array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

نجاح الممر الهندي يعتمد على الاستقرار وقدرة الدول الكبرى على تحقيق السلام كقاعدة للتنمية

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

أُطلق خلال قمة العشرين مشروع الممر "الهندي الأوروبي الشرقي أوسطي" والذي سيمر عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعبر المملكة العربية السعودية والأردن قبل أن يصل إلى أوروبا. وسيشمل المشروع أيضاً طريقًا بحرياً جديداً وبنية تحتية لنقل الطاقة، وفقاً لما ذكرته "فايننشال تايمز". وحسب ما هو معلن حتى الآن فإن أهداف هذا المشروع هي: تعزيز أمن الطاقة، مد كابلات نقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود، ه بالإضافة إلى تنشيط التجارة العالمية. الأمر الذي عدّه البعض تحديًا لمبادرة الحزام والطريق التي طرحتها الصين. يناقش هذا البحث نظرة الصين إلى هذا النوع من المشاريع، ويبحث في الإشكاليات التي قد تواجه هذا النوع من الممرات الاقتصادية، وكذلك يناقش الشروط التي من الممكن أن تؤدي إلى تحقيق الترابط والتواصل في العالم في ظل إعادة تشكيل النظام العالمي.

نظرة الصين

تدرك الصين جيدًا أهمية البنى التحتية في التنمية والتطوير، فعندما أطلقت مبادرة الحزام والطريق عام 2013م، كانت تدرك أهمية هذه المبادرة للعالم أجمع، فإقامة بنى تحتية لتنشيط الممرات التجارية ولإقامة ممرات اقتصادية فعّالة هو أمر كفيل بأن يضع الدول لا سيما النامية منها على سكة التطوير والتحديث .فالصين اختبرت أثر النهوض الاقتصادي والتنمية من الداخل، كما أنّ النهوض الصيني والذي غالبًا ما يوصّف على الساحة الدولية أنه بمثابة معجزة، قد جاء نتيجة لجهود مستمرّة وإيمان دائم بأهمية تحقيق اكتفاء ذاتي يقوم على أسس تنموية تدفع بمسيرة التنمية إلى الأمام، ولذلك عندما أطلق الرئيس الصيني "شي جين بينغ" مبادرة الحزام والطريق منذ عشرة سنوات إذ احتفلت جمهورية الصين الشعبية بذكراها العاشرة مؤخرًا، كانت تلك المبادرة قد انطلقت من أهمية تحقيق تنمية عالمية، ليس فقط تنمية خاصة بالصين، وإنما تنمية تنتشر في جميع دول العالم، وتعود بالخير على الدول النامية بما يحقق توازنا عالميًا، فكما أن الشعب الصيني يستحق الحياة والعيش الكريم، فكذلك إنّ شعوب العالم الأخرى، لا سيما الدول النامية، هي شعوب كريمة تستحق الحياة بغض النظر عن عرقها أو انتمائها أو دينها.

على مدار العقود الماضية التي تحققت فيها النهضة الصينية كانت التنمية عنصرًا جوهريًا ولم تزل حتى اليوم تعدّ أساسًا لكل القضايا القومية في الصين، وفقًا لكتاب "ولد للإصلاح مقومات التجربة الصينية" لمؤلفه "لوه تشونغ مين" فإنه قد تم تصنيف الفجوات التنموية إلى ثلاث فجوات رئيسية: "فجوة في التنمية الاقتصادية وفجوة في التنمية البشرية وفجوة في التنمية الاجتماعية، ولحل هذه الفروقات تم العمل على اتباع سياسة للتحول في مجال الفكر التنموي، التحول في أسلوب التنمية، التحول في آليات التنمية، التحول في أسلوب حشد عناصر التنمية، والتحول في مجال أسلوب إدارة المجتمع" ما سبق يشكل آلية جوهرية تنظر بها الصين إلى مختلف القضايا التنموية في العالم، وهذا لا يعني أنه يجب العمل على اتباع هذه الأساليب بشكل حرفي، فلكل بلد ظروفه الخاصة وهو ما يعني أن لكل مكان سيشكّل ممرًا للمشروع ظروفه الخاصة أيضًا التي يجب مراعاتها أثناء تنفيذ أي مشروع بما فيه الممر الاقتصادي قيد النقاش.

عالميًا ومنذ إطلاق مشروع الممر هذا، رأى بعض المحلليين السياسيين والاقتصاديين أن هذا الممر هو تهديد للحزام والطريق لأنه سيشكل تنافسًا جيوسياسيًا، على سبيل المثال رأى بعض الاقتصاديين أنه سيساهم في  تقليل اعتماد الهند على الصين في مجالي التجارة والاستثمار مثلًا، هذا بالإضافة إلى أنّه غالبًا سيعزّز علاقة الهند مع الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن ووفقًا للرؤية الصينية من حق جميع الدول أن تنوّع شراكاتها الاقتصادية والسياسية بما يخدم مصالحها شريطة ألا تهدد الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال وعلى الرغم من أن كلًا من الصين والمملكة العربية السعودية تتمتعان بعلاقات اقتصادية واسعة، إلا أنه يوجد أيضًا علاقات اقتصادية وثيقة بين المملكة والهند، وهو ما يعني أنه من الطبيعي أن تقيم الدول فيما بينها علاقات تجارية، ومن الطبيعي أيضًا أن تتطور هذه العلاقات إلى مستوى أعلى بما يرقى إلى مشاريع استراتيجية. بناء على ما سبق يمكن القول إن الصين منفتحة على جميع المشاريع التنموية في العالم إن كانت تهدف إلى تنمية سلمية فعلاً، بعيدًا عن النزاعات والحروب وذلك على الرغم من أنه حتى اللحظة الراهنة من الصعب الحكم على هذا المشروع كونه لم تتّضح معالمه بالتفصيل، ولا توجد خططًا تفصيلية لمساراته. ولكن إن كان سيؤدي إلى تحقيق تكامل مع مبادرة الحزام والطريق سيساهم كلاهما في الترابط والتواصل بين القارات والدول المختلفة في العالم، مما يزيد من رفاهية الشعوب ويساهم في مساعدة الدول النامية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى إحلال السلام. ومما تجدر الإشارة له أن تحقيق التكامل يحتاج إلى شرط مهم وهو ألا تكون هذه المبادرة حكرًا على دول معينة، فعندها لن يكون الترابط محققًا، ولذلك لم يزل الحكم على هذا الممر الاقتصادي بحاجة إلى معلومات وتفاصيل أكثر فلم يزل من غير المعروف إن كان الهدف الأساسي فعلا هو تحقيق رفاهية لدول العالم جمعاء، ولكن في حال التكامل مع مبادرة الحزام والطريق سيتحقق المزيد من الترابط والتواصل في العالم وهو ما يمهّد بدوره إلى بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. أما في حال كان هناك قطعًا للتواصل بين دول العالم فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من البؤس العالمي، وهو ما يضرّ بمصالح الجميع، خاصة أنه وفقًا للرؤية الصينية السلمية فإن طريق التنمية الطويل الشاق يحتاج إلى جهود من قبل جميع الدول، فإطفاء مصابيح الدول الفقيرة لن يجعل الدول المتقدمة تبدو وكأنها أكثر إشراقًا.

توازن مع بريكس وشنغهاي وتهديد الحزام والطريق

في ظل بروز أقطاب عالمية جديدة، من الطبيعي أن تبرز على الساحة الدولية مؤسسات ومنظمات متعددة، فهذه نتيجة حتمية للتعدد القطبي في العالم، ومن الطبيعي أيضًا أن تتسابق الدول للانضمام إلى تلك المنظمات، خاصة في ظل سيادة توجه من قبل مختلف الدول، وتحديدًا دول الشرق الأوسط يهدف إلى تنويع الاستثمارات وعدم وضع البيض في سلة واحدة، وبالتالي فإن تلك الدول أصبحت تعي تمامًا أهمية تنويع العلاقات الدولية في مختلف المجالات. ولا بد من الإشارة إلى أن الأرضية المشتركة بين ما تطرحه الصين من مبادرات ومبادئ وما تحمله تلك المنظمات أو التجمعات الدولية من أهداف، يوسّع أرضية العمل المشتركة بين الصين والدول المنضمة إلى المنظمات سابقة الذكر. فعلى سبيل المثال هناك قاعدة مشتركة كبيرة بين ما طرحته الصين من مبادئ في مبادرة الأمن العالمي، وبين ما تدعو إليه منظمة شنغهاي للتعاون، مثلاً تدعو منظمة شنغهاي إلى محاربة الإرهاب ودعم الأمن ومكافحة الجريمة وتجارة المخدّرات، وكذلك مواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي. بالإضافة إلى مواجهة التكتلات الدولية بالعمل على إقامة نظام دولي ديمقراطي وعادل، الذي غالبًا ما يتحقق عبر تعاون أمني بين الدول، وهو ما أشارت إليه الصين في "مبادرة الأمن العالمي" والتي من أبرز ما جاء فيها أنه ولمواجهة التحديات الأمنية القائمة في عالم اليوم، يجب أن يختلف مفهوم الأمن بحيث يتم الابتعاد عن المفاهيم العسكرية التي تحوّل النزاعات الصغيرة إلى صراعات استراتيجية، وهو ما يحتوي على مفهوم آخر، ألا وهو ضرورة الابتعاد عن الحروب والنزاعات المسلحة لحل المشكلات التي تواجه الدول، فمشاكل العصر الحالي بدأت تكشف أبعادًا جديدة لكلمة "الأمن" بعيدًا عن الأمن العسكري، بل إنّ الأمن وفقًا للرؤية الصينية، هو أمن متكامل لمختلف الدول، وبالتالي فإن حفاظ دولة على أمنها يجب ألا يتحول إلى المساس بأمن دولة أخرى.

وأخيرًا: يمكن القول في هذا السياق طالما أن جميع هذه المنظمات تهدف إلى تحقيق عالم تنموي، فلا داع إلى التفكير في تحقيق توازن، لأن هذا التوازن سيحدث ويتحقق تلقائيًا عندما يتشكل عالم يضع التنمية أولوية وتحديدًا الدول النامية، فتلك الدول التي كانت خارج إطار التفكير في النظام الدولي سابقًا، إذ كانت دولا مستعمَرة، ستنتعش تلقائيًا عند بناء مشاريع تنموية فيها، وبالتالي ستدخل تلك الدول من جديد في المعادلة الدولية بهيئة جديدة، وسيكون لها ثقلاً جديدًا ومختلفًا، وعندها لا داع لأي منظمة أن تشكل توازن، لأن التوازن سيكون قد تحقق تلقائيًا.

أما فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق، فعندما أطلقتها الصين كان يوجد إدراك تام بأنه إذا لم تتم مساعدة الدول النامية في العالم فإن تلك الدول ستبقى دولا مستعمَرة ومعزولة. كما ورد في كتاب "التخلف والتنمية في العالم الثالث" لمؤلفه "ج.م.ألبرتينني" : "إما أن نقهر البؤس والمجاعة من اليوم وحتى نهاية هذا القرن وإما ألا تكون البلدان الصناعية رأسمالية كانت أم اشتراكية أكثر من جزر مزدهرة لا يمكن أن تصمد إلا بالقوة الذرية"، فهل نحول العالم اليوم إلى عالم صامد بوساطة أسلحة مدمرة أم أنه علينا أن نعمل على إقامة تنمية عالمية بما يعود بالفائدة على العالم أجمع؟ بالطبع وطبقًا لطريقة التفكير الصينية في الصعود السلمي، فإنّ الخيار الثاني هو الأكثر نفعا، ولذلك لم يتم إطلاق مشروع الحزام والطريق فقط بل تم تدعيمه تباعًا بمبادرات ترسّخ مبادئ الحزام والطريق مثل مبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي. هذا بالإضافة إلى أنّ مشروع الحزام والطريق يملك مبادءه الخاصة التي بُنيت بشكل تراكمي طولي وعرضي، وأُسست بطريقة منهجية، بما يؤدي إلى أنه قد أصبح مشروعًا له جذوره الراسخة، ويومًا بعد يوم يتزايد عدد الدول المنضمة إلى المبادرة، تلك الدول التي تؤمن فعلاً بأهمية إقامة ترابط عالمي بين مختلف الدول، فتالربط بين مختلف الدول هو هدف أساسي لمشروع الحزام والطريق، وكان الرئيس الصيني "شي جين بينغ" قد أعلن أنّ: “مفتاح بناء الحزام والطريق هو الترابط، والبنية التحتية هي حجر الزاوية في الترابط “. كما أنّ الرئيس الصيني كان قد أعلن مرارًا في مناسبات عديدة أن لمشاريع البنى التحتية أهمية خاصة في مبادرة الحزام والطريق. ووفقًا لتقرير “البنك الدولي” الصادر عام 1994م، تحت عنوان “توفير البنية التحتية للتنمية” ورد ما يلي: “إن مستوى تطور البنية التحتية يحدد بدرجة كبيرة نجاح أو فشل البلدان النامية في تنويع الإنتاج، أو تيسير العمليات التجارية، أو التعامل مع النمو السكاني، أو الحد من الفقر، أو تحسين الظروف البيئية”، وقد أشارت إحصائيات بأنه مقابل كل زيادة بنسبة 1٪ في الاستثمار في تشييد البنية التحتية في البلدان النامية، سيزداد ناتجها المحلي الإجمالي أيضًا بنسبة 1٪. وهذا يدل على أن مرونة إنتاج استثمارات البنية التحتية أعلى من مرونة أي رأس مال آخر. وهو دليل كبير على أن العالم عمومًا بمختلف دوله بحاجة ماسّة إلى بنى تحتية قوية تحسّن مستوى الحياة خاصة في الدول المتأخرة التي عانت الاستعمار لعقود مضت. أخيرًا لا بد من ختام هذه الفكرة بما يلي: إن مختلف المشاريع التي أطلقتها الصين تهدف إلى تحقيق مصالح مشتركة لجميع الأطراف وفقًا لمبدأ "رابح-رابح" هذا المبدأ الذي يقوم أساسًا على مبدأ التكامل التنموي بين مختلف الدول، وهو ما يعيدنا إلى نقطة ذُكرت سابقًا أنه في حال تحقيق تكامل بين مبادرة الحزام والطريق والممر الاقتصادي المطروح فإنه بالطبع سيؤدي إلى تشكيل تواصل عالمي، الأمر الذي سيعود بالنفع على جميع الدول.

التحديات والنجاح

في الصين تم العمل على اعتماد أسلوب في التخطيط عندما يُراد النهوض لأي منطقة، وهي أن يُقيّم الوضع الراهن، لتوضع خطط المعالجة وفقا للواقع، ومن ثم وضع تنبؤات لما ستكون عليه المنطقة مستقبلاً، ويختلف العلاج حسب طبيعة المنطقة سواء كانت ريفية أو مدنية، وعند وضع الخطط تُقيّم الجدوى الاقتصادية لأي مشروع يُراد القيام به. وبعد ذلك يتم تقييم النتائج التي سيحققها المشروع على المستوى الاستراتيجي عندما يكتمل إنجازه، والأهم من ذلك كله أن وضع السكان يُقيّم بشكل دقيق ومدى استفادتهم من هذا المشروع، هذا على المستوى الوطني أي على مستوى المشاريع التي تجري ضمن الصين. وهو ما تم ويتم تطبيقه أيضًا على المشاريع التي نقوم بتنفيذها في الخارج، فمثلاً في مشاريع مبادرة الحزام والطريق يتم إخضاعها للتقييم ذاته، من خلال تقصّي مدى الاستفادة من المشروع وجدواه الاقتصادية وجدواه بالنسبة للسكان، وفي كل مرحلة من مراحل المشروع يوضع تقييم مرحلي، وبذلك تُواجه التحديات لأي مشروع. في ضوء ما ورد سابقًا، يمكن القول فيما يتعلق بمشروع الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي الشرقي أوسطي إنّ مقومات نجاحه وتحدياته هي واحدة يرتبط بعضها ببعض، ويمكن تلخيصها بذكر النقاط التالية:

  • من الناحية السياسية: فإنه ومن المعروف أن نجاح أي مشروع يعتمد على الاستقرار القائم في المنطقة المزمع مرور المشروع أو الممر الاقتصادي من خلالها، ولذلك فإن نجاح هذا المشروع يعتمد على قدرة الدول الكبرى على تحقيق سلام، فالسلام هو قاعدة أساسية للانطلاق نحو عالم أكثر تنمية. في الصين دائمًا تُقال عبارة: "حيث يوجد تنمية يوجد استقرار" والعكس صحيح، وهما مفهومان يرتبطان ببعضهما بدرجة كبيرة، فلا استقرار في العالم بدون شعوب مستقرّة، وفي الوقت ذاته إن الاستقرار شرط أساسي وضروري وحتمي للانطلاق نحو تأسيس أي مشروع استراتيجي. وهنا لا بد من ذكر تصريح وزيرة المالية الهندية: "نيرمالا سيتارا" حول ما يحدث في "غزة" إذ قالت إنّ: " صراع إسرائيل وغزة دليل على التحديات التي تواجه الممر الاقتصادي المدعوم من واشنطن بين الهند والشرق الأوسط وأوربا" وهو ما يعيدنا إلى النظرة الصينية التي تؤكد على ضرورة إحلال السلام والاستقرار من أجل إقامة تنمية اقتصادية.
  • على المستوى التخطيطي: من المفترض أن تمر معظم المشاريع بمراحل تقييم أيضًا، ونجاح المشروع أو عدمه يعتمد على تقييم الجدوى العامة لما يتضمّنه، فحتى الآن لا يوجد مشاريع واضحة لهذا الممر، وقد يكون ذلك لأنه قد تم الإعلان عن إطلاقه للتو، ولكن تقييم الفشل أو النجاح يعتمد على الخطط التفصيلية التي لم يتم الإعلان عنها بعد. هذا بالإضافة إلى أن نجاح المشروع يعتمد أساسًا على ما سيتم تحقيقه للدول النامية، فقد أثبتت التجارب الماضية خلال العقود المنصرمة أنّ المساعدات التي تم الإدعاء أنها تُقدّم للدول النامية، لم تؤدّ إلى مساعدتها فعلًا أو حتى انتشالها من حالة التخلف، لا بل على العكس تماما تم تكريس حالة التخلف فيها، من خلال إعطائها مساعدات بحدود معينة لا تؤدي دورًا كبيرًا في النهوض بها فمثلاً الممر المطروح وفقا لما أُعلن يهدف إلى دعم التبادل التجاري بين الدول، وبما يؤدي إلى تسريع وتيرة الحركة التجارية بين تلك الدول ولكن حتى اليوم لا تفاصيل واضحة حول كيفية تحقيق استفادة للدول النامية، وهنا يمكن استذكار العبارة الواردة في كتاب "التخلف والتنمية في العالم الثالث" الذي سبق ذكره والتي هي: "إن تاريخ التجارة الدولية هو تاريخ مبادلة إناء من حديد بإناء من فخار، وفي ميدانها يخضع الأضعف لقانون الأقوى، في مثل هذه الظروف تكون التجارة الخارجية لبلد متخلف عنصر عدم توازن وسيطرة أكثر من كونه عنصر تكامل وتنمية"، وهو ما يجب تجنبّه في أي مشروع يُطلق اليوم، فعالم اليوم يختلف كليًا عن عالم الأمس، على الأقل على صعيد أن شعوب الدول النامية قد اختبرت أفكار النظام العالمي ذي القطب الواحد، وباتت تدركها جيدًا.
  • من المنطلق التنفيذي، فإنه قد تمت الإشارة إلى أنّ المشروع يتكون من ممرين: هما الممر الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، والممر الشمالي الذي يربط دول الخليج بأوروبا عبر الأردن، ويمكن القول إن نجاح هذا المشروع يعتمد بالدرجة الأولى على تلك المسارات المزمع تشييدها، فإذا تحدثنا من الجانب الهندسي وتحديدًا الجيولوجي يوجد الكثير من المشاريع العالمية التي لم تنجح نتيجة لمرورها بمناطق صعبة التشييد، فالكثير من مشاريع البنى التحتية تواجه تحديات نتيجة مرورها بأراض تحتاج إلى تحسين في بنيتها الجيولوجية والجيوتكنيكية مثلا وهو ما يزيد تكاليف المشروع ولذلك من الضروري تتبع دراسات الجدوى الاقتصادية لمشاريع البنى التحتية، وهو ما يحتاج أيضًا إلى تفاصيل لم يتم إيضاحها بشكل واف بعد.

خاتمة

في ظل التعدد القطبي الذي يترسّخ بشكل أكبر يومًا بعد يوم في النظام العالمي الذي دخل في طور إعادة التشكيل، سيكون التوجه إلى الإعلان عن مشاريع تنموية فرصة لا سيما إن كانت هذه المشاريع تعتمد مبدأ التنمية السلمية بعيدًا عن الحروب والنزاعات ونهب الدول النامية. فخلال إطلاق مشروع الممر قيد النقاش كان قد أعلن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أن الهدف الأساسي من إطلاق هذا المشروع هو هدف تنموي، فمن  الجيد أن تتوجه أمريكا إلى بناء مشاريع تنموية بعد سلسلة الحروب الطويلة التي تسبّبت بها تحديدًا في منطقة الشرق الأوسط، وهي أيضا فرصة لمعظم الدول المستعمِرة كي تعيد بناء سمعتها عالميا إن كانت ترغب فعلاً في ذلك، لا سيما وأن ما فعلته طيلة العقود الماضية قد أثبت عجزها عن تحقيق تنمية فعلية في البلدان النامية، ولذلك فإن أي مشروع تنموي هو فرصة إن كان يهدف إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التكامل مع مشاريع الدول الأخرى، فكما تؤكد الصين دائمًا أنه يجب على الدول المتقدمة أن تدعم الدول النامية بصدق في تنميتها

مقالات لنفس الكاتب