array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 190

عناصر التنمية الصناعية: التصنيع طويل الأجل وتكافؤ الفرص وتوزيع المنافع والاسـتدامة البيئيــة

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2023

       تتمثل رؤية وأهداف دول مجلس التعاون الخليجي في تحويل اقتصاداتها التقليدية القائمة على صناعة النفط والبتروكيماويات إلى اقتصادات أكثر تنوعًا واستدامة من خلال تبني التقنيات الجديدة القائمة على البحوث والتطوير والتقنية والمعرفة والابتكار، ومن بين الأجزاء المهمة في هذه الرؤية هو جذب ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تركز على البحث والتطوير والابتكار في القطاعات الصناعية المتنوعة. وقد أتاح هذا وجود مجالات واسعة خاصة بتطورات الأعمال والاستثمارات في المنطقة، وقد تم توضيح ذلك في الرؤى المستقبلية لهذه الاقتصادات.

أولاً: مفهوم وأهمية الابتكار:

   يعد الابتكار (Innovation) أحد أهم أسس التطور والاستدامة في العصر الحديث من أجل تطوير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وغالبًا ما تعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة المحرك الرئيس للاقتصاد وتحظى باهتمام الحكومات وصناع السياسات لتعزيز التطورات التقنية والابتكارات ودعم وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار.

     هناك العديد من التعريفات المختلفة للابتكار، اعتمادًا على الأساليب المختلفة للبحث العلمي والمداخل الفكرية للمدارس المختلفة، فقاموس اكسفورد يعرف الابتكار على انه "إجراء تغييرات على شيء تم إنشاؤه سابقا من خلال إضافة شيء جديد". وفقًا لهذا التعريف، الابتكار قد يعني إجراء تغييرات على المنتجات الموجودة بالفعل من أجل إنشاء منتج جديد او ابتكار منتج جديد كليًا، التعريف الأوسع للابتكار هو "تطبيق الأدوات والتقنيات العملية التي تحدث تغييرات، كبيرة وصغيرة في المنتجات والعمليات والخدمات التي تؤدي إلى تقديم شيء جديد للمؤسسة يضيف قيمة للعملاء ويسهم في تعزيز مخزن المعرفة للمؤسسة ". يولد الابتكار تحسينات كبيرة في الإنتاجية، والتي تعد المصدر الأساسي لتعزيز الرفاه، والدخول الحقيقية المرتفعة، والموارد للحكومة، ولا غنى عن الابتكار ونشر التقنيات الجديدة للنمو الاقتصادي. فهي تؤدي إلى زيادة الإنتاجية وخلق الثروة والرفاه الاقتصادي، بما في ذلك خلق الوظائف الجديدة، فضلاً عن أن الابتكار والتكنولوجيا أساسيان أيضًا في تعزيز التحول الهيكلي للاقتصادات في مراحل مختلفة من التنمية. وهي أيضًا أساسية لتعزيز القدرة التنافسية.

     ويتضح دور الابتكار في تطوير التنمية الصناعية من خلال تحقيق الشركات المبتكرة أرباحًا أعلى، وتزداد حصتها في السوق، وتستمر لفترة أطول في السوق، في حين الشركات غير المبتكرة تحقق أرباحًا أقل، وتنكمش، وتخرج في النهاية. ويعتمد الابتكار بدوره على النظام التكنولوجي في الصناعة والتقنيات المستخدمة، وتشمل التقنيات وطرق الممارسات المبتكرة جميع الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية التي تعتمد على استخدام المدخلات الرقمية أو تعززها بشكل كبير، بما في ذلك التقنيات الرقمية، البنية التحتية، والخدمات المتعلقة بالابتكارات والبيانات. وهي تشير إلى جميع المنتجين والمستهلكين، بما في ذلك الحكومة والمجتمعات والأفراد، هؤلاء الذين يستخدمون هذه المدخلات الرقمية في أنشطتهم الاجتماعية والاقتصادية. كما أنها ستؤثر على تحسين رأس المال البشري من حيث كيفية اكتساب الناس المعرفة ثم استخدامها في حياتهم اليومية، وفي أماكن العمل على وجه الخصوص. وبشكل عام، يعد التقدم التقني المبتكر قوة أساسية لاستدامة النمو الاقتصادي وتطوير مستويات المعيشة والحصول على نتائج صحية أفضل.

     فضلًا عن ذلك، فإن الاقتصاد الذي يستخدم التقنيات المبتكرة يزدهر وينمو في ظل الثورة الصناعية الرابعة بدءًا من الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي إلى سلسلة الكتل وإنترنت الأشياء، كما أسهمت التقنيات المبتكرة ذات الصلة بـالثورة الصناعية الرابعة بتغيير العديد من المفاهيم والمواد وأنماط الإنتاج بشكل جذري في جميع العمليات التجارية، مع تغيير طرق الممارسات الفردية وكذلك نمط التفكير بشكل ملحوظ.

ثانيًا: جهود دول مجلس التعاون في مجال الابتكار:     بذلت دول مجلس التعاون جهودًا كبيرة لتطوير الابتكار في القطاع الصناعي، فقد أطلقت المملكة العربية السعودية مخططها الأكثر إنتاجية لـلترويج للشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة وهو برنامج ضمان القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة (كفالة)، الذي تأسس عام 2006 م، من خلال صندوق التنمية الصناعية السعودي، الذي يعمل كضامن للبنوك التجارية التي تقدم الائتمان للشركات الصغيرة والمتوسطة. بدأ برنامج مشابه آخر يعرف ببرنامج بادر لحاضنات التكنولوجيا في 2008م، بهدف أن يصبح برنامج الحضانة الوطني.علاوة على ذلك، أعلنت المملكة العربية السعودية في عام 2012م، عن استراتيجيتها الوطنية التي تهدف إلى تحويل المملكة إلى الاقتصاد القائم على المعرفة بحلول عام 2030م، وفي عام 2015م، تم تشكيل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أجل التنظيم وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال في جميع أنحاء البلاد.      تعمل حكومة المملكة العربية السعودية على تنفيذ رؤية 2030 التي تم إصدارها في أبريل 2016م، والتي تتضمن 80 مشروعًا بتكلفة تصل إلى 3.7 مليار دولار وتكاليف تنفيذ أخرى بقيمة 20 مليار دولارًا أمريكيًا.      كما أطلقت المملكة برنامجاً جديداً في مجال البحث والتطوير والابتكار، لزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 60 مليار ريالًا سعوديًا (16 مليار دولار) بحلول العام 2040م، ومن المتوقع أن توفر هذه المبادرة مجموعة من الوظائف ذات “القيمة العالية” في قطاعات العلوم والتكنولوجيا، فضلاً عن تعزيز مكانة المملكة كإحدى أكبر اقتصادات العالم العربي في مجالات الصحة والعافية والاستدامة البيئية وتوريد الاحتياجات الأساسية والريادة على مستوى الطاقة والصناعة واقتصادات المستقبل. ومن المتوقع أن يساهم هذا الواقع في الارتقاء بالقدرات التنافسية للمملكة.    وفي دولة الإمارات العربية المتحدة تم العمل على تطوير منظومة العمل الحكومي، عبر وضع خارطة طريق متكاملة، واتباع نهج جديد ومتكامل للحوكمة بهدف توجيه التطلعات للاستثمار على نحو واسع في مجالات البحث والتطوير بتخصيص أكثر من (1%) من الناتج المحلي الاجمالي بناء على استراتيجيتها الوطنية للابتكار. وتهدف الاستراتيجية إلى تحفيز الابتكار وتمكينه في 7 قطاعات وطنية رئيسية، وهي الطاقة المتجددة والنقل والصحة والتعليم والتكنولوجيا والمياه والفضاء، وذلك عبر تطوير الإطار التنظيمي المثالي، وتوفير خدمات تمكينية شاملة مع تعزيز البنية التحتية للتكنولوجيا وضمان توافر الاستثمارات والحوافز على نحو مستمر. وشهدت دبي في الفترة الأخيرة، تطوير برنامج مستحدث للبحث والتطوير عبر أربع مجموعات ذات أولوية استثنائية وهي الصحة والرفاهية، والتكنولوجيا البيئية، والبنية التحتية الذكية، والفضاء والذكاء البشري-الآلي المعزز، وذلك في إطار أهداف محددة للتحكم في عمليات التمويل والاستثمارات، وزيادة الإنفاق على أعمال البحث والتطوير في دبي، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص على نحو أوسع.

أما في دولة قطر فقد تم تأسيس مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار الذي تكمن رؤيته في توفير بيئة فكرية خصبة تسهم في قيادة مجتمع البحث العلمي والابتكار في دولة قطر، وبما يتماشى مع تعزيز النمو الاقتصادي، ويعتبر المجلس أن البحوث والتطوير والابتكار أساس النمو المستدام والتحول الاقتصادي نحو المعرفة والابتكار في الدولةـ فضلًا عن أنه يهدف إلى تعزيز التطور التكنولوجي من خلال تحفيز المواهب ورعايتها، وتطوير البنية التحتية لاستيعاب هذا التطور والاستفادة منه، وتمهيد الطريق لاستكشاف مجالات جديدة للبحث، إلى جانب توسيع معرفة مجتمع البحوث والتطوير في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة، وغيرها.

وقد جاء ترتيب دول المجلس في مؤشر الابتكار العالمي (GII) لعام 2022 كما يأتي:جدول (1) ترتيب دول مجلس التعاون عربيًا وعالميًًًا في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022 

الدولة الترتيب عربيًا (من 13 دولة) الترتيب عالميًا (من 132 دولة) لمؤشر 2022 قيمة المؤشر (من 100) لعام 2022
الإمارات 1 31 42.1
السعودية 2 51 33.4
قطر 3 52 32.9
الكويت 4 62 29.2
البحرين 6 72 28
سلطنة عمان 9 79 26.8

Source: WIPO (2012&2022). Global Innovation Index. Geneva.    يتضح من الجدول أن أربع دول من دول المجلس احتلت المراتب الأولى عربيًا، وجاءت الإمارات في الربع الأول عالميًا وجاءت السعودية وقطر والكويت ضمن الربع الثاني عالميًا. 

ثالثًا: مفهوم التنمية الصناعية المستدامة وواقعها في دول مجلس التعاون:

     تعني التنمية الصناعية المستدامة "التنمية والتصنيع وتغيير هيكل الاقتصاد، بالانتقال من اقتصاد قائم على كثافة العمالة إلى اقتصاد قائم على كثافـــة التكنولوجيا، و يعد مفهوم التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة جزءًا من الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة والذي ينص على" إقامة بنى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل والمسـتدام، وتشجيع الابتكار" ويمكن تحقيق ذلك فقط من خلال النمو الصناعي والاقتصادي القوي والشامل والمستدام والقادر على الصمود، والإدماج الفعال للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة. وتتمثل عناصر التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة فيما يأتي:1- التصنيع طويل الأجل والمستدام كمحرك للتنمية الاقتصادية.2-المجتمع والتنمية الصناعية الشاملة من الناحية الاجتماعية بما يوفر الفرص المتكافئة والتوزيع العادل للمنافع.3-الاسـتدامة البيئيــة، والفصل ما بين الرخاء الذي تولده الأنشطة الصناعية وبين الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية والأثر البيئي السلبي.       وتتمثل إحدى الركائز الثلاث للتنمية الصناعية الشاملة للجميع والمستدامة في ضرورة أن يحظى النمو الاقتصــادي والاجتماعي الشــامل للجميع بالدعم ضــمن إطار مســتدام بيئيًّا. ويشــمل ذلك، على ســــــبيل المثال، التحول الصــــــناعي من خلال التخلص التدريجي من المواد الملوِّثة في العمليات الصــــناعية، وهو ما يمثل أولوية للارتقاء من فئة البلدان المتوســــطة الدخل إلى فئة البلدان المرتفعة الدخل. ومن بين التحديات الشائعة المرتبطة عادةً بالركيزة البيئية للتنمية الصناعية الشاملة للجميع والمستدامة دمج خطط التحول الصناعي الطويلة الأجل وسياسات تنمية الصناعة الخضراء والبرامج البيئية المستدامة في الخطط والاستراتيجيات الوطنية.

وللصناعة التحويلية دور أساسي في تحقيق التغير الهيكلي طويل الأجل فهي تخلق الكثير من فرص العمل، كما أنها تعد محركًا لتنمية الابتكار والتكنولوجيا من أجل تحقيق النمو المستدام في إنتاجية الصناعة التحويلية والقطاعات الأخرى، ويوضح الشكل الآتي نسبة مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي.

شكل (1) نسبة مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي

لدول مجلس التعاون للمدة (2010-2022) (%)

المصدر: وزارة التجارة والصناعة، التقرير الصناعي لعام 2022، دولة قطر.

من الشكل يتضح أن نسبة المساهمة ارتفعت من (7.5%) في عام 2010 م، الى (11.4%) في عام 2022م، إلا أن هذه النسبة مازالت منخفضة مقارنة ببقية التكتلات الإقليمية وكما موضح في الشكل الآتي:

شكل (2) متوسط مساهمة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي لعدد من التكتلات الإقليمية لعام 2022م.

المصدر: وزارة التجارة والصناعة، التقرير الصناعي لعام 2022، دولة قطر.

    يتميز القطاع الصناعي في دول المجلس بسيطرة صناعة التكرير وصناعة البتروكيمياويات على النسبة الأكبر وهذا أمر طبيعي كون دول المجلس دول منتجة للنفط، تأتي بعدها صناعة الإسمنت والحديد والألمنيوم ثم الصناعات البلاستيكية وبعدها الصناعات الغذائية.

     واتجهت دول المجلس مؤخرًا نحو الصناعات العسكرية كونها من بين أعلى دول العالم إنفاقًا عسكريًا خصوصًا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، إذ وضعت السعودية في رؤيتها (2030) هدف استثمار (50%) من الإنفاق على الأسلحة محليًا، ارتفاعًا من حوالي (2%) في عام 2018م، إذ تمثلت استراتيجيتها في التركيز أولاً على الصناعات منخفضة التعقيد مثل قطع الغيار والمركبات المدرعة والذخيرة، ثم التوسع والنظر في المعدات الأكثر تطورًا، مثل الطائرات العسكرية، بهدف إنشاء شبكة وطنية للخدمات والصناعات المتكاملة التي من شأنها تسريع استقلالية البلاد عسكرياً وتعزيز الصادرات المتعلقة بالدفاع. لعب صندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF)، المقدّر بـحوالي (224 مليار) دولار، دورًا رئيسيًا في ذلك الصدد. وتفترض التقديرات أنه بحلول عام 2030م، يمكن للصندوق السيطرة على ما يصل إلى (2 تريليون) دولار، ليُشارك صندوق الاستثمارات العامة في العديد من القطاعات، بما في ذلك الدفاع.

     وفي دولة الإمارات شهد معرض دبي للطيران عام 2019م، الإعلان عن شركة (EDGE إيدج)، وهي تكتل دفاعي وتكنولوجي شامل، وقد احتلت أكبر جناح بالمعرض لعرض قدرات الشركات التابعة لها، فهي استحواذ وتطوير للعلامة التجارية لشركة الصناعات الدفاعية الإماراتية (إيدك) التي تأسست عام 2014م، وتم إعادة تنظيمها مُستوعبة عددًا من الكيانات الصناعية لدولة الإمارات: شركة (EDIC)، وتوازن القابضة ومجموعة الإمارات المتقدمة للاستثمارات (EAIG). وفي أوائل نوفمبر عام 2019م، تم إشهار (إيدج) بتحالف (25) شركة بعضها مملوك للدولة وبعضها شركات خاصة لتنطلق في عالم التسلح العالمي، مع هدف التركيز على التكنولوجيا المتقدمة.

رابعًا: الابتكار ودوره في تطوير التنمية الصناعية المستدامة:

     تتجلى أهمية الابتكار في تطوير واستدامة القطاع الصناعي من خلال تحقيق زيادة في حصة الصناعة والعمالة في الناتج المحلي الإجمالي، وتحديث الصناعات لتحقيق استدامتها، فضلاً عن تعزيز البحث العلمي وتعزيز القدرات التنافسية، كما أن الابتكار يعد القوة الدافعة الرئيسية في التغيير الهيكلي للموارد، لأنه يحول الموارد من الأنشطة كثيفة العمالة إلى الأنشطة التي تتسم بالمزيد من كثافة رأس المال وكثافة التكنولوجيا، فضلاً عن دوره في فتح أسواق جديدة وتخفيض أسعار السلع الاستهلاكية وتوافر الفرص لاستثمارات أعلى ربحية وإنتاجية.

     ومن أجل استدامة التطور في القطاع الصناعي بشقيه المدني والعسكري وفضلاً عن الابتكار لابد من استخدام التقنيات الحديثة وأهمها تقنيات الذكاء الصناعي، فمثلاً في الصناعات المدنية أظهرت دراسة لمجموعة بوسطن الاستشارية BCG  أن استخدام الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل من تكاليف تحول المنتجين إلى استخدام الروبوت الصناعي بنسبة تصل إلى 20%، مع ما يصل إلى 70% من خفض التكلفة الناتجة عن زيادة إنتاجية القوى العاملة.

ومع التطورات المستقبلية سيصبح الذكاء الاصطناعي أساسيًا في تقييم الفرص والتنبؤ بالطلبيات المستقبلية وهو ما سيخفف من التكاليف على المصانع.

وكذلك يمكن للمنتجين أن يرفعوا مبيعاتهم باستخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير وإنتاج منتجات مبتكرة مصممة خصيصًا لكل عميل على حدة. إذاً من الواضح أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دورًا أساسيًا في مصانع المستقبل التي ستكون بحاجة للتحول إلى شركات رقمية إذا أرادت أن تستمر في العمل، فالأفكار الذكية ستحول المعلومات إلى نتائج ملموسة.

 أما في الصناعات العسكرية يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لإيجاد أسلحة ذات تكنولوجيا ذكية يمكنها توجيه نفسها إلى الأهداف دون تدخل بشري وبدقة عالية وتقليل الخسائر في الأرواح، وفي الطائرات دون طيار حيث يتم التحكم فيها عن بعد، أو ذاتية القيادة التي يمكن استخدامها للمراقبة والاستطلاع والهجوم، ومن الحلول أيضًا تقنيات الروبوتات الذكية، وأنظمة الحرب الإلكترونية المصممة للتشويش على الاتصالات وأنظمة الملاحة والرادارات، ومن الحلول الابتكارية الأخرى استخدام النانوتكنولوجي في تطوير مواد خفيفة الوزن وقوية المقاومة، واستخدام تكنولوجيا النانو لتصنيع أسلحة وأنظمة عسكرية في غاية الدقة، كما يتم باستخدام الأفكار الابتكارية تطوير الأسلحة الكهرومغناطيسية والأسلحة بالليزر لتحسين الدقة والكفاءة والقدرة على التدمير، والتكنولوجيا اللاسلكية والاتصالات التي تعزز قدرات التواصل والتنسيق بين القوات المسلحة وتبادل المعلومات الحيوية في الوقت الفعلي.

في السنوات الأخيرة، قامت دول مجلس التعاون بالعديد من المبادرات رفيعة المستوى لتعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي في الصناعة والسوق. وبحلول عام 2030م، من المتوقع أن تتجاوز المساهمة الاقتصادية للذكاء الاصطناعي في دول مجلس التعاون الخليجي 277 مليار دولار أمريكي. ولقد حققت هذه الدول بالفعل بعض التطور في مجال الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، وفقًا لتقرير مؤشر أكسفورد لجاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي لعام 2020م، والذي يعتمد على قدرة الحكومات على تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي على الخدمات العامة، فإن خمسة من اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تصنف ضمن أفضل 50 اقتصادًا في العالم.

وأدركت دول المجلس أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى موارد بشرية مؤهلة ومدربة تدريبًا عاليًا، اذ أطلقت دولة الإمارات مبادرة " مصنعين" لتأهيل الكوادر الوطنية وتمكينها من شغل وظائف في قطاع الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وهو برنامج تدريبي لرفع مهارات الكوادر الوطنية وتعزيز وصولهم إلى الوظائف الفنية والمتخصصة في القطاع الصناعي من خلال مواءمة مهاراتهم مع المتطلبات المهنية للمصانع.

وأطلقت المملكة العربية السعودية برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية "ندلب"
لتأهيل الكفاءات الوطنية اللازمة لتطوير قطاعات البرنامج وهي: الطاقة، والتعدين، والصناعة، والخدمات اللوجستية، فضلاً عن المحتوى المحلي والثورة الصناعية الرابعة، وتمكين الكوادر السعودية من امتلاك المهارات اللازمة، التي تؤهلها للإسهام في دفع عجلة التنمية في المملكة، وتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.

في الختام فإن هناك بعض الاستراتيجيات التي تسهم في بناء قطاع صناعي مبتكر ومستدام أهمها:

1-   توفير البيئة المناسبة: على أن تكون هذه البيئة تضمن أن تكون المنافسة والمشتريات والسياسات المالية والفكرية، داعمة وميسرة للابتكار والتنمية الصناعية، وستعزز مثل هذه البيئة المعرفة ونقل التكنولوجيا وتوليدها ونشرها في الصناعة والمجتمع بشكل عام، على سبيل المثال، زيادة تمويل الابتكار من خلال تقديم منح وقروض وضمانات خاصة وإعانات وحوافز ضريبية للبحث والتطوير يمكن أن يعزز الابتكار من خلال تشجيع الأفراد والشركات الناشئة والشركات القائمة على الاستثمار في الابتكار وطرح منتجاتهم في السوق. وبالمثل، يمكن استخدام سياسات الشراء والمنافسة لتشجيع الشركات لتحسين جودة منتجاتهم وتلبية المعايير الدولية. هناك حاجة إلى وجود قانوني وتنظيمي فعال يشجع المنافسة العادلة، ويعزز الشركات المبتكرة، ويجذب المستثمرين الأجانب المبتكرين ويزيل حواجز الدخول الإدارية. بالإضافة إلى البلدان قد تحتاج أيضًا إلى تطوير قواعد واضحة لتسويق التكنولوجيا، بما في ذلك ملكية حقوق الملكية الفكرية على منتجات البحوث الممولة من القطاع العام. بشكل عام، فإن الهدف الرئيسي هو تقليل تكاليف الأنشطة المتعلقة بالابتكار وريادة الأعمال للفرد والأعمال في بلد ما.2-   تطوير رأس المال البشري: تلعب تنمية المهارات المتقدمة والتعليم العالي دورًا مكملاً للتقدم التكنولوجي في اقتصاد المعرفة إذا استجابت المؤسسات التعليمية لاحتياجات القطاع الخاص والتحديات التكنولوجية السائدة. يسمح التعليم العالي المحسن للعمال باستخدام رأس المال المادي الحالي بشكل أكثر كفاءة، وفي الاقتصاد العالمي أصبح محو الأمية التكنولوجي مهمًا، كونه سيؤدي إلى زيادة وتحسين التعليم العالي وإلى تطور سريع ونشر المعرفة، وبالتالي التقدم في الابتكار التكنولوجي وهو عنصر حاسم في القدرة التنافسية للبلدان.3-   البنية التحتية للابتكار: البنية التحتية للعلم والتكنولوجيا والابتكار أمر بالغ الأهمية في معالجة الفجوات المالية والمعرفية، البنية التحتية تشمل الشبكات وتكنولوجيا المعلومات التي يمكن أن توفر الوصول إلى الإدارة، الموارد الفكرية والبحث والتطوير بالإضافة إلى المعلومات الأساسية حول مصادر المعرفة والتقنيات وفرص السوق والشركاء المحتملين في القطاع داخل وعبر الحدود الوطنية. من ناحية أخرى، البنية التحتية، مثل المراكز المجهزة جيدًا، ومجمعات العلوم والتكنولوجيا، وحاضنات التكنولوجيا والأعمال على مقربة من مؤسسات التعليم العالي والبحث، من بين المرافق المشتركة الأخرى، يمكن أن تقلل من تكاليف المبتكرين ورجال الأعمال في هذه العملية لنقل الأبحاث والمنتجات الجديدة إلى السوق، وزيادة التخصيب المتبادل للمعرفة، وتحسين فرص التمويل وتشجيع ريادة الأعمال. 4-   إن بناء اقتصاد قائم على المعرفة وعالي الإنتاجية وتنافسي" مبني على الابتكار والبحث والعلوم والتكنولوجيا. لا يعني فقط المزيد من تمويل الأبحاث وحاضنات الشركات الناشئة، إذ أن بناء اقتصاد قائم على المعرفة المستدامة يتطلب نهجًا أكثر شمولية، فعلى الرغم من أهمية دعم البحث والحضانة عالي الجودة، إلا أنه بدون إدارة مناسبة للملكية الفكرية وعمليات نقل التكنولوجيا، فضلاً عن الوصول إلى الصناعة ورأس المال الاستثماري لدعم اعتماد التكنولوجيا الجديدة، فإن معظم هذه التقنيات ستفشل في الوصول إلى السوق. يجب أن تجتمع هذه العناصر معًا لإنشاء نظام إيكولوجي للابتكار قادر على سد الفجوة بين البحث والابتكار والأثر الاقتصادي.


 

مقالات لنفس الكاتب