array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 191

فرصة دول الخليج لتصبح مركزًا تجاريًا واستثماريًا عبر مفاوضات التجارة الحرة الجديدة

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2023

تتميز العلاقات الاقتصادية الدولية لدول مجلس التعاون بقدرتها على التكيف مع التطورات على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية، فأينما وجد تحد مؤثر على الرخاء الاقتصادي للعالم والدول الأعضاء، يجب أن تكون على استعداد للتكيف والتعاون مع المحيط الخارجي حفاظًا على ما تحقق من تقدم اقتصادي ونجاح خططها التنموية، وكسبا لمزيد من الدعم لمركزها الإقليمي والدولي.

وقد شرعت دول مجلس التعاون في تطبيق سياسات وإصلاحات هيكلية لدعم اندماجها في الاقتصاد العالمي، مثل زيادة سهولة حركة العمالة وفتح أسواق رأس المال عبر الحدود، وتنويع النشاط الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط، وزيادة التركيز على الصناعة التحويلية، وزيادة صادرات الخدمات إلى جانب التوسع في أنماط التجارة شرقًا نحو آسيا.

ويتضح ذلك مع الجهود المتواصلة التي يبذلها مجلس التعاون لتوسيع شبكة الاتفاقات التجارية الإقليمية من خلال المفاوضات مع الشركاء التجاريين في شرق آسيا والمحيط الهادي، وعلى رأسها رابطة الآسيان، التي تضم 10 دول تتسم بالتباين من حيث المستوى الاقتصادي، فمن بينها دول عالية الدخل (سنغافورة وبروناي) وأخرى متوسطة الدخل الشريحة العليا (إندونيسيا وماليزيا وتايلاند ) ودول في الشريحة الدنيا متوسطة الدخل (الفليبين وكامبوديا وفيتنام وميانمار ولاو )، لكنها إجمالا تملك مقومات واعدة للنمو الاقتصادي فضلاً عن تطلعها للتعاون مع الدول المحيطة. أنظر جدول رقم (1)

تناقش الورقة مستقبل العلاقات الاقتصادية الإقليمية بين دول مجلس التعاون ودول الآسيان في ضوء عدد من التطورات على الساحة العالمية، وتأثير ذلك على توجهات دول مجلس التعاون في اقامة علاقات مع التكتلات الإقليمية المناظرة، وما تفرضه من صيغ للتعاون الاقتصادي.

تطور النظرة إلى العولمة

تم صياغة إطار العلاقات الاقتصادية الدولية  الحالي من خلال ما عرف باتفاقية  بريتون وودز عام 1944م، والتي صيغت تحت تأثير قوي  بأحداث ما بين الحربين العالميتين، حين انهار العمل التعددي والنظام الدولي الليبرالي تحت وطأة الحمائية وضعف كفاءة قاعدة الذهب والتخفيض التنافسي للعملات، وأدى تداعي التجارة العالمية إلى تعميق الكساد العظيم وأفضى في النهاية إلى إشعال نيران الفاشية والشيوعية والحرب العالمية الثانية، وفي أعقاب تلك الأحداث، أدرك العالم مدى الترابط بين المصالح الاقتصادية الوطنية والعالمية، وضرورة دعم التنمية الاقتصادية والاستقرار المالي العالمي كمتطلبات أساسية لإرساء السلام في العالم، وكانت تلك هي لحظة التعددية الأولى، بإقامة نظام تجاري عالمي متعدد الأطراف، ورغم مرور أكثر من 75 عامًا على هذا النظام، لم يكن هناك قط بريتون وودز 2 ، لكن مؤسسات النظام لحقها تغيرات كثيرة عما كانت عليه تحت ضغط الظروف المتغيرة والتكيف معها.

وتمثل مباديء منظمة التجارة العالمية (1995م) اتفاقية متعددة الأطراف (مرجعيتها الأساسية جات 1947، وجات 1994م)، تقوم على حرية تبادل السلع والخدمات وانتقال رؤوس الأموال والعمالة على مستوى العالم دون تمييز، إلا في حالات التكتلات الإقليمية، التي انتشرت على أساس التقارب الجغرافي، بصورها المختلفة من منطقة تجارة حرة، حتى الوحدة الاقتصادية، وأن منافع خلق التجارة بين الدول الداخلة في التكامل الإقليمي أكبر من خسائر تحويل التجارة بعيدًا عن الدول غير الأعضاء في التكامل.

وقد حقق العالم مكاسب كبيرة من حيث الكفاءة لجميع البلدان على أساس النظام التجاري المتعدد الأطراف، كما ساعد النظام في صياغة السياسات التجارية  لدول العالم منذ تأسيسه في عام 1947م، إلا أن  ما مر به العالم منذ الأزمة المالية عام 2008م، والتحولات الأساسية التي حدثت في ميزان القوى الاقتصادية والأزمات المتلاحقة مؤخرًا، قد أثار نوعًا من التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، فسلطت جائحة COVID-19 الضوء على أهمية مرونة سلاسل التوريد، وفرض صعود الصين والدول الصاعدة الأخرى ضغوطًا على بعض البلدان الصناعية وأبطأ نمو الصادرات في بعض الاقتصادات الناشئة، ومثلت نداً للولايات المتحدة من خلال معدلات النمو المتسارعة، وتسعى لتشكيل تجمع اقتصادي متناهي الأطراف في مقابلة الغرب.

وقد تسببت الأزمات الحالية في توليد اعتقاد بأن العولمة عرضت الاقتصادات لمخاطر حادة، ووصلت الانتقادات إلى حد القول بأن حرية التجارة الدولية متعددة الأطراف تعد عقبة لبناء مزيد من الأمان، والشمول والاستدامة، وأن الاعتماد المتبادل غير مجدي ومن ثم سعى صانعو السياسات باتجاه مزيد من الاستقلال الاقتصادي، وفقدت  العولمة زخمها، منذ أزمة 2008- 2009م، وغذت الصدمات الحالية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي الدعوات للمحلية والتجزئة ، بشكل فاق رصد المكاسب المتوقعة من تحقيق مزيد من العولمة والاندماج الاقتصادي وانتقل ذلك إلى صانعي السياسات التجارية،  وزادت القيود التجارية الأحادية على بعض القطاعات  مدفوعة غالبًا بأهداف بيئية والأمن الوطني، وعوامل جيوسياسية، والتي أثرت بالتالي على تدفق التجارة العالمية، وغذت هذه التصورات الدعوة إلى إبطاء العولمة  slowbalization أو تفكيك العولمة de-  globalization  وانتشر تطبيق استراتيجيات السياسات التجارية القائمة على التقارب الجيوسياسي. World Trade report. 2023

هناك 3 عوامل أثرت في هذا التحول وهي (أ)التغيرات في بنية الاقتصاد العالمي والتي أدت إلى تراجع أهمية التجارة العالمية في الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، (ب) كما غيرت التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة -أكبر اقتصادين في العالم -أنماطهما التجارية. ويؤكد التحليل التجريبي لبيانات تدفقات تجارة السلع الشهرية من يناير 2016 إلى ديسمبر 2022 م، حدوث تباطؤ في التجارة بين الاقتصادين، ويظهر التحليل أنه على الرغم من وصولها إلى مستويات قياسية في الآونة الأخيرة، إلا أنه منذ يوليو 2018م، نمت التجارة الثنائية في السلع بين الصين والولايات المتحدة في المتوسط بشكل أبطأ بكثير من تجارة كل اقتصاد مع شركاء آخرين.

(ج) وساعد التركز الشديد في التجارة العالمية لبعض السلع في القطاعات ذات وفورات الحجم الكبير، والتي تؤدي إلى خفض تكاليف الإنتاج الإجمالية وأسعار المستهلك وعدد قليل من الموردين لتلك المنتجات، ومن ثم يصبح من الصعب التحول إلى موردين بديلين في أوقات الحاجة، مما زاد من ضعف الاقتصاد العالمي في القطاعات التي يحتاج فيها الدخول إلى الأسواق وزيادة الإنتاج إلى وقت طويل، كما حدث إبان أزمة لقاح كوفيد 19. Goes, C. and Bekkers, E. (2022)

هل حان وقت التغيير؟

يمكن القول إن خطر التفتت الاقتصادي أصبح واقعًا، ومن هنا طرح تقرير التجارة العالمية الذي صدر في 12 سبتمبر 2023م، سؤالًا رئيسًا عن دور التجارة الدولية في بناء مزيد من الرخاء والشمول والاستدامة للعالم؟ وهو السؤال الذي يدخل في صميم مناقشة مثيرة حول مستقبل العولمة، أو بالأحرى نظام التجارة العالمي متعدد الأطراف، والتي  يمكن أن تكون لها عواقب بعيدة المدى على العلاقات الاقتصادية الدولية، ويؤكد التقرير أنه بينما تستمر التجارة في الازدهار بطرق عديدة، فإن التوترات التجارية آخذة في الزيادة، وتظهر أولى علامات التفتت في أن  نظام التجارة يعاد صياغته تدريجيًا على أسس جيوسياسية، وتباطأت تجارة السلع وفق الاتفاقات متعددة الأطراف بنسبة 4-6 في المائة مما كانت عليه منذ بداية الحرب في أوكرانيا ، مما يشير إلى تحول نحو  التجارة البينية للتكتلات الإقليمية ( أو ما يعرف بدعم الأصدقاء)

وفي مواجهة هذه التداعيات يخلص التقرير إلى استنتاج رئيسي بأننا بحاجة إلى احتضان التجارة بدلاً من رفضها إذا أردنا التغلب على التحديات الأكثر إلحاحًا في عصرنا، ويدافع التقرير عن توسيع نطاق التكامل التجاري ليشمل المزيد من الاقتصادات والشعوب والقضايا -في عملية يطلق عليها "إعادة العولمة"، وأن وجود نظام تجاري قوي متعدد الأطراف هو أفضل ضامن للأمن الاقتصادي لأنه يوفر الخيارات التي يحتاجها العالم عندما يواجه نقصًا في الإمدادات.

ويشير التقرير إلى ما يبذل من جهد جماعي في إطار منظمة التجارة العالمية من أجل تعزيز إعادة العولمة، ويشدد على أن أعضاء منظمة التجارة العالمية قد أحرزوا بالفعل تقدمًا نحو تحقيق هذا الهدف في السنوات الأخيرة، ومن الأمثلة على ذلك الاتفاقات المتعددة الأطراف مثل اتفاق تيسير التجارة الذي أدى إلى زيادة قدرها 231 مليار دولار أمريكي في التجارة، وتحققت مكاسب تجارية خاصة لأقل البلدان نموًا، التي زادت صادراتها بنسبة 2.4 في المائة، مع زيادة بنسبة 17 في المائة في قطاع الزراعة.

واتفق أعضاء منظمة التجارة العالمية على إجراء استعراض شامل لوظائف منظمة التجارة العالمية لضمان قدرة المنظمة على الاستجابة للتحديات التي تواجه النظام التجاري المتعدد الأطراف، وإجراء محادثات بشأن معالجة المخاوف بشأن نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية، بهدف تأمين نظام يعمل بكامل طاقته بحلول عام 2024م.

مستقبل نظام التجارة متعدد الأطراف

مثلت تبعات جائحة  COVID-19اعتبارًا من عام 2020م، نقطة فارقة في تاريخ نظام التجارة متعددة الأطراف، فقد تعطلت التجارة الدولية بشدة وجرى تبادل حوالي نصف التجارة العالمية تحت شكل من أشكال مناطق التجارة التفضيلية، كما كانت المبادلات التجارية بموجب اتفاقيات التجارة الحرة أكثر مرونة نسبيًا ، مما أدى إلى زيادة حصة التجارة في إطار اتفاقيات التجارة التفضيلية بشكل أكبر في عام 2020م.

وعكست هذه التطورات مثالب نظام التجارة متعدد الأطراف، والتي من أبرزها اعتماد نظام المدفوعات الدولية على عدد محدود من العملات الرئيسية (والدولار بصفة أساسية)، حيث يسمح للبلدان بالاحتفاظ بالفائض أو العجز إلى أجل غير مسمى مما يزيد الطلب على بعض العملات (خصوصًا الدولار)، ويضع ضغوطًا على الصرف الأجنبي في البلدان ذات العجز.

وفي غياب اتحاد عالمي للمقاصة، لم تستطيع المؤسسات متعددة الأطراف أن تضع أحكامًا لمنع اختلال التوازن أو التخلص منه، ولهذا السبب سعت هذه البلدان منذ فترة طويلة إلى إبرام اتفاقيات تعاون إقليمي بغية التخلص من مشاكل اضطراب سعر الصرف لعملاتها الوطنية. كما ظهرت دعوات لإنشاء نظام مغلق لمدفوعات التجارة والاستثمار بحيث يسمح بإعادة إنفاق أي فائض تجاري لدولة ما على المنتجات المستوردة من بلد العجز، أو الاستثمار الأجنبي فيها، وسعت بعض الدول لإنشاء صناديق إقليمية للعجز في ميزان المدفوعات قصير الأجل، إلا أنه من الناحية العملية، أثبتت جميع هذه الصناديق على مدى ثلاثة عقود أنها أصغر من أن تصمد أمام أزمات ميزان المدفوعات في الدول النامية بشكل كبير.

ومن هنا سعت العديد من الدول لإقامة نظم الدفع الثنائية والإقليمية لتعزيز التجارة الإقليمية والحد من التعرض لتقلبات أسعار الصرف، وارتبطت في معظمها باتحادات جمركية وأنظمة دفع تستهدف خفض تكاليف المعاملات (أمريكا اللاتينية)، وتنسيق سياسات أسعار الصرف الرامية إلى وقف التقلبات الكبيرة في أسعار العملات وسياسات إفقار الجار، واستهدفت بعض الآليات إنشاء عملة موحدة أو سياسات موحدة لأسعار الصرف فيما بين البلدان الأعضاء (أفريقيا)، ومع ذلك فقد ظلت هذه المحاولات إلى حد كبير في مرحلة ما قبل التنفيذ.

لكن التوسع في دعوى الانضمام إلى مجموعة البريكس، يعتبر ذروة الدعوات للاستقطاب العالمي بعيدًا عن النظام الاقتصادي العالمي ومنظمات بريتون وودز، حيث لا تقتصر الأهداف على التعاون التجاري الإقليمي بل تمتد لإنشاء مؤسسات مناظرة، ولا نقول حتى الآن بديلة، لمؤسسات بريتون وودز خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فضلاً عن اقتراح أسس بديلة للتبادل التجاري وخلق عملة موحدة لتسوية المدفوعات البينية، أو اقتراح طرق للتسويات الثنائية واعتماد العملات الوطنية في التعامل.

على الجانب الأخر يشير تقرير التجارة العالمي أن التعاون التجاري متعدد الأطراف يتقدم على محاور مختلفة، فالاتفاقات الإقليمية التي خرجت من عباءة منظمة التجارة الدولية، مثل الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP) ، التي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2018م، ومنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) ، التي دخلت حيز التنفيذ في مايو 2019م، تغطي جانبًا كبيرًا من التجارة العالمية وتوفر فرصًا للنماء لملايين من البشر، وتوفر هذه الاتفاقيات مجالات جديدة للسياسات تتصل مباشرة ب resilience والشمول والاستدامة، وأكثر من ذلك يمكنها مساعدة نظام التجارة الدولي للتقدم نحو مزيد من الشمول والدعم المتبادل. ويتزامن ذلك مع الجهود المتواصلة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتوسيع شبكته من الاتفاقات التجارية من خلال المفاوضات مع أستراليا وكندا وكينيا والسوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي ونيوزيلندا، من بين بلدان أخرى، والتي أبرم بعضها بنجاح.

خلاصة القول

 أن مستقبل نظام التجارة متعدد الأطراف يتعرض لمراجعات من داخل النظام نفسه لملاحقة ما حدث من تطورات على الساحة الدولية والتكيف معها، ومن المؤكد أن هناك تغييرًا سيحدث خلال السنوات القادمة، يتوقف مداه على قدرة تكيف قواعد عمل النظام متعدد الأطراف مع ما حدث من تطورات، وتحقيق ما يطلق عليه إعادة العولمة، وقدرة الدعوات نحو تكتلات ومؤسسات إقليمية مناوئة لمؤسسات بريتون وودز على تقديم بدائل عملية وقوية، في مواجهة نظام راسخ متكامل الأركان.

آفاق التعاون بين مجلس التعاون ورابطة دول الآسيان

مما لا شك فيه أن التهديدات التي يتعرض لها العمل التعددي وانتشار الترتيبات والتكتلات الإقليمية، وتحول القوة الاقتصادية والمالية نحو الشرق، والتغير التكنولوجي، وما أحدثه من تحولات في الاقتصادات الوطنية، سيخلق فرصًا جديدة للتعاون الإقليمي لكنه ينشئ تحديات أمام السياسات التجارية، وتشكل مجتمعة ما يطلق عليه لحظة بريتون وودز العكسية، وفي مثل هذه الظروف الضبابية لا بد من التخطيط الدقيق عند إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية الخارجية وأنماط التعاون الدولي لدول مجلس التعاون سواء مع مؤسسات النظام الحالي، أو مع التجمعات والتكتلات الاقتصادية في الشرق، فالعالم يتغير، والنظام الاقتصادي العالمي يتطور،  لكن الوقت لا يزال مبكرًا لحدوث تحولات جذرية في أسس العلاقات الاقتصادية الدولية، التي تقوم عليها مؤسسات بريتون وودز بعد، وأهمها  التعاون الدولي متعدد الأطراف ومبادئ اقتصاد السوق أو الرأسمالية في ثوبها الجديد.

وقد شرعت دول مجلس التعاون في تطبيق سياسات وإصلاحات هيكلية متنوعة، مثل زيادة سهولة حركة العمالة وفتح أسواق رأس المال عبر الحدود، لتنويع النشاط الاقتصادي بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الوقود الأحفوري والإيرادات المتحققة منه. وقد أدى ذلك إلى تنويع هياكل اقتصاداتها الوطنية، وزيادة التركيز على الصناعة التحويلية، وتنوع منتجات، على سبيل المثال، زيادة صادرات الخدمات إلى جانب حدوث تحول واضح في أنماط التجارة نحو آسيا وبعيدًا عن الولايات المتحدة وأوروبا في الآونة الأخيرة.

من ناحية أخرى هناك توجه لدي رابطة الآسيان بتوسيع علاقاتهم التجارية، وظهر ذلك جليًا في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة  RCEP  التي ضمت اليابان والصين وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا وتايلاند ، وتهدف إلى تعزيز التجارة الإقليمية من خلال تزويد الأعضاء بظروف أفضل للوصول إلى الأسواق المتقدمة في المنطقة، وتسهيل تدفق البضائع عبر الحدود. وهو ما يمثل خطوة نحو التكامل الإقليمي، لا سيما بين الأعضاء الذين كانت علاقاتهم التجارية الثنائية على أساس الدولة الأكثر رعاية ولا يخضعون لأي اتفاق للتجارة الحرة، ومع ذلك، من المتوقع أن يؤدي برنامج الشراكة الاقتصادية الشاملة إلى تحسين التكامل التجاري بين جميع الاقتصادات.

ورغم تعرض نظام التجارة متعدد الأطراف لمراجعات داخلية، ودعاوى الخروج من عباءة مؤسسات بريتون وودز، لا تزال أمام دول الخليج فرص لتقوية الروابط الإقليمية في التجارة والاستثمار أكثر من أي وقت مضى، وفي هذا السياق، تقوم دول مجلس التعاون باتخاذ خطوات لدعم الاستثمارات الإقليمية، خاصة مع ازدياد عدد الاقتصادات المتقدمة المنخرطة في ممارسات التوريد من الدول الصديقة، وسوف يتعين على بلدان المنطقة تنويع اقتصاداتها ووضع الخطط لزيادة الاكتفاء الذاتي الإقليمي بما يؤدي إلى زيادة الصلابة في مواجهة الصدمات الخارجية وتقلبات الأسواق

وقد نجحت دول مجلس التعاون في تنويع التجارة سواء من حيث المكونات أو وجهات الصادرات،، كما يتضح من مؤشر التنويع الاقتصادي العالمي الذي يتتبع مدى التنويع وتحقيق نسب عالية من التجارة البينية داخل دول المجلس، وستؤدي زيادة تكامل بلدان مجلس التعاون الخليجي مع تجمعات اقتصادية إقليمية أخرى إلى زيادة حجم التجارة الحالية لدول المجلس ومشاركتها في سلاسل القيمة العالمية، ولا شك أن  زيادة اندماج دول مجلس التعاون في الاقتصاد العالمي وتضافر جهودها في زيادة اتفاقيات التجارة والاستثمار  الإقليمية، يمكن أن تصبح بمثابة قناة لزيادة اندماج بقية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في التجارة العالمية.

ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي استغلال ذلك كفرصة لتصبح مركزًا تجاريًا واستثماريًا مترابطًا، من خلال مفاوضات التجارة الحرة الجديدة المتسارعة التي تجريها دول مجلس التعاون الخليجي مع الشركاء الرئيسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنها مصر والأردن، وفي آسيا، ومنها الصين وكوريا الجنوبية والآسيان، حيث يمكن أن تصبح حجر الزاوية في هذا التحول.

وأمام دول مجلس التعاون الخليجي فرصة للاستفادة من حالة الاستقطاب على مستوى العالم عن طريق استراتيجيتها التي لا تزال تتكشف ملاحمها والمتمثلة في السعي نحو العولمة كمجموعة إقليمية من خلال الاتفاقيات الجديدة للتجارة والاستثمار إقليميًا، وتقديم المساعدات الخارجية على أساس المعونة من أجل التجارة، والاستثمار المباشر واستثمار الحافظة، وتشجيع الانفتاح الدبلوماسي للحد من المخاطر الجيوسياسية التي تهدد استقرار التجارة والاستثمار في المنطقة وازدهارها.

وللمضي قدمًا في اندماج  مجلس التعاون في الاقتصاد العالمي وتبوأ مكانة متميزة بين آسيا من ناحية ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من ناحية أخرى، على دول مجلس التعاون التسريع في تنفيذ السوق المشتركة، والاستثمار في التجارة الرقمية، وخفض الحواجز الجمركية وغير الجمركية، والحد من القيود المفروضة على التجارة في الخدمات، إلى جانب الإصلاحات اللازمة لزيادة سهولة حركة العمالة وتعزيز الروابط بين الأسواق المالية والرأسمالية المحلية والعالمية، مع الاستمرار في إبرام اتفاقيات جديدة وعميقة للتجارة مع البلدان الأخرى في منطقة الآسيان، بحيث تتجاوز التجارة السلعية لتشمل اتفاقيات بشأن التدابير غير الجمركية، والاستثمار المباشر، والتجارة الإلكترونية والخدمات، ومعايير العمل، والضرائب، والمنافسة، وحقوق الملكية الفكرية، والمناخ، والبيئة.

إن نجاح الانخراط في الاقتصاد العالمي، مع تطور شكل نظام التجارة العالمية وأسس العلاقات الاقتصادية الدولية مستقبلا، تدعمه مقومات أساسية تبدأ من معدلات نمو عالية ومستمرة، وتستند على مؤسسات أعمال قوية بقيادة القطاع الخاص، وأسواق مرنة، تشمل أسواق العمل، والسلع والخدمات، ونظام مالي ونقدي متطور بشقية، المؤسسات المالية الوسيطة المصرفية وغير المصرفية، والأسواق المالية سواء سوق رأس المال أو سوق النقود، والقدرة على مواجهة التحديات التي تفرضها التقنية المالية   FinTech، وهو ما تسعى له رؤى دول المنطقة 2030.

 

 

جدول رقم (1) أهم المؤشرات الاقتصادية الكلية لدول رابطة الآسيان

 

السكان

بالمليون

 

الناتج الوطني$ مليار

معدل نمو الناتج %

دخل الفرد $

نسبة التجارة للناتج %

 

البطالة % من قوة العمل

 

% معدل التضخم

 

مؤشر الفقر

 

إندونيسيا

276

1,320

5.3

4788

36

4.2

1.3

2.5

ماليزيا

34

406

8.7

11972

144

3.7

3.4

00

الفلبين

116

404

7.6

3490

50

2.2

5.8

3

سنغافورة

5.7

467

3.6

63000

204

2.8

6.1

n.a

تايلاند

71,7

495

2.6

6908

45

0.9

6.1

00

بروناي

0.450

16.7

- 1.6

37152

140

7.2

3.7

n.a

فيتنام

98.2

409

8

4164

182

1.9

3.2

0.7

لاوس

7.5

15.7

2.7

2088

74

2.6

2.3

7.1

ميانمار

54.2

59.4

3

1096

45

1.5

8.8

2.0

كامبوديا

16.8

30

5.2

1787

178

0.4

5.3

n.a

 المصدر: البنك الدولي. مؤشرات التنمية

مقالات لنفس الكاتب