array(1) { [0]=> object(stdClass)#13015 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 191

5 خطوات لتعزيز التعاون والشراكة بين دول الخليج ودول رابطة الآسيان والظروف مواتية

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2023

تمكنت الدبلوماسية السعودية – بالتعاون مع بعض الدول المجاورة مثل الإمارات وسلطنة عمان – من تحقيق قفزات ملموسة في التعاون الاقتصادي الخليجي مع دول رابطة شعوب جنوب شرق آسيا (الآسيانASEAN  ( في الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 2020 و2023م. ويسعى هذا التقرير إلى تحليل العوامل والمضامين الجديدة للدبلوماسية السعودية في تعزيز وتنمية التعاون الاقتصادي العالمي والإقليمي؛ ومؤشرات التعاون الاقتصادي الخليجي مع دول رابطة الآسيان؛ ومقترحات تشجيعها وتطويرها في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة والمستقبلية.

أولاً: الدبلوماسية السعودية الجديدة للتعاون الاقتصادي العالمي والإقليمي

 

استقر في ممارسات العلاقات الدولية والسياسات الخارجية للدول الكبرى والمتوسطة والصغرى السعي لاستثمار الدبلوماسية – ضمن أدوات ووسائل أخرى -للوصول إلى أهدافها من خلال إدارة علاقاتها الخارجية بالشكل الذي يحقق لها مصالحها؛ وبما يتوافق مع القوانين والأعراف الدولية، لذلك تقوم كافة الدول بتوجيه استخدام الأداة الدبلوماسية وفق الحاجة والمصالح الوطنية على كل المستويات العالمية والإقليمية. وتتباين الدول في تحديد أنماط وصور وأشكال الدبلوماسية الموافقة لتوجهاتها ونوعية مصالحها وأهدافها والتي تضم صورًا وأشكالًا مثل: دبلوماسية القمة ودبلوماسية المنظمات الدولية والدبلوماسية الدفاعية والدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الثقافية والدبلوماسية الاقتصادية وغيرها.

وقد انتقلت المملكة العربية السعودية، نتيجة ما تمر به الساحتين العالمية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام أو المنطقة العربية والخليج من تطورات سريعة ومتلاحقة سياسيًا واقتصاديًا إلى تبنى واعتماد نمط دبلوماسي جديد يقوم على فلسفة التكامل والشراكات وإحلال السلام وتشجيع التعاون الاقتصادي وبما يخدم السياسات والمصالح السعودية وفق الأعراف والقوانين الدولية.

واستدعت السياسات والتوجهات السعودية الجديدة في التعاون والتنمية العالمية والإقليمية إجراء تغييرات طالت كل أركان الدولة وثوابت السياسة وقواعد الحكم ونظم العمل الدبلوماسي، وإبرام تحالفات إقليمية ودولية مؤثرة ومتشابكة سياسيًا واقتصاديًا وبما يعزز مكانتها الدولية والإقليمية. غير أن الإطار العام والشامل لهذه العناصر جميعها يأتي من الخطاب السياسي الخارجي الجديد في السعودية والذي وضع أسسه ومحتواه سمو الأمير محمد بن سلمان بعد خبرة متميزة لشغله عدة مناصب بداية من كونه وزيرًا للدفاع، مرورًا بكونه وليًا للعهد، ففي بضعة أشهر قليلة، استطاع تغيير شكل العلاقات الخارجية للمملكة مع جميع الدول العظمى والصاعدة، وتبنيه لرؤية السعودية 2030 والتعاون مع عدد كبير من دول العالم والتجمعات الإقليمية لتنفيذها.  

ويمكن عزو فعالية وتميز الدبلوماسية الاقتصادية السعودية الجديدة عن نظيرتها العالمية والإقليمية إلى عدة عوامل من أهمها:

1-إعطاء المملكة العربية السعودية الأولوية للنمو الاقتصادي في الداخل حيث يسعى الاقتصاد الذي تبلغ قيمته 1 تريليون دولار للابتعاد عن سمعته التقليدية كمنتج للنفط، والاتجاه ليصبح اقتصادًا عالميًا ومركزًا إقليميًا رئيسيًا للسياحة والأعمال خاصة بعد إطلاق ولى العهد ورئيس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان لمشروع “نيوم” الاقتصادي الذي يأتي استكمالًا لرؤية السعودية 2030وما اشتملت عليها رؤية ( 2030) من مبادرات لتعزيز اندماج الاقتصاد السعودي في المنظومتين الإقليمية والعالمية. وفى أبريل الماضي أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء و رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، إطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة جديدة بمواقع استراتيجية في الرياض وجازان ورأس الخير ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية شمال مدينة جدة؛ وذلك نظرًا لما تتمتع به المناطق الاقتصادية الخاصة من نظم تشريعية ولوائح خاصة للنشاطات الاقتصادية، وزيادة التنافسية السعودية لاستقطاب أهم الاستثمارات النوعية، وإتاحة فرصاً هائلة لتنمية الاقتصاد المحلي، واستحداث الوظائف، ونقل التقنية، وتوطين الصناعات وفتح مجالات واسعة لتنمية مجتمع الأعمال السعودي وترسيخ مكانة المملكة كبوابة عبور لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وحلقة وصل بين أسواق الشرق والغرب؛ وتطوير وتنويع الاقتصاد السعودي وتحسين البيئة الاستثمارية، بما يعزز مكانة المملكة كوجهة استثمارية عالمية.

2-الاهتمام بتطوير القطاعات الواعدة والجديدة وتوسيع إسهاماتها الاقتصادية والتنموية، ومن ذلك إطلاق المخطط العام للمراكز اللوجستية الذي يهدف إلى تعزيز ربط المملكة بالأسواق العالمية من خلال الاستفادة من موقعها الاستراتيجي بين القارات الثلاث. وكذلك التخطيط لرؤية العيش من دون النفط، وتعزيز الاستدامة المالية، وتنويع مصادر الدخل، وترشيد الإنفاق الحكومي، ودعم القطاع الخاص. تهدف وزارة الخارجية من خلال البعثات والسفارات وعلاقتها المتميزة مع دول العالم إلى جذب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز التجارة وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية ومتعددة الأطراف. وتشكل هذه الجهود جوهر الدبلوماسية الاقتصادية للدولة السعودية التي تدعم في نهاية المطاف الاحتياجات طويلة الأجل للدولة التي تم تسليط الضوء عليها في إطار "رؤية 2030".

3-تنويع العلاقات والشركاء السياسيين والاقتصاديين حيث لم تعترف المملكة بلغة العلاقات الفردية فقط، بل تبنت لغة المصالح في العلاقات الدولية، ومفهومًا عميقًا للشراكات الاستراتيجية مع الدول العظمى ومع الدول الصناعية الكبرى؛ فعلى سبيل المثال تقيم المملكة علاقات شراكة اقتصادية نوعية مع اليابان وفى ذات الوقت تتمتع بعلاقة استثنائية مع العملاقين الهندي والصيني.

وهو ما يكشف قدرة صانع القرار السياسي السعودي على قراءة المتغيرات الراهنة على الساحة الدولية والإقليمية. ولا تخرج سياسة المملكة عن مفاهيم التوازن والتنوع والتناغم حين الحديث عن علاقاتها مع الآخرين ومن خلال معيار يتمثل فيما يعود عليها بالمنفعة، ولذا تعتقد أنه لا يمكن الفصل ما بين النمو الاقتصادي والتنمية من جهة والملف السياسي والاستقرار من جهة أخرى كونهما متداخلين. السعودية أيضاً لا تعاني من حساسية من اتجاهات البوصلة شرقاً كانت أو غرباً، ما دامت هذه الوجهة تخدم مصالحها كونها تؤمن بالانفتاح على الجميع، وهي بذلك ترتهن للواقعية السياسية وبعقلية مرنة، بمعنى أنْ لا تأتي علاقة جيدة مع دولة ما على حساب علاقتها مع دولة أخرى؛ وهو ما يعني بكل وضوح أن المملكة لا تعيش بمعزل عما يدور في الساحتين العالمية والإقليمية.

4-تجديد دماء دبلوماسية المملكة بوجوه شابة، حيث حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على اختيار سفراء شباب للقيام بالمهمة ليكونوا الوجه الذي يعكس الحراك الذي تعيشه المملكة. وشهدت الدبلوماسية السعودية عددًا من التغييرات في هيكلة وزارة الخارجية، التي جددت من خلالها الدماء الإدارية والدبلوماسية، سواء داخل المملكة، أو من يمثلونها في الخارج من خلال بعثاتها حول العالم، وذلك عبر تفعيل برنامج التطوير والتحول الاستراتيجي بضخ دماء جديدة وتعيين عدد من الشباب كسفراء أو قائمين بالأعمال في الخارج، بغية الارتقاء بالعمل المؤسسي للدبلوماسية السعودية، إن الثقة الملكية في الجيل الجديد والشباب من الدبلوماسيين لم تأتِ من فراغ، بل أتت نظرًا لما يمتلكونه من رؤية وتطوير نحو تنمية الوطن .
5- إطلاق وزارة الخارجية السعودية خطتها الاستراتيجية، تماشيًا مع برنامج التحول الوطني 2030،  والتي تقدم حزمة من المبادرات وآليات تنفيذها، أبرزها: تعزيز الدبلوماسية العامة، وتفعيل الشراكات الإقليمية والدولية لخدمة اقتصاد الوطن، ورعاية المواطنين وحماية مصالحهم في الخارج، وإبراز صورة المملكة المشرقة عالميًا. ولا تغفل الخطة الاستراتيجية، إعادة هيكلة الوزارة بما يلائم نمط العلاقات الدولية المعاصرة التي تتسم بحركة بالغة السرعة؛ وعقد اجتماع كل ثلاث سنوات لرؤساء بعثات المملكة في الخارج. وتواكب مع ما سبق؛ تطوير مهام وأدوار ووظائف مركز الاتصال والإعلام الخاص بوزارة الخارجية السعودية حيث يستخدم المركز ١٨ لغة عالمية لتوصيل فكر وثقافة وأجندة السعودية للعالم.

وتعمل وزارة الخارجية بشكل وثيق مع وكالات ترويج الاستثمار والقطاع الخاص وصناديق الثروة السيادية، ومجالس الأعمال، وغيرها من الجهات الاقتصادية الفاعلة لضمان تحقيق نتائج ناجحة من خلال الدبلوماسية الاقتصادية. وتعمل وزارة الخارجية على دعم الجهود الوطنية في توقيع اتفاقيات الازدواج الضريبي الثنائية ومعاهدات الاستثمار الثنائية (المعروفة أيضًا باسم اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار). 

وينظم معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية العديد من الندوات والمؤتمرات بهدف تعزيز القوة الاقتصادية السعودية؛ وسبل دعم الكيانات السعودية والخليجية في الأسواق الخارجية، وتقييم مستوى التكامل العالمي للاقتصاد السعودي والخليجي، وتعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية بهدف خلق فرص عمل جديدة.

 ومع كبر ونمو ثقل المملكة العربية السعودية في الساحة الدولية وزيادة أهمية الوزن الاقتصادي والسياسي لها، زادت أهمية الدور الدبلوماسي وبعثاتها، وزادت المتطلبات لفتح المزيد من السفارات والقنصليات الدبلوماسية في مواقع جديدة حول العالم الفسيح؛ منها مناطق كانت تخدم من مواقع أخرى، ومنها مواقع كانت تحت ظروف سياسية صعبة مثل دويلات تحررت بعد سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفياتي في آسيا وأوروبا، أو دول نالت استقلالها، فكانت المهمات تتنوع ما بين إقامة العلاقات الدبلوماسية لأول مرة أو إعادة تنشيطها بصورة مركزة ومباشرة أكثر فعالية.

فعلى سبيل المثال قرر مجلس الوزراء السعودي في أغسطس الماضي إقامة علاقات دبلوماسية مع 6 دول جديدة، وهي سانت فنسنت وجزر جرينادين، ودولة ساموا المستقلة، وجمهورية ناورو، وجمهورية كيريباتي، وولايات ميكرونيسيا المتحدة، ودولة بابوا غينيا الجديدة المستقلة، على مستوى سفير غير مقيم.

6-الاعتماد على دبلوماسية القمم الدورية؛ فعلى الرغم من قدم وتاريخية " دبلوماسية القمة" في حقل العلاقات الدولية، باتت تمثل سمة بارزة من سمات العلاقات الدولية المعاصرة، وطابعًا مميزًا لنظام عالمي جديد يقوم على الاعتماد المتبادل والعولمة وتعدد القضايا والأزمات الدولية وتشعبها حيث اتسع جدول أعمال دبلوماسية القمم ليشمل قضايا اقتصادية مثل التجارة والاستثمار والطاقة وقضايا أمنية واستراتيجية مثل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وغيرها من القضايا التي تعتبر محل اهتمام المجتمع الدولي.

وقد تبنّت الدبلوماسية السعودية الجديدة دبلوماسية القمم وعملت على توظيفها لخدمة أهداف سياستها الخارجية، سواء عبر استضافة قمم إقليمية ودولية على أراضيها أو المشاركة الفاعلة في كافة المؤتمرات والقمم التي تعقد في الخارج، حيث تضطلع المملكة بدور فاعل على الساحتين الإقليمية والدولية يستند على ما تمتلكه من مقومات القوة الشاملة بشقيها القوة الصلبة والقوة الناعمة، بجانب ما تتبناه من مواقف ومقاربات تجاه مختلف القضايا العالمية والإقليمية.

 لذا كانت استضافة السعودية لعدد من القمم منها: القمة بين دول مجلس التعاون ودول وسط آسيا الوسطى (أوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان، بالإضافة إلى قرغيزستان وكازاخستان)، والقمة الخليجية الصينية ..... وغيرها من القمم التي بحثت تعزيز التعاون والتنسيق في مختلف المجالات ومنها المصالح الاقتصادية بين دول مجلس التعاون والدول الأخرى.

ثانيًا: التعاون الاقتصادي الخليجي مع الآسيان بين الواقع والطموح

تمكنت رابطة أمم جنوب شرق آسيا المعروفة اختصارًا باسم (آسيان) ومجلس التعاون لدول الخليج العربية بعد أكثر من خمسة عقود من العمل الجماعي الجاد والمكثف تحقيق معدلات متميزة من التنمية والازدهار الاقتصادي مما يجعلها نموذجًا رائدًا للاقتداء بها في تغليب الاعتبارات التنموية على ما عداها من اعتبارات أخرى للحاق بقطار التنمية المستدامة والمساهمة في إحداث نقلة تنموية لمستوى رفاهية ورخاء شعوبها. ويعكف هذا التقرير على توضيح وتحليل سمات ومؤشرات عملية التنمية الاقتصادية في الآسيان؛ وملامح التعاون الاقتصادي بينها وبين مجلس التعاون الخليجي؛ ومقترحات الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية فيما بينهما في الأمدين المتوسط والطويل.

تمتلك دول مجلس التعاون ودول رابطة جنوب شرق آسيا أرضيَّةً مُشتركة لتعزيز العلاقات الاقتصادية؛ وتستند تلك الأرضية إلى تمكن دول المجلس من تحقيق معدلات مرتفعة للنمو الاقتصادي والتنمية البشرية لمواطنيه؛ وهو ما تدعمه البيانات والمعلومات الواردة بالجدول المرفق على النحو التالي:

جدول رقم (1)

مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية لمجلس التعاون عام2020 

م

المؤشر

القيمة

ملاحظات

1

المساحة بالمليون كيلو متر مربع

2,4

 

2

عدد السكان بالمليون نسمة

57,6

 

3

الكثافة السكانية نسمة/ كيلو متر مربع

23,9

 

4

الناتج المحلى الإجمالي تريليون دولار أمريكي

1,4

 

5

حجم العمالة بالمليون نسمة

28,7

 

6

نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمال بالألف دولار

24,6

 

7

حجم النفط المنتج بالمليون برميل يوميًا

16,2

 

8

حجم التبادل التجاري السلعي بالمليار دولار

834,2

 

9

معدل التضخم الخليجي السنوي %

1,7

 

10

إجمالي الصادرات السنوية لمجلس التعاون بالمليار دولار

438,5

تحتل المرتبة 15 عالميًا بعد كل من الصين والولايات المتحدة ....... وغيرها

11

إجمالي الواردات السنوية لمجلس التعاون بالمليار دولار

395,6

تحتل المرتبة 18عالميًا بعد كل من الولايات المتحدة والصين ...... وغيرها

12

فائض الميزان التجاري بالمليار دولار

42,9

يحتل المرتبة 11عالميًا بعد كل من الصين وألمانيا ....وغيرها

13

معدل التنمية البشرية في دول مجلس التعاون

يتراوح بين 0,806- 0,890

تحتل دول المجلس الترتيب بين 35-57 عالميًا؛ في نطاق الدول المرتفعة جدًا.

14

عدد السكان في سن العمل ( 15-64 سنة) بالمليون نسمة

43,1

 

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون؛ مسقط؛ 2022.

https://gccstat.org/ar/statistic/publications/atlas-of-gcc-statistics

علاوة على الطفرة التنموية التي حققتها دول مجلس التعاون ؛ تنامى العلاقات السياسية بين دول المجلس ودول رابطة الآسيان والتي يعود الفضل فيها إلى السعودية والإمارات وعمان ؛ حيث قامت السعودية  باتخاذ خطوات واسعة خلال الفترة بين عامي 2019 و2022م، في التقارب مع دول من أبرزها توجيه السعودية الدعوة إلى ثلاث دول من الرابطة خلال رئاستها لمجموعة الـ20 في عام  2020م،  للمشاركة في اجتماعات وفعاليات المجموعة عام2020م، حيث شاركت سنغافورة وفيتنام كضيفتين على المنتدى العالمي، إلى جانب مشاركة إندونيسيا أحد أعضاء المجموعة، كذلك شهدت دول مجلس التعاون ودول الآسيان زيارات رفيعة المستوى خلال جائحة كورونا وبعدها، ثم زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى إندونيسيا وماليزيا في يونيو2022م، علاوة على ذلك شهدت أزمة العلاقات التايلاندية - السعودية انفراجة عام 2022م، بزيارة رئيس الوزراء التايلاندي برايوت تشا أوتشا إلى الرياض في يناير 2022م، أعقبتها زيارة محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي ياسر الرميان إلى العاصمة التايلاندية بانكوك لتعميق العلاقات السعودية مع دول منطقة جنوب شرقي آسيا، وزيارة وزير الدفاع الماليزي إلى السعودية أكثر من مرة.

كما يعزز توطيد العلاقات بين المنظمتين –مجلس التعاون والآسيان التشابه الكبير بينهما في محط أنظار القوى الكبرى والعالمية، فلدول مجلس التعاون أهمية جغرافية واستراتيجية واقتصادية كبيرة، من الناحية الاستراتيجية تطل دول الخليج العربي ومضيق هرمز الذي يشكل شرياناً رئيساً في حركة التجارة الدولية، واقتصادياً تمتلك دول المجلس أكبر احتياطي نفط في العالم يقدر بـ33 % من إجمالي الاحتياطي العالمي، بينما تنتج خمس دول من المجلس حوالى 18 % من الطلب العالمي على النفط.

أ) العلاقات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة الآسيان:

على الرغم من تاريخية العلاقات السياسية بين دول المنظمتين؛ إلا أن العلاقات التجارية فيما بينها لا زالت أقل من الطموح لعدة اعتبارات من أهمها: ضعف معدلات التبادل التجاري فيما هذه الدول بعضها البعض في شقي الصادرات والواردات؛ والتنافسية الشديدة التي تقدمها بعض الأسواق الكبرى المحيطة مثل الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية حيث تشكل كل منها سوقًا ضخمة بذاتها بما يفوق سوق دول الرابطة مجتمعة. ويعرض الجدول التالي الصادرات والواردات الخليجية مع دول رابطة الآسيان في عام 2021م؛ وذلك على النحو التالي:


جدول رقم (2)

صادرات وواردات دول مجلس التعاون من دول الآسيان فى 2021(بالمليون دولار أمريكى)

الدولة

السعودية

الإمارات

الكويت

البحرين

عمان

قطر

 

صادرات

واردات

صادرات

واردات* 2020

صادرات

واردات

صادرات

واردات*2020

 

صادرات

واردات*

2020

صادرات

واردات* 2020

العالم

278924

132397

310142

248115

23788

8786

20782

15527

20984

26523

87201

25764

سنغافورة

7115

1336

11837

1505

8

32

79

60

428

145

5347

312

بروناى

307

00,31

171

00,21

00,02

000

-----

00,01

00,11

00,02

67

00,09

كمبوديا

5

81

90

160

4

7

13

5

8

-----

5

20

إندونيسيا

3787

1752

1857

1539

4

70

37

77

171

185

517

206

لاوس

----

2,2

-----

6,24

---

00,08

-----

00,07

------

00,00

----

00,46

ماليزيا

2474

1165

2670

2140

32

66

488

79

163

182

337

298

ميانيمار

2108

82

142

91

00,15

4

00,53

6

12

4

274

16

الفلبين

1426

198

896

414

4

16

35

26

13

14

230

70

تايلاند

4818

2216

8957

3013

2

116

225

179

183

361

2716

293

فيتنام

754

1202

536

5852

1

110

13

126

149

42

180

511

الإجمالي

22794

8035

27156

14720

55

405

490

558

1127

933

9573

1726

النسبة%

08,17

06,07

08,75

05,93

00,23

04,61

02,36

03,59

05,37

3.52

10.97

6.70

Source: Direction of Trade Statistics Yearbook, 2022. Exports and Imports by Areas and Countries - IMF Data

 

 

يتبين من الجدول السابق؛ ضعف معدلات التبادل التجاري عمومًا بين الجانبين في عام 2021م، حيث تراوحت قيمة الصادرات الخليجية لدول الرابطة بين 55 مليون دولار وهى قيمة الصادرات الكويتية والتي تمثل نحو 00,23 % من إجمالي صادراتها لدول العالم ؛ وبين نحو 27156 مليار دولار وهى إجمالي قيمة صادرات دولة الإمارات العربية للدول العشر الأعضاء بالرابطة وبنسبة وصلت إلى نسبة 08,17 % من إجمالي صادراتها لدول العالم  وتأتى السعودية في المرتبة الثانية من حيث قيمة صادراتها لدول الرابطة و وصلت إلى 22794  مليون دولار في ذات العام شكلت نسبة 08,75 % من إجمالي صادراتها لدول العالم . ولا تختلف الواردات الخليجية من دول الرابطة عن قيمة ونسبة الصادرات كثيرًا حيث بلغت قيمة الواردات الكويتية من هذه الدول نحو 405 ملايين دولار تمثل نحو 04,61 % من إجمالي وارداتها الخارجية؛ بينما  احتفظت كل من الإمارات والسعودية بالمركزين الأول والثاني على التوالي من حيث حجم ونسبة الواردات حيث استوردت الإمارات عام 2020م، سلع من دول الرابطة بقيمة 14720 مليون دولار شكلت نسبة 05,93 % من إجمالي وارداتها؛ بينما وصلت الواردات السعودية  من دول الرابطة نحو 8035 مليون دولار مثلت نسبة 06,07 % من إجمالي وارداتها.

إضافة لما سبق؛ استطاعت أربع دول من دول مجلس التعاون تحقيق فائض في الميزان التجاري بينها وبين أعضاء الآسيان؛ وتراوح هذا الفائض بين أكثر من 14 مليار دولار لصالح السعودية و13 مليار دولار لصالح الإمارات؛ بينما وصل فائض قطر إلى 8 مليارات دولار جاءت بها إلى المرتبة الثالثة بعد السعودية والإمارات؛ واحتلت سلطنة عمان المرتبة الرابعة بفائض مائتين مليون دولار.  حقق الميزان التجاري بين دول مجلس التعاون ودول رابطة الآسيان عجزًا مع الكويت والبحرين حيث وصل عجز الميزان التجاري فيهما 350 مليون دولار و48 مليون دولار على التوالي.

وتشكل الواردات من دول رابطة جنوب شرق آسيا 6% فقط من إجمالي واردات دول مجلس التعاون الخليجي في 2020م، وبحسب تقرير إحصائي صادر عن المركز الإحصائي بمجلس التعاون مثلت الإلكترونيات نسبة 28 % واردات دول المجلس من الرابطة، تليها الآلات بنسبة 12 % من إجمالي الواردات، بينما تتمحور الصادرات الخليجية لدول الآسيان حول النفط والغاز ونواتج عمليات تكرير البترول ومستلزمات الطاقة.

ب) الاستثمارات المتبادلة: تشير بيانات دولية اقتصادية إلى أن منطقة جنوب شرقي آسيا شهدت تزايداً متسارعاً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن مثيلاتها في شرق آسيا، وتمثل دول الخليج مصدراً مهماً للاستثمارات في عدد من أعضاء "آسيان"، فالسعودية على سبيل المثال تعد خامس دولة في مصادر الاستثمار بماليزيا.

كما قدر تقرير الـ"إيكونمست" الصادر في عام 2021م حجم استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في "آسيان" بحوالي 13.4 مليار دولار في الفترة بين يناير 2016 وسبتمبر 2021م، وكانت الإمارات صاحبة النصيب الأوفر من هذه الاستثمارات خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة وصلت إلى 74 % بينما جاءت سلطنة عمان في المرتبة الثانية بنسبة 25% لذات العام؛ علاوة على ما سبق ارتفع عدد الشركات من دول رابطة "آسيان" المسجلة في غرفة دبي التجارية بنسبة حوالى 35.5 % منذ عام 2018م، وحتى عام 2021م.

ومن المتوقع زيادة الاستثمارات بين التجمعين لعدة أسباب أبرزها: قيام وزراء خارجية الإمارات وسلطنة عمان وقطر أثناء حضورهم اجتماعات وزراء خارجية الآسيان في بنوم بنه أوائل شهر نوفمبر 2022م، بتوقيع معاهدات الصداقة وتعاون اقتصادي مع دول جنوب شرقي آسيا؛ وشروع ثلاثة دول من رابطة الآسيان هي سنغافورة وماليزيا واندونيسيا في التوقيع والتصديق على اتفاقات التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي في القريب العاجل مما يسهم في تقوية العلاقات الاقتصادية ومعالجة القضايا الإقليمية المشتركة.

وترجع بعض التقارير زيادة الاستثمارات الخليجية في دول "آسيان" خلال الفترة المقبلة إلى عدة أسباب منها: الاختلالات الاقتصادية التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة أخيراً عقب الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وقدرة دول جنوب شرقي آسيا على التأقلم مع انكماشات الاقتصاد العالمي على المدى المتوسط والطويل، والتعافي السريع من جراء الأزمات الاقتصادية خاصة جائحة كورونا، مما يكسب المستثمرين ثقة في هذه المنطقة ويجعل جنوب شرقي آسيا أرضاً صالحة للاستثمارات الخليجية.

ثالثًا: مقترحات تطوير التعاون الخليجي مع الآسيان مستقبلاً

تدرك دول مجلس التعاون وفى مقدمتها السعودية والإمارات وعمان أن نجاح رابطة دول الآسيان يعزى إلى التركيز على التعاون الاقتصادي دون السياسي باعتباره المجال الأسهل والأقل حساسية، وغياب الهيمنة الأيديولوجية على الأنظمة السياسية مما أكسبها القدرة على التكيف، والواقعية في صنع السياسات؛ ونجاحها في تحييد الخلافات السياسية البينية حتى أمكنها زيادة معدلات نموها الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة شعوبها.  

على الرغم من وصول التعاون الاقتصادي الخليجي لمستوى الطموح والمأمول من التجمعين الاقتصاديين الكبيرين غير أن هناك إمكانات كبيرة لزيادة الاستثمارات الخليجية مع دول الآسيان خاصة في ظل قيام دول الآسيان بتوفير السلع والمنتجات الغذائية والزراعية لدول الخليج، مما قد يجنبها ارتفاع الأسعار المفاجئ في الأزمات الدولية كما حدث مؤخرًا عقب اندلاع الحرب الروسية  ـ الأوكرانية؛ وقيام دول الخليج بتدبير احتياجات دول الآسيان من مصادر الطاقة الأحفورية – البترول والغاز الطبيعي - ويضمن لها مصادر متعددة في هذا النوع من السلع الاستراتيجية اللازمة لعملية التنمية في كل منها . لذا يتعين على دول التكتلين الواعدين العمل على النظر في خلق فرص الأعمال التجارية ودعم فرص الاستثمار وزيادة التبادل التجاري بينهما؛ وهو ما يتطلب ضرورة قيام الطرفين بالعمل على:

1-ضرورة تنظيم وعقد مؤتمرات اقتصادية مشتركة بشكل دوري ومنتظم بين الجانبين لبحث احتياجات كل منها من المشروعات الاقتصادية، والدور الذي يمكن أن تقوم به دول كل جانب في تلبيتها؛ مع ضرورة العناية والاهتمام بتقييم أداء المشروعات الاقتصادية والوقوف على معوقات التجارة والاستثمار فيما بينهما.

2 ضرورة قيام مجلس التعاون الخليجي بإقامة مركز خليجي دولي للتعاون في التنمية مع التجمعات والتكتلات الإقليمية والعالمية مثل: آسيا الوسطى ورابطة الآسيان والاتحاد الأوروبي وغيرها؛ على أن يختص هذا المركز بتنسيق السياسات الخليجية الخارجية في مجالات التعاون الفني والتكنولوجي والاقتصادي وهذه التكتلات على غرار ما قامت به بعض الدول في منطقة الشرق الأوسط في هذا الشأن (تركيا وإيران وغيرها).

3-زيادة الاستثمارات الخليجية في دول المنطقة؛ تماهياً مع مقتضيات الانفتاح على الأسواق العالمية؛ يتعين على دول الخليج العربي تطوير استثماراتها الخارجية في دول الرابطة من خلال توظيف السيولة المالية الضخمة التي تتركز في صناديقها السيادية؛ والتي بدأت خلال العقد الأخير تضطلع بدور حيوي في تحويل أغلب القطاعات الاستراتيجية الداعمة لنمو وتقدم الاقتصادات الخليجية محلياً ودولياً. مما يدفعنا إلى التوكيد على دور هذه الصناديق، وآثارها على الاقتصاد المحلي في هذه الدول؛ وبالتالي ضرورة استثمار أموال هذه الصناديق التي فاق حجم أصولها 7 تريليونات دولار في منتصف عام 2023م.

4-تنظيم اجتماعات وزيارات منتظمة ودورية لوزراء الخارجية والتجارة والاقتصاد والأمن والطاقة من الجانبين بما تحويه من لقاءات ثنائية وخماسية عن مجموعة من الاتفاقات والتحالفات لمواجهة المخاطر والتحديات المشتركة المحيطة بهذه الدول.

5- وضع آلية لتعزيز تعاون دول رابطة الآسيان – خاصة في ظل ارتفاع مساهمة قطاع الزراعة في النمو الاقتصادي – في تصريف الفوائض في مجال الأمن الغذائي مع دول الخليج؛ فعلى الرغم من أن دول الخليج العربية مقارنةً بعدد سكانها القليل ومداخيلها المرتفعة، أقل عرضة من الدول الأخرى في الشرق الأوسط لتأثيرات زيادة أسعار المواد الغذائية الناجمة عن أزمة أوكرانيا، غير أنه على المدى المتوسط والبعيد فإن هذه الدول ستواجه تحديات كبيرة في تحقيق أمنها الغذائي نتيجة تعطل سلاسل الإمداد وتقييد حركة تجارة السلع والمواد الغذائية وبالتالي حدوث تقلبات في  الأسواق العالمية واضطراب سلال التوريد نتيجة حظر بعض الدول تصدير المواد الغذائية إلى الخارج لتفادي مخاطر نقص مخزونها الغذائي من السلع، وهو أمرٌ يدفع دول الخليج إلى إعادة تقييم استراتيجيات تحقيق أمنها الغذائي؛ والنظر في هذا الشأن لتلبية بعض احتياجاتها من دول رابطة الآسيان  الغنية بإنتاج وتصدير بعض المحاصيل الغذائية  .

مقالات لنفس الكاتب