array(1) { [0]=> object(stdClass)#13009 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 192

المصالح الناشئة عن الممرات التجارية ستحتم قيام تحالفات تجاه المخاطر وتتحول لمشروع سياسي وأمني

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2023

بنهاية الحرب الباردة بدأت تعلو قيمة الاقتصاد بجانب القوة العسكرية كمحرك للعلاقات الدولية، وبداية تأصيل استخدام الحروب الجيو اقتصادية كأداة صراع بين القوى الدولية والإقليمية، وتنافست القوى المختلفة على تأمين أمدادات الطاقة وحركة وحجم التدفق التجاري وبهدف ضمان استمرارية الصعود على مستوى هرم النظام الدولي، وقد ظهرت مؤخرًا أهمية الممرات التجارية خاصة في المناطق التي تعد نقاط مفصلية في تلك الممرات التجارية، خاصة منطقة الشرق الأوسط.

فإذا كانت المعطيات الجغرافية في الشرق الأوسط وفي صلبها المنطقة العربية جعلت المضائق البحرية في المنطقة تشكل أبرز شرايين الملاحة والتجارة الدولية، فقد وضح أيضًا تأثير هذه المعطيات الجغرافية على خطط ومبادرات إنشاء الممرات التجارية والتي تزايدت خلال السنوات الأخيرة، والتي في حال تنفيذها ستنقل حركة التجارة الدولية إلى مرحلة جديدة ذات آثار إيجابية لَربما قريبة مما أحدثته قنوات بحرية مفصلية سابقة في حركة التجارة الدولية وستزيد من الأهمية الجيو سياسية والجيو اقتصادية للمناطق الجغرافية التي تمر بها.

وتتمثل هذه الممرات التجارية في ممر الحزام والطريق الذي تراعاه الصين، والممر الاقتصادي بين الهند ومنطقة الشرق الأوسط وصولًا إلى أوروبا، وطريق الجنوب شمال الذي ترعاه كل من إيران وروسيا ومشروع طريق التنمية الذي يمتد من العراق إلى تركيا وصولًا إلى أوروبا.

أولًا: خطط ومسارات الممرات التجارية في المنطقة

  1. مشروع الجنوب / شمال

أطلق المشروع خلال قمة الاتحاد الأوروبي في هلسنكي عام 1992م، وفي عام 2000م، وقعت إيران والهند وروسيا الوثيقة الأولى لإنشائه في سانت بطرسبورغ، وفي السنوات اللاحقة انضمت عدة دول أخرى للمشروع، منها سلطنة عُمان، وتركيا، كازاخستان، أرمينيا، قرغيزستان، طاجيكستان، بيلاروسيا، أوكرانيا، سوريا، وبلغاريا، إلى جانب الدول المؤسسة الثلاث.

ويستهدف الممر إنشاء شبكة خطوط بحرية وبرية وسكك حديدية طولها 7200 كيلومتر من خلال البدء من بومباي في الهند لربط المحيط الهندي ومنطقة الخليج مع بحر قزوين مروراً بإيران، ثم منها يتوجه إلى سان بطرسوبرغ الروسية، ومنها إلى شمال أوروبا، وصولاً إلى العاصمة الفنلندية، مما يختصر المسافة مقارنة مع قناة السويس بمقدار أكثر من الضعف، مقلصًا مدة الشحن وتكلفتها.

وقد بدأت مرحلة الاختبار في يوليو 2022م، من خلال نقل قطار روسي 39 حاوية عبر آسيا الوسطى إلى إيران، ومنها إلى الهند، وتأمل إيران وروسيا في استكمال وإطلاق الممر بحلول عام 2025م، بحيث ينقل ما بين 20-25 مليون طن بضائع سنويًا.

  1. مشروع ممر التنمية

أطلق على المشروع في بدايته اسم "القناة الجافة"، قبل أن يتغير في مارس 2023م، إلى "مشروع طريق التنمية"، وأحيانًا يطلق عليه طريق الحرير العراقي، ويهدف ليكون نقطة نهاية الخط فيه تركيا اختصار مدة السفر بين آسيا وأوروبا عبر تركيا، وربط منطقة اقتصادية واسعة من أوروبا إلى دول الخليج، ويسمح هذا المشروع للعراق باستغلال موقعه الجغرافي والتحول إلى نقطة عبور للبضائع والتجارة بين الخليج وتركيا ثم أوروبا.

ويستهدف ممر التنمية جعل العراق وتركيا دولتان هامتان في طرق التجارة الدولية وتعلية مركزهم الجيو استراتيجي والجيو اقتصادي، وأن يكون أحد الخيارات البديلة لنقل التجارة والطاقة في حالات النزاعات والحروب، وتوفير الوقت والتكلفة بالمقارنة مع قناة السويس من خلال اختصار المسافة بين الصين وأوروبا.

 

ويضم ممر التنمية مجموعة طرق وسكك حديدية وموانئ ومدن جديدة، ويبلغ طول السكك الحديدية والطرق السريعة التي ستربط ميناء الفاو بالحدود التركية 1200 كيلومتر، ومن المتوقع أن يوفر إمكانية الوصول إلى ميناء مرسين التركي، وبتكلفة 17 مليار دولار، ومخطط أن تكتمل أعمال البناء فيه عام 2025م.

  1. الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا

وقعت مذكرة تفاهم الممر الاقتصادي الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، وأمريكا والسعودية والإمارات والهند وفرنسا وألمانيا على هامش قمة العشرين التي عقدت في نيودلهي في 9-10 سبتمبر 2023م.

وتتمثل أهداف المشروع بالإضافة إلى التجارة مساعدة أوروبا في تقليل الاعتماد الغربي المفرط على سلاسل الإمداد الصينية وإقامة بنية تحتية لنقل الطاقة إلى أوروبا. ويتشكل الممر من خطوط بحرية وخطوط سكك حديد للربط بين المراكز التجارية، وتسهيل تطوير وتصدير الطاقة النظيفة، ويشمل أيضاً مدّ كابلات الألياف البصرية تحت البحر، وخطوط أنابيب الهيدروجين النظيف، وربط شبكات الطاقة الكهربائية وخطوط الاتصالات، وتعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة.

 

ثانيًا: تحديات مشروعات الممرات التجارية في المنطقة

  1. عامل الانسيابية للتجارة عبر الممرات التجارية

عامل الانسيابية للتجارة من العوامل الهامة التي تحدد الجدوى الاقتصادي للممر التجاري حيث دائمًا يفضل النقل المباشر من مناطق الإنتاج الى مناطق الاستهلاك وبدون المرور تحميل وتفريغ تؤثر على البضائع وتكلفة النقل، ومدة الشحن، وهي الاضلاع الثلاثة في عملية التجارة الدولية وتتمثل في الوقت والتكلفة والأمن للممر التجاري.

وفي حال عدم معالجة معضلة تلك الأضلاع فإن النقل البحري هو الأكثر قدرة على تحقيق نفاذ التجارة بين دول العالم مقارنة بالممرات التجارية، حيث تستطيع السفن الكبيرة لنقل البضائع نقل ما يقارب ألف حاوية، بينما يستطيع القطار نقل 100 حاوية فقط، أي أن السفينة الواحدة توازي في الحمولة 240 قطاراً، بالإضافة إلى التكلفة والوقت لنقل وتحميل وتفريغ السلع في الموانئ. وتتسم مشروعات الممرات التجارية بالقيام بعنصر التفريغ والشحن مرة أخرى لوجود أكثر من وسيلة نقل سواء بحرية أو برية ثم بحرية أخرى وهو ما يزيد من عنصر الوقت التحديات اللوجستية للممرات التجارية في المنطقة.

بالنسبة لممر الجنوب شمال، نجد إيران أولت اهتماماً كبيرًا لاستكمال هذا المشروع منذ أكثر من عقدين، لكونها تقع في قلب الممر، ولكن المشروع واجه عدد من التحديات في بدايته بسبب مشاكل التمويل وعدم تبني سياسي قوي خاصة من موسكو.

وإذا كانت موسكو وطهران يراهنون على أن ممر الجنوب / شمال يمكن أن يصبح بديلاً لحركة النقل عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، نظرًا لأن المرور من خلاله يستغرق 25 يومًا مقارنة بطريق قناة السويس والذي يستغرق من 36 إلى 40 يوماً على الأقل، إلا أن تردي البنية التحتية المحلية في إيران وضعف القدرة على جذب استثمارات أجنبية أو توفير الموارد المالية اللازمة لإكمال الممر، يعد أبرز العوامل التي أدت إلى تعطل تنفيذ المشروع، وهي عقبات تعهدت روسيا مؤخرًا بحلها عبر تقديم مساعدات فنية ومالية.

أيضًا بالنسبة لممر التنمية يعاني العراق الغنيّ بالنفط، تهالكًا في بنيته التحتية وطرقه جراء عقود من الحروب وانتشار الفساد، وتمر بعض الطرقات التي تصل بغداد بالشمال في مناطق تنشط فيها خلايا لتنظيم الدولة الإسلامية بشكل متفرق.

فالمشروع يعتبر من المشاريع ذات التكلفة الباهظة التي لا تستطيع الحكومة العراقية تحملها بمفردها، لذلك يأمل رعاة الممر مساهمة تركيا ودول الخليج والصين في تمويل المشروع واستكماله.

  1. تحدي توفر الأمن والاستقرار للمرات التجارية في المنطقة

تواجه مشروعات الممرات التجارية تعقيدات جيوسياسية ألقت بتأثيرات واضحة على أمن واستقرار الممرات التجارية في المنطقة وعلى الكيفية التي ستدار بها العلاقات بين الدول الشريكة في الممر التجاري خاصة الدول التي لم يجمعها إطار تعاوني من قبل، وهو العامل الذي قد يتم استهدافه من قوى عديدة لعرقلة مشروعات التعاون، وتعد كل من حرب ناغورنو كاراباخ 2020م، وأحداث غزة حاليًا، وعدم الاستقرار في شمال العراق أبرز الأمثلة على هذا التحدي، ويمكن تبين ذلك كالتالي:

  • حرب ناغورنو كاراباخ 2020

أثر توتر العلاقات الإيرانية / الآذرية المتزايد بعد حرب ناغورنو كاراباخ 2020م، على المسار الغربي لممر الجنوب شمال، حيث رأت إيران أن الهدف من الصراع بين أرمينيا وأذربيجان يدخل ضمن خطط محاصرتها وتوسيع نفوذ أمريكا وحلفائها للإضرار بمصالحها ومنها التواصل مع أوروبا، وأن دعم أذربيجان يأتي في إطار قطع الطريق الذي يربط بين إيران وأرمينيا والمؤدي لأوروبا وبما يضر بمصالحها الاقتصادية.

كذلك فإن إقامة ممر زنغزور البري الرابط بين أذربيجان وإقليم نخجوان الأذري وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار بين البلدين في 2020م، يربط بين وسط آسيا وأوروبا عبر بحر قزوين وتركيا ويقف عقبة أمام المخططات الإيرانية من مشروع ممر الجنوب شمال.

  • حرب غزة بين حماس وإسرائيل

تعد حرب غزة نموذج أخر لحرب ناغورنو كاراباخ من حيث التأثير على الأمن والاستقرار بالنسبة للممرات التجارية، فيخدم اشتعال الصراع بين حماس وإسرائيل على مصالح القوى المتصارعة على الاستحواذ على الممرات التجارية في المنطقة كإيران وتركيا في المنطقة وروسيا والصين من خارجها والذين قد يستهدفهم مشروع الهند الشرق الأوسط أوروبا وخاصة عامل نقل الطاقة بالنسبة لأوروبا.

لذا لا يستبعد وبحكم العلاقة المترسخة بين إيران وحماس في غزة فإن جميع الاحتمالات ترجح اليد الإيرانية في تلك الأحداث، ويتضح ذلك أكثر في دخول لاعب جديد في هذا الصراع يأخذ توجهاته من الدولة الإيرانية وهم جماعة الحوثيين في اليمن والتي يبدو أن الهدف من إدخالها في الصراع هو النأي بحزب الله عن الصراع الحالي في ضوء التقارب الجغرافي وسهولة الانتقام الإسرائيلي.

فالتقارب والتعاون العربي/ الإسرائيلي من خلال ممر الهند الشرق الأوسط أوروبا نظرت إليه إيران على إنه يأتي على حساب الخطوة التي اتخذتها مسبقًا وبرعاية صينية مع السعودية، ومن ناحية أخرى فإن هذا الممر ينشئ محور تعاون جديد في المنطقة ويعلي من مصالح دول الخليج ويربط اقتصادها أكثر بالعالم الغربي ويساهم في نقل الطاقة مباشرة إلى أوروبا وهو الأمر الذي طالما استغلته ووظفته طهران من خلال تهديدها أمن الملاحة في مضيق هرمز والخليج العربي والبحر الأحمر.

ومن ناحية أخرى فإن الممر الجديد يهدد مصالحها الاستراتيجية ويزيد عزلتها الاقتصادية ويهدد ممر الجنوب شمال كهدف استراتيجي لإيران وروسيا خاصة أن الدولتان يعانيان من حصار اقتصادي وعقوبات غربية.

  • تحدي الأمن والاستقرار في شمال العراق على ممر التنمية

البيئة الأمنية وعدم الاستقرار السياسي نتيجة التوترات بين بغداد وأربيل حيث تخضع حدود تركيا مع العراق لسيطرة حكومة إقليم كردستان يمكن أن تؤثر على تنفيذ المشروع

، بالإضافة إلى أن تنظيم داعش لايزال نشطاً في بعض المناطق مما قد يؤثر على عامل الاستقرار والأمن لممر التنمية.

ثالثًا: الابعاد الجيو سياسية والجيو اقتصادية كمحفزات لتفعيل الممرات التجارية في المنطقة

  1. حدود التشابك بين تلك الممرات التجارية وممر الحزام والطريق الصيني

تتنافس وتتشابك في المنطقة الممرات التجارية على الاستحواذ على التجارة الدولية، أو ما يطلق عليه محاولات الإزاحة وتحييد الطرق المنافسة وبهدف الحصول على المغانم الاقتصادية وتعليه الأدوار الجيو سياسية والجيو اقتصادية للدول التي تعد نقاط مفصلية في هذه الممرات وتتحكم فيها.

فمثلًا تهتم تركيا بممر التنمية لأنها نظرت بتوجس إلى مشروعات التنمية الأخرى التي لا تشترك فيها، ويتضح ذلك من تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين تم تدشين ممر الهند الشرق الأوسط أوروبا قائلاً "ليس هناك ممر دون تركيا"، وسلط الضوء على مشروع ممر التنمية لربط منطقة الخليج بتركيا ومن ثم أوروبا عبر خط سكك حديد يمر عبر العراق.

وإذا كانت قناة السويس من أكبر المتضررين من مشروعات الممرات التجارية، ووفق تصريحات عديدة صدرت من رعاة المشروعات التجارية، ومن ذلك تصريح السفير الإيراني لدى موسكو كاظم جلالي، في 27 مارس 2021م "إن ممر الجنوب شمال سيخفض وقت السفر وتوفير يصل إلى 30 بالمئة بالمقارنة بقناة السويس"، إلا إنه صدرت تصريحات أخرى مصرية تعزز من قيمة قناة السويس خاصة المقارنة بين حمولة السفينة في حالة الشحن البحري مع ذات الحمولة ومدى احتياجها من القطارات في حالة النقل البري.

كذلك، ينظر الغرب إلى مشروع ممر الحزام والطريق على إنه مشروع جيو سياسي بغطاء اقتصادي يهدف إلى مد نفوذ الصين عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا، وبالتالي سعى الغرب إلى ربط اقتصاد العالم بالغرب وتعزيز موقع الهند في مواجهة الصين من خلال المشروعات التي يشرف عليها الغرب.

ومن ناحية أخرى، قد يرى أن هذه المشروعات قد تخدم أهداف الصين، لأنه قد لا تشهد هذه الممرات اشتباك ومنافسة حقيقية مع ممر الحزام والطريق الصيني لعدة أسباب ومنها:

  • بالإضافة إلى عامل السبق والذي يتجاور العشرة أعوام فإن اتساع النطاق الجغرافي للمشروع الصيني أدى إلى تحوله الجغرافي بشكل كبير من مبادرة إقليمية إلى مبادرة شبه عالمية، بالإضافة إلى إجمالي الاستثمارات في إطار المبادرة والتي بلغت حوالي تريليون دولار.
  • هدف الصين هو نفاذ تجارتها وإيصالها إلى مناطق الاستهلاك وجميع هذه المشروعات تستهدف نقل وتسهيل عبور التجارة ومعها الطاقة من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك وتنشيط التنمية الاقتصادية فيبدو المشهد وكأن الجميع يساهم في نجاح الهدف الصيني.
  • تدير الشركات الصينية عدة نقاط لوجستية مركزية في تلك الممرات البديلة لمبادرة الحزام والطريق سواء في الهند أو الإمارات أو حتى داخل إسرائيل والتي تدير ميناء " حيفا" والذي تديره مجموعة "شنغهاي للموانئ الدولية"، وميناء بيرايوس اليوناني المملوكبنسبة 67% لشركة كوسكو الصينية، فضلاً عن امتلاك شركات صينية خطوط قطارات نقل البضائع عبر أوروبا، ومن ضمنها خط الصين – أوروبا.  
  • الطاقة كأحد الأبعاد الجيو اقتصادية والجيو سياسية في الممرات التجارية

مع إتمام مشروع الهند الشرق الأوسط / أوروبا فإنه قد يؤدي إلى الخصم من مقدرات قوى أخرى في المنطقة وخارجه خاصة روسيا والتي تجد في هذا الممر منافس لخططتها في توظيف الغاز الروسي كأحد أدوات السياسة وكأحد مقومات قوتها أمام الغرب، وكما أوضحته الحرب الروسية / الأوكرانية وما أُثير بشأن خطوط الغاز نورد ستريم1 ونورد ستريم2، وما ارتبط بالحرب من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الغربية في تحييد ذلك العامل ومحاولة إيجاد بدائل له ويدخل في هذا الشأن مشروعات الممرات التجارية في المنطقة خاصة مشروع الهند الشرق الأوسط أوروبا.

أيضًا يستهدف العراق وكدولة منتجة للنفط والغاز إنشاء أنابيب لنقل النفط والغاز على طول طريق التنمية ومنه إلى تركيا التي تملك بنية تحتية يمكن من خلالها تصدير النفط والغاز من ميناء جيهان في محافظة أضنة أو عبر أنابيب الغاز من تركيا إلى أوروبا، ويمكن أن تستفيد قطر الغنية بالغاز من طريق التنمية، من خلال إنجاز خط لتصدير غازها الوفير إلى أوروبا عبر العراق وتركيا، وبما يخدم على استراتيجية دول الاتحاد الأوروبي في الاستغناء عن الغاز الروسي.

ولا يُستبعد من هذا المنطلق أن تستغل تلك الدول استياء الأطراف المتضررة من تلك الممرات التجارية والدخول معها في تحالفات ترمي من ورائها إلى تقويض فرص نجاح الممرات التجارية البديلة ومنها ممر الهند الشرق الأوسط أوروبا.

  1. الصراع الغربي / الصيني / الروسي كأحد الأبعاد الجيو سياسية والجيو اقتصادية لمشروعات الممرات في المنطقة

يعد التسارع الجاري في توطيد العلاقات الصينية / الخليجية أحد محفزات تبني واشنطن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، خاصة بعد أن أخذ التعاون بين الطرفين يتجاوز حدود العلاقات التجارية إلى مجالات الدفاع والأمن، كذلك توجه دول الخليج نحو تنويع شراكاتها الدولية نحو الصين وروسيا، ويعد كذلك محاولة أمريكية لردم فجوة الثقة التي تصاعدت في المنطقة تجاه أمريكا وتراجعًا عن سياساتها تجاه المنطقة سابقًا بعد أن أثرت على مصالحها وتمددت في نطاقها الحيوي في المنطقة قوى أخرى.

كذلك فقد وضح أن اتفاق إنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يندرج ضمن استراتيجية غربية شاملة تهدف إلى تعزيز مكانة الهند، ولمواجهة نفوذ الصين المتزايد، ومن ناحية أخرى، فإذا كانت الهند تشعر بالتهديد إزاء نفوذ الصين المتنامي في الخليج من الغرب، ومشروعات الممرات التجارية التي قامت برعايتها الصين خاصة بسبب الموانئ الصينية في ميانمار وبنغلاديش على الجانب الشرقي للهند، وفي سريلانكا في الجنوب، إلا إنه واقعيًا فإن الهند ترى في الانضمام للممرات التجارية في المنطقة يقع ضمن محاولاتها بناء قدرتها الاقتصادية ومراعاة لمصالحها مع الصين وأيضًا قد ترى في ممر الهند الشرق الأوسط أوروبا بما يمثل فرصة جيوسياسية ووسيلة لتدعيم نفوذها واقتصادها ونفاذ تجارتها.

وفي جانب آخر تبدو الأهداف الاستراتيجية لدول المنطقة تتمحور حول استغلال الظرف الدولي في تعلية الأهمية الجيو استراتيجية والجيو اقتصادية لدولها من خلال دمج اقتصادها في الاقتصاد العالمي كمحفز لها على الحصول على مزايا تعلية موقعها الجغرافي من خلال جعله نقطة مفصلية في التجارة الدولية، وتحقيق عنصر التوازن لدول المنطقة في علاقتها بكلٍّ من واشنطن وبكين مثلاً وكهدف تسعى إليه لتحقيق تعلية الأهمية الجيو استراتيجية والجيو اقتصادية لدولها.

أيضًا فإن المنافسة بين الصين واليابان من جانب والصين والهند من الجانب الآخر ستؤدي بطبيعة الحال إلى تحالف الهند مع اليابان لتحقيق أهداف اقتصادية تؤدي إلى تعزيز قدرات البلدين في مواجهة الصين، لذا فقد اهتمت اليابان مثلًا بمشروعات الربط بين الهند وأوروبا.

  1. مواجهة الحصار الاقتصادي الغربي لإيران وروسيا

تستهدف إيران وروسيا مواجهة الحصار الاقتصادي الغربي نتيجة تعرضهم للتضييق على حركة التجارة وبما دعاهم إلى العمل على تعزيز تواجدهما في أسواق بديلة، وخفض تكلفة التجارة عبر ممر الشمال-الجنوب الذي سينقل البضائع بينهما بحرًا بشكل مباشر، أو برًا من خلال دول آسيا الوسطى أو جنوب القوقاز بعيدًا عن طرق التجارة التقليدية الأكثر عرضة للعقوبات الاقتصادية الغربية.

فبالنسبة لروسيا فإن ممر الجنوب شمال سيلبي حاجة روسيا الدائمة للوصول إلى المياه الدافئة، وتعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز ودول آسيا الوسطى، ويُفترض مستقبلاً بناء خطوط مواصلات فرعية تربط الممر بشرق ووسط أوروبا.

رابعًا: مستقبل الممرات التجارية في المنطقة

في حال تجاوز الممرات التجارية النطاق الضيق للتجارة والاقتصاد لتشمل شبكات نقل الطاقة والأمن السيبراني فإنها قد تحقق نجاحًا على المدى البعيد في مواجهة الممرات الملاحية، ويبدو أن فرص النجاح لممر الهند الشرق الأوسط أوروبا أكبر بالمقارنة بالممرات التجارية الأخرى، لعدة أسباب منها: المقدرة المالية للإنفاق على المشروع من كافة الأطراف المشتركة في الطريق، والقدرة على احتواء التدخلات غير الحميدة من المشروعات المنافسة لما يتوفر للأطراف المشاركة به من التنسيق السياسي والأمني والرغبة الأصيلة في نجاح المشروع، وأيضًا تبني الغرب له لما يوفره من عامل نقل الطاقة إلى أوروبا للخروج من أسر الغاز الروسي، وبما يجعل الدول الغربية شريكًا في مواجهة التدخلات غير الحميدة وأيضًا تعمل على عدم نجاح المشروعات الأخرى مثل مشروع الحزام والطريق أو مشروع الجنوب شمال الذي ترعاه إيران وروسيا.

أيضًا المستقبل يشير إلى اتجاه الممرات التجارية إلى أن تكون صورة أخرى من التكتلات الاقتصادية الجغرافية التي اتسم بها النظام الاقتصادي الدولي خلال الفترة الماضية، حيث أن ترابط مصالح عدة دول تتواجد في منطقة جغرافية متجاورة يعد الأساس الذي قامت عليه التكتلات الاقتصادية كالتجمع الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ورابطة دول جنوب شرق آسيا، واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، ومجلس التعاون الخليجي، وأخيرًا اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية.

 

ختامًا:

يتوقع أن شبكة المصالح التي ستنشأ من وراء إنشاء هذه الممرات التجارية ستحتم التحالف والتعاون تجاه المخاطر التي تواجه هذه الممرات، وفي حال نجاحها في مواجهة هذه المخاطر، فقد تكون صورة أخرى من التكتلات الاقتصادية الجغرافية السابقة والتي تم الإشارة إليها وقد تتحول إلى مشروع سياسي وأمني يتحالف وينسق بين دوله وفي أبعاد أخرى تتعدى النطاق الضيق للتجارة والاقتصاد في ضوء ترابط المصالح الاستراتيجية بين الأطراف المتشاركة في الممر التجاري

مقالات لنفس الكاتب