array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

تعثر المشروع قبل أن يبدأ لبلورته بعيدًًا عن الواقع وتجاهله عمان ومصر وتركيا وتفاديه قناة السويس

الأربعاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2023

في ظل التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية التي يشهدها النظام الدولي، تسعى الدول الاقتصادية الكبرى إلى تأمين مصادر الطاقة والحصول على الموارد الطبيعية وفتح الأسواق أمام منتجاتها الصناعية. نجحت الولايات المتحدة في تحقيق هذه الأهداف بالطرق السياسية والدبلوماسية واستطاعت حماية طرق التجارة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن. ومع صعود الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم بدأت في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق سعيًا لوصول منتجاتها إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية والشرق أوسطية. وخلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في نيودلهي في التاسع والعاشر من سبتمبر 2023م، أعلنت الهند عن استراتيجيتها الطموحة لإنشاء ممر اقتصادي يربطها بدول الخليج وأوروبا، مرورًا بإسرائيل. في ضوء هذا التطور الأخير يحاول هذا المقال تحليل دوافع الهند كقوة اقتصادية صاعدة لإنشاء هذا الممر، وهل سيؤدي الممر إلى إيجاد بيئة جديدة من العلاقات الاقتصادية بين الدول التي يمر بها في ظل الخلافات السياسية والأيدلوجية والعقائدية بينها؟ ما مدي إمكانية نجاح هذا المشروع في خلق تكتل اقتصادي جديد في مواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني، وما هي الفائدة التي ستعود على دول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة وعلى سلطنة عمان بصفة خاصة؟

طبيعة وأهداف الممر الاقتصادي الهندي / الأوروبي

في إطار سعي الهند لكي تصبح القوة الاقتصادية الثالثة في العالم خلال العشر سنوات القادمة، بدأت الحكومة الهندية في رسم استراتيجية دولية لوضعها المستقبلي على خريطة العالم من حيث تحديد مناطق النفوذ والأسواق وطرق التجارة العالمية وآليات حماية مصالحها من خلال تحالفات إقليمية ودولية.  شملت هذه الاستراتيجية تقوية علاقاتها مع الشركاء التقليديين مثل دول الخليج العربي لتأمين مصادر الطاقة من النفط والغاز وتقوية نفوذها من خلال وجود أكثر من ثمانية ملايين عامل هندي بمستحقات السنوية ضخمة ترفد إيرادات العامة للدولة.

تسعي أيضًا الهند إلى استغلال نفوذ الولايات المتحدة وقوتها السياسية والدبلوماسية في مواجهة الصين التي تعتبر المنافس الأقوى والوحيد الذي يمكن أن يعرقل صعود الهند كقوة اقتصادية كبري، كما تسعى إلى تقوية علاقاتها مع إسرائيل من خلال التعاون في مجالات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا والاستخبارات المعلوماتية، مما شجع الولايات المتحدة وإسرائيل على تبني الفكرة الهندية بإنشاء ممر اقتصادي يخدم مصالحهم. وحتى يمكن للهند منافسة الصين في إحياء طريق الحرير القديم الذي يصل إلى قلب أوروبا، تم مد الممر الاقتصادي من الخليج إلى أوروبا ليضاهي مشروع مبادرة الحزام والطريق ومحاولة تحقيق توازن في مواجهة الصين.

يتكون الممر الاقتصادي الجديد من ممرين منفصلين، الممر الشرقي الذي يربط الهند بدول الخليج العربي والممر الشمالي الذي يربط الخليج العربي بأوروبا عبر إسرائيل والبحر المتوسط. تسير حركة البضائع من الهند عبر المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عمان إلى موانئ الإمارات العربية المتحدة، ثم تنقل عبر خطوط سكك حديدية في الإمارات والسعودية وإسرائيل حتى ميناء حيفا، ثم بالسفن إلى اليونان وباقي الدول الأوروبية. وبالتالي يحتاج هذا الممر إلى استثمارات مالية ضخمة لبناء البنية التحتية للموانئ والأساطيل البحرية والسكك الحديدية الممتدة عبر جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا.

يهدف الممر الاقتصادي إلى تعزيز التجارة الخارجية بين الدول الأعضاء، تدفق التجارة والطاقة والبيانات، تأمين سلاسل التوريد، زيادة إمكانية الوصول إلى التجارة، وتسريع التجارة البينية بنسبة 40%، تخفيف التأثيرات البيئية، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، زيادة الكفاءة وخفض تكاليف الإنتاج، تعزيز الوحدة الاقتصادية، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول المشاركة في الممر. يهدف هذا المشروع أيضًا إلى الوصول بالسهولة إلى مصادر الطاقة في دول الخليج العربي وتوظيف الموارد الطبيعية والمالية في هذه المنطقة لدعم الاقتصاد الهندي، وربط الاقتصاد الإسرائيلي بالأسواق الخليجية التي تتمتع بقدرات شرائية عالية بالإضافة إلى تأمين مصادر الطاقة.

بالنسبة لدول الخليج، من الصعب تحديد فوائد اقتصادية حقيقة نظرًا لصعوبة نقل النفط والغاز على مراحل برًا وبحرًا، حيث إن أكبر حجم يمكن نقله من خلال السكة الحديدية لا يشكل 1% مما يمكن نقله عبر السفن العملاقة التي تمر عبر قناة السويس. كما أن حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء في الممر المقترح لن يزيد عن حجم التجارة البينية للمحور الذي يربط بين الهند وإيران وروسيا، حيث لا يتجاوز حجم التجارة البينية من خلاله ما بين 6 إلى 12 مليون طن وهو رقم لا يقارن بحجم التجارة التي تمر عبر قناة السويس البالغة نحو 1.5 مليار طن سنويًا. وبالتالي لن يمثل هذا الممر أي تهديد حقيقي لقناة السويس التي تستحوذ على 12% من حركة التجارة العالمية.

يمكن أيضًا الجزم أن الجدوى الاقتصادية للمشروع غير مجدية نظرًا لحجم الاستثمارات الكبيرة المطلوبة لتنفيذ هذا المشرع ومدى قدرته على جذب الشركات اللوجستية والنقل لاستخدام هذا الممر بدلا من قناة السويس، وأنه في حالة اكتمال المشروع فإن تقلص حركة التجارة عبر قناة السويس لن تصل إلى 10%، وهي نسبة يمكن تداركها من خلال:

 (1) تقديم إدارة قناة السويس مميزات وحوافز للشركات حتى تستمر في طلب خدماتها.

 (2) إسراع مصر بتطوير المجرى الملاحي للقناة والبنية التحتية الرقمية لمواكبة التطور التكنولوجي لزيادة حركة الملاحة بنسبة تفوق بكثير المخطط له عند 28% وللحفاظ على مركزها التنافسي في النظام التجاري العالمي.

 (3) تعزيز التعاون المشترك والتكامل الاقتصادي بين مصر والسعودية لخلق قوة اقتصادية عربية تفوق فوائدها أي نوع من التعاون المحتمل بين السعودية وإسرائيل.

وضع دول الخليج في مشروع الممر الاقتصادي

إن فكرة الممر الاقتصادي ليست خليجية، بل تطورت بواسطة الولايات المتحدة والهند في محاولة لمجابهة النفوذ الصيني في النظام الاقتصادي العالمي، ثم دمج إسرائيل في النظام الإقليمي الشرق أوسطي من خلال التطبيع مع دول عربية كبيرة مثل المملكة العربية السعودية لخدمة مصالحها في المنطقة. وبالتالي جاءت فكرة الممر لخدمة أهداف استراتيجية بعيدة عن الحسابات الخليجية.

وهنا يمكن طرح سؤال مهم – لماذا تم اختيار الإمارات والسعودية فقط، وما هو الدور الإماراتي والدور السعودي في الممر المقترح، وما تأثيراته على تلك الدول؟ من المتوقع أن تزود الدول الخليجية الهند وإسرائيل بالطاقة، بالإضافة إلى تبادل السلع والخدمات والتعاون في مجال البيانات، مما يدل على محدودية مجالات التعاون خاصة وأن معظم النفط والغاز الخليجي يصدر إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية في حين أن الهند تعتمد على النفط والغاز الروسي والإيراني أكثر من دول الخليج. يمكن أيضًا إضافة أن التبادل التجاري لدول الخليج مع الصين أعلى بكثير من مثيله مع الهند والدول الأوروبية.

لذلك يبدو أن الدور السياسي لدول الخليج هو تسهيل إدخال إسرائيل على خط التجارة العالمي بين الهند وأوروبا عبر منطقة الخليج، تمهيدًا لإيجاد مخرج إضافي لتطبيع هذه الدول مع إسرائيل. وتأتي أهمية الرغبة والمساعي للتطبيع مع السعودية في ضوء البعد السياسي باعتبار المملكة أكبر دولة خليجية ولها نفوذ كبير على مجرى الأحداث في المنطقة، والبعد الاقتصادي حيث تعتبر المملكة أكبر اقتصاد في المنطقة، والبعد الديني حيث يمهد التطبيع لتحسين علاقات إسرائيل مع 57 دولة إسلامية.

على الجانب الآخر، لم يشمل الممر دول خليجية مهمة مثل سلطنة عمان التي تتمتع بموقع جغرافي مميز ويربطها علاقات تاريخية مع الهند، حيث تمثل الجالية الهندية ثاني أكبر جالية أجنبية، بعد الجالية البنجلادشية، في السلطنة، بالإضافة إلى الاستثمارات الهندية الكبيرة في قطاعات تجارة التجزئة، والخدمات، والسياحة، والتشييد، والبناء. كما تم استبعاد قطر والبحرين والكويت عن الممر الاقتصادي مما قد يؤثر على إمكانية تطوير علاقاتهم التجارية مع الهند في المستقبل.

وتحاول الهند والولايات المتحدة حاليًا اقناع دول الخليج بأن الممر الاقتصادي هو مظهر من مظاهر التعاون الاقتصادي والتكامل العميق بين الهند ودول الخليج وأوروبا، وسوف يخلق التقارب الجيوسياسي والاقتصادي الأوسع بين هذه الدول، ويؤدي إلى زيادة حجم التجارة القائمة فيما بينها. لا شك أن منطقة الخليج تبحث عن شركاء لتلبية احتياجاتها من المشاريع الاقتصادية والتكنولوجية واللوجستية، ولكن يجب ألا يأتي ذلك على حساب قضية فلسطين التي تحاول الهند والولايات المتحدة وإسرائيل تهميشها، كما وضح من مواقفهم الرسمية خلال أزمة غزة الحالية.

مستقبل العلاقات التجارية بين دول الخليج والهند

لا شك أن الاقتصاد الهندي يحقق معدلات نمو عالية تفوق 7% خلال العشر سنوات الماضية.  هذا النمو يعكس طفرة كبيرة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصة القطاعات المرتبطة بالتكنولوجيا والمعلومات والنسيج والأمن الغذائي. تمتلك الهند أيضًا قدرات تصديرية عالية للعمالة الماهرة وغير الماهرة خاصة إلى الأسواق الخليجية.  وقد انعكس هذا التقدم على العلاقات التجارية بين المنطقتين حيث وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 129 مليار دولار أمريكي عام 2021م، يشير الرسم البياني رقم (1) إلى تذبذب حركة التجارة بين الخليج والهند في الأعوام من 2014 إلى 2021م، وبين ارتفاع في 2014 و2017 و2018 و2019م، وانخفاض في 2015 و2016 و2020م، حيث بلغ حجم الصادرات الخليجية أعلى مستوى له في 2021م، بقيمة 93.2 مليار دولار أمريكي. جاء هذا الارتفاع بمعدل نمو بلغ حوالي 74% مقارنة بالعام السابق 2020م، مما أدى إلى زيادة حجم التبادل التجاري إلى 129 مليار دولار أمريكي في 2021م. وبلغ حجم الواردات الخليجية من الهند 39.3 مليار دولار أمريكي في العام 2019م، وهو أعلى مستوى له مقارنة بالسنوات الأخرى.

 

 

الرسم البياني (1): حجم التبادل التجاري بين دول الخليج والهند (مليار دولار أمريكي)

المصدر: مركز الإحصاء الخليجي (2022)

 

يتصدر الوقود والزيوت المعدنية قائمة أهم السلع المصدرة من دول الخليج إلى الهند في العام 2021م، بقيمة 61.1 مليار دولار أمريكي كما هو موضح في الجدول (1). تلتها الذهب والمعادن الثمينة بقيمة 16.5 مليار دولار أمريكي، والمنتجات الكيماوية العضوية بقيمة 2.6 مليار دولار أمريكي، والبلاستيك ومصنوعاته بقيمة 2.4 مليار دولار أمريكي، والأسمدة بقيمة 2 مليار دولار أمريكي. من جانب آخر، جاءت سلعة الذهب والمعادن الثمينة في مقدمة السلع إلى تستوردها دول الخليج من الهند بقيمة 6.7 مليار دولار أمريكي. تلتها الآلات والأجهزة الالكترونية بقيمة 4.1 مليار دولار أمريكي، والوقود والزيوت المعدنية بقيمة 3.1 مليار دولار أمريكي، والحديد والصلب بقيمة 2.1 مليار دولار أمريكي، والحبوب 1.8 مليار دولار أمريكي.  تؤكد هذه البيانات أن طبيعة ونوعية السلع المتبادلة أغلبها تغلب من الموارد الطبيعية وبالتالي تحد من الاستفادة من نقل التكنولوجيا والمعرفة بين الشريكين، وتجعل كلاً منهما فرصة لإسرائيل والدول الأوروبية للاستفادة من هذه الموارد.

 

جدول (1): أهم السلع المصدرة والمستوردة من الهند للعام 2021 (مليار دولار أمريكي)

أهم السلع المصدرة الى الهند 2021

القيمة

أهم السلع المستوردة من الهند 2021

القيمة

الوقود والزيوت المعدنية

61.1

ذهب ومعادن ثمينة وأحجار كريمة

6.7

ذهب ومعادن ثمينة وأحجار كريمة

16.5

الآلات والأجهزة الكهربائية

4.1

المنتجات الكيماوية العضوية

2.6

الوقود والزيوت المعدنية

3.1

البلاستيك ومصنوعاته

2.4

الحديد والصلب

2.1

الأسمدة

2

الحبوب

1.8

بقية السلع

8.6

بقية السلع

18

المصدر: مركز الإحصاء الخليجي (2022)

مستقبل العلاقات التجارية بين دول الخليج والدول الأوروبية

على اعتبار أن منطقة الخليج تقع في منتصف الممر الاقتصادي فمن الضروري توضيح العلاقات التجارية بين دول الخليج والدول الأوروبية. منذ عام 1995م، توجد محاولات غير ناجحة لعقد اتفاقية تجارة حرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي إلى حين توقفت المفاوضات بشكل نهائي عام 2009م، ولم يتمكن الشريكان من التغلب على العقبات التي تعيق حركة التبادل التجاري بينهما حتى الآن.  

فإذا نظرنا إلى مستقبل العلاقات التجارية بين الخليج وأوروبا فلن تختلف كثيرًا عما هي عليه الآن، حيث يوضح الرسم البياني (2) حجم الصادرات والواردات بين دول الخليج وبعض الدول الأوروبية في 2021م، شكل إجمالي الصادرات الخليجية إلى إيطاليا حوالي 11 مليار دولار أمريكي وإجمالي الواردات حوالي 16.3 مليار دولار أمريكي، النسبة الأعلى للصادرات والواردات مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى.  تأتي تركيا في المرتبة الثانية حيث بلغ حجم الصادرات حوالي 9.8 مليار دولار أمريكي، وحجم الواردات حوالي 12.2 مليار دولار أمريكي في نفس العام. يليها سويسرا في المركز الثالث بحجم صادرات 9.9 مليار دولار أمريكي، وحجم واردات 9.8 مليار دولار أمريكي. وجاءت النرويج في نهاية قائمة الدول بحجم صادرات 0.14 مليار دولار أمريكي، وحجم واردات 0.65 مليار دولار أمريكي. وعليه فإن حركة التجارة بين دول الخليج والدول الأوروبية أقل بكثير من مثيلاتها من الدول الأسيوية، مما يعكس التحول في سياسة التجارة الخارجية لدول الخليج من الغرب إلى الشرق، مع احتمال أن يظل التبادل التجاري مع إسرائيل محدود للغاية.

الرسم البياني (2): حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وبعض الدول الأوروبية في 2021 (مليار دولار أمريكي)

المصدر: مركز الإحصاء الخليجي (2022)

مستقبل الممر الاقتصادي في ضوء التحديات التي تواجهه

من الصعب التنبؤ بمستقبل الممر الاقتصادي نتيجة للتغيرات السريعة التي قد تحدث في النظم الإقليمية والدولية. بكل تأكيد فكرة الممر الاقتصادية رائعة، ولكن الظروف الإقليمية والدولية قد تعيق تنفيذ أو نجاح هذا الممر الطموح. وفي هذا الإطار سوف أحدد ثلاث معوقات أساسية:

 (1) المنافسة بين الممر الجديد ومبادرة الحزام والطريق الصينية.

(2) التحديات المالية واللوجستية.

 (3) التحديات السياسية والأيدولوجية والعقائدية.

من أكبر التحديات التي يمكن التركيز عليها هي المنافسة بين مشروع الممر الجديد ومبادرة الحزام والطريق الصينية. يتوقع الخبراء أن كفة الميزان ستكون في صالح مشروع الحزام والطريق نظرًا للاستثمارات الضخمة التي رصدتها الصين من أجل إنشاء بنية تحتية قوية على امتداد 90 دولة تقريبًا. يمكن أيضًا التأكيد على أن الصين سبقت الأحداث بضخ استثمارات كبيرة في معظم الدول التي يمر بها طريق الحرير بما في ذلك قطاعات النفط والغاز، والبنية التحتية، والسياحة، الصناعة، والنقل واللوجستيات، والاتصالات في معظم دول الخليج العربي. يجب التنويه أيضًا إلى أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأول لكل دول الخليج العربي وبالتالي سيؤدي التبادل التجاري بينهما إلى تزايد النفوذ الاقتصادي للصين في المنطقة. أذا الصين سوف تصبح شريكا اقتصاديا قويا للهند في منطقة الخليج العربي، مما يؤثر على الممر الجديد بشكل مباشر. من الصعب أيضًا على الدول الخليجية الانحياز إلى جانب الهند في هذه المنافسة نظرًا للاستثمارات الصينية الضخمة في مجال الطاقة وحجم التبادل التجاري بينهما. وهذا التحليل ينطبق أيضًا على موقف أوروبا بالنسبة للصين والهند، حيث إن الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري لأوروبا بعد الولايات المتحدة، وبلغ حجم التجارة الثنائية أكثر من 850 مليار دولار في عام 2022م، مقارنة بحجم التجارة بين الهند وأوروبا الذي وصل إلى 90 مليار دولار أمريكي. قد تؤدي تضارب المصالح بين القوى التجارية إلى صراع النفوذ ومقاومة محتملة أثناء التنفيذ الفعلي للمشروع. قد تظهر هذه المنافسات في شكل منافسة اقتصادية، أو مخاوف أمنية، أو صراعات بالوكالة، أو محاولات للسيطرة على البنى التحتية البحرية الحيوية.

التحدي الثاني الذي يمكن أن يواجه مشروع الممر الجديد هو التكلفة المالية الباهظة لإنشاء البنية التحتية اللازمة، فقدرة الهند على توفير التمويل الكافي محدودة للغاية، وبالتالي سوف تعتمد على الدول الخليجية لتمويل مشاريع كبرى قد لا تستفيد منها بقدر استفادة الدول المشاركة في الممر. إن أي تأخير في توفير التمويل اللازم سيؤثر سلبًا على إمكانية إنشاء نظام نقل متكامل يغطي مسافات شاسعة وتضاريس جغرافية متنوعة وقدرات بنية تحتية متنوعة مثل بناء الموانئ والطرق والسكك الحديدية وغير ذلك من البنية الأساسية للاتصالات وهذا يفرض تحديات لوجستية كبيرة. كما أن معالجة القضايا اللوجستية مثل الإجراءات الجمركية، وأنظمة الحدود، وتأخير النقل سيكون أمرًا بالغ الأهمية لمنع الاختناقات وضمان التدفقات التجارية السلسة.

التحدي الثالث والأهم هو التباين الكبير في المواقف السياسية للدول المشاركة في الممر على الساحة الدولية. ظهر هذا التباين جليًا في مواقف الهند والولايات المتحدة ومساندتهما لإسرائيل في قتل ما يزيد علي 11 ألف فلسطيني وجرح أكثر من 30 ألف وتدمير معظم البنية التحتية في غزة ومواقف الدول الخليجية ومساندتها للجانب الفلسطيني وحقه في إقامة دولة مستقلة على حدود 4 يونيو 1967م، إضافة لذلك، يواجه الممر تعقيدات وتحديات تنظيمية وبيروقراطية نتيجة الاختلاف الكبير في القواعد واللوائح والإجراءات الجمركية والحواجز التجارية، والتي يمكن أن تعيق سهولة ممارسة الأعمال التجارية.

في ضوء هذا التحليل، يمكن التنبؤ بأن هذا المشروع فشل قبل أن يبدأ لأن فكرته تبلورت بعيدًا عن الواقع السياسي والاقتصادي والعقائدي على امتداد الممر الاقتصادي المقترح، كما أنه غير مؤهل لوجستيًا لمنافسة المشروع الصيني، بالإضافة إلى تجاهله دول رئيسية في المنطقة مثل سلطنة عمان ومصر وتركيا، وتفاديه أهم ممر ملاحي يربط جنوب شرق آسيا بأوروبا وهو قناة السويس. ربما يكون هناك أهداف خفية لهذا المشروع مثل دمج إسرائيل في المنطقة من خلال الغطاء الاقتصادي وتعزيز عمليات التطبيع الجارية، ولكن محاولة إدخال إسرائيل دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية سيكون أكبر عقبة في طريق هذا المشروع.

مقالات لنفس الكاتب