعة الطاقة المتجددة بنسبة 44 %، ومن صناعة الغاز الطبيعي والفحم بنسبة 50 %، ومن الطاقة النووية بنسبة 6 %، على أن يتم ذلك مع حلول سنة 2050م، وهو التاريخ الذي التزمت فيه الإمارات بتحقيق الحياد الكربوني. وفي هذا السياق، قامت الإمارات بتحويل "مجمع حصيان للطاقة" ليعمل بالغاز الطبيعي بدلاً من الفحم، كما تستضيف المنشأة الوحيدة لصناعة الطاقة النووية في المنطقة. كما أنه من المتوقع أن يتم تشغيل محطة الظفرة في أبو ظبي بكامل طاقتها العام الحالي 2023م، وستكون واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في موقع واحد في العالم؛ إذ ستبلغ سعة المحطة 2.1 جيجاوات وستخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 2.4 مليون طن سنوياً كما تم الإعلان عن مناقصة مشروع العجبان للطاقة الشمسية الكهروضوئية، والتي من شأنها تعزيز قدرتها المركبة على الطاقة الشمسية الكهروضوئية بمقدار 1500 ميجاوات إضافية. هذا، وتعد المحطة الكهرومائية بتقنية الطاقة المائية المخزنة التي تنفذها هيئة كهرباء ومياه دبي في منطقة حتا في دبي، الأولى من نوعها في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وستصل القدرة الإنتاجية للمحطة، عند تشغيلها في نهاية عام 2024م، إلى 250 ميجاوات بسعة تخزينية 1,500 ميجاوات ساعة وبعمر افتراضي يصل إلى 80 عامًا، وستعمل من خلال الطاقة المنتجة في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية.

ومن ناحية أخرى، أعلنت سلطنة عمان، في 24 يناير 2022م، أنها تهدف إلى بلوغ 39 % من صناعة الطاقة المتجددة بحلول عام 2040م، مشيرة إلى أنها ربطت بشبكتها حديقة عبري 2 للطاقة الشمسية، والتي تتكون من حوالي 1.5 مليون لوح شمسي ثنائي الطبقات.

مستقبل مشرق لصناعة الهيدروﭽين الأخضر

تضع أغلبية دول الخليج حاليًا نصب عينيها صناعة الهيدروﭽين الأخضر، أي الهيدروﭽين المنتج باستخدام التحليل الكهربي للمياه اعتمادًا على كهرباء من مصدر طاقة متجدد، كطاقة الشمس أو طاقة الرياح. حيث يوفر التحرك نحو الهيدروﭽين الأخضر فرصًا طويلة الأجل للدول الخليجية لدمج حصص أعلى من الطاقة المتجددة في شبكاتها الكهربائية، وتصدير الطاقة المتجددة إلى دول أخرى في جميع أنحاء العالم، وإزالة الكربون من القطاعات التي يصعب في كثير من الأحيان إزالة الكربون منها مثل: قطاعات النقل والنفط والغاز والصلب والتعدين وغيرها. ومما قد يشجع على ذلك وجود إمكانات ممتازة في عدد من الدول الخليجية لإنتاج الهيدروﭽين اعتمادًا على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، سواء من حيث وجود مساحات الأراضي الشاسعة منخفضة التكلفة والمتاحة لمشروعات الطاقة المتجددة ومنشآت الهيدروﭽين، أو من حيث التكلفة المنخفضة نسبيًا لرأس المال والشراكات بين القطاعين العام والخاص والتمويل الميسر فضلًا عن الطلب الصناعي الحالي في الأسواق الوطنية والإقليمية والعالمية. ويعتبر القرب الجغرافي للدول الخليجية من الأسواق الأوروبية "الخضراء" عاملًا رئيسيًا للتوسع في صناعة الهيدروﭽين الأخضر في الدول الخليجية. فعلى سبيل المثال، حددت استراتيجية الاتحاد الأوروبي بشأن الهيدروﭽين، والتي صدرت في يوليو 2020م، هدفًا يبلغ الحصول على 40 جيجاوات من أجهزة التحليل الكهربائي داخل حدوده بحلول عام 2030م، و40 جيجاوات أخرى من السعة المستوردة من منتجين آخرين. كذلك، من المتوقع أن تتلقى مشروعات الهيدروﭽين الأخضر دعمًا كبيرًا على مستوى الاتحاد الأوروبي، يقدره البعض بأنه سيتراوح بين 10 و24 مليار يورو سنويًا خلال العقد القادم. وبالتأكيد سوف يمثل الدعم المالي الأوروبي دفعة قوية لمشروعات الطاقة المتجددة في كثير من الدول الخليجية.

وفي هذا الإطار، وبفضل رأس مالها الاستثماري الهائل، تخطط السعودية بناء أكبر محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم في مدينة نيوم المستقبلية الضخمة في شمال غرب المملكة. وسوف تبلغ تكلفة هذه المحطة حوالي 8,4 مليار دولار، وسوف تعتمد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية لإنتاج ما يصل إلى 600 طن من الهيدروﭽين الأخضر في اليوم بحلول أواخر عام 2026، بحسب التصريحات السعودية.

ومن ناحية أخرى، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف حول المناخ (كوب28) أواخر العام الحالي، في يوليو 2023م، استراتيجية جديدة لصناعة الهيدروﭽين تهدف إلى إنتاج 1,4 مليون طن متري من الهيدروﭽين سنويًا بحلول عام 2031م، ما سيجعلها واحدة من أكبر الدول العشر المنتجة. وفي هذا السياق، دخلت شركة مصدر للطاقة المتجددة، ومقرها أبو ظبي، في تحالف استراتيجي مع شركة إنجي إس إيه لاستكشاف التطوير المشترك لمركز هيدروجين أخضر في الإمارات العربية المتحدة، وتتطلع الشركتان إلى تطوير مشروعات بقدرة لا تقل عن 2 جيجاوات بحلول عام 2030م، واستثمار 5 مليارات دولار في هذه المشروعات.

ومن جهتها، تبدو سلطنة عمان أيضًا مستعدة لقيادة سباق الهيدروﭽين الأخضر في الخليج. إذ إنها ستصبح بحلول نهاية العقد الحالي سادس أكبر مصدر للهيدروجين الأخضر في العالم والأول في الشرق الأوسط، بحسب ما جاء في تقرير لوكالة الطاقة الدولية نُشر في يونيو 2023م، وتطمح السلطنة إلى إنتاج ما لا يقل عن مليون طن من الهيدروﭽين الأخضر سنويًا بحلول عام 2030م، وما يصل إلى 8,5 مليون طن بحلول عام 2050م، "ما سيكون أكبر من مجمل الطلب الحالي على الهيدروﭽين في أوروبا"، وفق الوكالة.

تحديات وعقبات مهمة

رغم التطور الملموس في صناعة الطاقة، سواء التقليدية أو المتجددة، في أغلبية الدول الخليجية، على النحو سالف الذكر، إلا أن حدوث قفزات كبيرة في توطين وتصنيع تكنولوجيات صناعات الطاقة المتجددة لن يكون بالأمر السهل في المدى المنظور، حسب ما يؤكده كثير من خبراء الطاقة في العالم. حيث تواجه هذه الصناعات تحديات مالية واقتصادية ومؤسسية وهيكلية وفنية وسياسية، وهو ما نوجز في إيضاحه فيما يلي:

1-التحديات المالية والاقتصادية: وتتمثل في ارتفاع التكلفة الرأسمالية لمشروعات صناعة الطاقة المتجددة مع غياب آليات التمويل، فضـلاً عن الاعتقاد الخاطئ بأن الاستثمار في مثل هذه المشروعات يمثل مخاطرة مالية مرتفعة. كما أن بعض البنوك ومصادر التمويل في معظم الدول الخليجية تزال لا تشجع القروض والاستثمارات في مشروعات ناشئة، مثل مشروعات توطين تكنولوجيا الطاقة المتجددة مقارنة بمشروعات الطاقة التقليدية (البترول والغاز الطبيعي). ومن ناحية أخرى، تعاني هذه المشروعات في عدد من الدول الخليجية أيضًا مع الدعم المرتفع للهيدروكربونات، ووضع سقف للاستثمار الأجنبي في مشروعات صناعة الطاقة المتجددة.

2-التحديات المؤسسية والهيكلية: تتطلب مشروعات توطين تكنولوجيا صناعة الطاقة المتجددة (خاصة في الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح، أو المركبات الكهربائية) تضافر جهود عدد كبير من الشركاء، منهم شركاء التصنيع والمستخدمين والسلطات التشريعية والتنفيذية ذات الصلة (منها وزارات الكهرباء والطاقة والنقل والبيئة والمالية، والجهات التابعة لها كالجمارك والضرائب) ومؤسسات البحث العلمي والمواصفات والمقاييس. لذلك، فإن غياب تحديد الأدوار وخطط التنفيذ ووضع نظام إداري متكامل للتنسيق بين هذه الأطراف من أجل الوصول إلى التصنيع المحلي لتكنولوجيا الطاقة المتجددة يمثل تحديًا ملموسًا في معظم الدول الخليجية.

3 – التحديات الفنية والتقنية: تفتقر الكثير من الدول الخليجية إلى إجراءات نقل معرفة تصنيع معدات وتكنولوجيات صناعة الطاقة المتجددة. ويعد غياب الجانب المعرفي والمعلوماتي ذو الصلة بتصنيع مكونات وأنظمة الطاقة المتجددة، من المعوقات الفنية التي تحول دون نشر تطبيقات الطاقة المتجددة في أغلبية هذه الدول.


 

الخاتمة والتوصيات

على أية حال، يمكن القول إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يجب أن تكون مستعدة لجميع سيناريوهات التحول المحتملة في صناعة الطاقة، والبدء في نقل اقتصاداتها نحو المزيد من الاستدامة والتنوع، مع استمرار الاهتمام بصناعة الطاقة التقليدية.

وهنا ينبغي الأخذ في الاعتبار تحقيق التوازن بين صناعة الطاقة التقليدية وصناعة الطاقة المتجددة. فالميل الكامل نحو صناعة الطاقة التقليدية، المتمثلة في صناعة النفط والغاز الطبيعي، قد يؤدي إلى انخفاض قدراتها الفائضة من حيث الإنتاج والتصدير، وبالتالي تنخفض الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي على المدى القصير إلى المتوسط. وهنا من المتوقع أن تفقد معظم الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، قدرتها على التأثير في الأسعار العالمية، وبالتالي قد تتراجع مكانتها الجيوسياسية في العالم. أما الانعطاف الكامل نحو صناعة الطاقة المتجددة على حساب صناعة الطاقة التقليدية، فسوف يؤدي، في الغالب، إلى ارتفاع "صاروخي" في الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي، مما قد يسرع بعنف الجهود العالمية في اتجاه صناعات الطاقة المتجددة. وفي الوقت الحالي، يبدو أن معظم دول الخليج العربي، بقيادة السعودية، حريصة على تحقيق هذا التوازن من خلال الانتقال "المحسوب" من صناعة النفط والغاز للاستجابة لتحول الطاقة على المدى الطويل. وعلى المدى القصير إلى المتوسط، لا تزال الرياض تقود جهود أوبك وشركائها في تجمع "اوبك بلس" للحفاظ على عائدات مرتفعة إلى معقولة من خلال إدارة الإنتاج النفطي.

وهنا ينبغي إدراك الحقيقة التالية وهي إنه رغم التوقعات السائدة في كثير من دوائر صناعة الطاقة العالمية بحدوث تباطؤ في نمو الطلب العالمي على النفط والغاز الطبيعي، إلا أنهما سيظلان، على الأرجح، مصدرين مهمين للطاقة، وستكون، دول مجلس التعاون الخليجي، بقيادة المملكة العربية السعودية، من الموردين الرئيسيين عالميًا حتى عام 2045م، على الأقل، حسب تقديرات منظمة أوبك. الأمر الذي من شأنه ضرورة استمرار الاهتمام بصناعة النفط والغاز في كافة الدول الخليجية في السنوات القادمة.

ومن ناحية أخرى، ورغم التحديات المذكورة أمام صناعة الطاقة المتجددة في الدول الخليجية، يمكن القول إن هذه الصناعة سوف تشهد مستقبلاً مبشرًا مع توجه هذه الدول إلى تبني أنظمة للطاقة أكثر استدامة ومرونة ورواجًا، خاصة مع تحول الطاقة العالمية والتحرك نحو عالم خال من الكربون، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل الطلب العالمي على النفط والغاز. ومما يدفع إلى التفاؤل في هذا السياق أن معظم الدول الخليجية شهدت في السنوات العشر الأخيرة جهودًا يقظة من جانب دوائر الصناعة والحكومات ومؤسسات التمويل والجهات التنظيمية، مما ساهم في تداعي الكثير من هذه التحديات، الأمر الذي سوف يكفل في النهاية تعزيز صناعة الطاقة بقوة على الساحة الخليجية.

ومع ذلك، قد يكون من المفيد قيام دول مجلس التعاون الخليجي الست، سواء بصورة منفردة أو جماعية، بتطوير تقنياتها الخاصة في صناعة الطاقة المتجددة بناءً على المزايا الطبيعية الخاصة بها وعدم الاعتماد على التقنيات المستوردة. وفي هذا الإطار، سيكون من الضروري الاهتمام بالبحوث والتطوير لتوطين صناعة الطاقة المتجددة وتخزين الكربون، كما هي الآن في النفط والغاز.

ومما يزيد من أهمية توطين صناعة الطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي، تمتع أغلبية الدول الخليجية بوفرة مصادر الطاقة المتجددة، وتحديدًا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلًا عن وجود فرص هائلة لانتشار المركبات الكهربائية وتلك التي تعمل بالهيدروﭽين، مما يخلق "فرصًا ذهبية" لتصنيع وتوطين تكنولوجيات كثيرة مثل تلك المرتبطة بمحطات نظم المركزات الشمسية الحرارية لإنتاج الكهرباء، ونظم الخلايا الكهروضوئية الشمسية (PV)، وتوربينات الرياح، وريش العنفات الريحية في مزارع الرياح، وبطاريات الليثيوم أيون، وتجميع السيارات الكهربائية وغيرها.

هذا، ويتطلب نجاح مشروعات تصنيع وتوطين تكنولوجيات الطاقة المتجددة في الدول الخليجية مزيدًا من العمل على توفير بيئة العمل المواتية والتي يمكن تلخيصها في عدة شروط رئيسية، لعل من أهمها ما يلي:

  • تشجيع وحفز الشراكات بين الشركات المصنعة العالمية والشركات المصنعة المحلية في الدول الخليجية لتصنيع وتوطين تكنولوجيات الطاقة المتجددة في الدول الخليجية. وهذه الشراكات يمكن أن تستند على ما يعرف بعقود "إذن التصنيع"، التي تسمح بالتصنيع لقاء أرباح معينة ولفترة معينة وبصيغ محددة. فتحصل الشركات الخليجية على التصاميم والمواصفات التفصيلية للقيام بعملية التصنيع، شرط أن تتعهد باحترام السرية الصناعية والملكية الفكرية.
  • حسن اختيار التكنولوجيات "الناضجة"، التي تستطيع الدول الخليجية أن تحقق ميزة تنافسية كبيرة فيها، مثل تكنولوجيات تسخين المياه بالطاقة الشمسية، وتكنولوجيات معدات طاقة الرياح، وغيرها.
  • تشجيع العمل المشترك بين الشركات الصناعية ومراكز البحث العلمي والجامعات، من أجل مراعاة تطوير تكنولوجيات الطاقة المتجددة من خلال تعديلها أو تطويرها لتلائم الظروف المحلية في الدول الخليجية.
  • إعداد الأيدي العاملة المدربة والملمة بتكنولوجيات تصنيع معدات الطاقة المتجددة وفق المواصفات المعتمدة، بإشراف مهندسين وفنيين متخصصين. وفي هذا السياق، يمكن للدول الخليجية التي تفتقر إلى اليد العاملة أن تتكامل مع دول عربية أخرى غنية بها.
  • التنسيق بين الدول الخليجية لدى عقد اتفاقيات تجارية ثنائية مع دول أجنبية، وعند مناقشة وإقرار اتفاقيات دولية تتعلق بأمور صناعة معدات الطاقة المتجددة وأسواقها.
  • الإسراع في إنشاء سوق خليجية للطاقة الكهربائية.
  • تحديد صيغ "للحماية" وللأفضلية" تمنح للمعدات والتجهيزات المصنعة محليًا لدعم توطين تكنولوجيا الطاقة المتجددة في الدول الخليجية.

وفي النهاية، يجب التأكيد على أن انتشار تصنيع وتوطين تكنولوجيات الطاقة المتجددة في الدول الخليجية يتطلب أن تقوم الدبلوماسية الخليجية بمساندة مقترح الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بجعل تكنولوجيا الطاقة المتجددة منفعة عامة عالمية-أي متاحة للجميع، وليس للأثرياء فقط. وبالتالي سيكون من الضروري إزالة العقبات التي تحول دون تقاسم المعارف ونقل التكنولوجيا، بما في ذلك قيود الملكية الفكرية. كذلك، من الضرورة على الدول الخليجية العمل على تحسين الوصول إلى المكونات والمواد الخام الحاسمة -من المعادن اللازمة لإنتاج توربينات الرياح وشبكات الكهرباء إلى السيارات الكهربائية، باعتباره أمرًا أساسيًا لنشر وتوطين تكنولوجيا صناعة الطاقة المتجددة في الدول الخليجية. علاوة على ذلك، يجب أن تعمل الدبلوماسية الخليجية على جذب استثمارات أكبر لضمان حفز وتشجيع مشروعات التصنيع والتوطين لتكنولوجيات الطاقة المتجددة -لاسيما في مجال التدريب على المهارات، والبحث والابتكار، وتوفير الحوافز لبناء سلاسل الإمدادات.


 

مقالات لنفس الكاتب